التحولات التي طرأت على الشعر العباسي
1ً- في بناء القصيدة :
لم يلتزم العباسيون التزاماً كاملاً تهج القصيدة العربية التي رسم أسسها الجاهليون ، وكان بعضهم قد حاول ترسم خطا الجاهليين في الوقوف على الأطلال ووصفقصور بغدادٍ، ووصف الخلفاء بالصفات التي تتلاءم مع البداوة وقد أعرض بعض الشعراء عن ذلك، ونددوا بطريقة الوقوف على الأطلال كما قال أبو النواس:
عاج الشقي على رسمٍ ليسائله وعجت أسأل عن خمارة البلد
ولكن شاعراً كأبي تمام والبحتري وابن المعتز حاولوا تغيير مطالع قصائدهم ، فهذا أبو تمام صنع لقصيدته في مدح المعتصم مقدمة في وصف الطبيعة فقال:
رقت حواشي الدهر فهي تمرمر وغد الثرى في حلية يتكسَّر
يا صاحبيَّ تقصّيا نظريكما تريا وجوه الأرض كيف تصوَّر
تريا نهاراً مشمسا قد شابه وجه الضحى فكأنما هو فقصر
كما وبدأ قصيدته في فتح عمورية بالحكمة:
السيف أصدقُ أبناءً من الكتب في حدّه الحدُّ بين الجدّ واللّعب
وهذا ابن المعتز يخاطب الخليفة المعتضد الذي نفاه وأبعده عن مجالسه قائلاً:
أتسمع ما قال الحمام السواجع وصائح بين في ذرا الأيك واقع
منعنا سلاما وهو محلل سوى لمحات أو تشير الأصابع
أما المتنبي فقد سلك في بناء قصائده مسلكا مغايرا بحيث جعل لكل قصيدة مطلعا يتناسب مع مضمون القصيدة كقوله :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وقوله :
إذا كان مدحا فالنسيب المقدم أكل فصيحا قال شعرا مقيم


2-الزخارف اللفظية والمحسنات البديعية :
نظرا لتغير مظاهر الحياة العباسية عن سابقتها وازدياد الاهتمام بالشكل عند الإنسان أكثر من المضمون ، فقد انعكس ذلك الشعر فأخذ الشعراء يهتمون بشكل الشعر لديهم أكثر من المضمون ، ونشأ فن البديع القائم على المحسنات والزخارف اللفظية والمعنوية كالجناس والطباق والمقابلة والإرصاد وتحول الشعر من مطبوع إلى مصنوع .كما عند أبي تمام في قوله :
بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب
وقد تحول الاهتمام بالزخارف اللفظية والمحسنات البديعية من كونها وسيلة إلى كونها غاية وأصبحت في العصور التالية عبئا ثقيلا على الشعر العربي .
3-الأوزان والقوافي :
لم يتجاوز شعراء العصر الجاهلي والإسلام والأموي الأوزان الخليلية ، لكن شعراء العصر العباسي بسبب انتشار الموسيقى والغناء حاولوا أولا أن يوجدوا أوزان البحور الست عشرة وزنا ،وأضافوا أوزان جديدة ( المواليا )
وكان أبو العتاهية يقول : أنا أكبر من الوزن الخليلي ونوع الشعراء بالقوافي فظهرت أوزان
كالمزدوج – المسحطات – المربعة – المخمسة
واهتم الشعراء بالأوزان المجزوءة التي تتناسب مع الغناء والموسيقا . يقول بشار :
ربابة ربة البيت تصب الخل في الزيت
لها عشر دجاجات وديك حسن الصوت
وقوله :
سلاف دن كشمس دجن
كدمع جفن كخمر عدن
4-التصوير الفني :
لم يرتض العباسيون الطريقة العربية الجاهلية والإسلامية القائمة على الإيضاح والاقتراب من الحقيقية ، وملاحظة التناسب في وجه الشبه بين المشبه و المشبه به والحرص على الدقة في الوصف في التصوير الفني في شعرهم ، بل حالوا أن ينهجوا نهجاً جديداً في هذا التصوير كما صنع بشار حينما حاول أن يجعل العلاقة مضطربة بين المشبه والمشبه به، وأن يمازح بين الحواس و يعتمد الإبهام كأن يشبّه (المسموع بالمنظور) و(المنظور بالمذاق) يقول بشار في وصف جارية:
