التغيرات الجمالية الفنية في الأدب العباسي
أ-تغيرات جديدة:
شهد العصر العباسي تغيرات فنية في الأدب مستفيدة من التجارب الفنية في العصر الجاهلي والإسلامي والأموي ، وقد حدث التغيير الفني في نطاق التطور الذي يأخذ بعض الوقت مهما كانت سرعته ، لقد حدثت النقلة السياسة من الأموية إلى العباسية فجائية ، وأما النقلة الفنية في ميدان الشعر والحضارة فقد اتخذت عدة مراحل .والنتاج الأدبي الذي يحتاج إلى فترة تحول ثم نضوج ثم تألق ، ومن ثم فقد تخبو الجذوة السياسية وتتألق الجذوة الأدبية والفنية ،
1-إن ابن الرومي وابن المعتز وأضرابهما ظهروا في بداية فترة الانهيار السياسي للدولة العباسية ،
2-والمتنبي ظهر مع سقوط بغداد تحت سنابك خيل الديلم وعاش في عهد تمزق الدولة العباسية شر ممزق وأخذ يتنقل من إمارة الحمدانيين في حلب إلى إمارة الإخشيديين في مضر إلى إمارات الديلميين من بني بوية في العراق والعراق العجمي 3-وكذلك كان أبو العلاء المعري .
وليس معنى سقوط دولة بني أمية وقيام دولة بني العباس إن يتحول شعر الشعراء بين يوم وليلة إلى لون أخر وفن أخر يسمى اللون العباسي ، فإن للسياسة أن تغير نفسها في إي وقت تشاء ، وأما الشعر فهو كالكائن الحي الذي لا ينتقل من مرحلة الطفولة إلى دور الشباب مرة واحدة بل يأخذ مراحل متتابعة متدرجة .
ب-خضرمة من نوع آخر:
فالأدب شعره ونثره تتقدم به الأيام ،
1- بعضه ناظرا إلى الماضي مستمسكا بعاداته وتقاليده ،
2- والبعض الآخر يأخذ من بيئات الماضي بعض سماتها ويأخذ من البيئة الحاضرة قدرا قد يكون مساويا لما أخذه من بيئته الماضية ،
3-وبعض ثالث يكون تأثره بالبيئة الجديدة أكثر من سابقته ، فيطور نفسه معها ، ولكن بحكم سنة الطبيعة تظل أعماقه مرتبطة ببيئته القديمة يحن إليها وتهفو نفسه إلى أثارها ،
و يكون شعر مخضرمي الدولتين قد سار على مراحل ثلاث :
1-مرحلة المحافظين المتمسكين بالأرضية الفنية الأموية ،
2-مرحلة تقف بجسمها على (( الأموية )) وتطل برأسها على ((العباسية
3- ومرحلة تقف بنصفها على ((الأموية )) وتضع نصفها الآخر في العباسية .
1-مرحلة نقاء الأسلوب وإشراقه جزالة القول وفحولته: ويمثله
أ-الأحمير السعدي الذي عاش أكثر حياته في الصحراء وفي الخلوات قاطع طريق ، إذا ما خلا لنفسه رجعت الصحراء أصداء شعره ، ورددت الفيافي رجع قصيدة ، وتلقي الوحش من وديع ومفترس عربون صداقته له في قوله
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى وصوت إنسان فكدت أطير
ب-والسائب بن فروخ الذي اشتهر باسم أبي العباس الأعمى ، وكان ذا ولاء فريد لبني أمية مدحهم في أيام ملكهم وبكاهم بعد اندثار دولتهم ، وهجا أعداءهم من بني الزبير وإن لم يجرؤ على هجاء بني العباس ، كما عرض لبعض كبار شعراء زمانه هاجيا مثل البعيث المجاشعي وعمر بن أبي ربيعة ، وأبو العباس في أسلوبه ومعانيه من الفحولة والصفاء والبعد عن أسلوب الحضر بحيث يعتقد أنه أصر على إن يظل مقيما في العصر الأموي رغم مجيء عصر أخر هو عصر بني العباس ، يتنفس أنسامهم ويعيش في ذكرياتهم ويترحم على أيامهم ، وهو بذلك يصر على ((الأموية)) إصرارا عنيدا لم تنفع معه محاولات الملك العباسي أبي جعفر المنصور .
