الحكمة العربية والإسلامية في العصر الأموي



أ- المعتزلة:
تمهيد: اطلع العرب على حضارات غيرهم ، ومنحهم ذلك أسلوباً عقلياً في الجدل والحوار في كثير من الأمور والمسائل الدينية . ونتيجة لهذه الأسباب والمؤثرات الداخلية والخارجية ظهرت في مسائل (علم الكلام ) تيارات رئيسية أهمها:
1-المعتزلة .
2-الأشاعرة.
أولاً- نشأة المعتزلة : ترجع نشأة المعتزلة إلى شخصية ((واصل البصري)).الذي كان تلميذاً ((للحسن البصري)) . فقد كان الشيخ البصري يجلس في حلقة مع تلاميذه حين دخل عليهم رجل يسأله عن رأيه في الحكم على مرتكب الكبيرة، حيث قال عنه بعضهم إنه كافر، وتساهل بعضهم الآخر فقال إنه مازال مؤمناً على الرغم من ارتكابه الكبيرة ، وحين أجاب الشيخ( الحسن البصري) بأنه يؤيد من يقول بحكم الكافر على مرتكب الكبيرة، اعترض ((واصل بن عطاء)) قائلاً : إنَّ مرتكب الكبيرة لا هو مؤمن ولا هو كافر، وإنما يكون في منزلة بين المنزلتين ، وقد يُسمى فاسقاً أو مسلماً عاصياً ، ثم غادر الحلقة فأشار الشيخ إليه قائلاً(لقد اعتَزَلنا واصل)). وقد قام من أيَّد (واصل) من الحاصرين وتبعه، وبقي من لم يؤيد هذا القول ومن هنا سُمّي ((واصل)) ومؤيدوه جماعة المعتزلة . ولبعض الباحثين رأي آخر وهو أن المعتزلة ليس مأخوذاً عن فكرة الانفصال عن مذهب أهل السنة و الجماعة ، وبالتالي لم يكن من وضع أهل السنة ، بقصد الذم أو السخرية من المعتزلة بوصفهم خارجين على مذهب الجماعة الإسلامية ، ومنشقين عنها، وإنما اختار المعتزلة الأولون هذا الاسم من قوله تعالى : (( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله ، فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ، و يُهيء لكم من أمركم مِرفقاً )) ، وهو قول أهل الكهف عن قومهم الكافرين ، وقول المعتزلة عن باقي المسلمين الذين لم يأخذوا برأيهم . ومهما يكن من نشأة المعتزلة: فقد كانت هذه بداية ظهور هذه الفرقة الكلامية الكبرى التي كان لها الأثر الفعّال في التطور الفكري والعلمي اللاحق عند العرب والمسلمين .
ثانياً- مبادئ المعتزلة :
مبادئ عامة تتلخص فيما يلي :
1-التوحيد : أجمع أهل المعتزلة على وحدانية (الله) طبقاً لما جاء به الشرع كما ورد في الآية الكريمة : (( قل هو الله أحد )) وغيرها كثير ، إلا أنهم استخدموا التأويل العقلي في صفاته حيث رفضوا الجسمية ، أي أن (الله) منزه عن أن يكون جسماً مادياً متحدداً في مكان . وصفاته هي ذاته أي ليس هناك تعدد أو انفصال بين الذات والصفات فهو يُمثل الخير المطلق والعلم المطلق ، والقدرة المطلقة. وبالموازنة مع (أهل السنة والجماعة) يتفقون مع المعتزلة بالقول بوحدانية(الله) تعالى ، وبأنه واحد لا شريك له ، إلا أنهم يختلفون معهم في صفات (الله ) سبحانه وتعالى ، فحيث أنهم يعتمدون على ظاهر ما ورد في القرآن الكريم من ذكر الصفات المجسمة_ مثل اليد والعرش _ فإنهم يقولون : بأنه مادام القرآن الكريم قد ذكر هذه الصفات فإنها حقيقية، إلا أنها تختلف عما نعرفه نحن البشر .
