سمات العصر الأندلسي في السياسة والاجتماع والفكر

أولاً-سمات هذا العصر :
يتصف العصر الأندلسي بصفات متعددة متناقضة أحيانا ومتوافقة أحياناً أخرى هما التعصب والاستبداد من ناحية ، والتساهل والحرية من ناحية أخرى .
أ-الإقبال على التعاليم الإسلامية:
أقبل الأندلسيون على التعاليم الإسلامية بشغف وحب وإدراك أن الإسلام هو الضمانة الفاعلة في حياة الناس، وأنه الدين الفاعل في امتلاكهم للقوة والبقاء.
ب-التعصب والاستبداد : لم يكن التعصب على درجة واحدة وقوة في مختلف الأدوار التي مر بها هذا العصر , ولقد كان لوجود المسلمين في بقعة تتاخمها النصرانية ويناصبهم أهلها العداء أثر كبير في إذكاء الشعور الديني في نفوسهم ، وقد ساعد الفقهاء في دعم هذا الشعور وتقويته لما لهم من نفوذ ديني ، ولكن هذا التعصب الذي كان خيرا في سبيل دعم القوة الإسلامية ضد أعدائها ، كان في الوقت ذاته شرا على الحرية الفكرية عند المسلمين أنفسهم . وذلك أن الفقهاء ، حرصا منهم على سيادتهم ، كانوا يثيرون العامة في كثير من الأوقات على المفكرين والفلاسفة ومن نظروا في أمور الدين والشرع والسنة ، ولا يحجمون عن إن يطلبوا من الخلفاء أنفسهم إن يمنعوا في التضييق على رجال الفكر . ولهذا كنت ترى عامة الشعب ، تحت تأثير دعوة الفقهاء ، ساخطين على الفلاسفة الذين كان ينتظر إليهم أحيانا كزنادقة وملحدين . وكان من الطبيعي أن تروج الدسائس والشائعات في مثل هذا الجو ، وأن يلقى المفكرون العنت والشر فيعمد الخلفاء أحيانا في سبيل التودد إلى الفقهاء والعامة إلى حرق كتبهم واضطهادهم فقد نكب ابن رشد وأصحابه ونفى ابن هانئ عن الأندلس، وامتدت النقمة إلى الوزراء والقضاة فنالهم السجن والاضطهاد كابن زيدون وابن الخطيب وابن زمرك وغيرهم .
ج-الحرية :
ولئن كانت الصفة الغالبة هي التعصب بسبب قرب المسلمين في الأندلس من الشعوب النصرانية ومحاككتها، لقد كانت تمر فترات يأتي فيها ملوك عادلون ينتصرون لحرية الفكر دون أن يثيروا الفقهاء كما كان الشأن زمن الموحدين حيث انتعشت الفلسفة وقلت الوشايات ذات الصبغة الدينية ..........................
د-الانفلات واللهو : إلى جانب هذا التعصب الديني الذي كان يكم الأفواه ، كنت ترى حياة الدعة والانفلات والتساهل منتشرة ، فقد كانت الحياة الخاصة متعة متصلة الحلقات ، بعيداً عن أمور السياسة والدين والحكم ولا تتصدى للمصالح الذاتية ،
ثانياً-مواقف الأندلسيون من ذلك : اختلفت مواقف الأندلسيون من ذلك ، فمنهم من وقف رأيه على الفقهاء ، ومنهم من وقف رأيه على ترك الأمور لحرية الشخص ومنهم من عاش حياة اللهو ؛ ولهذا كنت ترى الأندلسي يتهتك دون وازع ، وقد انغمس الشعراء والكتاب في حماة الدعوة ونطقت ألسنتهم بأفحش الأقوال ، وامتدت هذ ا الانفلات إلى الملوك فرأيتهم يرخون العنان للهوهم وطربهم و للهو الناس وطربهم ، ما دام هذا اللهو وهذا الطرب لا يمسان الدين الذي له حرمته في النفوس . فانتشرت الخلاعة وعمت مجالس اللهو وساءت الأخلاق وكان ضرر هذا التسامح أبلغ أثرا من ضرر التعصب ، إذ قد أفسد النفوس فاستسلمت لراحة والدعة وهان عليها أن تقبل الصدمات والذل ولا تثور لكرمها فبقيت خانعة باكية معولة تحن إلى مجد آفل وعز سليب ومن أمثلة هذه المجالس اللاهية :
