الخطابة الأندلسية
ثانياُ-الخطابة السياسية:
أ-مقدمة : وقد احتل هذا الفن من اللحظة الأولى التي دخل فيها العرب الأندلس مكانة مرموقة، والغرض عند الأندلسيين كما هو عند المشارقة يتمثل في :
1-إيقاظ نار الحماسة
2-وبث روح الجهاد ،
3-ونشر الدين
4-وإخضاع الأقاليم
حيث تمثل الأمراء والخلفاء فصاحة اللغة وعمق البيان واتسم هذا النوع من الخطابة بالسمات التالية:
آ- سهولة العبارة .
ب- البعد عن السجع.
ج- الجريان مع الطبع.
د- القدرة على التأثير.
هـ- الإيجاز والبلاغة
و- وضوح المعاني.
ب- نماذج من الخطابة السياسية :
1-خطبة منذر بن سعيد : جاءت الوفود إلى عبد الرحمن الناصر لتهنئه بالخلافة فقدم ابنه الحكم أبا علي القالي صاحب كتاب "الأمالي"، فقام أبو علي فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ثم أرتج عليه، وانقطع وبهر، فلما رأى منذر بن سعيد ذلك وكان حاضرًا قام من تلقاء نفسه ووصل افتتاح أبي علي بكلام بهر العقول.... وهذا هو نص هذه الخطبة...." ، أما بعد حمد الله والثناء عليه، والتعداد لآلائه، والشكر لنعمائه، والصلاة والسلام على محمد صفيه وخاتم أنبيائه، فإن لكل حادثة مقامًا، ولكل مقام مقالًا، وليس بعد الحق إلا الضلال، وإني قد قمت في مقام كريم، بين يدي ملك عظيم، فاصغوا إلي يا معشر الملأ بأسماعكم، وافقهوا عني بأفئدتكم... إن من الحق أن يقال للمحق: صدقت، وللمبطل: كذبت، وإن الجليل -تعالى في سمائه، وتقدس بصفاته وأسمائه-، أمر كليمه موسى -على نبينا وعليه وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام- أن يذكر قومه بأيام الله -جل وعز- عندهم، وفيه وفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، وإني أذكركم بأيام الله عندكم، وتلافيه لكم، بخلافة أمير المؤمنين التي لمت شعثكم، وأمنت سربكم، ورفعت قوتكم، كنتم قليلًا فكثركم، ومستضعفين فقواكم، ومستذلين فنصركم، ولاه الله رعايتكم، وأسند إليه إمامتكم، أيام ضربت الفتنة سرادقها على الآفاق، وأحاطت بكم مشعل النفاق، حتى صرتم في مثل حدقة البعير، من ضيق الحال، ونكد العيش، فاستبدلتم بخلافته من الشدة بالرخاء، وانتقلتم بيمن سياسته إلى تمهيد كنف العافية بعد استيطان البلاء، أنشدكم الله معاشر الملأ، ألم تكن الدماء مسفوكة فحقنها؟ والسبل مخوفة فأمنها؟ والأموال منتهبة فأحرزها وحصنها؟ ألم تكن البلاد خرابًا فعمرها؟ وثغور المسلمين مهتضمة فحماها ونصرها؟ فاذكروا آلاء الله عليكم بخلافته، وتلافيه جمع كلمتكم بعد افتراقها بإمامته، حتى أذهب الله عنكم غيظكم، وشفى صدوركم، وصرتم يدًا على عدوكم، بعد أن كان بأسكم بينكم.. فأنشدكم الله ألم تكن خلافته قفل الفتنة بعد انطلاقها من عقالها؟ ألم يتلاف صلاح الأمور بنفسه بعد اضطراب أحوالها، ولم يكل ذلك إلى القواد والأجناد؟ حتى باشره بالقوة والمهجة والأولاد، واعتزل النسوان وهجر الأوطان، ورفض الدعة وهي محبوبة، وترك الركون إلى الراحة وهي مطلوبة، بطوية صحيحة، وعزيمة صريحة، وبصيرة نافذة ثاقبة، وريح هابة عالية، ونصرة من الله واقعة واجبة، وسلطان قاهر، وجد ظاهر، وسيف منصور تحت عدل مشهور، متحملًا للنصب، مستقلًا لما ناله في جانب الله من التعب، حتى لانت الأحوال بعد شدتها، وانكسرت شوكة الفتنة بعد حدتها، فلم يبق لها غارب إلا جبه، ولا ظهر لأهلها قرن إلا جده، فأصبحتم