السيرة النبوية في التراث الأندلسي
أ-مقدمة :
برع الأدباء في الأندلس بدراسة هذا الجانب كما برعوا في جوانب أخرى كثيرة حيث اعتنوا بالتاريخ وما يتصل به من معارف وبالفقه والحديث ، وهذا الاهتمام بالسيرة النبوية كان في منتصف القرن الثاني الهجري من خلال موسى بن عقبة الأسدي في كتابه " المغازي " ، ثم في القرن الثالث الهجري تطور الأندلسيون في فهم دلالة السيرة النبوية حيث اتسم بقدر أكبر بكثير من الدقة والمنهجية العلمية وإرهاف الحس النقدي وخاصة بعد أن نشأ جيل جديد من تلاميذ بقي بن مخلد و محمد بن وضاح ؛ وقد استغرق العمل في السيرة النبوية المشرفة القرن الرابع كله وهي الحقبة التي بلغت فيها الثقافة الأندلسية أوج نضجها واكتمالها على أنه كان الاهتمام الخصب المتنوع من جانب الأندلسيين بالسيرة النبوية الشريفة قد اتخذ منذ القرن الخامس مسالك ثلاثة بينهما بعض التداخل والتشابك وإن أمكن التمييز بين بعضها البعض:
ب-مسالك السيرة النبوية : سلكت التآليف في السيرة النبوية مسالك عدة :
أولاً: المسلك العلمي النقدي:
وهو الذي كان ثمرة تلك الجهود العلمية التي استغرقت القرن الرابع وقد أنتج لنا هذا الاتجاه بعض التآليف الأندلسية التي يتمثل فيها ما أدركته ثقافة هذه البلاد الإسلامية وقد اتسم هذا الاتجاه بـ :
1- الالتزام بالمنهج العلمي الدقيق.
2- اتضحت فيه معالم الشخصية الإسلامية.
3- أصبحت مصدر لا غنى عنه للدارسين ليس في الأندلس وحدها بل في كل بلاد الشرق ونضرب مثالاً بعالمين جليلين هما: (ابن حزم. وابن عبد البر) . وابن حزم له رسالة طويلة في السيرة النبوية بعنوان " جوامع السيرة وقد كانت السيرة التي كتبها خاضعة لمنهج النقد في الحديث فجاءت مجردة من الأشعار والقصص محررة في ضوء المذهب الظاهري. وأما العالم الثاني اختص بالسيرة النبوية بمؤلف اسمه " الدرر في اختصار المغازي والسير " وقد ذكر أنه اعتمد على كتب من سبقوه مثل موسى بن عقبة ويظهر أن تشابها بين ابن حزم وابن عبد البر في كتابة السيرة فكلاهما عالم ملتزم بالمنهج النقدي الصارم لأصحاب الحديث ولابد من التعريج على أول نموذج قدمته الثقافة الأندلسية لكتابة السيرة النبوية هو الفقيه عبد الملك بن حبيب الألبيري حيث قدم الصورة المثلى للرجل المثقف في حياة الأندلس . وقد أفرد كتاباً لمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده .
ثانياً: المسلك الوجداني:
وهو فن الرسائل إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر الأندلسيون من الكتابة فيه وهي تلك الرسائل التي يوجهها مؤلفها إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتغاء البركة أو مناجاة خالصة يبثها الكاتب إيماناً نابضاً بالحرارة ومتحدثاً عما يضيق به من مشكلاته وأزماته. وكان يلتمس في مثل هذه المناجاة ضرباً من السلو والراحة وهو يتخيل نفسه متوجهاً بالخطاب إلى حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم. ومولد هذا الفن ارتبط ببداية ضعف الدولة الإسلامية في الأندلس فقد شعر الأندلسيون وهم يتأملون وطأة الأزمة على وطنهم بحاجتهم إلى مزيد من الإيمان يستلهمونه من هذه المخاطبات النبوية. وأقدم هذه الرسائل يرجع إلى أواخر عصر الطوائف الذي تمزقت فيه الدولة الإسلامية وأحدقت بها الأخطار. و أهم من ألف في ذلك: أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي الذي يذكر أنه كتب رسالة إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وبعث معها بشعر-محمد بن مسعود بن أبي الخصال الغافقي الشقوري كتب رسالة وفيها شعر-محمد بن محمد المرسي المعرف بابن الجنان -لسان الدين الخطيب كتب رسالتين فيها يبسط أحوال الأندلس وما وقع من أحداث فيها ويعتذر للرسول عليه السلام فيها بأن تلك الأهوال التي تعانيها بلاده هي التي تمنع أن تشد إلى قبره الرحال.