أما المعتزلة فإنهم يعتمدون على التأويل العقلي ، ولذلك تراهم ينفون (التجسيم) أي أن يكون له سبحانه وتعالى يد وعين كما للبشر ، هذا من جهة كما ينفون أن يكون لصفاته تعالى استقلال عن ذاته من جهة أخرى. ولهم (المعتزلة) فيها تفسير خاص ، ومدلول مختلف، (فالله) عالم بعلم هو(هو) وقادر بقدرة هي ((هو)) ، فالعلم ليس على هذا الأساس صفة (لله) ، والقدرة نفي العجز عن ذات(الله) ، والحياة نفي الموت عن ذات (الله) ، فلاشيء إذاً غير الذات ، و إنما تختلف الصفات باختلاف إدراكاتنا نحن لمعاني ذاته المنزهة. لأن صفات (الله) تعالى- كما يقولون -إذا كانت قديمة ، فقد شاركت (الذات) في القِدَم ، فأصبحت آلهة أخرى .
2-العدل: توصل المعتزلة من خلال العقل بأن (الله) تعالى عادلٌ عدلاً مطلقاً ، ينتفي عنه الظلم. وعدالة (الله) تعالى تظهر في عقاب الإنسان على الإساءة وإثابته على الإحسان، وحيث أن (الله) تعالى منح العبد العقل والحرية والإرادة، فعليه يكون جواز التكليف ، وهذا ما نجده في القرآن الكريم :(( كل نفس بما كسبت رهينة)) ((من عمل صالحاً فلنفسه، ومن أساء فعليها، وما ربُّك بظلام للعبيد )) ((فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره،ومن يعمل مثقال ذرة شراً يَره ))
3-الوعد والوعيد : امتد رأي المعتزلة من العدالة الإلهية إلى وعده ووعيده ، وفسروه بأن (الله) تعالى يَعدُ بالثواب ، ويتوعد بالعقاب، (والله) سبحانه وتعالى عادل وصادق في وعده ووعيده لأنه ألزم نفسه به ، وعلى هذا تكون قضية الوعد والوعيد نتيجة منطقية لرأي المعتزلة في العدل . أما باقي المسلمين فيعتقدون أن( وعد الله) تعالى يحققه كما وعد . أما وعيده فقد يتخلف لأن (الله ) لطيف بعباده فيعفو عنهم.
4-المنزلة بين المنزلتين : وهذا أصل من أصول المعتزلة كان السبب في انفصال((واصل بن عطاء)) عن أستاذه ((الحسن البصري)) كما رأينا . وذلك أنه حكم على المسلم الذي يرتكب (الكبيرة ) دون الشرك بأنه لا مؤمن ولا كافر، بل فاسق، وجعل الفسق منزلة مستقلة عن منزلتي الكفر والإيمان، تقع بينهما، فيكون الفاسق دون المؤمن وخير من الكافر. وهكذا فالمعاصي في نظرهم نوعان : صغيرة وهي التي لم يأت الشرع فيها بالوعيد وكبيرة ، وهي ما أتى بها الوعيد . والكبيرة نوعان :
أحدهما : يُخِلّ بأصل من أصول الدين كالشرك واعتقاد وقوع الظلم من الله تعالى ، ومرتكب هذا النوع كافر،
والثاني: لا يُخِل بأصل من أصول الدين ، كقتل النفس التي حَرَم (الله) قتلها إلا بالحق . والزنا ، وشهادة الزور وغيرها .. ومرتكب هذا النوع ليس بمؤمن لارتكابه ما ينهي عنه الدين ، ولا بكافر لأنه ينطق بالشهادة ، بل هو بفاسق .
