النثر في العصر العباسي

1- النثر العباسي:
خلفت الدولة العباسية دولة بني أمية، واتخذت بغداد حاضرة لها تاركة شئون الحكم للفرس الذين قضوا قضاء مبرمًا على الأمويين، وبذلك أصبحوا هم السادة الحقيقيين، فلم يعد العرب يتصدرون مكان السيادة، ولم تعد لهم أرستقراطيتهم، كما كان شأنهم في العصر الأموي، فقد أبعدوا غالبًا عن المناصب الكبرى في الإرادة والجيش، وأصبحوا لا يستطيعون الدخول على الخليفة، إلا إذا لهم الموالي من الفرس، أمثال البرامكة وبني سهل، ممن أمسكوا بزمام الأمور. وبذلك عمت الروح الفارسية في الحياة العباسية، حتى الخليفة نفسه لم يعد كأسلافه الأمويين يمثل شيخا كبيرًا من شيوخ القبائل العربية، بل أصبح خلفا لملوك الفرس الساسانيين، فله وزراؤه وحجابه وبلاطه، وله نفس التقاليد الفارسية في التشريفات، ويعيش معيشة مترفة، وإذا كان أبو جعفر المنصور عرف بالاعتدال في الاتصال بهذه الحياة الجديدة، فإن من خلفوه أقبلوا عليها إقبالا شديدا. وكان تقدم الفرس على العرب في شئون الحكم سببا في اصطدام هائل بين العرب والموالي، وسرعان ما ظهرت نزعة الشعوبية1، إذ أخذ جماعة من علماء العجم، وأدبائهم يطعنون في عرب الجاهلية لبعدهم عن أسباب الحضارة ، والثقافة، وطعنوا عليهم أيضا في كل ما يتصل بهم من فضائل خلقية ومن خطابة، وغير خطابة منوهين بفضائل الفرس وغيرهم من شعوب الحضارات القديمة، وما اشتهرت به من عمارة وفنون وعلوم، واتخذ ذلك شكل نزاع ضخم، فألفت كتب كثيرة في مثالب العرب، وكتب أخرى كثيرة في فضائل الفرس وغيرهم، ومن أشهر هؤلاء الشعوبيين في العصر العباسي الأول أبو عبيدة معمر بن المثنى، وأصله من يهود فارس، وهو من أشهر العلماء في اللغة والأخبار، وكان يتعصب للفرس على العرب، فألف في فضائل الأولين كتابًا1، أما الأخيرون فألف كتابا في مثالبهم2، وشركه في كتابة المثالب والتأليف فيها الهيثم بن عدي3، وممن اشتهر بهذه النزعة سهل بن هرون، كاتب البرامكة ثم أخذ أصحاب خزانة الحكمة للمأمون، ومنهم علان الشعوبي وكان وراقا في خزانة المأمون، وقد جمع في كتابه "حلبة المثالب" جملة المطاعن على القبائل العربية في زمن الجاهلية4، ولم يقف أنصار العرب صامتين إزاء هذه النزعة، فقد أخذوا يردون على أصحابها، ومن أشهر من اضطلعوا بهذا الرد مدافعين عن العرب الجاحظ في فاتحة الجزء الثالث من البيان والتبيين، وصنع صنيعة ابن قتيبة في رسالة له سماها كتاب العرب5. وقد ترجم الفرس كثيرًا من تراثهم إلى العربية6، ومن أشهر من قاموا بهذا الصنيع عبد الله بن المقفع وآل نوبخت7، وبخيل إلى الإنسان أنه لم يبق أثر في اللغة البهلوية إلا ترجم إلى العربية سواء تعلق بتاريخ الساسانيين أو بآدابهم، ومن ثم بالغ بعض المحدثين فيما كان للثقافة الفارسية من أثر في العقل العربي، ومن الغلاة في ذلك إنيس ترانسيف، فقد أكبر في كتابه "الأثر الإيراني في الأدب الإسلامي" من شأن هذه الثقافة، وتأثيرها في العرب معتمدًا في ذلك على ما يحصيه ابن النديم في فهرسته من أسماء الكتب الفارسية المترجمة، وهي كثيرة