النقد الأدبي
في العصر الأندلسي
أولاً- مدارات النقد الأدبي :
أ-مقدمة :
دار النقد الأدبي في الأندلس في مجالات الدفاع عن الأندلس وأدبها، ونافح الفقيه ابن حزم عن علماء بلاده وأدبائها، ولعل تضخم الشعور بضرورة التحرر من النموذج الأدبي المشرقي هو الذي حفز الأدباء الأندلسيين على رفض التبعية الأدبية وإلى تعدد محاولات الاستقلال، وظل هذا الموضوع هاجسا يقض مضاجع بعض أدباء الأندلس، وقد أقدم ابن حزم على تأليف رسالة في فضل الأندلس وذكر رجالها،
ثانياً-نظريات النقد الأدبي الأندلسية :
1-نظرية ابن طباطبا العلوي في عيار الشعر :
كتب محمد أحمد ابن طباطبا العلوي ( 322 هـ ) كتابه ( عيار الشعر ) من أجل وصف الشعر والسبب الذي يتوصل به إلى نظمه
يبدأ ابن طباطبا كتابه بتعريف للشعر اشتمل على عناصر الوظيفة والماهية والمصدر المعرفي , حيث يقول :
أ-الشعر :
1-كلام منظوم بائن عن المنثور الذي يستعمله الناس في مخاطباتهم , بما يخص به من النظم الذي إن عدل عن جهته مجته الأسماع , وفسد على الذوق ونظمه معلوم محدود ,
2- فمن صح طبعه وذوقه لم يحتج إلى الاستعانة على نظم الشعر بالعروض التي هي ميزانه , ومن اضطرب عليه الذوق لم يستغن من تصحيحه وتقويمه بمعرفة العروض والحذق به , حتى تعتبر معرفته المستفادة كالطبع الذي لا تكلف معه .
3-إن ابن طباطبا يربط بين النظم وقوانين العروض .
4- ويربط صحة الطبع بالذوق لدى الشاعر .
5- يفرق بين المعرفة المكتسبة التي يتم هضمها فتصبح جزءا ً من عفوية الشاعر وبين معرفة أهل العلم لأدوات الشعر ,
6-الشعر منظوم بالطبع.
7-للشعر أدوات ومصادر معرفية يجب إعدادها قبل مراسه وتكلف نظمه
8-الشعر عنده كالسبيكة المفرغة والوشي المنمنم والعقد المنظم واللباس الرائق-
9-وتكون قوافيه كالقوالب لمعانيه
10-وتكون قواعد البناء يتركب عليها ويعلو فوقها فيكون ما قبلها مسوقا إليها ولا تكون مسوقة إليه , فتقلق في مواضعها , ولا توافق ما يتصل بها
11-وتكون الألفاظ منقادة لما تراد له غير مستكرهة ولا متعبة .
ب-أدوات الشاعر عنده :
1-التوسع في اللغة
2- البراعة في فهم الإعراب
3-الرواية لفنون الآداب
4- المعرفة بأيام الناس وأنسابهم ومناقبهم
5- الوقوف على مذاهب العرب في تأسيس الشعر
6-التصرف بحكاياتها وأمثالها . . ..
وأدوات وشروط الشعر النموذجية هي وجماع هذه الأدوات كمال العقل الذي تتميز به الأضداد , ولزوم العدل وإيثار الحسن واجتناب القبيح ووضع الأشياء في مواضعها ، هكذا يتحدث ابن طباطبا عن ماهية الشعر ونموذجية الشعر وأدوات الشاعر ومصادره المعرفية المرغوبة مؤكدا ً جانبي : الاكتساب والطبع. وهذا يقوده إلى اعتبار الشعر صنعة والقصيدة تعتمد على مجموعة من البنى والأنساق والأنظمة والجوامع فإذا أراد الشاعر بناء قصيدة محض المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه في فكره نثرا ً , وأعد له ما يلبسه إياه من الألفاظ التي تطابقه , والقوافي التي توافقه , والوزن الذي يسلس له القول عليه . فإذا اتفق له بيت يشاكل المعنى الذي يرومه , أثبته . وأعمل فكره في شغل القوافي . فإذا كملت المعاني له وكثرت الأبيات . بينها بأبيات تكون نظاما ً لها وسلكا ً جامعا لما تشتت منها . ثم يبدل بكل لفظة مستكرهة لفظة سهلة نقية ويكون كالنساج الحاذق وكالنقاش وكناظم الجوهر. وبهذا يرى ابن طباطبا اكتمال الصنعة . ومن هنا ربط بين صناعة الشعر وكمال العقل . مع أنه عند تعريفه للشعر اشترط الطبع وقال بوضوح هناك فارق بين معرفة الشاعر بمصادره المعرفية العلمية وبين معرفة العلماء . فالأولى يتم هضمها حتى تتحول إلى جزء من الطبع وفي الثانية تظل المعرفة العلمية منفصلة عن النص
ج-أفكار ابن طباطبا:
والأفكار الأساسية في أطروحات ابن طباطبا حول الوظيفة والماهية والمعرفة الشعرية
أولا : إن الشاعر النموذجي يعتمد الصدق والوفاق في تشبيهاته وحكاياته
ثانيا ً : شعراء عصره في أشعارهم قد سبقوا إلى كل معنى بديع ولفظة فصيحة وحيلة لطيفة وخلابة ساحرة . فإن أتوا بما يقصر عن معاني أولئك ولا يربى عليهم لم يتلق القبول .
ثالثا ً : ويسلك الشاعر منهاج أصحاب الرسائل في بلاغاتهم وتصرفهم في مكاتباتهم
رابعا ً : الشعر على تحصيل جنسه ومعرفة اسمه متشابه الجملة , متفاوت التفصيل مختلف كاختلاف الناس في صورهم وعقولهم . فمن الأشعار أشعار محكمة متقنة أنيقة اللفظ حكيمة المعاني عجيبة التأليف , وللمعاني ألفاظ تشكلها فتحسن فيها وتقبح في غيرها .
خامسا ً : في أشعار المولدين عجائب استفادوها ممن تقدمهم , ولطفوا في تناول أصولها منهم ولبسوها على من بعدهم , وتكثروا بإبداعها فسلمت لهم عند ادعائها , للطيف سحرهم فيها وزخرفتهم لمعانيها .
سادسا ً : ينبغي للشاعر أن لا يظهر شعره إلا بعد ثقته بجودته .
سابعا ً : العرب أودعت أشعارها من الأوصاف والتشبيهات والحكم ما أحاطت به معرفتها ومرت به تجاربها وأدركه عيانها .
ثامنا ً : الكلام الذي لا معنى له كالجسد الذي لا روح فيه فللكلام جسد وروح , فجسده النطق وروحه معناه.
