الأغراض التقليدية في الشعر العباسي
1ً- المدح:
وقد ازدهر هذا العرض بسبب تشجيع الخلفاء للشعراء ومحاولتهم إبراز عظمة الملك لديهم، بينما أمعن الشعراء بالمدح استدراجاً للأعطيات ، وقد زاد الشعراء ثروة المدح معانياً جديدة أضفت على المعاني القديمة أشكالاً أخرى فمدحوا الخلفاء إضافة إلى الكرم والشجاعة والقوة بالتقوى وحسن الإدارة و القيادة السياسية والذبّ عن الدين داخلياً وخارجياً وقد أشار أبو تمام إلى مهمة الشعر :
ولولا خلال سنّها الشعر ما درى
بغاة الندى من أين تؤتى المكارمُ
وغدت المدائح وثائق تاريخية تقوم برسم مسيرة الخلفاء كما تصنع الصحافة ، فهذا البحتري يصوّر دور يوسف بن محمد الثغري الطائي الذي هزم بابل الخرمي و صلبه في سامراء:
ما زلت تقرع باب – بابك – بالقنا وتزوره في غارة شعواء
حتى أخذت بنصل سيفك عنوة منه الذي أعيا على الخلفاء
ويقول البحتري أيضاً مادحاً المتوكل بأنه قيم الدنيا وقيم الدين :
خلق الله جعفراً قيّم الدنيا سداداً وقيمّ الدين رشدا
أظهر العدل فاستنارت به الأرض رغمّ البلاد غوراً أو نجدا
ويقول أبو تمام في فتح عمورية مادحاً المعتصم
تدبير معتصم لله منتقم في الله مرتغبٍ لله مرتقب
ويقول علي بن الجهم في مدح المتوكل
له المنة العظمى على كلِّ مسلمٍ وطاعته فرض من الله منزلُ
ولما تمزقت الدولة إلى الإمارات ، أصبحت كلّ إمارة تسابق الأخرى في استجلاب الشعراء وتبني أحد هؤلاء كشاعرٍ للأمير كما صنع الحمدانيون مع أبي الطيب المتنبي الذي يقول في مدح سيف الدولة :
ليس إلاك يا علي همام سيفه دون عرضه مسلول
أنت طول الحياة للروم غار فمتى الوعد أن يكون القفول

شعر مديح النبوي في العصر العباسي:
أفاد العباسيون من الحركات المناوئة للأمويين، ومن الثورات المتواصلة عليهم، فوصلوا إلى السلطة في الدولة العربية الإسلامية، وبنوا حكمهم على أسس دينية وسياسية ووفق ما يلائم نظرات الفرق المختلفة إلى الخلافة، فقد قاد العلويون حركة المقاومة ضد الأمويين على أساس أنهم أحق الناس بالخلافة، لكنهم لم ينجحوا في حركتهم، فاستغل العباسيون ذلك، ووصلوا إلى الخلافة، وأظهروا أنهم أعادوا الحق إلى أصحابه الهاشميين، فسكت أبناء عمومتهم العلويون على ذلك في بادئ الأمر، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن أبناء عمومتهم العباسيين يتنكرون لهم، فجددوا ثوراتهم للوصول إلى الخلافة. ولما كانت الخلافة في جوهرها خلافة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في تولي أمور المسلمين، كان لا بد من أن يذكر الرسول الأمين في كل حديث عن الخلافة، وخاصة أن المختصمين حول الخلافة، ادعى كل منهم وراثته للنبي الكريم بطريق أو باخر. وكانت مسألة وراثة الخلافة قد ظهرت في وقت مبكر، لكن الحديث عنها اشتد في زمن بني العباس، الذين رأوا أنهم أحق الناس بوراثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأنه عند ما توفي صلّى الله عليه وسلّم كان عمه العباس على قيد الحياة، وهو الذي يستحق وراثته، في حين أن العلويين يذهبون إلى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خلّف ابنته فاطمة، فهي التي ترثه، ويرثها من بعدها أولادها. وقد صال شعراء بني العباس وجالوا في الانتصار لا دعاآتهم، ومن ذلك قول ابن هرمة :
تراث محمّد لكم وكنتم ... أصول الحقّ إذ نفي الأصول
وقال مروان بن أبي السمط «3» موضحا مسألة وراثة الخلافة:
لكم تراث محمّد ... وبعدلكم تنفى الظّلامه
يرجو التّراث بنو البنا ... ت ومالهم فيها قلامه
والصّهر ليس بوارث ... والبنت لا ترث الإمامه
وظل الشعراء يتقربون إلى بني العباس بهذه النغمة، لأن وراثة النبي الكريم تعطيهم مكانة سامية، وتعطي حكمهم شرعية، ظل الناس يعتقدون بها حتى نهاية الدولة المملوكية، وعلى الرغم من أن خلفاء بني العباس أصبحوا في الدور الثاني من دولتهم لا حول لهم ولا قوة، ولا يملكون من أمرهم شيئا، إلا أن جميع الذين تسلطوا على الخلافة لم يجرؤوا على إزالتها إلا بعد وقت طويل، وعلى يد بني عثمان الأتراك. فهذه العلاقة بين الخليفة والنبي الأمين. والتي هي علاقة قربى وإرث، جعلت ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم محتما في مدح الخلفاء، الحريصين على إضفاء الصبغة الدينية على أنفسهم خاصة، لذلك مدح الخلفاء وغيرهم من الهاشميين بالانتساب إلى الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم أو باتباع سنّته، أو بالتسمي باسمه.