5-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ليس لهذا الأصل بالعقائد، بل هو تكليف ، والبحث فيه من اختصاص الفقه . وقد ورد في القرآن الكريم آيات متعددة بهذا المعنى منها: (( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر )) سوره آل عمران -104- ((يا بني أقم الصلاة، وأمر بالمعروف، وانه عن المنكر)) سورة لقمان-17-فتناول المعتزلة هذه القضية وجعلوها واجبة على كل مؤمن ، وبعضهم قال : إن الإمام هو المؤول عن عملية الأمر بالمعروف والنهي بأي شكل يضمن معه الأمان والاستقرار للأمة . وجعلوا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شرائط يوجب بوجودها، ويسقط بزوالها، منها مثلاً أن يعلم من يقوم بذلك أن المأمور به معروفٌ، و أن المنهي عنه مُنكر. لأنه لو لم يعلم ذلك لا يأمن أن يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف وهو يعتقد غير ذلك ، وغلبة الظن في هذا الموضوع لا تقوم مقام العلم . ومنها أن يعلمَ أن قيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يؤدي إلى مضرة أعظم منه ، فإنه لو علم ، أو غلبَ في ظنه أن نهيه عن شرب الخمر يؤدي إلى قتل جماعة من المسلمين أو إحراق محله لم يجب ، وبما أنه لا يجب فهو لا يَحسُن فعله ... الخ . هذا ما يميز المعتزلة على وجه العموم ، وإذا كانت مبادئهم المذكورة آنفاً مثار جدل ، وسبب خلاف بينهم وبين غيرهم رافقة مبالغات فرضتها ظروف تاريخية ، سياسية ، واجتماعية واقتصادية . وما يهمنا من قراءة تراث المعتزلة هو الإلحاح على ما خلفوه من أثر بعيد في الفكر العربي ، وهو دفاعهم عن ( دور العقل وحرية الإنسان) ، لقد بلغ التحرر الفكري في أمور العقيدة مبلغاً عظيماً ، أصبحنا اليوم نتمنى أن نقترب من بَلْهَ أن نصل إليه .
ثالثا :((التأويل عند المعتزلة))
أ-الاتجاه العقلي في التأويل عند المعتزلة:
إن الاتجاه العقلي في التأويل عند المعتزلة قد مرَّ بمرحلتين كان لهما الأثر في تطوير التفكير الفلسفي في أمور الدين:
1-المرحلة الأولى: وقد تأثر المعتزلة فيها بدراسات أسلافهم من المسلمين من أهل (العدل والتوحيد)الذين اشتهروا بالنظر العقلي لأمور الدين قبل أن يتأثروا بالفلسفات الأجنبية التي كانت لم تترجم بعد إلى العربية.
2-المرحلة الثانية: وجاءت بعد حركة الترجمة التي قام بها العرب لعلوم وفلسفات الحضارات الأخرى والتي اطلعوا عليها بعد الفتوحات العربية. والحقيقة أنَّ أهمية العقل لدى المعتزلة تظهر بوضوح في موقفهم في كثير من المسائل التي دار حولها جدل كثير, فحين يعرض المعتزلة للأدلة ومصادر التشريع وترتيبها يختلفون اختلافاً جذرياً عن غيرهم في تعداد تلك الأدلة وترتيبها, فبينما هي ثلاثة عند غيرهم مثلاً:(الأشاعرة):الكتاب والسنة والإجماع, نجدها أربعة عند المعتزلة, فهم يضيفون العقل والتأويل العقلي إليها, وقد ترتب على هذا الإعلاء من شأن العقل أن تميز المعتزلة عن غيرهم في الموقف من العلاقة بين(العقل) و(النقل)فينما يكون الشيء حسناً وقبيحاً لأن هناك نصاً يقول لنا: إنه كذلك حسب قول السلَف, نجد المعتزلة يعتمدون على العقل, ويثقون في حكمه بالتحسين والتقبيح. فالحُسْن والقُبْح