تاسعا : عيار الشعر أن يورد على الفهم الثاقب , فما قبله واصطفاه فهو واف , وما مجه ونفاه فهو ناقص .
عاشراً: للشعر الموزون إيقاع يطرب الفهم لصوابه ويرد عليه من حسن تركيبه واعتدال أجزائه فإذا اجتمع للفهم مع صحة الوزن , صحة المعنى وعذوبة اللفظ , تم قبوله , إن نقص جزء من أجزائه التي يعمل بها وهي : اعتدال الوزن , وصواب المعنى وحسن الألفاظ , كان إنكار الفهم إياه على قدر نقصان أجزائه . ولحسن الشعر وقبول الفهم إي الحال التي يعد معناه لها.
حادي عاشر : الشعر هو ما عري من معنى بديع لم يعر من حسن الديباجة . وما خالف هذا فليس شعرا ً
ثاني عشر : أخذ المعاني واستعمالها في الأشعار على اختلاف فنون القول فيها . (( فالشعر رسائل معقودة والرسائل شعر محلول إذا فتشت أشعار الشعراء كلها وجدتها متناسبة , أما متناسبة قريبا أو بعيدا ً.
د-ملاحظات:
1- النموذجية النسبية موجودة فقي الشعر القديم وبالتالي
2-الشاعر المحدث يواجه محنة عدم استخدام لمقاييس القدماء
3-وضع أساسات أخلاقية لمفهوم الصدق بينما وضع أساسا ً فنيا ً لمفهوم الكذب , 4-فكيف تصح المقارنة بين مفهوم أخلاقي ومفهوم فني رغم اختلافهما في النوع ؟, وتطبيقه لهذا المفهوم نفسه , حين يضع مقاييس فنية خاطئة للتفرقة بين مخاطبة الملوك ومخاطبة العامة .
5-اعتبار القديم هو النموذج واعتبار المحدث قاصر لأنه تلاه زمنيا ً فقط .
6-عندما تخلى ابن طباطبا عن الصدق , لجأ إلى تعليم الشعراء كيفية السرقة
7-حول ابن طباطبا السرقة إلى مصدر شرعي من مصادر الشاعر المعرفية ولكنه طالبه بإخفائها جيدا ً
8-سيطر العقل اللفظي على فكر ابن طباطبا حين يفصل بين المعاني والألفاظ , لأنه ربطها بمفهومي : الحسن والقبيح وهما مفهومان أخلاقيان كما نفهم من تطبيقات ابن طباطبا
9-أعطي أهمية للتشبيه ولكنه يطلب من الشاعر المحدث أن يقلد تشبيهات القدماء 10-يضع النماذج القديمة في التشبيهات أساسا مطلقا للتشبيه كعنصر من عناصر البنية السطحية .
11-استنتج قوانين جزئية محدودة من النصوص ليوهمنا أنها قوانين شاملة , وكان متفردا في تفسير الطبع على أساس روحاني: بمعنى أن من تغلبت نفسه على جسمه كان مطبوعا روحانيا، فتجيء الصور عنه في أجمل صورة، وفي اعتبار الطاقة الشعرية واحدة في البديهة والروية. ابن رشيق وابن شرف...، وربما لم يبلغ أي ناقد أندلسي آخر مبلغه في إرهاف الذوق والإحساس بالجمال الفني، وفي اتخاذ شاعريته وسيلة للتعبير عن آرائه النقدية بطريق التصوير،
2-نظرية حازم القرطاجي الشعرية :
أ-
ب-
ج-
د-رؤيا حازم القرطاجي للشعر :
تأثر حازم القرطاجي بكتاب الشعر لأرسطو تأثيرا عميقا في المنهاج. وقد أكثر فيه القرطاجني الاهتمام بالصناعة الشعرية، فهو يعرف الشعر بأنه "كلام موزون مقفى من شأنه أن يحبب إلى النفس ما قصد تحبيبه إليها، ويكرّه إليها ما قصد تكريهه لتحمل بذلك على طلبه أو الهرب منه، بما يتضمن من حسن تخييل له، ومحاكاة مستقلة بنفسها أو متصورة بحسن هيئة تأليف الكلام أو قوة صدقه أو قوة شهرته أو بمجموع ذلك". "وهو ينقل في هذا الفصل كثيرا عن الفارابي وابن سينا، ويزيد على ما ينقله محاولة جديدة لتحديد معنى التخييل وتفصيل أنواعِه ووصف عمل الشاعر فيه. وفي ذلك كله نجد التأثير اليوناني واضحا، بل نجد كلام حازم استمرارا لكلام ابن سينا، لولا أن هذا فيلسوف يكتب في الشعر، وذاك شاعر يعتمد على الفلسفة. وكما يصرح حازم بذكر ابن سينا والفارابي يشير إلى أرسطوطاليس مؤكدا أن القوانين التي وضعها غير كافية لأن تطبق على أشعار العرب". وتقسيم حازم للشعر إلى طريقتين – طريقة الجد وطريقة الهزل يوحي باستفادته من أرسطو. وحرص حازم على أن ينتفع من الشعر اليوناني في هذا الباب، فاعتمد على ما لاحظه أرسطو من أن الشعراء الأخيار مالوا إلى محاكاة الفضائل، بينما مال الأرذال إلى محاكاة الرذائل، وما فهمه من تلخيص ابن سينا أن التراجيديا محاكاة ينحى بها منحى الجد والكوميديا محاكاة ينحى بها منحى الهزء والاستخفاف، فجعل ذلك عمدة في تقسيم الشعر العربي إلى طريقتين – الجد والهزل. واستطاع حازم بهذا أن يطبق بإخلاص تقسيم أرسطو هذا للشعر اليوناني على الشعر العربي الغنائي..
ه-رأي حازم القرطاجي في ظاهرة الإبداع :
وأما من حيث الإبداع، فتتولد المعاني الشعرية من قيام هذا الفن بوصف حالات النفس وانفعالاتها وتأثراتها؛ فهناك ظواهر تسير بالنفس بين قبض وبسط، وحركات النفس بسائط ومركبات، تتضمن الارتياح والاكتراث وما تركب منهما – وهي الطرق الشاجية؛ والأنواع التي تقع تحت هذه الأجناس هي: الاستغراب والاعتبار والرضى والغضب والنزاع والنزوع والخوف والرجاء. وهذا الإبداع لا يتأتى على أكمل الوجوه إلا بحصول ثلاثة أشياء، وهي:
1- المهيئات
2- والأدوات
3- والبواعث.
1-أما المهيئات فأهمها البيئة ذات الهواء الطلق، والمطعم الطيب، والمناطق الأنيقة، والترعرع بين الفصحاء الذين دربوا على الإحساس بالإيقاع وحفظ الكلام الموزون.