ومن ذلك قول مروان بن أبي حفصة :
أحيا أمير المؤمنين محمّد ... سنن النّبيّ حرامها وحلالها
ملك تفرّع نبعة من هاشم ... مدّ الإله على الأنام ظلالها
ومما مدح به خلفاء بني العباس في انتسابهم للرسول الأمين لبس بردته، كما قال علي بن المنجم «1» في المعتز:
بدا لابسا برد النّبيّ محمّد ... بأحسن ممّا أقبل البدر طالعا
سميّ النّبيّ وابن وارثه الذي ... به استشفعوا أكرم بذلك شافعا
ولم يقتصر الفخر بالانتساب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بني العباس، وهم قد أكّدوا هذه المسألة لدواعي سياسية لا تخفى على أحد بل شاركهم بذلك العلويون، وهم أول من أوضح هذا الانتساب وقالوا به، وأقاموا مطالبهم السياسية، ومذهبهم الديني على قرابتهم من الرسول الكريم، وهم أول من افتخر بذلك، وتابعوا فخرهم هذا في كل العصور، فهذا أحد الطالبيين يفخر على غيره من الهاشميين بقوله:
هل كان يرتحل البراق أبوكم ... أو كان جبريل عليه ينزل
أم من يقول الله إذ يختاره ... للوحي قم يا أيّها المتزمّل
يبدا المؤذّن في الآذان بذكره ... من بعد ذكر الله ثمّ يهلّل
وديوان الشريف الرضي «4» حافل بمثل هذا الفخر بالانتساب إلى النبي الأمين وآل بيته الكرام، فهو يقول:
جدّي النّبيّ وأمّي بنته وأبي ... وصيّه وجدودي خيرة الأمم
وقد مدح العلويون بهذه النسبة، وهذه الصّلة مع النبي الكريم مثلما مدح العباسيون، فقال السلامي «2» في مدح الشريف الرضي:
الموسوي النّاصري أبوة ... وخؤولة علويّة الأنساب
في حيث أرّثت النّبوة نارها ... فخبا لنور الحقّ كلّ شهاب
وظل العلويون والمتشيعون لهم يفخرون بالانتساب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكنهم لم يمدحوا الرسول الكريم بقصائد مستقلة، وكل ما قالوه من إشادة به صلّى الله عليه وسلّم جاء في قصائد التشيع، التي تشيد باله، وقد أوجب هذا الموضوع ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والفخر بالانتساب إليه، دون أن يكون الهدف من إنشاء الشعر مدحه. ولو تابعوا ما وصل إليه الكميت أيام بني أمية، لوجدنا المديح النبوي في وقت مبكر، لكنهم لم يصلوا في مدح النبي الكريم في أثناء قصائدهم إلى القدر الذي وصل إليه الكميت.
وقد ورد ذكر النبي الأمين في شعر هذا العصر الذي يتحدث عن العقيدة، فعند ما ينظم الشاعر تسبيحا لله تعالى وتعظيما، يذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مثل قول الحسن بن مظفر النيسابوري :
سبحان من ليس في السّماء ولا ... في الأرض ندّله وأشباه
أحاط بالعالمين مقتدرا ... أشهد ألا إله إلّا هو
وخاتم المرسلين سيّدنا ... أحمد ربّ السّماء سمّاه
أشرقت الأرض بعد بعثته ... وحصحص الحقّ من محيّاه
وعند ما يريد الشاعر أن يؤكّد اعتقاده في ذات الله تعالى، ويردّ على المشبهة، لا يجد تأكيدا أكبر من القسم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهذا ما فعله أبو حامد الشهرزوري «2» ، قاضي حلب، حين قال في التنزيه:
أقسمت بالمبعوث من هاشم ... والشّافع المقبول يوم الجدال
ما ربّنا جسم ولا صورة ... موّصوفة بالميل والاعتدال
ونجد مدحا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حديث الشعراء عن الحج، فقد كان الشوق يأخذ بألباب الناس وقلوبهم إلى رؤية الأماكن المقدسة التي عظمها الله تعالى والتي شهدت بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجهاده، ونزول الوحي عليه، وأخذ التعبير عن هذا الشوق يزداد شيئا فشيئا إلى أن أضحى غرضا فنيا قائما بذاته، وأصبح من مستلزمات المدحة النبوية.
وكان الشاعر إذا أزمع الحج عبر عن شوقه إلى الديار المقدسة، وإلى زيارة قبر النبي الشريف، كما فعل ابن عبدوس الدهان بقوله:
أتيتك راجلا ووددت أنّي ... ملكت سواد عيني أمتطيه
ومالي لا أسير على الماقي ... إلى قبر رسول الله فيه
وحين يصل الشاعر إلى الأماكن المقدسة يشعر بالارتياح، وعند ما يزور ضريح النبي الكريم ويركن إلى السكينة والاطمئنان، فتكون حاله حال أبي الخطاب الجبلي في قوله:
رويدك قد أصبحت جارا لأحمد ... وحسب امرء أن يستجير بجاره
لأفضل من يغشى على بعد داره ... وأكرم من يعشى إلى ضوء ناره
لكننا لا نعدم في هذا العصر مدحا خالصا للنبي الكريم لا يشاركه فيه موضوع آخر، فالشاعر الذي لا يمدح خليفة، أو لا ينحاز إلى الشيعة، أو لا يرى رأي فرقة معينة، ولا يتحدث عن الحج أو عن العقيدة، وأراد ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإن ذكره له يكون خالصا للمديح، فمهيار الديلمي بعد إسلامه ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال:
أمثل محمّد المصطفى ... إذا الحكم ولّيتموه لبيبا
بعدل مكان يكون القسيم ... وفصل مكان يكون الخطيبا
وثبت إذا الأصل خان الفروع ... وفضل إذا النّقص عاب الحسيبا
وصدق بإقرار أعدائه ... إذا نافق الأولياء الكذوبا
أبان لنا الله نهج السّبيل ... ببعثته وأرانا الغيوبا