هناك كثرة غامرة، إلا أن هذه الكثرة يجب أن نحذرها، فالمسألة مسألة كيف لا كم، وربما كانت أهمية هذه الثقافة لا ترجع إلى ما ترجم للفرس أنفسهم، وإنما ترجع إلى ما ترجم إلى لغتهم عن غيرها، فقد كانت وسيطا مهما في نقل كثير من آداب الهند، ومعارفها مثل كتاب كليلة ودمنة الذي نقله ابن المقفع، وكذلك كانت وسيطا في نقل بعض الكتب اليونانية مثل منطق أرسطو الذي ترجمه عبد الله بن المقفع، أو ابنه1، على أنه ينبغي أن نشير إلى أنه دخل عن طريق الترجمة من الفارسية كثير من تعاليم الفرس الدينية القديمة عند زرادشت وماني ومزدك، بل ترجموا كتاب زرادشت المسمى أفستا كما ترجموا كتبا أخرى لماني ومزدك، مما كان سببا في ازدياد جماعة الزنادقة، وكانوا يتظاهرون بالإسلام، ويبطنون أديانهم المجوسية القديمة، وكانت عين الدولة يقظة، فأقام المهدي ديوانا خاصا بمحاكمتهم، وقتل ابن المقفع وكثيرون غيره. وقد انبرى علماء الكلام، وخاصة المعتزلة يردون على هؤلاء الزنادقة، وما زعموا من إثنينية ومذاهب دهرية. ولا تقل أهمية الثقافة الهندية2 عن الثقافة الفارسية، إذ ترجم العباسيون عنها كثيرا من الحكم والقصص، ومن الفلك والرياضة والطب، وقد ترجم إبراهيم الفزاري للمنصور كتاب الفلك الهندي المعروف باسم "السند هند" يعاونه في ذلك بعض علماء من الهنود، واجتلب يحيى بن خالد البرمكي مجموعة من أبطائهم إلى بغداد، وأمرهم بنقل بعض كتب الطب الهندية، ويظهر أنه كان هناك مترجمون كثيرون يحسنون النقل عن السنسكريتية، ومما نقلوه صحيفة في البلاغة احتفظ بها الجاحظ في بيانه1، ومن المؤكد أن كثيرًا من تأملاتهم فيما بعد الطبيعة أخذ طريقه إلى العربية، وكان له صداه الواسع في الصوفية الإسلامية، وقد لعبت نظريتهم في التناسخ، وبعض مذاهبهم الدهرية مثل السمنية دورا هي الأخرى في نزعات الزندقة والإلحاد. على أن هاتين الثقافتين الهندية والفارسية لا تقاسان في أهميتهما إلى الثقافة اليونانية2 التي دخلت في العربية لهذا العصر، وكانت مبثوثة في مدارس جند يسابور والرها وحران ونصيبين، كما كانت مبثوبة في الكنائس الشرقية والغربية، وكان للسوريان الفضل الأول في نقل محتوياتها إلى العربية، وبدأ ذلك منذ عصر المنصور، إذ استدعى من جنديسابور أسرة بختيشوع، ليتولى بعض أطبائها علاجه، وجدت هذه الأسرة كما جد غيرها من السوريان في ترجمة الفلسفة اليونانية، وبلغت هذه الترجمة أوجها في عهد المأمون، فقد اتخذ في قصره خزانة الحكمة، وأخذ يضم إليها كنوز المعرفة العربية والأجنبية، وشجع على النقل والترجمة، وطلب من آسيا الصغرى، ومن بيزنطة نفسها المصنفات اليونانية، وفي عهده لمع اسم أبي يوسف يعقوب الكندي أول فلاسفة العرب المهمين، وأحد العقول الكبرى في تاريخ العالم . والذي لا ريب فيه أن هذه الثقافات الدخيلة التي نقلت إلى العربية، وسعت طاقتها، بما اكتسبت من المعاني العقلية والفلسفية، وقد أصبح النثر العربي نثر ثقافة متشعبة، تمدها روافد كبيرة من إيران الهند واليونان، وليس ذلك فحسب، فقد أخذت تدخل في هذا النثر طرائق النظر الأجنبية، وأساليب الأجانب في تفكيرهم، والذي لا ريب فيه أيضًا أنه قام على هذا العمل نخبة من رجال الفكر الذين يحسنون اللغتين المنقول المنقول عنها، والمنقول إليها فإذا هم يستخدمون أسلوبا مولدا جديدا يحتفظون فيه للعربية بصورتها النحوية والتركيبية، ونحن لا نستطيع أن نقف على مدى إحسانهم في هذا الأسلوب، إلا إذا لاحظنا أن