2-والأدوات هي العلوم المتعلقة بالألفاظ والعلوم المتعلقة بالمعاني.
3-والبواعث تنقسم إلى أطراب وآمال. فالأطراب كعوامل الحنين والآمال كالاستشراف إلى العطاء وما أشبه.
وبجانب هذه العوامل، لا بد لكمال إبداع الشعر من توفر قوى داخلية، وهي ثلاثة:
1-القوة الحافظة، وهي أن تكون خيالات الفكر منتظمة متمايزة، تلبس الموضوع صورة جلية حقيقية، مع تجنب جميع ما يعكرها ويكسبها الغموض وعدم الانتظام.
2-القوة المائزة هي التي يميز بها الشاعر ما يلائم موضوعه ونظمه وأسلوبه وغرضه مما لا يلائم ذلك.
3-القوة الصانعة هي التي تضم الألفاظ والمعاني والتركيبات النظمية والمذاهب الأسلوبية بعضها إلى بعض. وإذا اجتمعت هذه القوى جميعها في الشاعر، سمي ذلك بالطبع الجيد في صناعة الشعر. وتبدو لنا من جملة ما سبق سيطرة حازم على مختلف جوانب النقد التي نجدها في أماكن متفرقة على مرّ الزمان. فهو قد استفاد من النقاد الفلاسفة في تعريف الشعر وتعلقه بحركات النفس، كما أخذ عن الجاحظ القول بأثر البيئة والعرق، ووقف في صف النقاد الذين قالوا بحاجة الشاعر إلى الثقافة (العلوم) . وأما حديثه عن القوى الحافظة والمائزة والصانعة فهو قياس على ما نجده عند الفلاسفة (وخاصة ابن سينا) من الحديث عن قوى النفس: قوة الفنطاسيا والقوة المصورة والقوة المخيلة والقوة الوهمية والقوة الحافظة الذاكرة. فأحسن حازم الجمع بين هذه النظريات المتبعثرة واستخلص منها تصوره لماهية الشعر، التصور الذي يتسم بغاية الدقة والإتقان.
و-أقسام الشعر عند حازم القرطاجي
ينقسم الشعراء عند حازم القرطاجي إلى : الجد والهزل،
1-"فأما طريقة الجدّ فهي مذهب في الكلام تصدر الأقاويل فيه عن مروءة وعقل بنزاع الهمة والهوى إلى ذلك. ويجب في هذه الطريقة أن يُتجنّب الهزل، أي الساقط والمولد من الألفاظ، ويعتمد على العربي المحض الصريح في الفصاحة، ويعتمد فيها من المعاني ما لا يشين ذكره ولا يسقط من مروءة المتكلم، ويُتحرّى فيها المتانة والرصانة.
2-وأما طريقة الهزل فإنها مذهب في الكلام تصدر الأقاويل فيه عن مجون وسخف بنزاع الهمة والهوى إلى ذلك." وفي هذه الطريقة الهزلية، فقد تقتبس شيئا من الطريقة الجدية (بغير العكس). وقد قال سقراط: "حكاية الهزل لذيذة سخيف أهلها، وحكاية الجدّ مكروهة، وحكاية الممزوج منهما معتدل. ولا يقبل شاعر يحكي كل جنس، بل نطرده وندفع ملاحته وطيبه، ونقبل على شاعرنا الذي يسلك مسلك الجد فقط".
ز-تقسيم الأغراض الشعرية نظرية حازم القرطاجي :
بنى حازم القرطاجي نظريته في تقسيم الأغراض على أساس النظر إلى البواعث، فلذلك لم يرتض تقسيمات المتقدمين، كما سبق بيان ذلك. وجاء منهجه هذا متسما بالدقة المتناهية، التي نتجت عن سعة ثقافته وعمق اطلاعه، وبفضل هذه الثقافة نراه يخطو خطوة بعيدة أمام من قبله من النقاد في ربط الأغراض بالانفعالات النفسية التي تبعث على قول الشعر، ومن ثم تقسيم الشعر بالنظر إلى تلك البواعث . وأشار حازم في مستهل حديثه عن تقسيم الأغراض الشعرية إلى أقوال النقاد السابقين حول هذه القضية، وأورد اختلافهم في ذلك . فقسم بعضهم الأغراض إلى ستة أقسام: "مدح وهجاء ونسيب ورثاء ووصف وتشبيه". وحصرها بعض آخر إلى خمسة، حيث أرجع التشبيه إلى معنى الوصف . ولم يعجب حازم بهذا التقسيم، وألزم أصحاب هذا الرأي أن يدخلوا قسم الوصف في الذم أو الحمد. فذلك متعين وإن لم تكن تلك الأوصاف مما يحتاج الناس إلى حمد موصوفاتها أو ذمها؛ إذ "في كل الحالات يصل إليها من ذلك شيء." ؛ ثم استأنف في إيراد أقوال النقاد في الأغراض، فهي عند فريق أربعة: "الرغبة والرهبة والطرب والغضب"، وعند فريق آخر: "الشعر كله في الحقيقة راجع إلى معنى الرغبة والرهبة." وبعد هذا السرد القصير بدأ حازم في بيان طريقته الخاصة في هذا التقسيم وقال: "وهذه التقسيمات كلها غير صحيحة لكون كل قسم منها لا يخلو من أن يكون فيه نقص أو تداخل. وأنا أذكر الوجه الصحيح والمأخذ المستقيم في القسمة التي لا نقص فيها ولا تداخل."
وهو يطلب بهذا مبدأ الوحدة الذي طلبه قدامة عندما جعل أغراض الشعر نابعة من منبع واحد أخلاقي هو الفضيلة (وما يناقضها) وأنها تتجسم في صورة واحدة هي المدح (وما يناقضه). لكنه سلك طريقا جديدة في تصوير هذه الوحدة فقال: "إن الأقاويل الشعرية لما كان القصد بها استجلاب المنافع واستدفاع المضار ببسطها النفوس إلى ما يراد من ذلك وقبضها عما يراد بما يخيل لها فيه من خير أو شر، وكانت الأشياء التي يرى أنها خيرات أو شرور منها ما حصل ومنها ما لم يحصل، أ-وكان حصول ما من شأنه أن يطلب يسمى ظفرا، وفوته في مظنّته الحصول يسمّى إخفاقا،
ب-وكان حصول ما كان من شأنه أن يُهرب عنه يسمى أذاة أو رزءا، وكفايته في مظنة الحصول تسمى نجاة، سمي القول في الظفر والنجاة تهنئة،
ج-وسمي القول بالإخفاق إن قصد تسلية النفس عنه تأسيا،
د-وإن قصد تحسرها تأسُّفا،
ه- وسمي القول في الرزء إن قصد استدعاء الجلد على ذلك تعزية،
و-وإن قصد استدعاء الجزع من ذلك سمي تفجيعا،
ز- فإن كان المظفور به على يدي قاصد للنفع جوزي على ذلك بالذكر الجميل وسمي ذلك مديحا،
ح-وإن كان الضار على يدي قاصد لذلك فأدى ذلك إلى ذكر قبيح سمي ذلك هجاء،
ط-وإذا كان الرزء بفقد شيء فندب ذلك سمي ذلك رثاء."