فمهيار مدح النبي الأمين وفضّله على العالمين، وأنكر أن يكون له شبيه في الفضائل التقليدية، وزاد على ذلك بالإشارة إلى أثره في البشرية، وهدايتها إلى سواء السبيل، وهذه الهداية هي التي أكدها أبو العلاء المعري حين ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مادحا، فقال:
دعاكم إلى خير الأمور محمّد ... وليس العوالي في القنا كالسّوافل
حداكم تعظيم من خلق الضّحى ... وشهب الدّجى من طالعات وآفل
وألزمكم ما ليس يعجز حمله ... أخا الضّعف من فرض له ونوافل
وحثّ على تطهير جسم وملبس ... وعاقب في قذف النّساء الغوافل
وحرّم خمرا خلت ألباب شربها ... من الطيش ألباب النّعام الجوافل
فصلّى عليه الله ماذرّ شارق ... وما فتّ مسكا ذكره في المحافل
وإذا زاد المعري الصلاة على النبي في قطعته هذه، فإن ابن الدهان أظهر رغبته في السعي لزيارة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مهما كانت الصعاب. زيادة على تأكيده معنى الهداية في قوله:
أيا خير مبعوث إلى خير أمّة ... نصحت وبلّغت الرّسالة والوحيّا
فلو كان في الإمكان سعي بمقلتي ... إليك رسول الله أفنيتها سعيا
ونجد في هذا العصر مقطعات تذهب هذا المذهب، وتعدّ من مصادر المدائح النبوية التي كثرت بعد ذلك واستوى خلقها، ومن ذلك مقطوعة يأخذ صاحبها بمعنى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خلاصة الشرف الإنساني، وأنه أفضل خلق الله، فيقول:
للعرب الفضل على النّاس ... وخيرها أولاد إلياس
والنّضر منظور إلى فضله ... ثم قريش عزّها راسي
والسّادة الغرّ بنو هاشم ... خيارها في الجود والياس
والمصطفى خير بني هاشم ... وخير مبعوث إلى النّاس
أحمد ذو النّور الذي ضاق عن ... وصف علاه كلّ قرطاس
فلم يزل يدعو إلى ربّه ... في لطف لان به القاسي
حتّى غدا الشّيطان ذا رنّة ... من دولة الشّرك على ياس
صلّى عليه الله أعداد ما ... أوجد من نفس وأنفاس
وأصبح الدّين رفيع الذّرا ... ثابت أركان وتأساس
ويتضح من هذا الشعر أن الشاعر ينظم الحديث النبوي «أنا خيار من خيار من خيار» «2» وهذا المعنى انتشر بين مدّاح النبي الكريم، وقلما تخلو منه قصيدة نبوية، ثم أشار إلى ما أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أجله، وقيامه برسالته على أكمل وجه حين نقل النّاس من ظلام الجهالة إلى نور الهداية. ومن الظواهر التي برزت في هذا العصر، تنامي حركة التصوف وتشعبها، وتطرف بعض المتصوفة، الذين أضافوا إلى حركة التصوف الإسلامية ما أخذوه عن الفلسفات الأجنبية المتباينة والأديان المختلفة. وقد تفاعلت حركة التصوف مع المذاهب الدينية الإسلامية، فأخذت عنها وأعطتها، وصاغت لنفسها طريقة للعبادة ونظريات دينية مختلفة حول الكون وعلاقته مع الخالق، وكان لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم نصيب من نظريات المتصوفة الذين قالوا بالحقيقة المحمدية التي أضحت لازمة في قصائد المديح النبوي، وتحدثوا عن النبي الكريم حديثا لم يكن المسلمون قد تداولوه من قبل، أغرقوا فيه بالغيبيات ورفعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوق مراتب الخلق جميعا، وجعلوه مبدأ الوجود كله، والسابق إلى الوجود، وفي ذلك يقول الحلاج «1» : «أنوار النبوة من نوره برزت، وأنوارهم من نوره ظهرت، وليس في الأنوار نور أنور وأظهر، وأقدم من القدم، سوى نور صاحب الكرم، همّته سبقت الهمم، وجوده سبق العدم، واسمه سبق القلم، لأنه كان قبل الأمم» «2» .
وقد أغنت حركة التصوف المديح النبوي، وحلّقت بمدّاح النبي الأمين في عوالم غيبية بعيدة، وخاصة في المرحلة الثانية التي اتسع فيها التصوف، ليصل تأثيره إلى معظم المثقفين وليصبح من نسيج ثقافة كل متعلم، ويخالط معتقد عامة الناس. وكثر في العصر العباسي التمثل بأحوال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الشعر، وخاصة عند الشعراء الذين يطلبون المثل ويلّحون عليه في شعرهم، فإنهم لم يجدوا في كل منحى من مناحي الحياة أعظم من شخصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولذلك ضربوا به المثل حين أرادوا تقرير معنى من المعاني، وتأكيد ما يذهبون إليه من وجهات نظر متباينة إزاء قضية من القضايا، فإذا ما أراد الشاعر أن يحتج لرأيه في مسألة خلل النظام الاجتماعي الذي يكرّم الناس لنسبهم لا لذواتهم، لا يجد حجة أفضل من الإشارة إلى أن النبي الكريم شرفت به آباؤه، ولم يشرف بهم، وهذا ما ذهب إليه ابن الرومي حين قال:
فكم أب قد علا بابن ذرا شرف ... كما علا برسول الله عدنان
وقال أبو تمام:
وكذلك قد ساد النّبيّ محمّد ... كلّ الأنام وكان آخر مرسل
وحين أراد أبو تمام أن يعتذر عن نفسه أو عن ممدوحه عند ما ركن إلى منافقين، يظهرون له الحب، ويضمرون الكراهية، ويعملون على إيذائه، ولم يستطع اكتشاف أمرهم، لم يجد ما يحتج به إلا ما حصل للنبي صلّى الله عليه وسلّم مع المنافقين، فقال:
هذا النّبيّ وكان صفوة ربّه ... من بين باد في الأنام وقار
قد خصّ من أهل النّفّاق عصابة ... وهم أشدّ أذى من الكفّار
حتّى استضاء بشعلة السّور التي ... رفعت له سجفا عن الأسرار