عندهم ذاتيان, لذا فهم يجعلون إدراكهما وظيفة من وظائف العقل, فأوجبوا عرض النصوص على العقل, فهو الحكم الذي يُميز صحيحها من منحولها( القبيح في العقل, هو القبيح في الشرع, والحسن في العقل هو العقل في الشرع ). ومن الطبيعي أن تجعل المعتزلة العقل, هو قوام أمور الدنيا أيضاً, فإذا , وللدنيا قل مع الشرع, أولَ الشرع بما يتفق مع العقل, وأن يكون هو الأساس في كل ما يتعلق به الشرع والمسألة عندهم هي أنَّ لكل فضيلة أساً, ولكل أدب ينبوعاً. وأس الفضائل وينبوع الآداب هو العقل الذي جعله(الله)تعالى للدين أصلاً, وللدنيا عماداً, فأوجب التكليف بكماله(أي العقل) ، وجعل الدنيا مدَبَّرة بأحكامه........................... ب- موقف المعتزلة من الإسلام: حين أعطت المعتزلة العقل هذه المكانة- لم يهملوا النقل والمأثورات- ولكنهم جعلوا العقل, وكذلك ما تُعرَض عليه تلك المأثورات كي يفصل في صحتها. وقد أكدوا توازن موقفهم حين نبهوا إلى أنَّ العقل حجة(الله)تعالى ودليله لدى الإنسان, وكذلك الكتاب, ومن المحال أن يتناقض دليلان لخالق واحد لأن الغاية منهما معاً هداية الإنسان. ومن هنا اعتُبرَ المعتزلة ممثلي الحرية والنزعة العقلية في الإسلام, بل غالى بعض الباحثين حتى اعتبرهم أحرار الفكر في الإسلام, وقد استطاعوا بمنطق العقل الذي اصطنعوه, وبالثقافة التي تهيأت لهم, وبالبيان الخلاّب الذي دان لأقلامهم وألسنتهم أن يُبلوا في الدفاع عن الإسلام أحسن بلاء, فحاربوا أعداءه ممن كانوا مزودين بثقافات فلسفية لا يقوى على دحضها إلا من استطاع التصدي لمقاومتها بنفس سلاحها, وبهذا تهيأ لرجال الاعتزال أن يفلسفوا العقيدة, وأن يُسهبوا في الحديث عن الإنسان وإرادته الحرة وعقله ونحو ذلك معتمدين في كل هذا على البرهان العقلي دون أن يغفلوا عن الاستشهاد بالدليل النقلي(القرآن و السنة) وما يستطيع الباحث أن ينسى جهود(النظام)المتوفىسنة(231هج ري)و(أبي الهُذيل العلاف)المتوفى(235هجري)و(الج حظ) المتوفى(255هجري)وغيرهم من أساطين الاعتزال, ممن دافعوا ن العقيدة، وأبلوا في دفع الشُبَه عنها أحسن بلاء.
ج- أهمية المعتزلة في تاريخ الفكر العربي الإسلامي:
وعلى هذا النحو تظهر أهمية المعتزلة في تاريخ الفكر العربي الإسلامي, بوصفها فرقة (كلامية) كان لها دور فعّال لما أضْفَتْه على الحضارة العربية من الإبداع الفكري, والتأويل العقلي, والدفاع عن حرية الإنسان.
د-واصل بن عطاء مؤسس مذهب المعتزلة:
مقدمة : يعتبر واصل بن عطاء الشخصية الأولى التي نسب إليها مذهب الاعتزال ، يحيط بشخصيته قدر كبير من الغموض، ابتداء من هذا الولاء المنسوب لبني ضبة، أو لبني مخزوم، وانتهاء بالخلاف حول اعتزاله ؛ والأهم من هذا ظروف النشأة، وتلقي العلم، والغموض في هذا الجانب يظهر من خلال صلاته الفكرية المتعددة – أيضا
1-فهو مرة يظهر من منتابي مجلس الحسن البصري،
2-ومرة يظهر في مجالس الثنوية والمجوس،
3-ومرة يبدو مختلفاً إلى مجموعة من اليهود، الذين اندسوا بين المسلمين في البصرة،
أولاً –مولده وشخصيته : يجمع المؤرخون على أنه ولد في المدينة المنورة حرصها الله تعالى سنة "(80هـ)"، توفي سنة "إحدى وثلاثين ومئة" ، وقد ذكر أن له جملة من التصانيف، ولم يصلنا شيء منها؛ مثل:
1-"أصناف المرجئة،
2-وكتاب التوبة،
3-وكتاب المنزلة بين المنزلتين،
4-وكتاب خطبته التي أخرج منها الراء،
5-وكتاب خطب التوحيد، والعدل"
وكنيته أبو حذيفة الغزال، مولى ابن مخزوم، وقيل مولى ابن ضبة ، وبالرغم من أنه كان مولى، فقد ولد حراً، مع أن المصادر ساكتة تماما عن أبويه، فلا تذكر عنهما شيئاً، غير أننا نلحظ أنه لم يذكر عنه أنه كان عبداً، بل إن المصادر تذكر أنه كان غَزَّالاً" ؛ أما لقبه الغزال، فيلاحظ أن المعتزلة ينتسبون إلى بعض الصناعات غالباً ؛ كالغَزّال، والعلاف، والنظام، والفوطي، والإسكافي" ، وقد حاول المبرد "ت (285هـ)" أن يأتي لهذا اللقب بالتخريج الآتي؛ فقال: "ولم يكن غزالاً، ولكنه كان يلقب بذلك لأنه كان يلزم الغزالين، ليعرف المتعففات من النساء، فيجعل صدقته لهن" ، ومعظم مفكري المعتزلة كانوا ذوي مهن؛ فلماذا تنفى مهنة الغزال عن واصل وحده، وهناك ستة عشر معتزلياً كانوا من أصحاب الحرف، أو من طبقة أصحاب الحرف، أو من طبقة التجار الصغار، كعمرو بن عبيد "ت (144هـ)"، كان أبوه نساجاً، واصل بن عطاء "ت (131هـ)"، ويلقب بالغزال، العلاف "أبو الهذيل ت (235هـ)"، وكان يلقب بالعلاف؛ لأن داره بالبصرة كانت في العلافين، النظام "مات في خلافة المعتصم"، كان ينظم الخرز في سوق البصرة؛ لأجل ذلك قيل له النظام، بشر بن المعتمر "ت (210هـ)"، كان نحاساً في سوق الرقيق، هشام بن عمرو الفوطي، هذه النسبة إلى الفوطة، وهي نوع من الثياب، الجاحظ "ت (255هـ)"، كان وراقاً، أبو يعقوب يوسف الشحام، هذه النسبة إلى بيع الشحم، أبو عيسى الوراق، كان وراقاً، جعفر بن مبشر القصبي "ت (234هـ)"، كان يبيع القصب، أبو جعفر الإسكافي "ت (240هـ)"، كان الإسكافي خياطاً، أبو الحسين الخياط، كان خياطاً، أبو مسلم النقاش، كان نقاشا" ، فإذا كانت غالبية متكلمي المعتزلة يحترفون هذه المهن، فلماذا ينفي عن واصل أنه كان غزالاً؟ مع أن الذي يفهم من شعر بشار بن برد في واصل أنه كان غزالاً بالفعل؛ حيث يقول:
ما لي منيت بغزال له عنق
كنقنق الدو إن ولى وإن مثلا
وقد هجاه الشاعر إسحاق بن سويد العدوي "ت 131 هـ"؛ فقال:
برئت من الخوارج لست منهم
من الغزال منهم وابن باب
وقال معدان الشميطي يهجو الخوارج، والمعتزلة، وغيرهم:
لا حروراء لا النواصب تنجو
لا ولا صحب واصل الغزالي
وكان مادحوه يذكرونه باسمه فقط، كأسباط بن واصل الشيباني؛ حيث قال:
وأشهد أن الله سماك واصلاً
وأنك محمود النقيبة، والشيم
وكان بشار قد مدحه قبل أن يختلف معه، ولم يذكر لقب الغزالي؛ فقال:
أبا حذيفة قد أوتيت معجبة
في خطبة بدهت من غير تقدير
ومن هنا، فإن لقب الغزال قد يكون موافقا لحرفته التي يعمل بها، ولا عيب في ذلك، ولكن الذي تعاب به المعتزلة – حقا – أن هذه الظاهرة تبين عدم انتظام علماء المعتزلة في حلقات العلم، ولا يعدون من رواة الحديث، وعندما أطلقوا العنان لعقولهم؛ لتخوض في العقيدة كما تشاء، برزت الانحرافات العقدية، التي انشغل بها علماء الأمة؛ للرد، والتصحيح، فلعل مثل هؤلاء الحرفيين كانوا يخوضون في مسائل الدين على هواهم، وهذا ما حدث – فعلاً –، والله أعلم.