وعَقِبَ هذا قسم المنافع إلى :
1-ما يكون بالنسبة والملاءمة
2– وإلى ما يكون بالفعل والاعتماد.
أ-فما تعلق من تلك المنافع بهوى النفس سمي نسيبا،
ب-وما كان متعلقا بالأشياء المستدعية رضى النفس سمي مديحا،
ج-وإذا تعلق الذكر القبيح بالأشياء المنافرة لهوى النفس والأشياء المباعدة رضاها فكلاهما داخل في قسم الهجاء . ولما أورد الأقسام الفرعية للشعر مثل التوبيخ والإعتاب ، توجه إلى تقسيم "الأقوال فيما حصل مما شأنه أن يطلب أو يهرب عنه إلى :
1-تهانٍ وما معها،
2-وتعازٍ وما معها،
3-ومدائح ٍوما معها."
وبعد التقسيمات الكثيرة الصعبة، عاد حازم إلى ذكر هذه الأغراض الأربعة مديحا أنها "أمهات الطرق الشعرية" – وأن كل ذلك يرجع إلى ما سببه الارتياح أو الاكتراث أو هما معا . ولحازم في تقسيم أغراض الشعر مكانة خاصة بين سائر النقاد وفضل سبق إلى ناحية من هذه القضية. فبتتبع كل المحاولات لتقسيم الشعر نلاحظ أنها تنصب كلها على جانب الشكل والصورة النهائية للشعر، ولم تتعرض للبواعث إلى الأقوال الشعرية. والذي دفعه إلى ذلك هو فكرته عن التخييل، فمعاني الشعر عنده "ترجع إلى :
1-وصف أحوال الأمور المحركة إلى القول،
2-أو إلى وصف أحوال المتحركين لها،
3- أو إلى وصف أحوال المحركات والمحركين مع.
4- وأحسن القول وأكمله ما اجتمع فيه وصف لحالين."
ومضى في هذا الاتجاه وبين أغراض الشعر من ناحية البواعث على قولها؛ فعلى سبيل المثال، "الارتياح للأمر السار إذا كان صادرا عن قاصد لذلك أرضى فحرّك إلى المدح...
ح-علاقة الأوزان بالأغراض الشعرية عند حازم القرطاجي :
يقول حازم القرطاجي : إن للأغراض الشعرية علاقة في التلاؤم مع الأوزان
1-– فالمقاصد التي يقصد فيها إظهار الشجو والاكتئاب، فقد تليق بها الأعاريض التي فيها حنان ورقة."
2-كل غرض من أغراض الشعر يوجب نوعا معيّنا من الأوزان.
3-إذا قصد الشاعر الفخر استدعى ذلك الأوزان الفخمة الباهية الرصينة؛
4-وإذا كان قصده هزليا أو استفخافيا أو نحو ذلك جاء بما يناسبه "من الأوزان الطائشة القليلة البهاء."
5- "العروض الطويل تجد فيه أبدا بهاء وقوة.
6-وتجد للبسيط سباطة وطلاوة.
7- وتجد للكامل جزالة وحسن اطراد،
8-وللخفيف جزالة ورشاقة،
9-وللمتقارب سباطة وسهولة،
10-وللمديد رقة ولينا مع رشاقة،
11-وللرمل لينا وسهولة،
12-ولما كان في المديد والرمل من اللين كان أليق بالرثاء وما جرى مجراه منهما بغير ذلك من أغراض الشعر."
13-فالشاعر القوي إذا نظم شعرا على الوافر "اعتدل كلامه وزال عنه ما يوجد فيه مع غيره من الأعاريض القوية من قوة العارضة وصلابة النبع." والمثال على ذلك أبو العلاء المعري، "فإنه إذا سلك الطويل توعر في كثير من نظمه حتى يتبغّض، وإذا سلك الوافر اعتدل كلامه وزال عنه التوعر"
14- ما ذكرته من تخييل الأغراض بالأوزان قد نبه عليه ابن سينا في غير موضع من كتبه، ومن ذلك قوله في الشفاء، في تعديد الأمور التي تجعل القول مخيّلا:
ط-والأمور التي تجعل القول مخيلا:
1-أمور تتعلق بزمان القول وعدد زمانه وهو الوزن،
2- أمور تتعلق بالمسموع من القول،
3-أمور تتعلق بالمفهوم من القول،
4-أمور تتردد بين المسموع والمفهوم
ي-نظم الشعر:
النظم صناعة آلتها الطبع. والطبع هو استكمال للنفس في فهم أسرار الكلام، والبصيرة بالمذاهب والأغراض التي من شأن الكلام الشعري أن ينحى به نحوها؛ فإذا أحاطت بذلك علما قويت على صوغ الكلام بحسبه عملا، وكان النفوذ في مقاصد النظم وأغراضه وحسن التصرف في مذاهبه وأنحائه إنما يكونان بقوى فكرية واهتداءات خاطرية تتفاوت فيها أبكار الشعراء." و"اعلم أن خير الشعر ما صدر عن فكر وَلِع بالفن"، بأن يكون لدى الشاعر صدق الإحساس بالتجربة الشعرية. "ولهذا كان أفضل النسيب ما صدر عن سجية نفس شجية". ويجعل الخيال قادراً على تعويض تلك التجربة؛ والخيال إنما يتأتى عن طريق الثقافة ودراسة طرق السابقين حتى تصبح للشاعر "قوة على التشبه"
ك-والشعراء في هذه القوة قسمان: "
1-فأما من ينسحب تأثير تلك القوة على جميع كلامه أو أكثره فهم الذين لا تحتاج فيهم تلك القوة إلى معاونة من أمر خارج عن الذهن من الأمور الباعثة على قول الشعر، لتوفير تلك القوة فيهم على كل حال. ومن أيمة هذا الصنف: الشريف ومهيار وابن خفاجة.
2-وأما من لا ينسحب تأثير تلك القوة التشبيهية إلا على الأقلّ من كلامه فهم الذين تحتاج تلك القوة فيهم إلى معاونة بالأمور الباعثة على قول الشعر."
ل-القوى التي تحتاج إليها الشاعر لنظم الشعر :
1-القوة على التشبيه فيما لا يجري على السجية ولا يصدر عن قريحة بما يجري على السجية ويصدر عن قريحة.
2-القوة على تصور كليات الشعر والمقاصد الواقعة فيها والمعاني الواقعة في تلك المقاصد...