وأكثر ما تمثل به من أحوال النبي الكريم، التعزي عند فقد عزيز على النفس، عملا بقوله صلّى الله عليه وسلّم «من أصابته مصيبة، فليذكر مصيبته بي . فأخذ الشعراء هذا المعنى، واستخدموه عند التعزية، وعند التفكّر في المصائب، ومن ذلك قول ديك الجن :
تأمّل إذا الأحزان فيك تكاثفت ... أعاش رسول الله أم ضمّه قبّر «2»
إن العصر العباسي عصر طويل نسبيا، ولم تسر فيه الأمور رتيبة متشابهة، ولم تكن الظروف متماثلة، ولذلك كان لا بد من اختلاف الظواهر الأدبية وتطورها، وليس دمج الحقب العباسية في عصر واحد إلا لتسهيل الدراسة، فخصائص الأدب في صدر العصر العباسي تختلف عنها في نهايته، إذ إن القسم الثاني من زمن الدولة العباسية شهد سيطرة العناصر الأعجمية على الخلافة، وانقسام الدولة إلى ممالك لا تدين للخلافة العباسية إلا بالولاء الإسمي فقط، ولكن هذا لا يعني أن الحركة الثقافية قد انقسمت إلى حركات متباينة، ولا يعني أن الأدب العربي في هذا العصر قد اختلف بين دولة وأخرى، لأن الثقافة والأدب ظلّا على تواصلهما وتفاعلهما، وإن تلون الأدب بألوان خافتة، تظهر أثر القطر الذي كتب فيه، فقد بقي تطور الأدب العربي على خط واحد تقريبا في جميع الأقطار العربية الإسلامية وبقيت الظواهر الأدبية العامة مشتركة بينها، فلا يظهر فن أدبي في هذا القطر، حتى ينتشر بسرعة كبيرة في الأقطار العربية الإسلامية الأخرى، ولا تشيع طريقة فنية في قطر حتى يتلقفها الأدباء في بقية الأقطار، حتى يصعب على الباحث أن يقرر أوّلية هذا الفن أو ذاك، وهذه الطريقة أو تلك، ومن هذه الفنون فن المدائح النبوية، الذي يصعب معرفة أين ظهر متكاملا أول مرة، أفي مشرق الوطن العربي الإسلامي أم في مغربه، هذا إذا استثنينا عصر البعثة النبوية، وإني هنا سأتحدث عن المدائح النبوية في العصر العباسي في المشرق، وسأتحدث عنها في المغرب فيما بعد، ولن يكون حديثي مفصلا، وسأكتفي بالإشارة إلى أهم القضايا المتعلقة بالمديح النبوي إلى أن وصل إلى العصر المملوكي. وظهرت في الدور الثاني من العصر العباسي قصائد عدة في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بدأها الشعراء بمعارضة قصائد قيلت في مدح النبي الكريم في أثناء حياته، وخاصة قصيدة كعب بن زهير (البردة) ، ومن الذين عارضوا هذه القصيدة في هذا الدور، الشاعر العربي الأبيوردي في قصيدة مطلعها:
خاض الدّجى ورواق اللّيل مسدول ... برق كما اهتزّ ماضي الحد مصقول
ويبدو أن الشعراء كانوا متهيبين من مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لأنهم لا يدرون كيف يخاطبونه، وما هي معاني المديح التي تليق به، ولا يدرون كيف يبنون قصائد مديحه، خوفا من الخطأ والإساءة من حيث لا يدرون ولا يقصدون، فوجدوا أن أسلم طريقة لذلك هي معارضة قصائد مدح بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حياته، ورضي عنها وكافأ عليها، ولهذا نجد الأبيوردي يبدأ قصيدته مثلما بدأها كعب بوصف الرحلة، وعلى طريقة كعب، لكنه لم يتابع كعبا بيتا بيتا، ولم يجاره في المطلع، ولم يتسع اتساعه في وصف الرحلة والغزل، فبعد أن شام البرق في مطلع قصيدته، وصف رحلته ببضعة أبيات، انتقل بعدها إلى الغزل ليتركه قائلا:
صدّت ووقّرني شيبي فما أربي ... صهباء صرف ولا غيداء عطبول
وحال دون نسيبي بالدّمى مدح ... تحبيرها برضا الرّحمن موصول
أزيرها قرشيّا في أسرّته ... نور ومن راحتيه الخير مأمول
تحكي شمائله في طيبها زهرا ... يفوح، والرّوض مرهوم ومشمول
هو الذي نعش الله العباد به ... ضخم الدّسيعة متبوع ومسؤول
وهكذا مضى الشاعر في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جامعا بين القيم التقليدية التي سار عليها القوم في المدح، ومتخذا من كعب بن زهير قدوة له في ذلك، وبين المفاهيم الدينية التي ينفرد بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن سائر الناس، ثم أكدأنه سيظل على سنته، وأنه سينصر دين الله تعالى بكل ما أوتي من قوة، فقال:
يا خاتم الرّسل إن لم تخش بادرتي ... على أعاديك، غالتني إذا غول
والنّصر باليد منّي واللّسان معا ... ومن لوى عنك جيدا فهو مخذول
وساعدي- وهو لا يلوي به خور ... على القنا في اتّباع الحقّ- مفتول
وكأن في نفس الشاعر شيئا مما يرى حوله، وقد اصطرع المسلمون فيما بينهم، واختلفوا في أمر عقيدتهم، وانقسموا إلى أحزاب وملل، وحاد قسم منهم عن الحق، فهو يعاهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الجهاد إلى أن يعود الحق إلى مكانه. وقد أجاد الأبيوردي معارضة كعب، فأخذ روح القصيدة، ولم يتبع جزئياتها، فجاءت أصيلة مبدعة، تعبر عن نفسه، وتوضح مكنوناتها، ربط فيها بين حبه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين ما يستشعره اتجاه ما يجري في عصره، وإن ظلت في أسلوبها وصياغتها تضارع قصيدة كعب، وترتد إلى عصرها. وكان في مدحه للنبي الكريم متحفظا، فترسم معاني كعب التقليدية، وذكر فضل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الناس، وهدايته لهم، بعد أن كانوا في غيهم يعمهون.
