سمات الكتابة النثرية الأندلسية وأسباب رقيها:
لتم استقر العرب في الأندلس ووطدت أركان الدولة، وهدأت الفتن، ونامت الأحداث، سطعت شمس الحضارة، وانتشرت أضواء العلم والمعرفة، واتسعت دائرة العلم، وإن كان ذلك في حدود الدين واللسان؛ لأنهم كانوا أشد الناس حبًّا لهما، وتفانيًا فيهما، وغيرة عليهما، وهو طابع غلب على فترات الضعف في عهد الفاتحين والمرابطين، أما ما عدا ذلك من العهود الأخرى فقد أبدوا فيها من ضروب القول، وفنون البلاغة وألوان الأدب، ومعاني الكلام المعجب المرقص، وأغراهم بهذا أن جهودهم كانت مصروفة له، مقصورة عليه، وأن ملكتهم العربية الأصيلة قد امتزجت بملكات أخرى هي وليدة تلك البيئة الطيبة، و التربة المخصبة، والبساتين الغناء، والجبال الشماء، وكان من حظ الأدب أن لم تزاحمه الفلسفة فيغلب عليه التعقيد والتعمق، أو تسري إليه لوثة السكان الأصليين فتخالطه العجمة، وتطارده العامية، كما كان الحال عند المشارقة... وإلى جانب هذا كله فإن اعتزاز الفاتحين بلغتهم وحرصهم عليها، وزهوهم بها ضمن للأدب القوة والخلود، والذيوع والانتشار، وجعل الأنظار تتجه إليه من السادة والسوقة، و العلية والدهماء . على أن هناك عوامل -أخرى- ثانوية كان لها أثر واضح في ازدهار الأدب ونموه، وكثرة محصوله، وجودة أنواعه، فإن الخلفاء الذين كانوا يستقدمون العلماء والأدباء، للانتفاع بأفكارهم، والاستعانة بآرائهم، والاستفادة من جهودهم، والاقتباس مما أفاء الله به عليهم، كانوا يبذلون مثل ذلك للموسيقى والغناء، ونحن نعلم أن عبد الرحمن الثاني خف بنفسه لاستقبال "زرياب" وكان يوم قدومه عليه من أعياد الشعب الذي ساهم في الحفاوة به، والابتهاج لحلوله، والسعادة بطلعته... والخلفاء أنفسهم كانوا على جانب عظيم من الثقافة الأدبية خولت لهم أن يتقدموا الصفوف ويتصدروا المجالس، ويتزعموا المعارك التي تكون بين إنسان وآخر من جهابذة اللسان والبيان . وكانت المناصب الكبرى والمراكز العليا، والمسئوليات العظمى، لأولئك الذين عرفوا بالفصاحة، واشتهروا بالبلاغة، ورفعوا لواء الأدب وكان لهم فضل سبق على سواهم في مجال العلم والمعرفة، فلم نر وزيرًا تقلد الوزارة ولا فقيهًا أسندت إليه وظيفة الإفتاء والقضاء دون أن يكون له في هذا الميدان تبريز وفوق؛ ذلك لأن العلم عندهم من غير أن يكون ممزوجًا بالأدب جاف جامد لا قيمة له، ولا ثمرة فيه، ولا جدوى منه . وإذا كان التاريخ السياسي تنعكس مرآته على التاريخ الأدبي، فإن الذي يتقصى أحوال الأندلس يستطيع أن يقول: إن هذه الحياة الحافلة بجلائل العبر والعظات، كان يعتريها من الجزر والمد، والهبوط والارتفاع والخمول والنشاط، والصحة والمرض، ما يحتم علينا أن نقول: إنها مر بها شباب وشيخوخة، وهرم وموت، ولذلك فإن المتحدثين عن التاريخ الأدبي للكتابة الأندلسية لا يستطيعون أن يفروا من تلك الحقيقة المرة.
وكان لأهل الأندلس حرص على حفظ كلام العرب، ورواية أخبارهم، وعد مفاخرهم كما كانت لهم عناية بالعلوم الإسلامية وغيره يحصلونها برغبة أكيدة، ويجمعون كتبها بشغف زائد، فنشأ عن ذلك في رسائلهم ثلاث ظواهر.
