فن التوقيعات في الأندلس
أولاً-مقدمة :
تمثل التوقعات جانبا مهماً من بلاغة الأدباء والخلفاء والولاة والحكام في مجال النثر والشعر فقد عرفها الأندلسيون، ونماذجها الأولى التي كانت في فترة الإمارة التي تمثل استقلال البلاد. وإرساء دعائمها وأنظمتها الإدارية ، وقد اعتمد عليها الحكام الأندلسيون في التعبير عن مواقفهم في كثير من الأشخاص، والقضايا كموقفهم من رجال الحاشية والمقربين ورجال الدولة كما اعتمد عليها الشعراء لإظهار براعتهم: والتوقعات تذييل يكتب أسفل الرسائل الواردة على ديوان الدولة. أو على ظهرها. وتعتبر ردا من الحاكم وتعقيبا يمليه على كتابه. أو يخطه بيده. ومن ثم فهو من إنشاء الحاكم نفسه. ونظرا لضيق وقته وكثرة مشاغله. لم يكن لديه متسع للإفاضة والإسهاب في الجواب. ولا سيما أمام كثرة الرسائل التي تحتاج إلى الرد السريع. مما جعل التوقيعات تتميز في الغالب بالإيجاز الشديد الموفي للمقصود. وهي ظاهرة شديدة الشبه بالبرقية من هذه الناحية.

ثانياً-أقسام التوقيعات :
تقسم التوقيعات باعتبار أسلوبها إلى قسمين :
أ-التوقيعات النثرية:
وهي توقيعات كتبت نثرا لأغراض متعددة سياسية أو اجتماعية أو إدارية،
1-كتوقيع أبي المطرف عبد الرحمن بن الحكم (206 – 238 هـ) إلى ابنه المنذر بعد أن كتب إليه يسأله أن يأذن له في اعتلاء المنبر بالبلد الذي يليه له ليقيم الجمعة. ويخطب ليحيي رسوم سلفهم. فوقع على ظهر كتابه:" قالت الحكماء: لو كان الكلام من فضة، لكان الصمت من ذهب"
2--وحين سأله بعض مواليه عملا لم يكن أهلا له. وقع على كتابه: "من لم يعرف وجه مطلبه كان الحرمان أولى به"
3--وكتب أمية بن زيد عن عبد الرحمن الداخل كتابا إلى أحد عماله يستقصره فيما فرط من عمله. فأكثر وأطال الكتاب. فلما لاحظه الأمير أمر بقطعه. وكتب بخط يده:" إن يكن التقصير لك مقدما، فعد الاكتفاء أن يكون لك مؤخرا" .
4-ولما رفع أحد المشتغلين بتثمير الخراج للأمير عبد الرحمن بن الحكم أن القنطرة التي بناها جده على نهر قرطبة، لو رسم على الدواب والأحمال التي تعبر عليها رسماً لاجتمع من ذلك مال عظيم، فوقع الأمير عبد الرحمن على كتابه مستنكرا مثل هذا الاقتراح، لما فيه من إثقال على الرعية، موجها اهتمامه إلى مجالات الإصلاح الأخرى التي تورث الذكر الحسن، مثل بناء المساجد وإصلاحها، وحمله نفقة إصلاح المسجد المجاور له، ونص توقيعه كما يلي: "نحن أحوج إلى أن أفعال البر أمثال هذه القنطرة، لا أن تمحو ما خلده آباؤنا باختراع هذا المكس القبيح، فتكون عائدته قليلة لنا، وتبقى تبعته وذكرى السوء علينا، وهلا كنت نبهتنا إلى إصلاح المسجد المجاور لك الذي قد تداعى جداره واختل سقفه، وفصل المطر مقبل، لكن يأبى الله أن تكون هذه المكرمة في صحيفتك، وقد جعلنا عقوبتك بأن تصلح المسجد المذكور من مالك على رغم أنفك، فيكون ما تنفق فيه منك، وأجره لنا إن شاء الله" . غير أن التوقيعين الأخيرين يطولان عن الحجم المألوف، وللأمير محمد بدوره توقيعات تظهر فيها مواقفه من رجال الدولة،
5-فقد بعث له أحدهم – وهو وليد بن غانم – رسالة يشكره فيها على فضله عليه، ويستقل ما ولاه من خدمته، ويجدد طاعته، : "عظمت نعمة الخليفة سيدي أيده الله عن الشكر، وجلت أياديه عن النشر، فمتى رمت ذكر أدنى شكره، وحمد أيسر ما اشتمل علي من فضله، تكاء دنيا لشكر، وأعجزني الحمد، لكنني غير مؤتل في ذلك عن الاستفراغ في القول، والاجتهاد في العمل، إذ لم أرهما يدوران إلا على نعمة سلفت، ويقتصران إلا على زيادة انتظرت، وأنا بينهما مخيم، وعليهما معول، والله الناقل لعباده بطاعتهم له وشكرهم إياه، من دار الشقاء إلى دار السعادة، ومن نصب العاجل، إلى راحة الآجل، والسلام" .