لغتنا لم يصبها أثناء ذلك شيء من الفساد، فقد عمدوا إلى تخصيص بعض ألفاظها للدلالة على المصطلحات الفلسفية والعلمية الجديدة، وكان إذا اضطرهم معنى لفظ أجنبي إلى الاحتفاظ به عربوه، كما حدث في أسماء كثير من النباتات والأحجار، والعقاقير والأمراض، وبعض أسماء الآلات أو أسماء بعض العلوم، وكانوا كثيرا ما يضيفون صيغا جديدة، ولكنهم لم يبتعدوا بها عن تراكيب العربية، ومن يقرأ كتب ابن المقفع، وهو من أوائل المترجمين يرى كيف استطاع أن يضفي على أساليبه الطوابع العربية تامة كاملة . وبذلك اتسعت لغة الصحراء، وأصبحت لغة ثقافية ذات أسلوب مرن يستوعب كل ما لدى الأجانب من كنوز المعرفة، ومذاهب الفلسفة مما كان له أثره في الأدب نثره وشعره، كما كان له أثره في العلوم الإسلامية كعلم الكلام، والفقه، وحتى في علم اللغة نفسه، وما اتصل به من علم النحو، فقد وضع الخليل خطة أول معجم في العربية، وهو "معجم العين"، ورتبه على مخارج الحروف بالضبط كما يرتب الهنود حروف لغتهم، وكان يعرف علم الموسيقى، وعلى هديه أو باستيحائه وضع عروض الشعر وموازينه، ولا ننسى المنطق اليوناني فصلته بالنحو العربي مقررة، ومعنى ذلك العلوم المنقولة أثرت في تلك العلوم اللغوية، كما أثرت في جميع العلوم العربية الإسلامية الخالصة، وليس من باب الاتفاق أن يأخذ فقهاء العراق بالقياس، أو يسموا بأصحاب الرأي، وقد أخذ المؤرخون يكتبون في التاريخ على ضوء ما قرأوا عند الأمم الأجنبية من كتاباته، مما أتاح للطبري أن يكتب موسوعته التاريخية الكبرى . وعلى هذا النحو أصبح النثر في العصر العباسي متعدد الفروع، فهناك النثر العلمي، والنثر الفلسفي والنثر التاريخي، والنثر الأدبي الخالص، وكان في بعض صوره امتدادًا للقديم، وكان في بعضها الآخر مبتكرا لا عهد للعرب به، على شاكلة ما هو معروف في كتابات سهل بن هارون والجاحظ، وظلت الخطابة مزدهرة في أوائل هذا العصر، وإن كان قد أسرع الذبول إلى الخطابة الحفلية، إذ لم تعد القبائل تقدم بوفودها على الخلفاء، كما كان الشأن في عصر بني أمية. أما الخطابة السياسية فظلت فترة نشيطة، بحكم دعوة بني العباس لأنفسهم، حتى إذا استقام لهم الأمر أصابها ما أصاب الخطابة الحفلية من الذبول، ومن خطبائهم المفوهين، أبو العباس السفاح، والمنصور، والمهدي والرشيد والمأمون1، ثم غلبت العجمه على خلفائهم، فلم يعودوا يخطبون في أيام الجمع، والأعياد إلا ما كان من الخليفة المهتدي2 "255-256 هـ"، وفي أخبار الرشيد أنه عهد إلى الأصمعي أن يحفظ ابنه الأمين خطبة يخطب بها الناس في يوم الجمعة3، أما خطابة الوعاظ فيظهر أنه ظل لها غير قليل من الازدهار، فقد كان خلفاء بني العباس يستنون بخلفاء