بنعمة الله إخوانًا، وبلم أمير المؤمنين لشعثكم على أعدائه أعوانًا، حتى تواترت لديكم الفتوحات، وفتح الله عليكم بخلافته أبواب الخيرات والبركات، وصارت وفود الروم وافدة عليه وعليكم، وآمال الأقصين والأدنين متجهة إليه وإليكم، يأتون من كل فج عميق، وبلد سحيق، للأخذ بحبل بينه وبينكم جملة وتفصيلًا، ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا، ولن يخلف الله وعده، ولهذا الأمر ما بعده، وتلك أسباب ظاهرة بادية، تدل على أمور باطنة خافية، دليلها قائم، وجفنها غير نائم: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ }[ ] ، وليس في تصديق ما وعد الله ارتياب، ولكل نبأ مستقر، ولكل أجل كتاب، فاحمدوا الله أيها الناس على آلائه، واسألوا المزيد من نعمائه، فقد أصبحتم بين خلافة أمير المؤمنين -أيده الله بالسداد، وألهمه التوفيق إلى سبيل الرشاد- أحسن الناس حالًا، وأنعمهم بالًا، وأعزهم قرارًا، وأمنعهم دارًا، وأكشفهم جمعًا، وأجملهم صنعًا، لا تهاجمون ولا تذادون، وأنتم -بحمد الله- على أعدائكم ظاهرون، فاستعينوا على صلاح أحوالكم بالمناصحة لإمامكم، والتزام الطاعة لخلفتكم، وابن عم نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، فإن من نزع يدًا من الطاعة، وسعى في تفريق الجماعة، ومرق من الدين فقد خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، وقد علمتم أن في التعليق بعصمتها، والتمسك بعروتها، حفظ الأموال وحقن الدماء، وصلاح الخاصة والدهماء، وأن بقيام الطاعة تقام الحدود، وتوفى العهود، وبها وصلت الأرحام، ووضحت الأحكام، وبها سدد الله الخلل، وأمن السبل، ووطأ الأكناف ورفع الاختلاف، وبها طاب لكم القرار، واطمأنت بكم الدار، فاعتصموا بما أمركم الله بالاعتصام به، فإنه -تبارك وتعالى- يقول: { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُم } [ ] ، وقد علمتم ما أحاط بكم في جزيرتكم هذه من ضروب المشركين، وصنوف الملحدين، الساعين في شق عصاكم، وتفريق ملئكم، الآخذين في مخاذلة دينكم، وهتك حريمكم، وتوهين دعوة نبيكم -صلوات الله وسلامه عليه وعلى جميع النبيين والمرسلين-، أقول قولي هذا وأختم بالحمد لله رب العالمين، مستغفرًا الله الغفور الرحيم، فهو خير الغافرين".
-تحليل الخطبة:
1-كان من حق منذر بن سعيد أن يتهيب هذا الموقف الذي فوجئ به مفاجأة لم تكن مترقبة، والذي حمل عليه حملًا غير منتظر، ومثل هذا الموقف يأخذ بالوعي، ويذهب بالإدراك، ويبدد الخواطر والأوهام؛ فإذا أضيف إلى ذلك احتشاد الجموع من كل حدب، وأن أديبًا كبيرًا قبله كبا به جواده، وخانه بيانه، وقصرت به فصاحته، ولكنه -مع ذلك- استطاع أن يقف على قدميه من غير تلجلج، ويسترسل في حديثه من غير لعثمة، ويتدفق البيان من غير ترو، وجعلنا بجعله في مصاف الأساتذة الكبار والكلام بين يدي رئيس حكومة، أو أمير دولة، أو خليفة شعب من شأنه أن يحيط به الحذر، ويحفه الحساب والتقدير، ويتقدمه التفكير والرأي، حتى لا يجيء في ثناياه شيء من الفضول، أو معنى من الخلط، أو نوع من القحة، أو بعض من سوء الأدب، وقليل من الناس من يعرض نفسه له، أو يتصدى لاقتحام مجالاته، اللهم إلا إذا كانوا قد تمكنوا من ناصية القول، وتعودوا على المنطق، ومرنوا على الخطابة، وألفوا أن يصولوا في ميادين البلاغة، وأن يردوا حلبات الفصاحة.