1-ما يرويه لنا ابن خاقان في المطمح عن مجلس مزج فيه الجد بالهزل قد أقامه الوزير أبو عامر بن شهيد في ليلة سبع وعشرين من رمضان في هذه الليلة المباركة التي يجب أن ينقطع فيها الإنسان إلى التهجد والعبادة
2-وهذا أبو القاسم بن العطار أحد أدباء إشبيلية ، كان رجلا مستلما إلى الصبابة لا يحفل بملام ولا ينتقل عن المدام ، يتغزل بهذه الأبيات الرقيقة :
هب النسيم مع العشى فشاقني إذ كان من جهة الحبيب هبوبه
قد كنت ودعت الصبا بوداعه وأخو الصبابة لا تفيق ندوبه
فدعا الهوى لي دعوة لم أعصها والصب راحة قلبه تعذيبه
لو لم أجب داعى الهوى وعصيته لغدت جفوني بالدموع تجيبه
3-ومن مظاهر هذه الحياة اللاهية أيضا علاقة الشعراء وغير الشعراء بالمسيحيين والمسيحيات من سكان الأندلس ، وعندما يحدثنا الشعراء عن هذه العلاقات ، لا يكتفون بتصوير الجانب اللاهي من الحياة الأندلسية وإنما يقدمون لنا معلومات ذات قيمة عن حياة هؤلاء المستعربين وعن لباسهم وأزيائهم ،عن الحرية التي كانوا يتمتعون بها في قيامهم بشعائرهم الدينية وعن اختلاط المسلمين الأندلسيين بهم اختلاطا كبيرا ،
4-فقد ذكر ابن خاقان في المطمح (أن أبا عامر بن شهيد قد بات ليلة بإحدى كنائس قرطبة وقد فرشت بأضغاث آس ، وعرشت بسرور واستئناس وقرع النواقيس يهيج سمعه وبرق الحميا يسرح لمعه ، والقس قد برز في عبدة المسيح متوشحا بالزنابير أبدع توشيح ، قد هجروا الأفراح ، واطرحوا النعم كل اطراح :
لا يعمدون إلى ماء بآنية إلا اغترافا من الغدران بالراح
وأقام بينهم يرشف حميا ، كأنما يرشف من شفة لمياء وهى تنفح له بأطيب عرف ، كلما رشف أعذب رشف ، ثم ارتجل بعدما ارتحل ، فقال
ولرب حان قد شممت بديره خمر الصبا مزجت بصرف عصيره
في فتية جعلوا السرور شعارهم متصاغرين تخشعا لكبيره
والقس مما شاء طول مقامنا يدعو بعود حولنا بزبوره
يهدي لنا بالراح كل مصفر كالخشف خفره التماح خفيره
يتناول الظرفاء فيه وشربهم أسلافهم والأكل من خنزيره
هذه الأبيات الصريحة التي لا يستبعد أن تكون صراحتها مقصودة ورسالة ابن عبدون تثبت لنا أن هناك امتزاجا شديدا بين الأندلسيين والمسيحيين المستعربين مما يؤيد أن الصورة التي يقدمها أبو عامر بن شهيد في الأبيات السابقة ليست على صراحتها كثيرة المبالغة .
5-هذا عدا مشاهد الحب التي كان يصورها الشعراء والتي كانت ترسم لنا علاقات الأندلسيين بالمسيحيات والمستعربات ، وهي علاقات ما كانت لتقصير على الطبقات العليا بل نجدها في مختلف طبقات الشعب الأندلسي ولا سيما الطبقات الوسطى والدنيا فالشاعر الرمادي يشير إلى نوع من العلاقات الماجنة بشيء من الصراحة أحيانا ، فيقول مخاطبا الساقي النصراني :
قبلته قدام قسيسه شربت كاسات بتقديسه
يقرع قلبي عند ذكري له من فرط شوقي قرع ناقوسه
6-وإذا كان الشعراء قد تعاهروا في حبهم وذكر علاقاتهم بالأوساط المسيحية فهناك آخرون قد أظهروا لنا وجها عفيفا محببا لهذا الاختلاط ، كما فعل أبو عبد الله بن الحداد أحد شعراء بلاطك المرية زمن المعتصم بن صمادح في أشعاره التي تصور لنا حبه لأولئك النصرانيات كحبه لنويرة و شعرنا بنفحته عذرية بدا مثلها فيما بعد على أشعار التروبادور . وأشعار ابن الحداد لها فائدة أخرى فهي تمنحنا صورة واضحة عن طريقة إحياء المسيحيين والمسيحيات لشعائرهم الدينية كما كانت معروفة عندهم



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)