وعارض الزمخشري قصيدة كعب أيضا وابتدأ مثل الأربيوردي بذكر البرق الذي يذكي الشوق، وتوقف عند أطلال المحبوبة، لكنه لم يتسع في وقوفه وغزله، واكتفى منهما بجلاء مشاعره الدينية التي يكنّها للأماكن المقدّسة، وانتقل بعدها إلى شيء من الحكمة الممزوجة بتوجهه الديني، فهو من المعتزلة الذين يعلون شأن العقل، ويطلبون إعماله في العقيدة لذلك نراه يقول في مقدمة قصيدته:
والفعل أرضاه عند الله أعرفه ... وما تناكره الألباب مرذول
والحقّ فالحقّ ما جاء الرّسول به ... سيف على هام أهل الشّرك مسلول
الفضل فضل نبيّ من بني مضر ... إليه أفضل خلق الله مفضول
محمّد إن تصف أدنى خصائصه ... فيا لها قصّة في شرحها طول
لقد جعل الزمخشري من الحديث المقتضب عن العقيدة مدخلا إلى مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمزج مزجا موفقا بين القيم التقليدية وبين القيم الدينية، وبعد أن أكّد أن الرسول فوق جميع البشر، وأنه لا يحاط بأدنى خصائصه، عاد ليؤكد نبوته صلّى الله عليه وسلّم ويأتي بشيء يسير من سيرته، وكأنه بذلك يردّ على من أخذ عليه اعتزاله، وأن المعتزلة يشكّون بنبوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
هو الذي إن يخالج في نبوّته ... ريب فما القول بالتّوحيد مقبول
هو الذي وعد الرّحمن ناصره ... نصرا عزيزا ووعد الله مفعول
ملك الأكاسرة الممنوع غادره ... والتّاج منعقر والعرش مفلول
ثم ينتقل بعد ذلك ليشيد بالصحابة رضوان الله عليهم، وبشجاعتهم ونصرتهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولم يفرّق بينهم أو يخصّ أحدهم بالفضل، وكأنه بذلك يقرر حقيقة من حقائق مذهبه، ويرد على الذين يفرّقون بين الصحابة الكرام في الفضل والتقدمة، فهو يحبهم جميعا، ويفرح لذكرهم، لذلك يقول:
حفّته أشياع صدق كاللّيوث بهم ... دم الذين استضاموا الدّين مطلول
إذا جرى ذكرهم رفّ القلوب له ... كما يرفّ الخزامى وهو مطلول
وفي ختام قصيدته يظهر الزمخشري ما بنفسه، فيستشفع برسول الله صلّى الله عليه وسلّم مؤكدا أنه لم يخرج عن الدين ولم يقرب حراما، وأن قومه المعتزلة ما زالوا على تقواهم واتباع الحق بخلاف الفرق المضلله التي تناوئهم، فقال:
يا خاتم الرّسل إنّ الطّول منك على ... راجي الشّفاعة يوم الحشر مأمول
وطّاء أعقاب قوم ما لهم عمل ... في نصرة الدّين والإسلام مجهول
لهم ضمائر للتّفكير قارعة ... وألسن كلّها بالذّكر مشغول
موحّدون إلها أنت صفوته ... مصدّقوك فلا غالتهم غول
إن زال عن رمي أغراض الهدى فرق ... تلهو مضلّلة قالت لهم زولوا
فقوس قومي بالتّقوى موتّرة ... وسهمهم باتّباع الحقّ منصول
وواضح من القصيدة أن الزمخشري تسلل بذكاء داخل المديح النبوي، ليدافع عن نفسه وعن مذهبه، وأنه اختار المديح النبوي ليعبر من خلاله عن مذهبه وآرائه، وليزيد في تأكيد ارتباطه برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإقراره بنبوته، وأن ما يذهب إليه المعتزلة من تعظيم شأن العقل وإعماله في العقيدة، لا يبعدهم عن الإسلام الصحيح، وعن مبادئه ومفاهيمه، لذلك لم يبق من معارضته لقصيدة كعب غير هيكل القصيدة، ووزنها وقافيتها، أما المضمون، فإنه مغاير لما عند كعب، ولم يلتقيا إلا في مدح الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم، كلّ على طريقته ووفق ما سمحت به ظروفه. وبذلك تقدم الزمخشري بالمدحة النبوية إلى الأمام حين ربط بينها وبين العصر، وحين جعل منها وسيلة لرفع ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والتنبيه على قدر سنّته الغراء من ناحية، ولنشر ما يعتقده من آراء وأفكار من ناحية ثانية، وما كانت المعارضة إلا توطينا لنفسه على المديح النبوي، وللإفادة من وزن القصيدة وبعض ألفاظها وشهرتها. ويطالعنا في هذا العصر (البلوي) مؤلف كتاب (ألف با) بقصيدة نبوية، أضرب فيها عن المقدمات، وباشر المدح، وقد أوضح في التقديم لها أن المديح النبوي قد ازداد على عهده، وأن ذلك حرّك في نفسه دواعي مجاراة مدّاح النبي، فنظم قصيدته هذه، وبيّن في بداية القصيدة أنه نظمها طلبا للأجر والثواب، لذلك فهي خالصة للمديح النبوي والتشفع بالنبي الأمين، لا يخالطها شيء آخر، بدأها قائلا:
قد قلت قولا أبتغي أجره ... من ملك رحمته تطلب
في القرشيّ الهاشميّ الذي ... يقصّر في مدحه المطنب
محمّد المنتخب المصطفى ... من مثله أو منه من يقرب
أرسله الله لنا رحمة ... والكفر في ظلمته يحطب
فجمع الله به شملنا ... بعد شتات أمره معطب
وأصبح النّاس به إخوة ... أبوهم الإسلام نعم الأب
ذاك أبو القاسم ماذا عسى ... يحصي لساني أو يدي تكتب
والبحر لو كان مدادا وما ... في الأرض أقلام بها يكتب
لم نبلغ العشر ولا عشره ... من وصفه هيهات لا تعجبوا
وبعد أن مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتفضيله على الناس أجمعين، وذكر فضله على أمته، إذ هداها إلى سواء السبيل ووحدها، أكد أنه لا يستطيع أن يفي الرسول الأمين حقه، واستعار المعنى القرآني للتعبير عن هذا الموقف الذي تكرر عند مدّاح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كافة، ثم انتقل إلى وصف اليوم الآخر، ومكانة النبي الكريم فيه، وشفاعته لأمته، فقال:
فهو حبيب الله وهو الذي ... في جاهه تطمع يا مذنب
وصاحب الحوض الرّواء الذي ... أمّته منه غدا تشرب
ويميل بعض الميل إلى نظم الأحاديث والروايات عن موقف الرسل الكرام يوم القيامة، وتهيّبهم من الشفاعة للناس وتصدي الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم لهذه الشفاعة، فيقول:
كلّ رسول منهم قائل ... نفسي نفسي عنقها يطلب
وهو ينادي أمّتي أمّتي ... ربّي مالي غيرهم مطلب
هذا إلى أشياء لم أحصها ... يعجز عنها اللّقن المسهب
فمن يقل ما شاء فيه يقل ... حقّا وما أحسبه يكذب
وقد انتشر نظم الروايات والأحاديث في المدائح النبوية، حتى جار على الشعر فيما بعد، وكذلك إباحة أن يقول الشعراء ما يشاؤون في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأن كل ما يقولونه حق، فهذه المسألة أدخلت المديح النبوي في خضم الصراع العقائدي، وجعلت بعضهم يوغل في الغيبيات معتمدا على الأحاديث الضعيفة، والروايات المشكوك فيها، فذهب ذلك برونق المدحة النبوية وأخرجها في كثير من الأحيان من دائرة الشعر إلى دائرة النظم العلمي. أما شاعرنا فإن تباشير النظم عنده خفيفة لينة، لم تجر على الشعر، وقد اختتم قصيدته بالدعاء فقال:
كلّ لساني وانتهت طاقتي ... ولم أصل بعض الذي أرغب
فملت عن مدحته للدّعا ... عسى دعائي عنه لا يحجب
فليس مثلي مادحا مثله ... لا لا ولا العير الذي يركب
صلّى عليه الله من سيّد ... ما تطلع الشّمس وما تغرب
وبذلك نرى أن المديح النبوي في العصر العباسي، بدأ من ذكر النبي الكريم في مدح الخلفاء، وإيجاد علاقة تربطهم به، ومن فخر العلويين بانتسابهم إليه صلّى الله عليه وسلّم، وظهر شيء من المديح النبوي في قصائد العقيدة، وفي حديث الشعراء عن الحج، ومع تقدم الزمن ظهرت مقطوعات خاصة خالصة لمدح النبي الأمين، إلى جانب ما تمثّل به الشعراء من أحواله- عليه السلام-. وجاء التصوف وتطوره ليعطي لشعراء المدائح النبوية آفاقا غيبية رحبة، يحلّقون فيها، ثم وجدنا قصائد كاملة، نظمت في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإن كانت في البداية معارضة لقصائد قيلت في الرسول على عهده، أقبل عليها وخلع على قائليها، لكن الشعراء سرعان ما نظموا مدائح نبوية خالصة، نظرت إلى كل ما تقدم، بيد أنها كانت مما سمحت به قرائح الشعراء أنفسهم.