ج- الشاعر الراجز ابن ميادة الذي كانت المحافظة طابعا له وميزه ظاهرة فيه ، لقد التزم (( الأموية )) التزاما كاملا ، وأحيا تقاليدها وحافظ على معالم تراثها بخبرة وشره ، فمن ناحية أخيرة التزم العفة في الغزل الذي برع فيه براعة سابقيه من زعماء مدرسته ، والتزم الأصالة في المديح مقتفيا آثار سابقيه من الشعراء الفحول أسلوبا و دربا ، بحيث يمكن أن نلحقه في كل من فني الغزل والمديح بمدرسته جرير ونعتبره امتدادا لها ، وإن إصرارا ما على الهجاء والنقائض يمكن ملاحظته في يسر عند ابن ميادة ، وكأنما قد شق عليه أن تموت ظاهرة فنية شعرية (( أموية )) حتى ولو كانت هذه الظاهرة جديرة بالزوال .
د-محمد بن ذؤيب المعروف باسم العماني الذي مدح الأمويين والعباسيين على حد سواء ابتداء من مروان بن محمد المرواني حتى الرشيد العباسي ، وكان يجمع بين قول الرجز والقصيدة إلا أنه كان بدوي الطبع في كليهما مع صعوبة وإغراب
ه-الحكم الخضري الذي من خلال معاركة مع ابن ميادة ومن خلال النماذج الشعرية التي قالها ويضم إلى مدرسة هذه المرحلة المخضرمة المحافظة التي حافظت على الوجه (( الأموي )) للشعر ورفضت في إصرار الانتقال من جو الفحولة والجزالة والإشراق والنقاء والتزام عمود الشعر إلى مرحلة تالية فيها شيء من التطور أو التجدد
2-مرحلة الحافظة على أصالة الجو الأموي للقصيدة والتطلع للجديد:، راضوا أنفسهم على شيء من التطور في غير ما إسراف أو تسرع ، وظلوا يلتفتون إلى الماضي بين الحين والحين حتى لا تغيب عنهم صورته فيفقد شعرهم سماته التي لا يرضون عنها بديلا من إشراق ونضرة ونقاء وجزالة والتزام لعمود الشعر ، والذين يمثلون هذه المرحلة
1-سديف وأبي عدي العبلي ، فسديف حمل على بني أمية في أيام ملكهم وكان يؤلب الناس عليهم ، وحين تقوم الدولة العباسية وتبقي على بعض الأمويين يسارع إلى استخدام شعره في القضاء عليهم واستئصال شأفتهم ويقول للسفاح في مواجهتهم :
لا يغرنك ما ترى من رجال إن تحت الضلوع داء دويا
فضع السيف وارفع السوط حتى لا ترى فوق ظهرها أمويا
وسديف في نطاق عيشه فنيا في مرحلته يلاحق الأحداث السياسية وينقلب من عباسي الهوى إلى حسني العقيدة ، ويدعو لمحمد بن عبد الله بن الحسن ، وأما في ميدان الغزل فهو يجمع بين رقة غزل البادية وتأنق غزل الحضارة .
2-أبو عدي العبلي الأمير الأموي الذي يكره بني أمية ويشايع بني علي ، فيغضب قومه ويرضى بني الحسن ويؤيدهم ويعمل واليا لهم على جنوب الحجاز ، وهو على أمويته ينجو من محنة الإبادة التي قام بها السفاح ، وهو شاعر متدفق ثر هطال كالغيب ولكن تطوره كان وئيدا ، فهو وإن لم يغير أسلوبه البياني الأموي إلا أنه فتح موضوعا جديدا هو رثاء الدول ، فرثى دولة قومه رثاء جعل محمد بن عبد الله بن الحسن يبكي عليهم رغم ما الحقوا بأهله من عذاب واضطهاد ، والعبلي خير الشعراء من أبناء بني أمية مقدرة على الشعر.
3-أبو نخلية الراجز الذي مثل عند العباسيين دور مسكين الدرامي عند الأمويين ، فإذا كان مسكين هو الذي أثار في بلاط معاوية أخذ ولاية العهد ليزيد دون بقية رؤؤس بني أمية ، فان أبا نخلية هو الذي أثار أخذ ولاية العهد في بلاط المنصور لابنه المهدي وكان الأمر ثابتا لعيسى بن موسى ، ولكن في حالة مسكين استطاع معاوية إن يحميه ، أما أبو نخلية فقد دفع حياته ثمنا لأرجوزته التي دعا فيها إلى تحويل ولاية العهد إلى المهدي .