بني أمية في استقبال كثيرين منهم، وكان المنصور خاصة يوسع لهم في مجالسه، وفي كتب الأدب أطراف من تلك المواعظ، ينسب بعضها إلى شبيب بن شيبة4، وبعض آخر ينسب إلى عمرو بن عبيد5، أو إلى الأوزاعي6 أو إلى غيرهم. وكان المهدي مثل أبيه يستدعي هؤلاء الوعاظ ويستمع إليهم، ويروى أن صالح بن عبد الجليل، وعظه يوما حتى سالت دموعه7، وكان الرشيد يقتدي به، فكان يعظه ابن السماك8 وغيره، وروى ابن قتيبة في عيون الأخبار، وابن عبد ربه في العقد الفريد كثيرا من كلام هؤلاء الوعاظ، وكان وراءهم كثير من القصاص الذين يقصون على الناس في المساجد الجامعة، ومن أشهرهم موسى ابن سيار الأسواري "وكان من أعاجيب الدنيا، كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية، وكان يجلس في المشهور به، فتقعد العرب عن يمينه، وتقعد الفرس عن يساره، فيقرأ الآية من كتاب الله، يفسرها للعرب بالعربية ثم يحول وجهه إلى الفرس فيفسرها لهم بالفارسية، فلا يدري بأي لسان هو أبين". ومنهم عمرو بن فائد الذي ظل يفسر القرآن الكريم للناس ستا وثلاثين سنة، وما ختمه حتى مات؛ لأنه كان حافظا للسير ولوجوه التأويلات، فكان ربما فسر آية واحدة في عدة أسابيع، ومنهم القاسم بن يحيى الضرير الذي لم يكن في القصاص مثله، ومنهم صالح المري وكان صحيح الكلام شديد التأثير في سامعيه1. واتسعت في هذا العصر المناظرات الكلامية، وحمل لواءها المعتزلة من أصحاب واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، ولم يكن همهم أن يردوا على مخالفيهم من الجهمية أصحاب جهم بن صفوان الذي كان يقول بالجبر، والمرجئة الذين قالوا بأنه لا يجوز تكفير المسلم، ولا الحكم على أعماله، حتى لوة ارتكب كبيرة. لم يكن همهم أن يردوا على هاتين الفرقتين فقط، بل انصرف همهم إلى الرد على الدهرية والزنادقة، ونراهم في عصر المأمون يدعون إلى أن القرآن ليس أزليًّا، إنما هو مخلوق، واستطاعوا أن يؤثروا في المأمون حتى اعتنق فكرتهم، وأعلنها عقيدة رسمية للدولة، وأخذ في امتحان من يؤمنون بها في آفاق دولته، على نحو ما كان يمتحن جده المهدي الناس في عقيدة المانوية، وتبعه المعتصم في تلك السيرة، حتى إذا ولي المتوكل ترك الناس وشأنهم. ولا نبالغ إذا قلنا: إن المتكلمين من معتزلة، وغير معتزلة نهضوا بالنثر العباسي نهضة رائعة، فقد كان المتكلم لا يحسن الكلام والاحتجاج لآرائه إلا إذا أخذ نفسه بثقافة فلسفية واسعة، يقول الجاحظ: "ولا يكون المتكلم جامعا لأقطار الكلام متمكنا في الصناعة، يصلح للرياسة، حتى يكون الذي يحسن من كلام الدين في وزن الذي يحسن من كلام الفلسفة، والعالم عندنا هو الذي يجمعهما"2، ولم يكونوا يتثقفون بالثقافة الفلسفية وحدها، بل كانوا يتثقفون أيضا بكل ضروب الثقافات التي عرفت لعصرهم، حتى يجمعوا "التدابير العجيبة، والعلوم الغريبة، وآثار القول الصحيحة، ومحمود الأذهان اللطيفة، والحكم الرفيعة، والمذاهب القويمة، والتجارب الحكيمة، والأخبار عن القرون الماضية، والبلاد النازحة والأمثال السائرة"1، ويعترف الجاحظ بقيمة ذلك كله