مدح آل البيت في العصر العباسي
واستمر الشعراء في مدح آل النبي مدحا دينيا حينا ومدحا سياسيا حينا آخر، وقد نسب للإمام الشافعي شعر يشيد فيه بال البيت، وكأن الإمام الشافعي يردّ على من انتقص قدرهم، فيقول:
يا أهل بيت رسول الله حبّكم ... فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنّكم ... من لم يصلّ عليكم لا صلاة له
وأوضح الإمام الشافعي موقفه الذي لا يفرق فيه بين الصحابة، ولا ينكر فضل أحدهم، فقال:
إذا نحن فضّلنا عليّا فإنّنا ... روافض بالتّفضيل عند ذوي الجهل
وفضل أبي بكر إذا ما ذكرته ... رميت بنصب عند ذكري للفضل
فلا زلت ذا رفض ونصب كلاهما ... بحبّيهما حتى أوسّد بالرّمل
وهكذا أخذ الشعراء يمدحون آل النبي الكريم، ويذهبون في مدحهم كل مذهب، ويذكرون في مدحهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يتسعون في ذكره ويقتصرون، وهم في معظم شعرهم يقصرون هذا الذكر على قرابة آله منه، وافتخارهم بالانتساب إليه، ومن ذلك مدح محمد بن حبيب الضبي لعلي بن أبي طالب بقوله الذي اكتفى فيه بذكر وصية النبي لعلي فقط:
وصيّ محمّد حقّا عليّ ... وقتّال الجبابر والقروم
وخازن علمه وأبو بنيه ... ووارثه على رغم المليم
شفاعته لمن والاه حتم ... إذا فرّ الحميم من الحميم
ومن يعلق بحبل الله فيه ... فقد أخذ الأمان من الجحيم
ويدخل في هذا الباب الرثاء الحار الذي رثى به شعراء الشيعة آل البيت، والذين استشهدوا منهم خاصة، على يد خصومهم السياسيين من الأمويين وغيرهم، مثل قول دعبل في قصيدته المشهورة:
مدارس آيات خلت من تلاوة ... ومنزل وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منى ... وبالرّكن والتّعريف والجمرات
ديار عفاها جور كلّ منابذ ... ولم تعف للأيّام والسّنوات
هم أهل ميراث النّبيّ إذا اعتزوا ... وهم خير قادات وخير حمات
وإن فخروا يوما أتوا بمحمّد ... وجبريل والفرقان ذي السّورات
واستمر تيار التشيع في الشعر على هذا النحو، يبدأ الشعراء ويعيدون في الإشادة بال النبي، ويتوسلون بهم، ويتشفعون، يشمل مدحهم الهاشميين جميعا حينا، ويقتصرون على آل علي بن أبي طالب وذريته من فاطمة حينا آخر. وظاهر من كل ما تقدم أن مدح الرسول الكريم لم يكن هدف الشعراء الذين مدحوا آل البيت، وأن ذكر الرسول صلّى الله عليه وسلّم اقتضاه مقام المديح، وهو من لوازمه التي يقوم عليها، ولولاه لما كان مديح آل البيت والإشادة بهم والاعتقاد بمكانتهم الدينية. وصار التشيع من التيارات البارزة في الشعر العربي، اختص به الشعراء الذين يرون رأي الشيعة، وتأثر به الشعراء الذين لا يذهبون مذهبهم، ودخلت تعابير الإشادة بهم في كتب الأدب، ومعاجم المعاني فالثعالبي أفرد التعابير التي تقال في آل النبي بفصل خاص، وهذا يؤكد أن هذه التعابير صارت شائعة، وأنها أضحت من عدة الأديب، فقال مثلا في كتابه (سحر البلاغة) تحت عنوان (ذكر الآل) : «وعلى آله الذين عظّمهم توقيرا، وطهّرهم تطهيرا، أعلام الإسلام، وأمان الإيمان.. الذين أذهب عنهم الأرجاس، وطهّرهم من الأدناس، وجعل مودتهم أجرا على الناس ... » . وورد في كتاب الممادح والأثنية ما يخص منها أبناء النبوة، فقال: «استقى عرقه من منبع النبوة، ورضعت شجرته من ثدي الرسالة، وتهدلت أغصانه عن نبعة الإمامة» . وظل الشعراء على عهد بني العباس يمدحون آل النبي بما تقدم، وظلوا على شيء من الاتزان في الحديث عنهم، لا يتعدون إظهار المحبة، والدعوة إلى تبجيلهم، وضرورة وصولهم إلى حقهم، ويهاجمون من يعاديهم مثل قول الصاحب بن عباد :
أحبّ النّبيّ وآل النّبيّ ... لأنّي ولدت على الفطرة
إذا شكّ في ولد والد ... فايته البغض للعتره
لكن الغلو أخذ بالظهور عند شعراء الشيعة شيئا فشيئا، بعد أن أخذت الأفكار.
الغريبة طريقها إلى الشيعة، والفرق المتطرفة منهم خاصة، فابن أبي الحديد يقول في قوله تعالى: عَمَّ يَتَساءَلُونَ إنه علي بن أبي طالب .