ولكن شكل التحول الفني عند أبي نخلية ينحصر في تطوير الأرجوزة وتمهيد الطريق أمامها بحيث جعلها تسير على نسق قصيدة المديح خطوة خطوة من وقوف على الطلل ونسيب ورحلة إلى الممدوح مع التخفيف من أعباء الألفاظ الوحشية التي تعتبر لازمه من لوازم الرجز . ومن هنا تكون خطورة الخطوة التي خطاها أبو نخلية إلى الأمام في ميدان يستعصي التحول عن إطاره بحيث فرض نفسه أستاذا لكبار الشعراء الذين حاولوا قول الرجز في نطاق تمدنهم مثل الوليد بن يزيد وبشار وأبي نواس
4- أبو حية النميري ، نفسه في الشعر طيب ، وغنائيته صادقة الحب ، شفافة الحس ، مهتاجة الوجد ، وهو رقيق حواشي الشعر رائع الغزل اكتملت له تماما أسباب رسم الصورة الشعرية وهو أبرع من وصف حديث المرأة ، ومن أبرع من وصفوا الشيب
5-مروان بن أبي حفصة ، فهو نجدي من اليمامة واشتهر بمدح معن بن زائدة الشيباني ورثائه وحاول أن يمدح الملوك العباسيين فلم يوسعوا له صدرهم ولم يفسحوا له في بلاطهم أول الأمر لإفراطه في مدح معن ثم إفراطه في البكاء عليه ، حتى ظنوا أنه لم يعد في كنانته من جديد القول ما يتلاءم مع مكانتهم التي هي بطبيعته الحال أرفع من مكانة عاملهم معن بن زائدة ، فكان على مروان إن يطور نفسه ، ولعله حاول ذلك في نطاق المعاني الجديدة فلم يستطع ، فحاول في نطاق الموضوع فأفلح معهم ، لأنه طرق بابهم من ناحية (( أحقيتهم )) بالخلافة والملك ، وفي الوقت نفسه عمد إلى غمز آل علي والتطاول عليهم ، فكان أن أصبح أقرب شاعر إلى قلوب بني العباس وأكثر الشعراء نوالا من عطائهم ، وأما من ناحية الأسلوب فقد لزم مروان طريقا وسطا بعيدا عن الصحراوية في جزالة ، قريبا إلى الحضرية في غير ما تهافت عليها .
3-مرحلة التطور والخلق والإبداع :
ظل أصحاب هذه المرحتة في إطار التقليدية ، ويمثل هذه المرحلة:
1-آدم بن عبد العزيز
2-والحسن بن مطير
3-وإبراهيم بن هرمة
4-وبشار بن برد
وهم رؤوس التجديد الحقيقي في الشعر العربي كانوا دائما يتمسكون بشخصيتهم الفنية (( الأموية )) على الرغم من انطلاقاتهم التجديدية أو الإبداعية ،
أ-فهم إذا مدحوا – والمديح خلال العصور الأموية والعباسية هو محك مقدرة الشاعر – كانوا يلتزمون السمة الأموية ،
ب-وكذلك الحال في الرثاء ،
حتى إن فنانا كإسحق الموصلي كان بفضل مروان بن أبي حفصة على بشار ومروان محافظ كل المحافظة وبشار منطلق في بعض شعره كل الانطلاق ، ولكن مهما نظر شعراء هذه المرحلة إلى الخلف فإن كل واحد منهم قد خطا في ميدان التجديد والخلق والإبداع بقدر ما ، وإن اختلف من حيث الشكل أو تباين من حيث الموضوع .
1-فآدم بن عبد العزيز يقف على إيوان كسرى ويرثي مجد حضارة زائلة ، وهو في هذا يمثل الحلقة الثالثة لترتيب المراحل المتتابعة الثلاث لشعر المخضرمين وشعرائهم 2- إن أبا العباس الأعمى من شعراء المرحلة الأولى يبكي ذهاب بني أمية ولا يتنكر لهم حتى في مواجهة الملك العباسي المنصور ،
3-ثم يجيء أبو عدي العبلي ويمثل الحلقة الثانية بقصيدتين أحداهما همزية والأخرى سينية يرثي بهما بني أمية ودولتهم رثاء يؤثر على واحد من أعدائهم هو محمد بن عبدالله بن الحسن فيبكيه ، ويثير واحدا آخر من أعدائهم هو أبو جعفر المنصور فيطرده من مجلسه ، ثم تجيء الحلقة الثالثة التي تشكل فنا جديدا وإن يكن مبتدئا وهو رثاء الأمم ، ويكون صاحب أبيات الرثاء – وهو سيء لا يدعو إلى الغرابة – آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان ، ومن بعد آدم تكتمل لهذا الموضوع الجديد أسباب ثباته حين يجيء البحتري بعد ذلك مما يناهز قرنا من الزمان ليقول سينيته المشهورة في إيوان كسرى . وبعد ذلك يصبح بكاء الدول فنا أصيلا في الشعر العربي عند شعراء الأندلس .