3-القوة على تصور صورة للقصيدة تكون بها أحسن ما يمكن (من حيث توالي أجزائها).
4-القوة على تخيل المعاني بالشعور بها...
5-القوة على ملاحظة الوجوه التي يقع بها التناسب بين المعاني.
6-القوة على التهدي إلى العبارات الحسنة الوضع والدلالة على تلك المعاني.
7-القوة على التخيّل في تسيير تلك العبارات متّزنة...
8-القوة على الالتفات من حيّز إلى حيّز والخروج منه إليه والتوصل به إليه.
9-القوة على تحسين وصل بعض الفصول ببعض والأبيات ببعضها.
10-القوة المائزة حسنَ الكلام من قبيحه بالنظر إلى نفس الكلام وموضعه.
م-مراتب الشعراء :
1-الذي اجتمعت في هذه القوى فهو الشاعر في الحقيقة أو الشاعر الكامل. وهذه الطائفة هم الشعراء الذين يقوون على تصوّر كليات المقولات؛
2-الذين حصل لهم قسط متوسط من هذه القوى وهم الذين تغلب فيهم الدربة على الخيال
3-الذين حصل لهم قسط قليل من تلك القوى، وهم أدعياء الشعراء المتلصّصون الغيورون على معاني غيرهم – "وهم شر العالم نفوسا وأسقطهم همماً وهم النقلة للألفاظ والمعاني على صورها في الموضع المنزل منه من غير أن يغيّروا في ذلك ما يعتدّ به."
ن-وصية حازم القرطاجي للشعراء :
إذا أراد الشاعر نظم الشعر والزمان مُنْسَجِمٌ له، فعليه:
1- أن يأخذ بوصية أبي تمام للبحتري.
2- ومن ثم يحضر الشاعر مقصده في خياله وذهنه ويتخيل المعاني التي هي عمدة،
3- ثم يقسمها في فصول مرتبة، مختاراً الوزن المناسب.
4- وعلى الشاعر أن يتجنب الحالات النفسية التي تقف بينه وبين نظم الشعر كالكسل في الخاطر أو التشتت فيه أو الاستيلاء السهو عليه أو تكليفه لمواد العبارات (لأنها قليلة)،
5- وأن يحذر حين يصوغ الشعر من أن يكون قدر الوزن فوق قدر المعنى أو العكس،
6- أو يكون المعنى دقيقا داعيا إلى إيراد العبارة عنه على صورة يقلّ ورودها عفواً،
7- أو يكون المعنى من المعاني التي يقلّ التعبير عنها في اللسان، فلا يتمكن الخاطر من إيرادها موزونة إلا بعد كدّ وتعب.
8- وأما بالنسبة إلى العبارة، فيجب أن يراعي الشاعر فيها
أ*- حسن التأليف وتلاؤمه (في الحروف والكلمات)،
ب*- والتسهل في العبارات وترك التكلف،
ت*- وإيثار حسن الوضع والمبنى
ث*- وتجنب ما يقبح من ذلك،
ج*- وتجنب الزيادة والحشف،
ح*- كما أن عليه اختيار العبارات المستعذبة الجزلة.
ص-أقسام الشعراء بالنسبة للنظم : وينقسم الشعراء بالنظر إلى عملية النظم إلى قسمين:
1-شاعر مروٍّ الذي يحتاج لروية قبل أن ينظم وحال النظم وعند الفراغ، وبعد الفراغ من النظم. ومعنى ذلك أنه يعتمد على قوة التخييل والقوة الناظمة وقوة الملاحظة وقوة الاستقصاء. وقد تُحدث الروية تغييراً في العبارة أو معنى لكي لا يواطئ الشاعر من سبقه، و"طلباً للغاية القصوى من الإبداع".
2-شاعر مرتجل، حيث تكون أحسن حالات شعره أن يأتي مستقصى مقترن المعاني، وأسوأ حالاته أن يكون شعره غير مستقصى ولا مقترن.
ع-اختلاف الشعر عند حازم :
1-الشعر يختلف باختلاف أنماطه وطرقه، فشاعر يحسن في النمط الذي يقصد فيه الجزالة والمتانة من الشعر، ولا يحسن طريقة الرقة واللطافة؛ وآخر يحسن في النسيب دون غيره من الأغراض.
2-الشعر يختلف بحسب اختلاف الأزمان وما فيها من الأمور يولع الناس بالتعلق بها في أشعارهم، فهناك زمن تشيع فيه وصف الطبيعة وما ناسب ذلك ويجيدون فيه، وزمان آخر يشيع فيه وصف الحروب أو الغارات، أو نيران القرى وإطعام الضيوف...
3-الشعر يختلف بحسب الأمكنة وما يوجد فيها مما شأنه أن يوصف؛ فبعض الشعراء يحسن في وصف الوحش (البادية) بينما يحسن البعض الآخر وصف الروض أو(الحاضرة).
4-الشعر يختلف بحسب اختلاف أحوال القائلين وأحوال ما يتعرّضون للقول فيه، فواحد يحسن الفخر، والآخر يحسن المدح...
5- الشعر يختلف بحسب اختلاف الأشياء فيما يليق بها من الأوصاف والمعاني، 6-الشعر يختلف بحسب ما يختص به كل أمة من اللغة المتعارفة عندها...
ف-متى نثني على الشاعر :
1-يجب الثناء على الشاعر إذا أحسن في وصف ما ليس معتاداً لديه
2-ولا مألوفاً في مكانه
3-ولا هو من طريقه
4-ولا مما احتنك فيه
5-ولا ممّا ألجأته إليه الضرورة،
6-إذا كان متكلما باللغات التي يستعملها في كلامه.
7-وبالجملة إذا أخذ في مأخذ ليس ممّا ألِفَه ولا اعتاده
8-إن الشاعر إذا أخذ في مأخذ ليس ممّا ألفه ولا اعتاده فساوى في الإحسان فيه من قد ألفه واعتاده، كان قد أربى عليه في الفضل إرباء كثيرا،
9-إذا اجتمع الشاعران في غرض ووزن وقافية، يحكم بالتفضيل للذي قال في الغرض الذي لم يألفه على الذي قال في الغرض الذي ألفه وإن تساويا في الجودة.
س-رأي حازم في المفاضلة بين جماهير شعراء:
1-"فأما المفاضلة بين جماهير شعراء توفّرت لهم الأسباب المهيّئة لقول الشعر والأسباب الباعثة على ذلك، وبين جماهير شعراء لم تتوفّر لهم الأسباب المهيئة ولا البواعث، فلا يجب أن نتوقّف فيها بل
2-نحكم حكما جزما أن الّذين توفّرت لهم الأسباب المهيئة والباعثة أشعر من الذين لم تتوفّر لهم.