ج-ومن نماذج فن الرسائل إلى الرسول محمد -صل الله عليه وسلم:
1- رسالة لسان الدين الخطيب: حيث يقول فيها: ( السلام عليك يا محمد السلام عليك يا أحمد السلام عليك يا أبا القاسم سلام من يمد إليك يد الغريق ويرجو الإنقاذ ببركتك من نكد المضيق وينقطع أسفاً ويتنفس صعداً كلما ازدلف إليك فريق وعمرت نحوك الطريق ولا يفتر صلاة عليك له لسان ولا يجف ريق...... ) . ثم يقول: ( فاشفع لي يا رسول الله في زيارتك فهي أفضل المنى وتوسل لي إلى مولى فضيلتك وتقبل وسيلتك في النقلة من هنا إلى هنا ) ؛ ثم يختم الرسالة بقوله: ( كتبه عبدك المستمسك بعروتك الوثقى اللائذ بحرمك الأمنع الأوقى المتأخر جسماً المتقدم فلان " مخاطباً الله " والسلام عليك يا رسول تسليماً كثيراً ورحمة الله وبركاته) ، فالرسالة تصور ذلك الجو النفسي القلق الذي كان يسود الأندلس حينما ألحت عليها المحن وأصبح مصيرها معلقاً بخيط واهن يوشك أن ينبت
2-رسالة لسان الدين الخطيب:
الذي يقول فيها: ( إلى رسول الحق إلى كافة الخلق وغمام الرحمة الصادق البرق الحائز في ميدان اصطفاء الرحمن قصب السبق خاتم الأنبياء وأمام ملائكة السماء ومن وجبت له النبوة وآدم بين الطين والماء شفيع أرباب الذنوب وطيب أدواء القلوب والوسيلة إلى علّام الغيوب نبي الهدى.........) ؛ ثم قال: ( كتبت إليك يا رسول الله والدمع ماح وخيل الوجد ذات جماح عند الشوق الشوق يزداد كلما نقص الصبر.......... ) في هذه الرسالة بسط فيها لسان الدين أحوال الأندلس ويتحدث في تفصيل عن آخر ما وقع بها من أحداث ويعتذر للرسول عليه السلام بأن تلك الأهوال التي تعانيها بلاده هي التي تمنع أن تشد إلى قبره الرحال. ونلاحظ في الرسالة الصنعة الأدبية واللغوية حيث يختار العبارات المؤثرة والإيقاع القوي لعله يصل به إلى مراده وألفاظها مختارة ومؤنقة.
د-رسائل المدائح النبوية:
لقد كان الإنتاج النثري للمؤلفين الأندلسيين في المناقب النبوية على أعظم جانب من الجودة والوفرة فإن إنتاجهم الشعري لم يقصر عن ذلك . ولعل أول من استوقفتهم شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأديب المؤلف عبد الملك بن حبيب الألبيري الذي مر معنا وقد علمنا أنه أول مؤلف اختص بالسيرة النبوية بالكتابة . ولابن حبيب هذا قصيدة جميلة وصف بها مشاعره وهو واقف على على المشاهد النبوية أثناء رحلته للحج فيقول: ( البحر: الكامل )
لله در عصابـة صـاحبتهـا نحـو المدينـة تقطع الفلـوات
حتـى أتينا القبر قبـر محمد خص الإلــه محمداً بصـلاة
خير البرية والنبي المصطفى هادي الورى لطرائق الحسنات
لما وقفت بقربـه لسـلامـه جادت دموعي واكف بالعبرات
ورأيـت حجرتـه وموضعه الذي قد كـان يدعـو فيه للخلـوات
سـقيـاً لتـلك معاهداً شـاهدتها وشهدتهـا بالخطو واللحظـات
وبطيبة طـابوا ونـالوا رحمـة مقنـى الكتاب ومحكم الآيـات
وبقبر حمزة والصحابة حولــه فاضت دمـوع العين منهمرات
صلى الإله على النبي المصطفى هادي البريـة كاشف الغمرات
وعلـى ضجيعته السـلام مردداً ما لاح نور الحق في الظلمات
فنلاحظ في هذه الأبيات العاطفة الجياشة التي ملأت قلبه حتى جعلت العبرات دائماً تسكب والدموع منهمرة وكيف أنه استعمل الألفاظ الملائمة المناسبة لهذا الموقف وهذا وإن دل فإنه يدل على قدرة وثقافة هذا الشاعر ؛ وهذا الرعيني الغرناطي يقول وهو يسكب العبرات في روضة رسول الله صلى الله عليه وسلم :
هذه روضة الرسـول فدعنـي أبذل الدمـع في الصعيد السعيد
لا تلمني علـى انسكاب دموعي إنمـا صنتهـا لهذا الصـعيـد
وممن عني بالمديح النبوي لسان الدين الخطيب حيث بلغت عدد مدائحه النبوية اثنتا عشرة قصيدة حيث يقول:
وأنـت مـلاذ الخلق حيـاً وميتاً وأكــرمهـم ذاتـاً وأعظمهـم مـجداً
فلولاك ما بان الضلال من الهدى ولا امتاز في الأرض المكبّ من الأهدى ، فقد مدح النبي عليه السلام بأنه ملاذ الخلق وأكرمهم وأعظمهم في حياته وبعدها ولولاه لما استبان الضلال من الهدى . فهناك قصيدة نظمها الأديب الأندلسي ابن المناصف القرطبي في / 700 / بيتاً من الرجز بعنوان " الدرة السنية في المعالم السنية " ، وقد جمع أحد أدباء المغرب المتأخرين وهو الحسن بن عبد الرحمن بن عذرة الأنصاري كتاباً ضخماً في المدائح النبوية في أكثر من خمسة وعشرين مجلداً بعنوان: " منتهى السول في مدح الرسول " ، وهناك ديوان للمديح للشاعر الأندلسي محمد بن جابر الهواري الوادي وهو بعنوان " العقدين في مدح سيد الكونين " وله قصيدة معارضة لقصيدة البردة حيث توخى فيها أن يشمل كل بيت لوناً من ألوان البديع وقد انتشرت هذه القصيدة انتشاراً كبيراً وكانت موضعاً لشروح وتعليقات كثيرة.




المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)