ثانياً-صفاته الخلقية:
1- فقد كان طويل العنق جداً؛ بحيث كان يعاب به ، وقد عابه لطول عنقه صاحبه عمرو بن عبيد، وقال: "أنى هذا، وله عنق لا يأتي معها بخير"
2- كان ألغ في الراء، شديد اللثغة بها؛ حيث يقول المبرد: "وكان واصل بن عطاء أحد الأعاجيب؛ وذلك أنه كان ألثغ، قبيح اللثغة في الراء، فكان يخلص كلامه من الراء" ؛ ويقول الجاحظ عن هذه اللثغة: ولما علم واصل أنه ألثغ، فاحش اللثغ، وأن مخرج ذلك منه شنيع، وأنه إذا كان داعية مقالة، ورئيس نحلة، وأنه يريد الاحتجاج على أرباب النحل، وزعماء الملل... رام أبو حذيفة إسقاط الراء من كلامه، وإخراجها من حروف منطقه" .
3-روى عنه جرأة على كتاب الله – تعالى –؛ بسبب لثغته؛ حيث يذكر الإمام الذهبي: "أنه كان يمتحن بأشياء في الراء، ويتحيل لها حتى قيل له: اقرأ أول سورة براءة، فقال على البديهة: عهد من الله ونبيه إلى الذين عاهدتهم من الفاسقين فسيحوا في البسيطة هلالين وهلالين"، وكان يجيز القراءة بالمعنى، وهذه جرأة على كتاب الله العزيز" .
4-وقال البغدادي: "وأما لثغه في الراء فمن مثالبه؛ لأنها تمنع من كونه مؤذناً، وإماماً للقارئين؛ لعجزه؛ لقوله: أشهد أن محمد رسول الله، وأن يقول: الله أكبر، وكان لا يصح منه قراءة آية فيها الراء،
5-ذهب إلى البصرة ولازم مجالس الحسن البصري، فبدأ يطرح إشكالاته الفكرية.
ثالثاً-تلمذة واصل بن عطاء على الحسن البصري :
1-أما تلمذة واصل على الإمام الحسن البصري – رحمه الله – تعالى – "ت (110هـ)"، فهي ثابتة بلا شك، ولا يعرف متى قدم واصل إلى البصرة، فإن أقام في المدينة إلى سنة "(100هـ)"،
2- جالس الحسن البصري مدة خمس سنوات، وقد بقي أربع سنوات منها صامتاً، لا يتكلم، فسألوا الحسن البصري عن ذلك، فقال: "إما أن يكون أجهل الناس، أو أعلم الناس" ، "وكانوا يظنون به الخرس من طول صمته" ،
3-فقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني "ت (356هـ)": "أنه كان بالبصرة ستة من أصحاب الكلام: عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، وبشار الأعمى "ت (168هـ)"، وصالح بن عبدالقدوس، وعبدالكريم بن أبي العوجاء، ورجل من الأزد، قال أبو أحمد جرير بن حازم "ت (170هـ)": فكانوا يجتمعون في منزل الأزدي، ويختصمون عنده، فأما عمرو، وواصل، فصارا إلى الاعتزال، وأما عبدالكريم، وصالح، فصححا التوبة، وأما بشار، فبقي متحيراً مخلطاً، وأما الأزدي، فمال إلى قول السمنية؛ وهو مذهب من مذاهب الهند، وبقي ظاهره على ما كان عليه، قال: فكان عبدالكريم يفسد الأحداث، فقال له عمرو بن عبيد: قد بلغني أنك تخلو بالحدث من أحداثنا فتفسده، فتدخله في دينك، فإن خرجت من مصرنا، وإلا قمت فيك مقاماً آتي فيه على نفسك، فلحق بالكوفة، فدل عليه محمد بن سليمان "ت (173هـ)"، فقتله، وصلبه فيها" .