فيقول: "ولولا ما أودعت لنا الأوائل في كتبها، وخلدت من عجيب حكمتها، ودونت من أنواع سيرها، حتى شاهدنا بها ما غاب عنا، وفتحنا بها كل مستغلق كان علينا، فجمعنا إلى قليلنا كثيرهم، وأدركنا ما لم نكن ندركه إلا بهم لقد خس حظنا من الحكمة، ولضعف سببنا إلى المعرفة، ولو لجأنا إلى قدر قوتنا ومبلغ خواطرنا، ومنتهى تجاربنا لما تدركه حواسنا، وتشاهده نفوسنا لقلت المعرفة، وسقطت الهمة وارتفعت العزيمة، وعاد الرأي عقيما، والخاطر فاسدا، ولكل الحد وتبلد العقل"2. والجاحظ المتكلم لا يعبر بهذا الكلام عن وجهة نظره وحده، وإنما يعبر عن وجهة نظر المتكلمين جميعا لعصره، فقد انكبوا على قراءة الكتب المترجمة من الفلسفة وغير الفلسفة، ففتقت عقولهم وفتحت لهم مسالك، وأبوابا من الفطن وقد أقبلوا في شوق شديد على التثقف بالإسلام وتعاليمه، وباللغة العربية وكنوزها النثرية والشعرية، ويكفي أن يقرأ الإنسان "البيان والتبيين" للجاحظ وكذلك "الحيوان" ليقف على مدى ثقافته العربية، وهي في الكتاب الأخير تعانقها ثقافة عامة واسعة . ولا نقرأ فيما خلفه هؤلاء المتكلمون حتى يبهرنا لسنهم، وقدرتهم على الحجاج والإقناع، وقد كانت المناظرة في موضوع من الموضوعات تنعقد أحيانا بين اثنين منهم، فتظل أياما لا في أصول الدين، ولا في الرد على الملحدين فحسب، بل في كل موضوع يمكن أن يفد إلى أذهانهم، وقد ملأ الجاحظ نحو مجلد من كتابه الحيوان بمناظرة انعقدت بين معبد، والنظام في الكلب والديك أيهما أفضل، وظل يورد أدلة كل منهما في صورة رائعة، وهي صورة تدل دلالة بينة على مدى ما أصابه هؤلاء المتكلمون من تنويع لأفكارهم، وتصحيح لمقدماتهم ، وتصريف لأساليبهم وألفاظهم، وإذا كانت القدرة البيانية بلغت باثنين منهم هذا المبلغ في مساوئ الديك ومحاسنه، ومنافع الكلب ومضاره، فما بالك بما كان يجري بينهم في مسائل الدين واستقصاء كل مسألة وجمع معانيها، وترتيب أفكارها وألفاظها؟ ومن يقرأ ما يرويه الجاحظ عن النظام في كتابه الحيوان يعجب أشد العجب من استنباطه للمعاني والأدلة، سواء تحدث في الحيوان، أو في الرد على الدهرية والمانوية، أو على خصومه من المتكلمين، أو في بيان نظرياته في الروح والحواس، والتولد والجسم والعرض، والخير والشر والاستطاعة والكمون، والتداخل والحركة والسكون، ويشيد به الجاحظ في غير موضع من حيوانه، ومن قوله فيه وفي المتكلمين: "إنه لولا مكان المتكلمين لهلكت العوام من جميع الأمم، ولولا مكان المعتزلة لهلكت العوام من جميع النحل.. ولولا أصحاب إبراهيم "النظام"، وإبراهيم لهلكت العوام من المعتزلة، فإنه قد أنهج لهم سبلًا، وفتق لهم أمورًا، واختصر لهم أبوابا، ظهرت فيها المنفعة، وشملتهم بها النعمة"1، وقال في موضع آخر: "كان إبراهيم مأمون اللسان قليل الزلل والزيغ.. وإنما كان عيبه الذي لا يفارقه.. جودة قياسه على العارض، والخاطر، والسابق الذي لا يوثق بمثله"2، فهو يأخذ عليه أنه كان لا يصحح مقدمات القياس.. وأكبر الظن أنه إنما كان يلجأ إلى ذلك حين تعوزه الحجة، فكان يراوغ ويعتل، حتى يشك خصمه