و الشعراء الثلاثة أبا العباس الأعمى وأبا عدي العبلي وآدم بن عبد العزيز لم يعيشوا في أزمان متعاقبة ، لقد عاشوا جميعا في وقت واحد ، ولكن كان كل واحد منهم يمثل مرحلة من مراحل الكيفية الفنية للشعر ، هذا محافظ ، وذاك متطور ولكن جذور المحافظة تشده إليها بعنف والثالث متطور ولكن إغراء التجديد خطوته إلى الأمام تغلب نظراته إلى الماضي .
ولا يقف الأمر بآدم بن عبد العزيز عند حد معين من التجديد والإبداع وإنما يعمد إلى قول شعر صوفي رقيق يدهشنا لما بينه وبين أبيات رابعة العدوية من شبه بل مشاركة في الألفاظ والمعاني والبحر والروي إلى حد المطابقة ، ومع هذا الشعر الصوفي يقدم لنا آدم نماذج من الشعر الفكه الساخر – يشاركه في ذلك معاصرة أبو دلامة صاحب النوادر الطلية الذي يمكن أن يعتبر القالب الذي احتذاه ابن الرومي بعد ذلك بحوالي قرن من الزمان .
4-ومن شعراء هذه المرحلة الثالثة الحسين بن مطير الفحل الصوغ الخصب الشاعرية الرائع الموسيقي البارع تخليق المعاني ، الذي أعاد العذرية إلى الغزل فبدأنا من خلال نماذجه الشعرية نرى لونا جديدا في الإلحاح على المذهب الأخلاقي والحرص على إظهار معاني العفة في الحب ، كما بعث شعر الحكمة من جديد بعثا قويا وراسخا ، هذا ما كان منه في ميدان التجديد ، وأما في ميدان الخلق والإبداع فهو من أوائل من وصفوا الروض وأحسنوا الهجوم على المعاني المبتكرة والأساليب الرائقة وجاؤوا باستعارات جديدة وتشبيهات محبوكة وفنون بديعية من تشطير وطباق ومقابلة
ويجيء على رأس هؤلاء جميعا في المرحلة الثالثة شاعران مجيدان في نطاق الفحولة والشموخ من حيث ثبات الأقدام على الأرض الأموية زمانا وفنا ، مبدعان كل الإبداع في نطاق الانتقال بالصورة الشعرية إلى مرحلة فيها جدة فنية ورقة موضوعية ، أن هذين الشاعرين هما إبراهيم بن هرمة وبشار بن برد اللذان يمثلان المعبر الحقيقي العريض الذي عبر عليه الشعر من عصر إلى عصر ومن صورة إلى صورة ، وهو معبر يثري من يمر عليه ويرفد من يعبره بما نما على جنباته من ورود وأزاهير وضعت في أناقة وصفت في افتنان ونسقت في ذوق وحسن ابتكار ، تلك الأزاهير هي الصور الجديدة في الشعر التي جاء بها كل من ابن هرمة وبشار موضوعا وأسلوبا .
إن أبا عمرو الجاحظ وهو ليس بعيد العهد عن القافلة الضخمة من شعراء تلك الفترة يقول : (لم يكن في المولدين أصوب بديعا من بشار وابن هرمة) .
إن لكل من الشاعرين الكبيرين صفات وسمات بعضها مشترك بينهما وبعضها الآخر مختلف متباين ، فهما:
أ-في نطاق المديح كانا يقفان على الأرض الأموية من حيث بناء القصيدة ،
ب-ولكنهما من حيث المعاني أتيا بكل عجيب .
ج-لقد ابتدعا ضروب القول وتوليد المعاني التي سار على نهجها جمهرة الشعراء العباسيين بعدهم
د-وفي مجال الهجاء كان ابن هرمة يوجع ولا يفحش ، ويؤلم ولا يتدنى إلى الهاوية الكريهة التي كان يتردى فيها بشار ،
ه- ولذلك فقد نجد متعة في قراءة هجاء ابن هرمة ، ولكننا نتقزز ونحن نقرا هجاء بشار اللهم إلا بعض القصائد القليلة التي ضغط فيها على نفسه وراضها على تجنب ذكر العورات وفاحشات الألفاظ وجارحات المعاني .