ويقول في النبي الكريم وعلي بن أبي طالب:
ولكنّ سرّ الله شطّر فيكما ... فكنت لتسطو ثم كان ليغفرا
«والمعنى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم والأمير سرّان لله، فالنبي سرّ العفو، وعلي فيه سر الانتقام» . ونسبوا إلى علي كرم الله وجهه معجزات عرفت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: «ردّت الشمس له مرتين، مرة بالمدينة عند حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ومرة بالعراق بعد وفاته صلّى الله عليه وسلّم» . ووصلوا في الغلو في علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى ما لا مزيد بعده، فقد عقب شارح القصائد السبع العلويات على قول ابن أبي الحديد:
علّام أسرار الغيوب ومن له ... خلق الزّمان ودارت الأفلاك
«روى الخوارزمي بإسناده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله تعالى من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف سنة، فلما خلق الله آدم سلك ذلك النور في صلبه، ولم يزل الله تعالى ينقله من صلب إلى صلب حتى أقره في صلب عبد المطلب، ثم أخرجه من صلب عبد المطلب، وقسمه قسمين، قسما في صلب عبد الله، وقسما في صلب أبي طالب، فعليّ منّي وأنا منه» . وهذا الحديث ورد في كتب الأحاديث الموضوعة . فإلى هذا الحد أوصل غلاة الشيعة عليّا، وأحاطوا آله بهالة من القداسة، وخاطبوهم كما تخاطب الأنبياء،

2- الهجاء :
وقد بقي هذا الفن نشيطاً في هذا العصر، ولكنه لم يعد قائماً على العادات القبلية كما كان في شعر النقائض وقد تنافس الشعراء في رسم صورة الهجاء من خلال القيم الجديدة فهذا نشوان الحميري يرد على الهجاء الذي ورد من قبل عبد الله بن القاسم الزبيدي فيقول بعد أن يسمه عبد الله بن القاسم بفساد الأصل :
أمّا الصحيح فإن أصلك فاسدٌ وجزاك منا ذابلٌ ومهندُ
فيجيبه نشوان:
من أين يأتيني الفساد وليس لي نسبٌ خبيث في الأعاجم يوجد
لا في علوج الروم جدٌّ أزرق أبداً ولا في السود خالٌ أسود
وقد استخدم الشعراء في هجائهم مختلفَ العيوب النفسية والخلقية ولم يتورعوا عن هجاء الخلفاء والوزراء إذا رأوهم منحرفين من الصواب:
يقول بشار في هجائه لرجل شديد البخل:
إذا جئته للعرف أغلق بابه فلم تلقه إلاّ وأنت كمين
وهذا حمّاد عجرد يستخف ببشار بن برد ويحفره قائلاً
وأعمى يشبه القردا إذا ما عمي القردُ
دنيء لم يرح يوما إلى مجدٍ ولم يغدوُ
وقد يتهم المهجو بالزندقة التي تنتهي بالحكم بالموت كما حصل مع بشار لقوله:
تفاخر يا بن راعية وراع بني الأحرار حسبك من خسار
وكنت إذا ظمئت إلى قراح شركت الكلب في ولغ الإطار
ومن تصوير ابن الرومي وصفه لصاحب الأنف الطويل:
حملت أنفاً يـراه النـاس كلـهم من ألف ميل عيانـاً لا بمقياسس
لو شئت كسباً به صادفت مكتسباً أو انتصاراً مضى كالسيف والفاس
وكذلك وصفه للحمّال الأعمى:
رأيت حمّالا بين العمى يعثر في الأكم كما يعثر في الوهدِ
بين مجالاتٍ وأشباهها من بشـرٍ نامـوا عـن المجـد
والبائس المسكين مستلمٌ وكلُّ يصدمه عامداً أو بغير عمدِ
ووصفه اللحية الطويلة قائلاً :
إن تطلْ لحية عليك، وتعرضُ فالمخالي معروفةٌ للحمير
علّق الله في عذاريك مخلاة ولكنها بغير شعير
لو غدا حكمها إليّ لطارت في مهب الرياح كلَّ مطير
لحية أهملت فسالت وفاضت فإليها يشير كلُّ مشير
لو رأى مثلها النبي لأجرى في لحى الناس سنة التقصير
وكذلك قوله في وصف وجه عمرو:
وجهك يا عمرو فيه طول وفي وجه الكلاب طول
وقد يكون الهجاء سياسياً كما حصل عند موت المعتصم حيث هجاه دعبل الخزاعي قائلا:
خليفة مات لم يخرب له أحدٌ وآخر قام لم يفرح به أحد
واستمر الهجاء في عصر الدول والإمارات يتخذه الشعراء غرضاً إذا تأخرت الأعطيات كما صنع أبو العلاء الأسدي في هجاء الصاحب بن عباد وزير البويهيين:
إذا رأيت مسجَّى في مرقعةٍ يأوي المساجد حراً ضرَّه باد
فاعلم بأن الفتى المسكين قد قذفت به الخطوب إلى لؤم ابن عبادٍ

3ً- الرثاء :
بقي الرثاء نشيطاً في العصر العباسي، وإن اتجه بمعاينة إلى صفاتٍ جديدة يصفها الشاعر على صفات من يقوم برثائه من القادة والأمراء والخلفاء إضافة إلى التأمل بحقائق الكون والوجود والموت والحياة وانتشر رثاء المدن والحيوانات المستأنسة والأصدقاء والزوجات.
يقول أبو العلاء المعري في رثاء أحد أصدقائه معرضاً لحقائق الموت :
ربّ لحدٍ قد صار لحداً مرارا ضاحك من تزاحم الأضداد
ضجعة الموت رقدةً يستريح الجسم فيها، والعيش مثل السهادِ
ويقول أبو تمام الطائي في رثاء بن حميد الطوسي :
فتىً مات بين الضرب والطعن ميتةً تقوم مقام النصر إذ فاته النصرُ
تردّى ثياب الموت حمراً فما دجا لها الليل إلاّ وهي من سندس حضرُ
ويقول محمد بن عبد الملك الزيات في رثاء زوجه:
ألا من رأى الطفل المفارق أمه بعيد الكرى عيناه تبذران
رأى كلَّ أمٍّ وابنها غير أنه يبيتان تحت الليل ينتجيان
وهذا الشاعر الخريمي يرثي بغداد في أيام الخلاف بين الأمين والمأمون:
حلت ببغداد وهي آمنةٌ داهيةٌ لم تكن تحاذرها
يحرّقها ذا وذاك يهدمها ويشتفي بالنهاب شاطرها
ويقول ابن العلاف النهرواني يرثي قطاً (هراً) :
يا هرُّ فارقتنا ولم تعد وكنت منا بمنزل الولد
صادوك غيظاً عليك وانتقموا منك وزادوا ومن يصْد يصد
4ً- الفخر :
يتمحور الفخر عند الشعراء العباسيين في ثلاثة مجالاتٍ
أولها ما يخص نفس الشاعر ، يقول المتنبي مفتخراً بنفسه:
لا بقومي شرفت بل شرفوا بي وبنفسي فخرت لا بحدودي
والثاني ما يخص نسبه و قبيلته،
والثالث ما يخص عقيدته وهواه السياسي .