3-وذلك كما نفضّل شعراء العراق على شعراء مصر.
4-ولا نتوقّف في ذلك،
5-إذ لا مناسبة بين الفريقين في الإحسان في ذلك،
6-كما لا تناسب بينهم في توفر الأسباب،
7-وإن كان أكثر تلك الأسباب أيضا في الصقع العراقي قد تغير عما كان عليه في الزمان المتقدّم."
ش-معاني الشعر: جعل حازم، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، منبع الشعر واحداً، حيث إنه وليد حركات النفس، وذلك رغبة منه في تطبيق الوحدة الأرسطية في عمله النقدي. هذه الحركات النفسية تشتمل على ثلاثة عناصر:
1-العوامل المحركة؛
2-المتحركين؛
3-العوامل المتحركة والمتحركين معاً.
"فمعاني الشعر، على هذا التقسيم، ترجع إلى :
1-وصف أحوال الأمور المحرِّكة إلى القول
2-أو إلى وصف أحوال المتحرِّكين لها
3-أو إلى وصف أحوال المحرِّكات والمحركين معاً.
4-وأحسن القول وأكمله ما اجتمع في وصف الحالين."
وبما كانت الغاية الكبرى من المعاني الشعرية هي إحداث التأثير والانفعال في النفوس الإنسانية بحملها على فعل الشيء أو التجنب منه ، فإن أدخل المعاني في الصناعة الشعرية وأعرقها فيها هي ما اشتدت علقته بأغراض الإنسان واشتركت فيها نفوس الخاصة والعامة بحكم الفطرة أو العادة . وأحق هذه المعاني بالتعبير عنها في الأغراض الشعرية هي:
1- ما كان معروفا ومؤثراً في آن واحد،
2- أو كان مؤثرا بعد معرفته وإدراكه.
3- وأحسن الأشياء التي تجمع المعرفة والتأثير معا هي التي فطرت النفوس على استلذاذها أو التألم منها.
4- وهذا يعني أن الشعر من هذه الناحية يهتم بأمور ثلاثة:
أ-ما هو مفرح كلقاء الأحبة واجتلاء الروض والماء؛
ب-ما هو مفجع كالتفرّق والتوحش؛
ج- وما هو مستطاب كلذة قد انصرفت فيلتذ الإنسان لتخيلها ويتألم لفقدها. فهذه الأمور تتصوّر بالفطرة، ولذلك يمكن أن نسميها المتصورات الأصلية، وما كان بخلاف ذلك نسميه بالتصورات الدخيلة، وهي التي لا يوجد لها في فطرة النفوس أثر من فرح أو شجو، وإنما هي مكتسبة، كتلك الأغراض التي لا تقع إلا في العلوم والصناعات والمهن. وهذه المعاني المعروفة التي لا يحسن إيراده في الشعر
1- كالمعاني المتعلقة بصنائع أهل المهن
2– وذلك لضعتها.
ومن المعاني التي ليست معروفة عند الجمهور ما يستحسن إيراده في الشعر،
1- إذا كان مما فطرت النفوس على الحنين إليه
2- أو التألم منه، مثل الأخبار القديمة المستحسنة
3- وطرف التاريخ المستغربة.
"والشاعر الحق لا يدرج في شعره إلا المعاني التي تحرِّك الجمهور وتؤثر في النفوس؛ لذلك يمكن القول: إن المعاني العامة في المادة الأصلية للشعر، وهي التي لا يتألف كلام فصيح إلا منها؛ وقد ترد فيها معان أوائل (مقصودة في نفسها) أو معان ثوان (أي استدلالات تقوي المعني الأوائل)؛ ولذلك كانت خير التصورات ما صلحت لإيراد النوعين من هذه المعاني متعقبين، وذلك لا يكون أيضا إلا بالعودة إلى المعاني العامة القائمة في أصل الفطرة الإنسانية".
غ-قضية السرقة الشعرية عند حازم:
قسّم القرطاجني المعاني من حيث كونها قديمة متداولة وجديدة مخترعة إلى ثلاثة أقسام:
1-هو ما بتداوله الناس من تشبيه الشجاع بالأسد والكريم بالغمام. ومثل هذا لا تدخله السرقة لأن معانيه ثابتة في وجدان الناس "من قسمة في خواطرهم سواء ولا فضل فيها لأحد على أحد إلا بحسن تأليف اللفظ، فإذا تساوى تأليفا الشاعرين في ذلك فإنه يسمى الاشتراك".
2-المعاني التي قلّت في أنفسها أو بالإضافة إلى غيرها، ويجوز للشاعر أن يتعرض له بشروط:
أ-"منها أن يركّب الشاعر على المعنى معنى آخر،
ب-ومنها أن يزيد عليه زيادة حسنة،
ج-ومنها أن ينقله إلى موضع أحق به من الموضع الذي هو فيه".
3- استنباط المعاني؛ "من بلغها فقد بلغ الغاية القصوى من ذلك، لأن ذلك يدل على نفاذ خاطره وتوقّد فكره حيث استنبط معنى غريبا واستخرج من مكامن الشعر سرا لطيفا". "وهذا النوع المبتكر لا يمكن أن يسرق وإنما يتحاماه الشعراء لضيق المجال في إخفاء السرقة". وهذه المعاني وأنواعها تجعل الشعراء على أربع مراتب بالنظر إلى وجود هذه المعاني في أشعارهم، وهي:
1- اختراع، "فالاختراع هو الغاية في الاستحسان
2-واستحقاق، والاستحقاق تال له،
3-وشركة، ، والشركة منها ما يساوي الآخر فيه الأول فهذا لا عيب فه، ومنها ما ينحط فيه الآخر عن الأول فهذا معيب،
4-وسرقة. والسرقة كلها معيبة وإن كان بعضها أشد قبحا من بعض"
ظ-قضية التخييل والمحاكاة عند حازم القرطاجي :
أول من استعمل كلمة "التخييل" هو الفيلسوف الفارابي و ابن سينا تفسيرا لكلمة المحاكاة التي وردت في ترجمة متى. "وقد تأثر الفيلسوفان في وضع هذا الاصطلاح وتحديد معناه بنواح ثلاث من فلسفة أرسطو:
1-من حيث "المنطق"، فقد عدَّ المنطقيون العرب الشعر مؤلفا من مقدمات مخيلة.
2-من حيث علم النفس، فالشعر يخاطب الفكر، و يخاطب المخيلة فينبه صور المحسوسات المختزنة فيها؛ والتخييل يعتمد على المحسوسات وثيقة الاتصال بالانفعالات.