وسامعيه، وكان يذهب هذا المذهب نفسه خاله أبو الهذيل العلاف، وكان يقول: خمسون شكا خير من يقين واحد3، أما النظام فكان يقول: لم يكن يقين قط حتى كان قبله شك، ولما قال أبو الجهم للمكي: أنا لا أكاد أشك قال المكي: وأنا لا أكاد أوقن، وكانوا يقولون: "العوام أقل شكوكا من الخواص؛ لأنهم لا يتوقفون في التصديق والتكذيب، ولا يرتابون بأنفسهم، فليس عندهم إلا الإقدام على التصديق المجرد، أو على التكذيب المجرد، وألغوا الحال الثالثة من الشك التي تشتمل على طبقاته"4. لم يعد هناك شيء لا يقبل الشك، والجدل في هذه البيئة التي استطاعت حقا أن تمرن اللغة العربية على أداء معان لم تتعود أداءها، وإنك لتقرأ كلامها، فلا تشعر بأي تكلف أو شفقة، أو التواء أو عسر، فقد أصبحت اللغة طيعة على ألسنتهم، وأصبحت مرنة مرونة عجيبة، سواء تكلموا في مسائل فلسفية عويصة، أو في مسائل كلامية دقيقة، وتحس حقا كأنهم بحار تتدفق، فلا تعثر ولا توقف. وقد وقف الجاحظ في البيان والتبيين يشيد إشادة رائعة ببلاغتهم1، وعرض لأحدهم، وهو ثمامة بن أشرس فوصفه بقوله: "ما علمت أنه كان في زمانه قروي ولا بلدي كان بلغ من حسن الإفهام مع قلة عدد الحروف، ولا من سهولة المخرج مع السلامة من التكلف ما كان بلغه، وكان لفظه في وزن إشارته ومعناه في طبقة لفظه، ولم يكن لفظه إلى سمعك بأسرع من معناه إلى قلبك، وقال بعض الكتاب: معاني ثمامة الظاهرة في ألفاظه، الواضحة في مخارج كلامه، كما وصف الخريمي شعر نفسه في مديح أبي دلف، حيث يقول:
له كلم فيك معقولة ... إزاء القلوب كركب وقوف"2
وهذا الوصف الذي وصف به الجاحظ ثمامة ينطبق على كل متكلم في عصره، فقد مرنوا على الجدال، ومكايلة الألفاظ وموازنة المعاني وعرضها، بخفيات حدودها ودقائقها، والحوار فيها والجدال، ومحاولة إقناع الخصوم وإسكاتهم وبلغوا من ذلك كل مبلغ، حتى سموا المتكلمين فهم أرباب الكلام، وأصحابه الذين يعرفون كيف ينصبون أنفسهم للدفاع عن آرائهم، وكيف يقدمون البراهين الواضحة، والحجج الصحيحة . واقرأ كتاب الحيوان للجاحظ، فلن تجد موضوعا إلا خاضوا فيه، واستخرجوا منه معانيه، حتى لتظن أنه لم يكن هناك أديب بارع إلا وتستهويه تلك الجماعة وتجذبه إلى ميادينها، ليبحث في الأسباب الكونية ومسبباتها، والعلل ومعلولاتها، ويدخل في صفوف هؤلاء الذين ملأوا قلوب الناس إعجابا بمناظراتهم ومجادلاتهم. التي اتسعت لكل جوانب المعرفة دينا وغير دين . وقد دعتهم رغبتهم في إحكامهم لمناظراتهم، ومناقشاتهم أن يبحثوا بحثا واسعا في بلاغة الكلام، وكيف يبلغ المتكلم بكلامه الكفاية وغاية الحاجة، بل كيف يروع السامعين ببيانه، وحلاوةو ألفاظه وحسن مخارج حروفه، حتى تسكن القلوب إليه وتثلج الصدور، ويزخر كتاب البيان والتبيين بوصاياهم التي كانوا يسوقونها إلى تلاميذهم في مجالسهم، وكثيرًا ما كانوا يدعون هؤلاء التلاميذ إلى المناظرة بين أيديهم، ليمرنوهم ويدربوهم، وليروا مقدار براعتهم، وهم أثناء ذلك يبدون ملاحظات مختلفة على إشارتهم وحركاتهم، وأصواتهم وعلى ألفاظهم وأقوالهم وأساليبهم، وعلى براهينهم وأدلتهم وأقيستهم، وعللهم وما يداخل ذلك كله من فلتات خطأ وسقطات وهم، وبذلك كانوا أول من وضع قواعد البيان العربي، وقد أخذوا أثناء هذا الوضع يحاولون الاطلاع على ما عند الأجانب من هذه القواعد، يقول الجاحظ في بيانه: "قيل للفارسي: ما البلاغة؟ قال معرفة الفصل من الوصل، وقيل لليوناني: ما البلاغة؟ قال: تصحيح الأقسام واختيار الكلام، وقيل للرومي: ما البلاغة؟ قال: حسن الاقتضاب عند البداهة والغزارة يوم الإطالة، وقيل للهندي: ما البلاغة؟ قال: وضوح الدلالة وانتهاز الفرصة وحسن الإشارة، وقال بعض أهل الهند: جماع البلاغة البصر بالحجة والمعرفة بمواضع الفرصة، ثم قال: ومن البصر بالحجة والمعرفة بمواضع الفرصة أن تدع الإفصاح بها إلى الكناية عنها، إذا كان الإفصاح أوعر طريقة، وربما؟؟؟ الإضراب عنها صفحا أبلغ في الدرك وأحق بالظفر"1. ويقول الجاحظ: إن معمرا المتكلم قال لبهلة الهندي: ما البلاغة عند أهل الهند؟ قال بهلة: عندنا في ذلك صحيفة مكتوبة، ولكن لا أحسن ترجمتها، ولم أعالج هذه الصناعة فأثق من نفسي بالقيام بخصائصها، وتلخيص لطائف معانيها، ويلقى معمر بالصحيفة التراجمة فإذا فيها: "أول البلاغة اجتماع آلة البلاغة، وذلك أن يكون الخطيب رابط الجأش ساكن الجوارح، قليل اللحظ، متخير اللفظ، لا يكلم سيد
الأمة بكلام الأمة ولا الملوك بكلام السوقة، ويكون في قواه فضل التصرف في كل طبقة.. وممن قد تعود حذف فضول الكلام، وإسقاط مشتركات الألفاظ وقد نظر في صناعة المنطق على جهة الصناعة، والمبالغة لا على جهة الاعتراض والتصفح، وعلى وجه الاستطراف والتطرف.. ويكون لفظه مونقا، ولهول ذلك المقامات معاودا. ومدار الأمر على إفهام كل قوم بمقدار طاقتهم، وللحمل عليهم على أقدار منازلهم"1. ومعنى ذلك كله أن المتكلمين لم يكتفوا بملاحظاتهم الشخصية في بلاغة الكلام، بل طلبوا ما عند الأجانب، ويلح الجاحظ وغيره منهم على فكرة مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وهي صريحة في الصحيفة الهندية، وأغلب الظن أنها تسربت إليهم أيضا في بعض ما ترجم لأفلاطون من محاورات، أو لأرسطاطاليس من كلام في الخطابة، وربما سمعوها من المسيحيين السريان الذين كانوا يكثرون من جدالهم، ويحدثنا الجاحظ أن بشر بن المعتمر مر بإبراهيم بن جبلة، وهو يعلم بعض الفتيان الخطابة، فدفع إليه بصحيفة من تحبيره2، تجمع قواعد البلاغة، وكيف يحسن الخطيب في خطابته، متحاشيا التوعر وجالبا الألفاظ التي تروق السامع، وقد بنيت الصحيفة على فكرة مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وأن واجب الخطيب أن يلائم بين موضوعه ومعانيه، وبين ظروف السامعين، فإن إحراز المنفعة مع موافقة الحال، وما يجب لكل مقام من المقال، فلا يكلم الخاصة بكلام العامة ولا العامة بكلام الخاصة، بل يعرف أقدار المعاني ويوازن بينها أقدار المستمعين وأقدار الحالات، فيجعل لكل طبقة من ذلك كلامًا يلائمها، حتى تفهم عنه، وحتى يصل إلى ما يريد من استحالتها بلطف مداخله وعذوبة ألفاظه. ونفذوا في أثناء هذه الوصايا إلى وضع