2-ومنذر بن سعيد بهذه الخطبة يعطينا صورة واضحة عن :
أ-بيانه السهل،
ب-وبلاغته الحلوة،
ج- وأدبه الجم، وعقله الواعي،
د-ولسانه الطبع،
ه-وطبعه السليم،
و-وأسلوبه الواضح،
ز-وصراحته القوية،
ح-وإيمانه الصحيح،
3-فهو يتحدث عن الخليفة من غير مبالغة ولا ملق، وهو إذ يقول: "إن خلافة أمير المؤمنين لمت شعثكم، وأمنت سربكم، فاذكروا آلاء الله عليكم بخلافته، وتلافيه جمع كملتكم بإمامته، حتى أذهب الله عنكم غيظكم، وشفى صدوركم، وصرتم يدًا على عدوكم بعد أن كان بأسكم بينكم"، إنما يقرر حقيقة، ويذكر قضية مسلمة، وتظهر صراحة منذر بن سعيد، وإخلاصه لدينه، ومراقبته لربه، من قوله... فاستعينوا على صلاح أحوالكم بالمناصحة لإمامكم ولا يؤخذ على منذر بن سعيد في هذه الخطبة إلا تكرار بعض المعاني في الخطبة تكرار إذا التمسنا له العذر فيه لم نستطع إلا أن نقول إنه كان يريد أن يملأ ذلك الفراغ الواسع الذي كان يشعر به في هذا الموقف الرهيب.
4-والخطبة بعد ذلك كله ليست نمطًا من
أ-البيان الرفيع،
ب-ولا البلاغة العالية،
ج- ولا الأدب النقي،
د-ولا الأسلوب القوي،
5- كانت الخطبة عنوانًا على
أ-ملكة الارتجال،
ب-وحكمة التصرف،
ج- وحسن التخلص،
د-وجرأة القلب،
ه-وعدم المبالاة بالظروف،
و-وعدم الهلع من الأحداث،
ز-وعدم الفزع من المباغتة..
2-خطبة لسان الدين بن الخطيب في الحض على الجهاد :
"أيها الناس رحمكم الله.... إخوانكم المسلمون -بالأندلس- قد دهم العدو -قصمه الله تعالى- ساحتهم، ورام الكفر -خذله الله- استباحتهم، وزحف أحزاب الطواغيت إليهم، ومد الصليب ذراعيه عليهم، وأيديكم -بعزة الله تعالى- أقوى، وأنتم المؤمنون أهل البر والتقوى، وهو دينكم فانصروه، وجواركم القريب فلا تخفروه، وسبيل الرشد قد وضح فلتبصروه، الجهاد الجهاد قد تعين، الجار الجار قد قرر الشرع حقه وبين، الله الله في الإسلام، الله الله في أمة محمد -عليه الصلاة والسلام-، الله الله في المساجد المعمورة بذكر الله، الله الله في وطن الجهاد في سبيل الله، قد استغاث بكم الدين فأغيثوه، قد تأكد عهد الله وحاشاكم أن تنكشوه، أعينوا إخوانكم بما أمكن من الإعانة، أعانكم الله تعالى عند الشدائد، جددوا عوائد الخير، يصل الله تعالى لكم جميل العوائد، صلوا رحم الكلمة -التوحيد- واسوا بأموالكم وأنفسكم تلك الطوائف المسلمة، كتاب الله بين أيديكم، وألسنة الآيات تناديكم، وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمة فيكم، والله -سبحانه وتعالى- يقول فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم} ومما صح عنه -صلى الله عليه وسلم-: ((من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار)) ((لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم)) ((من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا))..... أدركوا رمق الدين قبل أن يفوت، بادروا عليل الإسلام قبل أن يموت، احفظوا وجوهكم مع الله تعالى يوم يسألكم عن عباده، جاهدوا في الله بالألسن والأقوال حق جهاده. ماذا يكون جوابكم لنبيكم وطريق هذا العذر غير ممهد إن قال لم فرطتموا في أمتي وتركتموهم للعدو المعتدي تالله لو أن العقوبة لم تخف لكفى الحيا من وجه ذاك السيد اللهم اعطف علينا قلوب العباد، اللهم بث لنا الحمية في البلاد، اللهم دافع عن الحريم والضعيف والأولاد، اللهم انصرنا على أعدائك، بأحبائك وأوليائك يا خير الناصرين، اللهم أفرغ علينا صبرًا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
تحليل الخطبة:
1-صاحب هذه الخطبة فارس من فرسان البلاغة، وكبير من كبار رجالات الأدب، له في كل ميدان من ميادين القول مجال، هيهات أن يدانيه فيه غيره، أو يلحق به سواه،
2-وإلى جانب هذا فالموضوع شائك، والموقف حرج، والساعة رهيبة، وطن تنهده الأحداث، وتصطلح عليه الخطوب، وفي ذلك الذي يحيط به ويطوقه قضاء على نفوذ الإسلام، وانتكاس لرايته، واستذلال لأهله، ومساومة لهم في أعراضهم، وشرفهم ودينهم، وليس بعد ذلك مهانة ذليلة، ولا صغار بين، ولا قتل لردح الكرامة،