ويقول بشار مفتخراً بأصوله الفارسية:
هل من رسول مخبر عني جميع العرب
بأنني ذو نسب عالٍ على ذي الحسب
جدي الذي أسمو به كسرى وساسان أبي
5ً- الغزل:
نظراً لاختلاط العرب بالأعاجم، وانتشار الفتوح والغزو وتدفق الأموال، وكثرة الجواري والقيان، توسعت أبواب الشعر الغزلي ، فبعد أن كانت في العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام والعصر الأموي لا تعدو من أن تكون معانياً سامية وصفات لمفاتن جسدية عند المرأة فتح الشعراء العباسيون بابين جديدين
-الأول هو باب الغزل الإباحي : الذي تجرأ فيه العباسيون على وصف خلواتهم بجرأة وفحش ،
- والثاني غزل الغلمان الذي لا عهد للعرب به .
يقول بشار بن برد : في الغزل الجريء .
يا ليلتي تزداد نكرا من حب من أحببت بكرا
حوراء أن نظرت إليك سقتك بالعينين فخرا
ومع ذلك فقد تعفف قسم من الشعراء بغزلهم كما عند العباس بن الأحنف الذي وصف ما يجول بخاطره باتجاه محبوبته فوز
أتأذنون لصبٍ في زيارتكم فعندكم شهوات السمع والبصر
لا يضجر السوء إن طال الجلوس به عفا الضمير ولكن فاسق النظر
وقد انصرف قسم من الشعراء إلى غزل الأعرابيات معرضاً عن غزل النساء المتحضرات بسبب كثرة اللهو والمجون .
قال المتنبي :
هام الفؤاد بأعرابية سكنت بيتا من القلب لم تمدد له طنبا
وقد أشار هذا الشاعر بجمال الأعرابيات قائلاً:
حسن الحضارة مجلوبٌ بتخلية وفي البداوة حسن غير مجلوب
أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها مضغ الكلام ولا صبغ الجواجيب
وبرز من الشعراء العفيفين الشريف الرضي في (حجازياته) التي فرج بها حنينه للحجاز والنساء اللواتي قصدن أداء فريضة الحج :
من معيد لي أيامي بجزع السحراتِ
وليالي بجمعٍ ومنى والجمرات
وظباءً حاليات كظباء عاطلات
راميات بالعيون النجل قبل الحصيات
ومن الشعراء الذين تغنوا بالحب الصافي مهيار الديلمي
قل لجيران الغضا آهٍ على طيب عيش بالغضا لو كان داما
وقد استفاد المتصوفة من الغزل البدوي فمزجوه بالغزل الصوفي كما في قول عيسى بن سنجر الحاجري:
أأحبابنا بنتم عن الخيف فاشتكت لبعدكم آصالها وضحاها
كأنكم يومَ الرحيلِ رحلتمُ بنومي فعيني لا تصيب تراها
رعى الله ليلاتٍ بطيب حديثكم تقضّت وحيّاها الحيا وسقاها
6ً- الوصف:
إنّ امتداد الحياة العباسية وتوسعً هذه الحياة، ورخاءَ العيش جعل الوصف غرضاً مهماً، اتّسع مداه بين الأشياء المادية ، والمعنوية فوصف الشعراء في هذا العصر آثار الحضارات القديمة ، وقصور الخلفاء وحدائقهم وملاهي الناس والصيد، كما وصفوا في الجانب الآخر البؤس الاجتماعي والأمراض ، الطباع ، والغرائز والأزهار والرياض ، والأطعمة، فوصف البحتري إيوان كسرى ، ووصف ابن الرومي الخبار والحمّال الأعمى والنرد والشطرنج ، ووصف نطاح الكباش وصياح الديكة.
يقول ناصح الدين الأرجاني في وصف حصان كسرى:
وقد بان حتى عرقه تحت جلده وإن لم تبنْ في صفحتيه ندوب
ويقول المعري في وصف ديكٍ أحبَّ له الحياة، فكان هذا الديك طعاماً لأحد الصائمين :
أياديك: عدت من أياديك صيحة بعثت بها ميتَ الكرى وهو نائم
ولو كنت لي ما أرهفت لك مدية ولا رام افطاراً بأكلك صائم
ويقول البحتري في وصف القصر الكامل للمتوكل:
لبست من الذهب الصقيل سقوفه نوراً يضيء على الظلام الحافل
وكأنّ حيطان الزجاج بجوّه بحجٌ يمجن على جنوب سواحل
ويقول علي بن الجهم يصف لعبة الشطرنج وما يدور على رقعتها من معارك :
أرض مربعة حمراء من أدم ما بين إلفين موصوفين بالكرم
هذا يغير هذا وذاك على هذا يغير، وعين الحرب لم تنم
فانظر إلى الخيل قد حاشت بمعركةٍ في عسكرين بلا خيلٍ ولا علم
ويقول أبو نواس واصفاً كلب صيد له اسمه (سرياح):
ما البرق في ذي عارض لمّاح ولا انفضاض الكوكب المتضاحِ
ولا انبتاتُ الدّلو بالمتّاح ولا انسياب الحوت بالمنداح
حين دنا من راحة السبّاح أجدَّ في السرعة من سرياح
يطير في الجو بلا جناح يفترُّ عن مثل شبا الرماح
ويقول الشاعر أبو فرعون الساسي في وصف منزله المتواضع الخالي من الحضارة والحياة:
منزل أوطنه: الفقر فلو دخل السارقُ فيه سرقا
ويصور الشاعر أبو الشمقمق واصفاً حاجة عياله للخبز والإدام
وقد دنا الفطر وصبياننا ليسوا بذي تمرٍ ولا أرز
فلو رأوا على شاهق لأسرعوا للخبر بالجمز


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)