1- ما ضمنوه كلامهم من مثل أو حكمة أو شعر مشهور أو ما اقتبسوه من آي القرآن الكريم، وحديث رسول الله يحلون به صدور كلامهم وفصوله، وقد بالغوا في هذا المقام حتى رأينا لابن زيدون رسائل تكاد لا يكون له فيها غير التأليف بين شارد هذه الأمثال والحكم، ولكنه كان في ذلك بارعًا كل البراعة لاستطاعته أن يؤلف من شتات ما جمع صورة تدل على ما في نفسه من معانٍ وأغراض.
2- ما كثر في رسائلهم من الإشارة إلى حادثة تاريخية، أو مفخرة مأثورة، أو يوم مشهود، حتى غمض كلامهم بسبب ذلك على من كان قليل البضاعة في هذا الباب، واحتاج الدارس له إلى التعقيب والتفصيل لما أجمل، وقد استلزم هذا في بعض الرسائل أن يكون شرحها كتابًا جليلًا يحتوي على كثير من أيام العرب ومفاخرهم والتعريف بأعلام رجالهم، وترى ذلك في كتاب "سرح العيون" لابن نباتة المصري في "شرح رسالة ابن زيدون الهزلية".
3- ما شاع في كتاباتهم من التورية بأسماء العلوم ومصطلحاتها، وقد توسعوا في ذلك حتى لم يكتفوا بالإشارة الظاهرة، والمصطلح الشائع بل تغلغلوا إلى ما يستعصي على غير المبرزين فيه . وكان لأهل الأندلس زهد في علوم الفلسفة ورغبة عن منطقها تأبى ذلك طبيعتهم الحرة المطلقة من كل قيد، كما يأباه عليهم دينهم الذي اشتد تمسكهم به، وحرصهم على أوامره ونواهيه، ولقد كان لهم في ذلك شدة لم تعرف لغيرهم، حتى لقد كانت تهمة الزندقة سريعة إلى كل من انحرف عن الجادة، أو ظهر برأي يخالف جماعتهم، فما كان أسرع أن يقتلوه أو ينفوه من بلادهم، ويحرقوا كتبه في ميادين المدن ، ولقد كان لهذا الحال أثر بارز في كتابتهم فقد برئت من تعقيد أساليب المنطق، والتواء عبارات الفلسفة، وغموض إشاراتها، وكثرة ما احتاجت إليه في المشرق من ألفاظ دخيلة، وعبارات نابية، جرتها عليهم الترجمة عن اليونان وغيرهم . لذلك كانت صفحة الكتابة عند الأندلسيين نقية تتمثل فيها
1-الفطرة ساذجة أو مهذبة التهذيب الذي تسمح به ثقافة عربية خالصة.
2-شاع الإطناب ، وكثر الترادف، من أثر الفطرة السليمة، واتساع الأساليب أمامهم، وغناهم بالألفاظ، كما كان لاعتمادهم على الخيال، وسعة معرفتهم بالتاريخ أثر في هذا الطول.
3-وترى أثر هذه العروبة والفطرة ظاهرًا جليًّا في عدم احتفالهم كالمشارقة بأنواع البدء والختام في الرسائل، وبتعويلهم في الخطاب على الكاف والتاء، كما ظهر في الصياغة اللفظية واستعمال أنواع البديع،
4-تناولوا من أنواع البديع ما يلتئم مع الطبع، ولا يتنافى مع الفطرة، فأكثروا من السجع الذي ترتاح إليه الأسماع، وكثر في كلامهم
5-كثرت الكتابة المسجعة وسجع الأندلسيين خفيف مقبول قصير الفقرات قد انقاد لهم فأدوا به أدق المعاني، وصوروا ما خفي من الأغراض، وكتبوا به التاريخ وتراجم الرجال، فما اضطرتهم السجعة إلى نقص في الحكم أو زيادة، وهذان كتابا "قلائد العقيان" و"مطمح الأنفس" للفتح بن خاقان يمثلان ما نريد تسجيله بسجع الأندلس من دقة في الأداء، وخفة في الروح، وجمال في الإيقاع..
6- اللغة في بلاد الأندلس نبتت فتية ، لأن العرب بالأندلس نزحوا إليها ولغتهم تامة السليقة، بريئة الملكة، ثم كانوا بهذه البلاد جمهرة غالبة، وعنصرًا شائعًا، ولملوكهم الغلبة، وعز السلطان، وهم في الجزيرة في أمن من الطارئين وكذلك كان لنوع ثقافتهم وعزوفهم بطبعهم عن الفلسفة وعلومها كان له في نقاء سليقتهم، وصفاء طبعهم، وسلامة لسانهم أثر غير منكر.


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)