6-فوقع الأمير في كتابه: "إن الله شاكر يحب الشاكرين، ولا يضيع أجر المحسنين، وقد ناديت فأسمعت، ولكل أجل كتاب والسلام" .
ويقوم هذا التوقيع على التمثيل بالآيات القرآنية، بطريقة تبرز حسن استغلاله واستفادته من ثقافته ومحفوظه.
7-وحين وصله كتاب القاضي محمد بن زياد يذكر فيه تداعي جانب من المسجد الجامع بقرطبة، ويحثه على إصلاحه، وقع على كتابه:
"إننا لسنا ننفق نفقة أحب إلينا ولا أثر عندنا من الإنفاق فيما ذكرت به وخصصت عليه، ونحن آمرون بالنظر في بنيان المسجد الجامع المكرم، والاجتهاد في رم شعثه والأخذ بالجد في ذلك وتعجيله، مع الإبلاغ في تقويته وتحصينه، ونوكل كفاتنا بعمله والقيام عليه، ونأمرهم ألا يرفعوا أيديهم عنه غبنا أو حضرنا، حتى يبلغ تمامه بحول الله وقوته، ونحن نحملك مع ذلك التفقد لذلك والمعونة عليه وإحسان النظر في معانيه لتشركنا في عظيم ثواب الله والمعونة عليه، فانهض بذلك راشدا إن شاء الله تعالى" . وإذا كان هذا التوقيع يطول بدوره، فإنه بذلك يؤكد ما أشرنا إليه من قبل من جنوح الموقعين إلى الإطالة أحيانا رغبة في التفصيل والتوضيح ، ومن قبيل مواقف الحكام من الحاشية، من خلال التوقيعات، موقفهم من بعض الوشاة، ومن نماذج ذلك أنه حين أنعم الأمير عبد الرحمن بن الحكم على زرياب بثلاثة آلاف دينار بعد أن أطربه، فنشرها هذا على جواريه وولده، كتب أحد السعاة إليه يخبره أن المغني لم يعظم في عينيه ذلك المال، وأنه أعطاه في ساعة واحدة، 8-فوقع الأمير على كتابه: "نبهت على كل شيء كنا نحتاج التنبيه عليه، وإنما رزقه نطق على لسانك، وقد رأينا أنه لم يفعل ذلك إلا حيينا لأهل داره، ويغمرهم بنعمنا، وقد شكرناه، وأمرنا له بمثل المال المتقدم، ليمسكه لنفسه، فإن كان عندك في حقه مضرة أخرى، فارفعها إلينا" . وعبر الحكام الأندلسيون في توقيعاتهم عن مواقفهم من الثوار، فيما دار بين الطرفين من مراسلات، وما ورد في شأنهم من رسائل بعض العمال والقادة،
9-ومن ذلك ما أملاه عبد الرحمن الداخل على بعض كتابه إلى سليمان بن الأعرابي وكان خارجا عليه. "أما بعد: فدعني من معاريض المعاذير، والتعسف عن جادة الطريق، لتمدن يدا على الطاعة، والاعتصام بحبل الجماعة، أو لا أقين بنابها على رضف المعصية نكالا بما قدمت يداك، وما الله بظلام للعبيد".
10-وكتب محمد بن عبد الرحمن المعروف بالشيخ الذي كان ممتنعا بحصن (لقنت) إلى عبد الرحمن الثالث كتابا فيه ما أوجب أن أجابه عبد الرحمن بالتوقيع التالي: "ولما رأيناك قد تذرعت بإظهار اتقاء الله، رأينا أن نعرض أولا ما لا بد لك منه آخرا، وليس من أطاع بالمقال، كمن أطاع بعد الفعال" . فبادر الثائر إلى قرطبة مستسلما، مما يبرز بلاغة التوقيع وعميق تأثيره في نفس الثائر.
ب-التوقيعات الشعرية :
وإلى جانب التوقيعات النثرية، هناك توقيعات شعرية، ومنها ما يتصل بمواقف الحكام من رجال الدولة، مثلما وقع به الأمير عبد الله إلى الوزراء في قصة موسى بن حدير، وعيسى بن أحمد بن أبي عبدة، حين أراد كل منهما أن يكون مجلسه فوق الآخر. خلافا لما كان والده الأمير محمد قد رتبه من رفع الموالي الشاميين على البلديين،
1-وقد وقع على الكتاب الذي رفع إليه بهذا الشأن:
موالي قريش من قريش فقدموا
موالي قريش لا موالي معتب
إذا كان مولانا "يساويه عندنا
سواه فمولانا كآخر أجنبي.
ثالثاً-مادة التوقيعات :
أما مادة التوقيعات التي استقى منها الحكام والأدباء توقيعاتهم ، فهي:
1-القرآن الكريم
2- والحكم والأمثال
3-وثقافة الموقعين في معظم الأحيان
وقد برهن الموقعون في توقيعاتهم على براعتهم ومهارتهم، وحذقهم في تصريف الألفاظ وصياغة المعاني



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)