3- ردَّ العرب التخييل إلى "العلة الصورية" للشعر، وإلى المعاني والأفكار على أنها علته المادية، ومن هنا أصبح التخييل هو الحقيقة الذاتية التي تميزه عن غيره من الكلام مما ليس بشعر، وجاز للشاعر أن يستخدم التصديقات الخطابية إذا صاغها في عبارة مخيلة." فالشاعر أو الأديب: مرآة عصره، والفن يعكس واقع الحياة ممتزجا برغبات الإنسان وآماله ومعتقداته." ومحاكاة الفن للحقيقة عند أرسطو لا تكون محاكاة للعالم المحسوس، بل تكون محاكاة لدنيا الحياة العقلية داخل الإنسان . فأرسطو يجعل المحاكاة قوام الشعر – وهو عنده يشمل الموسيقى والكلام المنظوم." ويجعل حازم القرطاجي المخيلة من مقومات الشعر تبعا لأرسطو، حيث قال في تعريف الشعر: "الشعر كلام مخيل موزون..." ثم إذا نظرنا إلى تعريف هذا العالم للتخييل والمحاكاة نجد أنه يريد بهذين اللفظين ما يريده بهما الفلاسفة المسلمون تماما. فالتخييل والمحاكاة عنده – هما الشيء الواحد وإن اختلفت جهة التسمية. فالتخييل – كما عرفه بنفسه – هو "أن تتمثل للسامع من لفظ الشاعر المخيل أو معانيه أو أسلوبه ونظامه .
وقسم حازم التخييل (المحاكاة) إلى :
1-أن التخييل بالنسبة إلى الشعر قسمان:
أ*- تخييل ضروري
ب-وتخييل غير ضروري، ولكنه أكيد أو مستحب. وهذا التخييل يقع في الشعر من جهة المعنى، والأسلوب، واللفظ، ومن جهة النظم والوزن.
وكذلك قسّم المحاكاة من حيث الغاية إلى :
1-محاكاة تحسين،
2-ومحاكاة تقبيح،
2- ومحاكاة مطابقة،
وإن الرسام أو الشاعر قد ينقل الشيء كما هو أو أدنى مما هو أو كما يجب أن يكون. وطرق تعلق تحسين المحاكاة وتقبيحها بالشيء أو فعله أو اعتقاده من أربع جهات:
1-الدين،
2-العقل،
3-المروءة (الخلق)،
4- المصلحة (ويسميها القرطاجني الحظ العاجل). وولّد من متعلقات التحسين والتقبيح أربع وعشرين صورة.. وفي التاريخ استقصاء أجزاء الخبر المحاكى وموالاتها على حدّ ما انتظمت عليه حال وقوعها، كقول الأعشى:
كن كالسموأل إذ طاف الهمام به في جَحْفَلٍ كسواد الليل جرّار
إذ سامه خِطَّتي خَسْفٍ، فقال له: قل ما تشاء فإني سامع حار
فقال: غدر وثكل أنت بينهما فاختر وما فيهما حظ لمختار
فشك غير طويل، ثم قال له: اقتل أسيرك إني مانع جاري
فهذه محاكاة تامة؛ ولو أخلّ بذكر بعض أجزاء هذه الحكاية لكانت ناقصة، ولو لم يورد ذكرها إلا إجمالا لم تكن محاكاة ولك إحالة محضة . وعلل حازم القرطاجي"إن منظر الشمعة أو المصباح ربما كان جميلا، ولكن انعكاس صورة الشمعة أو المصباح على صفحة مائية صافية أجمل بكثير من الشيئين في الواقع،
1-أولاً : لحدوث اقترانات جديدة (بين الضوء وصفحة الماء)
2-وثانيا : لأن هذا الصورة أقل تكرارا من رؤية الشمعة نفسها، والنفس إلى ذلك أميل ذهابا من الاستطراف"
لقد استوحى حازم قواعده من الشعر العربي، ولا سيما من الشعر الأندلسي الذي اهتم بالوصف اهتماما كبيرا. "ولم يتعسّف في تطبيق هذه القواعد على الشعر العربي، بل حاول أن يطبق الأصل الأرسطي في "المحاكاة" على الشعر العربي، مؤمناً بقيمة هذا الشعر،
ز- قضية الصدق والكذب في رأي حازم القرطاجي :
1-ليس من الضروري عند حازم أن تكون الأقاويل الشعرية صادقة أو كاذبة أبداً. 2-الذي تقوم به الصناعة الشعرية، وهو التخييل، غير مناقض لواحد من الطرفين (الصدق والكذب).
3-قد تكون مقدمات الشعر صادقة وتكون كاذبة، وليس يعد شعراً من حيث هو صدق ولا من حيث هو كذب بل من حيث هو كلام مخيل."
4-هناك فرق بين الأسلوب الشعري والأسلوب الخطابي من حيث وقوع الصدق والكذب فيهما:
أ*- "فالشعر قد تكون مقدماته يقينية ومشهورة ومظنونة.
ب-الشعر يفارق البرهان والجدل والخطابة بما فيه من التخييل والمحاكاة،
5- الشاعر قد يرجع إلى الكذب إذا لم يعوزه الكلام الصادق المشتهر في مقصده:.
أ-والشعر من زاوية الصدق ينقسم إلى قسمين:
1- ما هو أحسن في معناه،
2- وما يكون هناك أحسن منه؛
والشعر من زاوية القبيح يقسم إلى قسمين:
1-ما هو أقبح في معناه،
2-وما قد يوجد أقبح منه.
إن الشعر إنما ينظر إليه من ناحية تأثيره وقدرته على إحداث الانفعال النفساني، فقد يكون صادقا والصدق فيه عاجز عن إحداث الانفعال، وحينئذ يكون الكاذب القادر على إحداث الانفعال خيرا منه .
ر-مذهب المطابقة والمقابلة والتقسيم والتفريع عند حازم :
1-تحدث حازم عن الطباق وخالف قدامة في تسميته بالتكافؤ،
2-وقسّم المطابقة إلى محضة وغير محضة ،كمقابلة الأبيض بالأحمر. ولم يخف حازم عند تعرضه لهذه المسائل إعجابه ببيت المتنبي:
أزورهم وسواد الليل يشفع لي وأنثني وبياض الصبح يغري بي
فهذا البيت قد اشتمل على صفتي المطابقة: المحضة وغير المحضة.
3-ورأى أنه مما يجري مجرى المطابقة تخالف وضع الألفاظ لتخالفٍ في وضع المعاني مثل:
أنت للمال إذا أصلحته فإذا أنفقته فالمال لك
4-وتناول المقابلة مُورِداً في ذلك أقوال قدامة وابن سنان الخفاجي واستشهاداتهم. وفرّق بين المقابلة الصحيحة والمقابلة الفاسدة. ومما تعرض له من هذه المسائل الجزئية: التقسيم وضروبه، والتفسير وأنواعه. وأوجب أن يتحرّى في التفسير مطابقة المفسِّر المفسَّر. والمثال على ما جاء فيه التفسير غير مطابق للمفسَّر قول بعضهم:
فيا أيها الحَيَرَان في ظلم الدجى ومن خاف أن يلقاه بغي من العدا
تعالَ إليه تلق من نور وجهه ضياء، ومن كفيه بحرا من الندى
قال: "فمقابلة ما في عجز البيت الأول بما في عجز الثاني غير صحيحة. والتسامح في إيراد التفسير على مثل هذا مُخِلٌّ بوضع المعاني ومُذْهِب لطلاوة الكلام، فينبغي أن يُتحرّز منه وألا يتسامح في مثله."