حوراء إن نظرت إليك سقتك بالعينين خمرا
وكأن رجع حديثها قطع الرياض كيسين زهرا
فكأنّ الحديث المختص بحاسة السمع مشبّه بقطع الرياض الخاصة بحاسة النظر، وقد بلغ التصوير الفني منتهى الابداع الذي غدا ركناً أساسياً عند أبي تمام في تجديده حيث اختفت الصور المستوحاة من البادية واعتمدت الصور المستوحاة من حياة الترف. يقول ابن المعتز واصفاً الهلال:
انظر إلى حسن هلالٍ بدا يهتك من أنواره الحندسا
كمنجلٍ قد صيغ من فضة يحصد من زهر الربا نرجسا
5-في المعاني الشعرية:
كما أن العباسيين لم يقبلوا بشكل القصيدة الجاهلية ، كذلك رفضوا معانيهم، وحاولوا تجديدها وقد أسرهم في تغير المعاني في ثلاثةِ أشياء:
أ ـ قضية الفكر الإسلامي الذي تمثل بالقرآن الكريم والسنة النبوية وما فتحه هذان الكتابان من آفاق جديدة للعقل في ذلك كمناقشة وسائل الكون والحياة والعقل والخالق والمخلوق والروح والجسد، وما نتج ع ذلك من علمٍ سمّي في ما بعد الكلام الذي تبناه أصحاب المذاهب بالإضافة إلى المعتزلة.
ب- الثقافة الفلسفية:التي ترجمت من كتب الأمم التي مازجها العرب المسلمون والتي تمحورت حول ديانات تلك الشعوب كالمانوية والمزدكية والزيد ثنية وأثر ذلك على بعض الشعراء كما حصل مع المعري حينما حرّم على نفسه أكل اللحوم.
جـ- تغيرات الحياة الجديدة :التي فرضت نفسها من خلال امتزاج الحضارات الأخرى وحياة الشعوب الأخرى وما ابتدعه المفكرون من طرائق جديدة للفكر ، فقد نقل العرب حكمه الفرس ووصاياهم وآدابهم وأساليبهم في الحياة السياسية والصداقة والمشورة . قال بشار:
إذا بلغ الرأيُ المشورة فاستعن برأي نصيح أو نصيحة حازم
ولا تجعل الشورى عليل غضاضة فريشُ الخوافي قوةٌ للقوادمَ
ونقل العرب أيضاً حكمة الهند وعلومها في الحساب والفلك والطبيعة ، فقد زعم علماء الهند أن الشيء إذا أفرط في البروده عاد حاراً، وقد أخذ هذا المعنى أبو نواس :
قل لزهير إذا حدا وشدا أقلك أو أكثر فأنت مهذارُ
سخنت من شدة البرودة حتى صرت عندي كأنك النارُ
ويقول المعري:
فلا تأكلن ما أخرج الماء ظالماً ولا تبغ قوتاً من غريض الذبائح
ونقل العرب الثقافة اليونانية وفلسفتها المعتمدة على المنطق والأقيسة والأدلة واستخدام الشعراء مصطلحات فلسفية، كفكرة الجوهر، والكل والتعليل والتضاد يقول أبو العتاهية في سكون الحركة:
يا عليُّ بن ثابت بان مني صاحبٌ حلَّ فقده يوم بنتا
قد لعمري لي غصص المو ت وحرَّكتني لها وسكنتا
ويقول أبو نواس في فكرة الجزء الذي لا ينفكك :
يا عاقد القلب مني هلا تذكرت حلا
تركت مني قليلاً من القليل أقلاّ
يكاد لا يتجزّأ أقلّ في اللفظ من لا
ويقول أبو تمام في التضاد فصوّر جمال إحدى صواحبه :
بيضاء تسري في الظلام ميكتسي نوراً وتسرب في الضياء فيظلم



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)