المواعظ التقوية في الأدب الأندلسي
أ-مقدمة :
تعد المواعظ الدينية والوصايا الخلقية لوناً من ألوان الخطب، ترتبط معها بأقوى رابطة، لأن الموعظة هي الهدف الأول للخطيب، وقد اتخذها الوعاظ الزهاد مادة أساسية لخطبهم، لا سيما حين يلقونها على جمع من الناس أو عندما يتوجهون بها إلى وعظ الخلفاء والأمراء والوقوف بين أيديهم لإلقاء نصائحهم ووصاياهم في الترغيب والترهيب، وكان الناس على استعداد لتقبل تلك المواعظ الزهدية، لما تثيره في نفوسهم من أحاسيس ومشاعر، ولما عُرف عن أصحابها من ورع وتقى وصلاح . وكانت تلك المواعظ تشتمل على عظات دينية وخلقية، ونصائح ووصايا قوامها التوجه إلى الله والدعوة إليه، والتزهيد في الدنيا والغض من شأنها، والترغيب في الآخرة والعمل بها والدعوة إلى العدل والتحذير من الظلم . والحقيقة أن هذا اللون من المواعظ الدينية قد عرف في الأندلس على يد جماعة من الزهاد الوعاظ الذين تعدّت رسالتهم حدود المسجد إلى التجوال في بلاد الأندلس للتذكير والوعظ.
ب-أشهر أصحاب المواعظ:
1-ولعل أول المواعظ الزهدية في الأندلس ما وَعَظ به القاضي الزاهدُ منذر بن سعيد الخليفة عبد الرحمن الناصر لما رآه منه من انهماك في العناية بمدينة الزهراء، وانصراف عن الاهتمام بصلاة الجمعة، فخطب في الناس بحضور الخليفة، وعرّض به، فذكره بالموت ودعاه إلى الزهد في عرض الدنيا الزائل، حتى بكى الناس وبكى الخليفة، وندم على ما سلف له من فرطه، واستعاذ بالله من سخطه، وقد بدأ الواعظ خطبته بقوله تعالى: أتبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانع لكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين، فاتقوا الله وأطيعون... فمتاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى، وهي دار القرار، ومكان الجزاء...."وهي وصية على شكل خطبة
2-ومن الوعاظ الزهاد ابن الطلاع، إذ كانت له موعظة مع المعتمد ابن عباد صاحب إشبيلية، فقد لقيه المعتمد يوماً، فنزل له عن دابته، ووعظه ابن الطلاع، ووبخه على حياته اللاهية العابثة من خلال الوصية .
3-وممن عرف بمثل هذه العظات الدينية الزاهد أبو بكر الطُرطُوشي ، إذ دخل يوماً على الأفضل بن أمير الجيوش، فوعظه حتى أبكاه، وما جاء في موعظته: "إن الأمر الذي أصبحت فيه من الملك إنما صار إليك بموت مَنْ كان قبلك، وهو خارج عن يدك بمثل ما صار إليك، فاتق الله فيما خولك من هذه الأمة، فإن الله - عز وجل - سائلك عن النقير والقطمير والفتيل، واعلم أن الله -عز وجل - أتى سليمان بن داود مَلَكَ الدنيا بحذافيرها، فسخر له الإنس والجن والشياطين والوحش والبهائم، وسخر له الريح تجري بأمره رخاء، حيث أصاب، ورفع عنه حساب ذلك أجمع، فقال له عزَ مَنْ قال " هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب "، فما عُد ذلك نعمة كما عددتموها، ولا سحبها كرامة كما حسبتموها، بل خاف أن يكون استدراجاً من الله عز وجل، فقال: " هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر " فافتح الباب، وسهل الحجاب، وانصر المظلوم " . وتعد هذه الموعظ من أجمل المواعظ الدينية وأبرعها، لما امتازت به من بساطة التعبير وصدقه، وبعد عن التكليف، وقدرة على استمالة الأمير وإقناعه، وقد تسربلت تلك الموعظة بعاطفة دينية صادقة كان لها تأثير في نفس الأمير دفعته إلى البكاء فَرَقا، لأن " لأكثر المواعظ أثراً في النفس، وبلوغاً إلى القلب، وتأثيراً في السامع ما كان عن مطابقة حقيقية بين القول والفعل، وما كان صدى مستقيماً لسلوك مستقيم، وخلق قويم" ولقد سلك الواعظ الزاهد في موعظته سبيل العبارة الطويلة مبتعداً عن العبارة القصيرة المسجوعة إلا ما ورد منها عفو الخاطر دون قصد مثل: "فافتح الباب، وسهل الحجاب" . وكان تأثرها بمسلك القرآن الكريم في الوعظ وبأسلوبه واضحاً جلياً، فقد اقتبس من آي الذكر الحكيم على سبيل الاستشهاد، ليكون بينه على صدق ما يقول، وصحة ما يذهب إليه، الأمر الذي منح الموعظة جواً من المهابة والجلال الديني، وأورث " الكلام البهاء والوقار والرقة وحسن الموقع " . ويمكن أن يعد ما ورد في كتاب " سراج الملوك " للمؤلف نفسه من مواعظ زهدية في باب مقامات الوعاظ والزهاد عند الأمراء والسلاطين ، ومن قوله: " يا أيها الرجل... أما ترى الدنيا تقبل إقبال الطالب، وتدبر إدبار الهارب، فخيرها يسير، وعيشها قصير، وإقبالها خديعة، وإدبارها فجيعة، ولذاتها فانية، وتبعاتها باقية، فاغتنم غفوة الزمان، وانتهز فرصة الإمكان، وخذ من نفسك لنفسك، وتزود من يومك لغدك ولا تنافس أهل الدنيا في خفض عيشهم ولين رياشهم، ولكن انظر إلى سرعة ظعنهم، وسوء منقلبهم"
4-ووعظ الخطيب أبو الحسن بن شريح أمير المسلمين على بن تاشفين ونصحه باتباع العدل وحسن اختيار الولاة الصالحين " اقتداء بالخلفاء الراشدين، وامتثالاً لفعل الأئمة الصالحين الذين قدروا هذه الدنيا حق قدرها، وتحققوا مكرها وغدرها، فعدلوا إلى الدار الآخرة، وابتاعوا ما يدوم ويبقى بما يبيد ويفنى، لم يشغلهم عن القيام بأمر الله إلْف ولا سكن، ولا ثبطهم عن جهاد عدوه دار ولا وطن" . وتدل مواعظ الزهاد الدينية عند الأمراء بجلاء على إيمانهم برسالتهم في الصلاح البشري وعلى شجاعتهم وقدرتهم على الجهر بكلمة الحق، واستهانتهم بالدنيا وزهدهم في حب العيش فيها، فكان للواعظ الزاهد ابن الطلاع " أقوّالا بالحق، وإن أوذي فيه، لا تأخذه في الله لومة لائم". فجمعت مواعظهم بذلك بين الصدق والشجاعة بعيداً عن التكلف والمصانعة


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)