5-ثمّ تحدث عن التفريع ، فعرّفه بأنه "أن يصف الشاعر شيئا بوصف ما. ثم يلتفت إلى شيء آخر يوصف بصفة مماثلة، أو مشابهة، أو مخالفة لما يوصف به الأول، ليستدرج من أحدهما إلى الآخر، ويستطرد به إليه على جهة تشبيه أو مفاضلة أو التفات أو غير ذلك ممّا يناسب به بين بعض المعاني وبعض، فيكون ذكر الثاني كالفرع عن ذكر الأول." ومثّل على ذلك بقول الكميت:
أحلامكم لسقام الجهل شافية كما دماؤكم يشفى بها الكَلَب
وطلب أن تكون النُّقلة بين المعنيين متناسبة، وأن يكون بينهما اتصال وحسن اقتران وإلا كان حشوًا، والتفريع يحسن في البيت الواحد وفي غير كثرة حتى لا ينقلب إلى عكس المقصود منه.
3-ابن رشد الأقاويل الشعرية :
أ-يقول ابن رشد في (( تلخيص كتاب أرسطو في الشعر )) : (( الأقاويل الشعرية هي الأقاويل المخيلة )) ثم يشرح مجموعة من الأفكار منها :
أولا : أصناف ( التخيل والتشبيه ثلاثة : اثنان بسيطان وثالث مركب منهما . أما الاثنان البسيطان : فاحدهما تشبيه شيء بشيء وتمثيله به ( حروف التشبيه ) , وإما اخذ التشبيه بعينه بدل التشبيه وهو الذي يسمى الإبدال في هذه الصناعة . إلا أن الكنايات هي أبدالات من لواحق الشيء , والاستعارة هي إبدال من مناسبة وإما القسم الثاني فهو أن يبدل التشبيه , والصنف الثالث من الأقاويل هو المركب من هذين .
ثانيا ً : توجد المحاكاة بالأقاويل : بالطبع والتخييل . والمحاكاة في الأقاويل الشعرية تكون من قبل ثلاثة أشياء : من قبل النغمة المتفقة , ومن قبل الوزن ومن قبل التشبيه نفسه . وليس في أشعار العرب لحن وإنما هي : أما الوزن فقط وإما الوزن والمحاكاة معا فيها , وكثيرا ً ما يوجد من الأقاويل التي تسمى أشعارا ما ليس فيها من معنى الشعرية إلا الوزن فقط . وإما تلك فهي أن تسمى أقاويل , أحرى منها أن تسمى شعرا ً .
ثالثا ً : أن النوع الذي يسمونه (( النسيب )) إنما هو حث على الفسوق . ولذلك ينبغي أن يتجنبه الولدان , ويؤدبون أشعارهم بما يحث فيه إلى الشجاعة والكرم ( العرب ) . أما اليونانيون يقولون أكثر ذلك شعرا ً إلا وهو موجه نحو الفضيلة أو الكف عن الرذيلة , أو ما يفيد أدبا من الآداب أو معرفة من المعارف .
رابعا ً : صناعة المديح ( التراجيديا ) , يكون تعلمها في الاعاريض الطويلة لا في القصيرة . وصناعة المديح هو أنها تشبيه ومحاكاة للعمل الإرادي الفاضل الكامل الذي له قوة كلية في الأمور الفاضلة . محاكاة تنفعل لها النفوس انفعالا معتدلا ً بما يولد فيها من الرحمة والخوف . وهذه المحاكاة بالقول تكمل إذ اقرن بها اللحن والوزن . فأول أجزاء صناعة المديح الشعري في العمل هو أن تحصي المعاني الشريفة التي بها يكون التخييل ثم تكسى تلك المعاني اللحن والوزن الملائمين للشيء المقول فيه , وعمل اللحن في الشعر هو انه يعد النفس لقبول خيال الشيء الذي يقصد تخييله . قال : (( وقد يجب أن تكون أجزاء صناعة المديح ستة : الأقاويل الخرافية والعادات والوزن والاعتقادات والنظر واللحن )) .
خامسا ً : ينبغي أن تكون صناعة المديح مستوفية لغاية فعلها :
1- مما يحسن به قوام الشعر إلا يطول فيه بذكر الأشياء الكثيرة التي تعرض للشيء الواحد المقصود بالشعر . إن الشيء الواحد تعرض له أشياء كثيرة . وكذلك يوجد للشيء الواحد المشار إليه أفعال كثيرة .
2- يجب أن تكون الصناعة تشبه بالطبيعة , اعني أن تكون إنما تفعل معي ما تفعله من اجل غرض واحد وغاية واحدة .
3- المحاكاة التي تكون بالأمور المخترعة الكاذبة ليست من فعل الشاعر وأكثر ما يجب أن يتم في صناعة المديح أن تكون الأشياء المحاكيات أمورا موجودة , لا أمور لها أسماء مخترعة , فإن المديح إنما يتوجه نحو التحريك إلى الأفعال الإرادية فإذا كانت الأفعال ممكنة , كان الإقناع فيها أكثر وقوعا ً اعني التصديق الشعري الذي يحرك النفس إلى الطلب أو الهرب .
4- كثير من الأقاويل الشعرية تكون جودتها في المحاكاة البسيطة غير المتفننة .
5- يجب أن تكون خواتم الأشعار والقصائد تدل بإجمال على ما تقدم ذكره من العوائد التي وقع المدح بها .
6-يجب على الشاعر أن يلزم في تخيلاته ومحاكياته الأشياء التي جرت العادة باستعمالها في التشبيه وإلا يتعدى في ذلك طريقة الشعر .
-طريقة الشعراء في قصائدهم :
1-من الشعراء من يجيد القول في القصائد المطولة
2-ومنهم من يجيد الأشعار القصار والقصائد القصيرة – وهي التي تسمى المقطعات – والسبب في ذلك أنه لما كان الشاعر المجيد هو الذي يصف كل شيء بخواصه وعلى كنهه وكانت هذه الأشياء تختلف بالكثرة والقلة في شيء من الأشياء الموصوفة وجب أن يكون التخييل الفاضل هو الذي لا يتجاوز خواص الشيء ولا حقيقتها .