3-ولئن كان هنالك أحاسيس تستدر الدمع، وتقطع نباط القلب، وتشيع في النفس القلق والخوف، والذعر والاضطراب، فإنها لا تبلغ ما تبلغه تلك الأحاسيس التي يشعر بها المسلم حينما يدرك أن دولة مجد شامخ، وشرف باذخ، تطيح بها الطوائح الظالمة، والأهواء الغاشمة، من غير ذنب سوى أنها ترفع علم العدالة والحرية والمساواة في الحقوق والمعاملات، وتنادي بالإصلاح والنهوض، والتقدم والرقي، والبر والخير، والسلام والأمن، وتدعو إلى سعادة الدنيا والآخرة.
4-وقد استطاع الخطيب :
أ-أن يفي بالغرض،
ب-وأن يبلغ الغاية من القول،
ج- وأن يلهب شعور المسلمين بالفجيعة، وتقديرهم للموقف، لولا أن الحال كان يستدعي السيف لا القول، والجهاد لا الحسرة والعبرة، والقوة الضاربة، لا الدمعة الغالبة، ولمن كان يقول لسان الدين بن الخطيب: أدركوا رمق الدين قبل أن يفوت، وبادروا عليل الإسلام قبل أن يموت" وهم كما يقول القرآن الكريم: { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى } [ ].
ثالثاً-الخطابة الاجتماعية:
أ-مقدمة : وهي نوع من الخطابة يتحدث ىعن المشاكل الاجتماعية المعايشة لتلك الفترة في الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر وترك البدع، وهجر الأباطيل
ب-نماذج من الخطابة الاجتماعية :
1-خطبة محمد بن تومرت :
وكان محمد بن تومرت -رأس الموحدين- قد جمع أنصاره قبل موته ليعظهم وينصحهم ويوصيهم أن يصلوا بعده ما انقطع من الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر، فلما حضروا بين يديه قام -وكان متكئًا- فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على محمد نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ثم أنشأ يترضى عن الخلفاء الراشدين -رضوان الله عليهم-، ويذكر ما كانوا عليه من الثبات في دينهم، والعزيمة في أمرهم، وأن أحدهم كان لا تأخذه في الله لومة لائم، فانقرضت هذه العصابة نضر الله وجوهها، وشكر لها سعيها، وجزاها خيرًا عن أمة نبيها، وخبطت الناس فتنة تركت الحليم حيران، والعالم متجاهلًا مداهنًا، فلم ينتفع العلماء بعلمهم بل قصدوا به الملوك، واجتلبوا به الدنيا، وأمالوا وجوه الناس إليهم، ثم إن الله -سبحانه وتعالى وله الحمد- من عليكم أيتها الطائفة بتأييده، وخصكم من بين أهل هذا العصر بحقيقة توحيده، وقيض لكم من ألفاكم ضلالًا لا تهتدون، وعميًّا لا تبصرون، لا تعرفون معروفًا، ولا تنكرون منكرًا، قد فشت فيكم البدع، واستهوتكم الأباطيل، وزين لكم الشيطان أضاليل وترهات أنزه لساني عن النطق به، وأربأ بلفظي عن ذكرها، فهداكم الله بعد الضلالة، وبصركم بعد العمى، وجمعكم بعد الفرقة، وأعزكم بعد الذلة، ورفع عنكم سلطان هؤلاء المارقين، وسيورثكم أرضهم وديارهم، ذلك بما كسبته أيديهم، وأضمرته قلوبهم، وما ربك بظلام للعبيد، فجددوا لله -سبحانه وتعالى- خالص نياتكم، وأروه من الشكر -قولًا وفعلًا- ما يزكي به سعيكم، ويتقبل أعمالكم وينشر أمركم، واحذروا الفرقة، واختلاف الكلمة، وشتات الآراء وكونوا يدًا واحدة على عدوكم، فإنكم إن فعلتم ذلك هابكم الناس وأسرعوا إلى طاعتكم، وكثر أتباعكم، وأظهر الله الحق على أيديكم... وإلا تفعلوا شملكم الذل، وعمكم الصغار، واحتقرتكم العامة فتخطفتكم الخاصة، وعليكم في جميع أموركم بمزج الرأفة بالغلطة، واللين بالعنف، واعلموا مع هذا أنه لا يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا على الذي صلح عليه أولها، وقد اخترنا لكم رجلًا منكم، وجعلناه أميرًا عليكم، هذا بعد أن بلوناه في جميع أحواله، من ليله ونهاره ومدخله ومخرجه، واختبرنا سريرته وعلانيته، فرأيناه في ذلك كله ثبتا في دينه، متبصرًا في أمره، وإني لأرجو ألا يخلف الظن فيه، فاسمعوا له وأطيعوا ما دام سامعًا مطيعًا لربه، فإن بدل أو نكص على عقبه، أو ارتاب في أمره، ففي الموحدين -أعزهم الله- خير وبركة، والأمر لله يقلده من شاء من عباده..