و-ومن الناحية السياسية كان ابن هرمة فاطمي الهوى وأما بشار فكان أموي المشرب ،
ز-وكلاهما مدح العباسيين لنيل العطاء ، على إن مدائح ابن هرمة في العباسيين أجود من مدائح بشار .
ح-ولقد اصطنع كل من الشاعرين الحكمة فجاءت عذبة رخاء ، واستقرت أبياتهما في أسماع الناس وقلوبهم ينشدونها ويتمثلونها حين تدعو الحاجة إلى حسن التمثيل ، وإن كانت ثروة الحكمة من أقوال بشار أكثر عددا ، ربما لأن نصف ديوان بشار بين أيدينا ، وأما ديوان ابن هرمة الذي قيل أن الصولي قد جمعه فمفقود ، وكل شعره الذي بين أيدينا هو ما وقعت عليه عيوننا في بعض كتب الأدب والطبقات .
ط-وأسهم كل من الشاعرين بنصيب وافر في قول الغزل ،
1-غير أن غزل ابن هرمة غنائي وجداني رفيع في مجمله ،
2-وأما بشار فقد جمع في غزله بين العذب الفاتن الرفيع والغث الساقط الرقيع ،وهو نفسه يعترف بذلك حينما اعترض بعض المتأدبين ولا حظوا تأرجحه بين الجيد الممتاز والرديء الساقط ، فقال مدافعا عن نفسه : إنما الشاعر المطبوع كالبحر ، مرة يرمي صدفة ومرة يقذف جيفه . إن شاعرا مخضرما آخر من شعراء المرحلة الأولى من المخضرمين أجاب نفس الإجابة عندما ووجه بنفس الاعتراض ، إنه ابن ميادة حين دافع عن تباين وجه شعره قوة وضعفا ، قال :إنما الشعر كنبل في خفيرك ترمي به الغرض ، فطالع وواقع ، وعاصد وقاصد فالدفاع واحد عند الشاعرين وإن اختلفت لغة كل منهما اختلاف مابين البصرة بلدة بشار والمدينة بلدة ابن ميادة .
ي- كلا الشاعرين – بشار وابن هرمة – مزج رقة البداوة وصفاءها ببهجة الحضارة وطراوتها ، فجاء شعرهما في هذا الدرب الذي اختطاه لنفسيهما على سمات من الملاحة استهوت القلوب إليه وحببته إلى الإسماع ، فوعته القلوب ورددته الألسنة ، ك-شعر بشار في هذا الدرب أكثر رواجا من شعر ابن هرمة الذي لم يفرق نفسه في دنيا الحضر إغراق بشار نفسه فيها ، ومن ثم أيضا كان بمنأى عن السقطات التي تردى فيها بشار وبخاصة الأقوال التي جنحت به إلى الزندقة ،
ل-ولكن بشارا من ناحية أخرى قد اختطفت منه بريق الشهرة ، ولذلك قال عنه الحصري إنه أرق المحدثين ديباجة كلام ، وسمي أبا المحدثين لأنه
1-فتق لهم أكمام المعاني
2-ونهج لهم سبيل البديع فاتبعوه.
م- كلمة ((البديع)) تكررت عند كل من الجاحظ والحصري ،
1-فإذا كانت كلمة البديع هنا بمعناها اللغوي وهو (( الجديد)) فقد يكون الأمر صحيحا بالنسبة إلى بشار ،
2-وأما إذا كانت بمعناها الفني أي الصفة البديعية فإن ابن هرمة أقرب إلى هذا الفن من بشار ، بل لقد عمد إليه عمدا من لعب بالألفاظ وإكثار من الجناس والطباق وذهب به الولوع بالتلاعب بالكلمات إلى الحد الذي جعله ينشئ قصيدة من أربعين بيتا كل حروف ألفاظها مهملة.
ن-إن الناقد المنصف لا يستطيع إن يصدر حكما مجملا على إي الشاعرين كان أقرب إلى التطور والتجديد طالما كان ديوان ابن هرمة مفقودا ، ولكنه يستطيع أن يضعهما سويا على رأس مدرسة هزت الشعر العربي هزة صحية عنيفة دفعت به إلى كثير من المسالك والدروب فكثرت دوحاته وظلاله وتنوعت رياضه وثماره .



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)