4-وإذا كان المصدر الذي ذكر ذلك غير ثقة ، إلا أنه صدق بقوله عن واصل، وعمرو بن عبيد، وأما الشخصيات الباقية، هي شخصيات منحرفة – أيضاً –؛ فبشار بن برد الشاعر كان يميل إلى دين المجوس، ويفضل النار على التراب، ويصوب رأي إبليس في امتناعه عن السجود لآدم – عليه السلام –، ورمي بالزندقة عند المهدي الخليفة العباسي؛ فأمر به، فضرب سبعين سوطاً، فمات من ذلك، وكان ذلك سنة "( 168هـ)" . وأما صالح بن عبدالقدوس، فهو شاعر زنديق، قتله المهدي على زندقته؛ حيث أبلغ عنه أنه عرض بأبيات لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله لأجل ذلك" . وأما عبدالكريم بن أبي العوجاء، فيقول عنه الإمام الذهبي: "خال معن بن زائدة "ت (152هـ)"، زنديق معثر، قال ابن عدي: لما أخذ لتضرب عنقه، قال: لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث، أحرم فيها الحلال، وأحلل الحرام، قتله محمد بن سليمان الأمير بالبصرة" . أما الرجل الأزدي، فلا يدرى من هو؛ لعدم التصريح باسمه، وهذه الشخصيات التي كانت تجتمع مع واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، لابد أنها أثرت في فكره، ومعتقده ، إضافة إلى" جماعة من اليهود الذين أظهروا الإسلام اندسوا بين المسلمين بالبصرة، وقد تعرف إليهم واصل بن عطاء، وجعل يتردد عليهم، ومن قولهم:
1- إن الخير من الله، والشر من أفعال البشر،
2- وإن القرآن مخلوق محدث، ليس بقديم،
2- وإن الله – تعالى – غير مرئي يوم القيامة،
4-وإن المؤمن إذا ارتكب الذنب، فشرب الخمر يكون في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمناً، ولا كافراً،
5-وإن إعجاز القرآن في الصرف عنه، لا أنه معجز؛ أي أن الله لو لم يصرف العرب عن معارضة القرآن، لأتوا بما يعارضه" .
5-والحسن البصري – رحمه الله تعالى – لم يكن راضيا عن عمرو بن عبيد، قرين واصل؛ لمعتقده الضال في القدر، ولا يعلم حقيقة إذا كان مسمى الاعتزال قد ظهر في حياة الحسن البصري، بعد حادثة ترك الحلقة المشهورة، والمنسوبة لواصل تارة، ولعمرو بن عبيد تارة أخرى، ولم تكن حلقة الحسن البصري، ولا مجالس الثنوية، والمجوس، هي المصادر الفكرية الوحيدة لواصل بن عطاء؛
6-هناك من يرى أن هناك علاقة بين واصل، والجهم بن صفوان "ت (128هـ)"، وهذا غير مستبعد؛ وذلك لأن الرجلين عاشا في عصر واحد، وكانت، وفاتهما متقاربة أيضاً ؛ حيث يقول ابن المرتضى: "إن بعض السمنية قالوا لجهم بن صفوان: هل يخرج المعروف عن المشاعر الخمسة؟ قال: لا، قالوا: فحدثنا عن معبودك: هل عرفته بأيها؟ قال: لا، قالوا: فهو إذا مجهول، فسكت، وكتب إلى واصل، فأجاب، وقال: كان يشترط وجه سادس؛ وهو الدليل، فنقول: لا يخرج عن المشاعر أو الدليل، فاسألهم: هل يفرقون بين الحي والميت، والعاقل والمجنون، فلابد من نعم، وهذا عرف بالدليل، فلما أجابهم جهم بذلك، قالوا: ليس هذا من كلامك، فأخبرهم؛ فخرجوا إلى واصل، وكلموه، وأجابوه إلى الإسلام" ؛ ولا ندري مدى صحة هذا الخبر، ولكن لعل ابن المرتضى يهدف إلى رفع قيمة واصل؛ إذ المشهور أن السمنية الذين تحير الجهم بسببهم، ولم يدر من يعبد لمدة أربعين يوماً، وقدحوا الفتنة في قلبه العليل، ثم ذهبوا، هذه الفتنة التي نالت الجهم في عقيدته، وكانت سبباً في انحرافه، يخشى أن تكون قد تمكنت – أيضاً – من قلب واصل بن عطاء فهل كان للسمنية دور في انحراف معتقد واصل في الصفات، والذي تطور، فيما بعد، على يد المعتزلة عموماً، فهؤلاء السمنية، على هذا الاعتبار، نعتبرهم أحد المؤثرات التي أثرت في فكر واصل بن عطاء، كما أسهمت في انحراف الجهم، وحيرته.




المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)