تحليل الخطبة:
1-صاحب هذا النص هو محمد بن تومرت زعيم طائفة الموحدين الذين حكموا الأندلس فترة طويلة من الزمن، بعد أن استنجد بهم أهالي البلاد ليخلصوهم من جماعة المرابطين الذين بالغوا في إيذائهم، والعمل على تفريق كلمتهم، وشق صفوفهم، وكان محمد بن تومرت هذا يلقب بالمهدي، وكان مثقفًا ثقافة عالية تجعله جديرًا بأن يحمل راية الدعوة التي كان يتزعمها، والمؤرخون له يقولون إنه ارتحل إلى المشرق لطلب العلم، وقد استطاع أن يأخذ عن أساتذة كبار، وشيوخ جلة، أمثال الغزالي والشاشي والطرطوشي وابن عبد الجبار،
2-وقد عمل على أن يصل إلى الحكم والسلطان، وقيادة الجماهير، وسيادة الناس، من طريق الإصلاح الاجتماعي، القائم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتصدى للتدريس أول أمره- فنشر مذهب الأشاعرة ببلاد المغرب، والتفت حوله جماهير غفيرة، كانت تثق به، وتطمئن إليه، وتأخذ عنه، وتجعله قدوتها في الطاعة، ومثالها في الاستقامة، وشيخها في الطريقة، ومنارها إذا اشتبهت المعالم، ولم تزل البلاد تأخذ بهديه، وتسير على نهج أتباعه من بعده، وتحكم الدين في سلوكها، والقرآن في سياستها، والشريعة الإسلامية في معاملاتها، حتى تغلب عليهم بنو هود أصحاب سرسقطة، وإن كانوا لم يطل بهم العهد، فإن الإسبان قضوا عليهم وعلى سواهم من ملوك الطوائف، ولم يسلم من غائلتهم إلا بنو الأحمر.
3-والخطبة بعد هذا :
أ-أسلوب من أساليب الوعظ الصادق،
ب-والنصح البالغ،
ج-والإرشاد الصحيح،
د-ينبع فيضها من القلب،
ه-وتصدر ألفاظها عن إيمان،
و-وتعبر كلماتها عن شعور قوي، ووجدان غير مكذوب،
ز-وتصور قائلها في صورة إنسان كبير القلب، نقي الذهن، صافي العقل، ناضج التفكير، سليم الطوية، بعيد النظر، ليس له غرض حقير، ولا هوى مسف، ولا طيش مرذول،
4-لا تجول معانيها إلا برؤوس أصحاب الدعوات النبيلة، والأهداف السامية من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين،
5-وهي تبرز لنا ابن تومرت في ثياب الأطهار الأبرار الذين تتفقدهم الإنسانية حينًا بعد حين فلا نجدهم إلا كما تجد الشيء النادر...
6-ولعل روعتها لم تكن في تنسيق الألفاظ، وجودة التراكيب، بمقدار ما هي في صدق العاطفة والوجدان، والشعور والإحساس، والميل والهوى، والرغبة والنزوع، والإيمان واليقين، والكلام الذي يخرج من القلب لا يستقر إلا في القلب..



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)
[/align][/SIZE]