كثير من المصطلحات البيان العربي، ومن يرجع إلى الحيوان والبيان، والتبيين يجد اصطلاحات التشبيه، والحقيقة، والمجاز والاستعارة والكناية والالتفات، وحسن الخروج والاعتراض، وتأكيد المدح بما يشبه الذم والإيجاز والإطناب والاقتباس، كل ذلك يدور فيهما، وقد وقف الجاحظ طويلا في فاتحة البيان عند فصاحة الألفاظ، وتنافر الحروف وصنوف اللثغة فيها، فإذا قلنا: إن هذه البيئة هي التي وضعت قواعد البلاغة، والفصاحة لم نكن مبالغين، وإذا قلنا أيضا: إن هذه البيئة هي التي أتاحت للغة العربية مرونة الأساليب على أداء المعاني الدقيقة لم نكن مغالين، بل إننا نقول: إنها هي التي وضعت نماذج التعبير العباسي البليغ، فقد كانت تنفي الألفاظ المتوعرة الوحشية عن كلامها، كما كانت تنفي الساقط السوقي، فاختارت بذلك لغة متوسطة تقوم على الألفاظ الرشيقة ذات المخارج السهلة، كما تقوم على ضرب من التلاؤم الموسيقي هو نفسه الذي لاحظناه قبلا عند أسلافها من وعاظ العصر الأموي، والذي يكسو الكلام كسوة الازدواج، والترادف الصوتي البديع . وكان كبار الأدباء في القرن الثاني جميعه يتخذون هذا الأسلوب الفصيح الوسط إمامهم ومثلهم، سواء أكانوا مترجمين مثل ابن المقفع، أم مدبجين لرسائل أدبية طريفة مثل سهل بن هرون، وقد بلغ القمة التي كانت تنتظره عند الجاحظ المتكلم، وهو أسلوب كان يوازن دقيقة بين طرافة المعاني، وإثارة الجمال في نفس القارئ والسامع، ولكن بدون كد ومجاهدة، ولذلك نسلك أصحابه في مذهب الصنعة، فهم لا يبالغون في تكلفهم، ولا يستدعون الألفاظ من بعيد، ولا يدققون فيها كل التدقيق، ولا يصفونها كل التصفية. وبينما كان هذا المذهب قائما عند المتكلمين، وكبار الأدباء، والمترجمين كانت طلائع مذهب ثان من التصنيع، والتجميل تأخذ طريقها في بيئة الكتاب الرسميين من أصحاب الدواوين، فقد أخذوا يهذبون لغة رسائلهم السياسية غاية التهذيب، وما زالوا يبالغون في أناقة تعبيرهم، ودقة أذواقهم، حتى انفصلوا انفصالا تماما عن أسلوب الازدواج إلى أسلوب كله قطع زخرفية أنيقة، أو بعبارة أخرى أسلوب كله سجع وتنميق، وسنعرض لهذا المذهب في موضع آخر، أما الآن فنعني بأهم من نموا مذهب الصنعة في العصر العباسي بتأثير الثقافات الأجنبية الدخيلة، وهم ابن المقفع وسهل بن هارون والجاحظ، وكان أولهم مترجما، أم سهل والجاحظ فكان أديبين يعنيان بكتابة الرسائل والكتب الأدبية، ولعلهما من أجل ذلك كانا يهتمان بفنهما تجويد أساليبهما أكثر من اهتمام ابن المقفع، إذ كان اهتمامه ينصب غالبا على ما يترجمه ونقل معانيه، لا على طريقة الأداء والتحبير فيه عضوًا ويرمى به في التنور1، وأكبر الظن أن هذا هو السبب الصحيح في مقتل ابن المقفع، فالجاحظ يقول في بعض رسائله: إنه أغرى عبد الله بن علي بالمنصور ففطن له، وقتل2 ومن المحقق أن الجاحظ لا يريد بإغرائه سوى ما كان من كتابة أمانه على هذا النحو الذي ضيق فيه على المنصور، ويقول ابن خلكان: إن ذلك كان عام 142 أو 143 أو 145، ومعنى ذلك أنه لم يعش في الدولة العباسية إلا نحو عشر سنين . واشتهر ابن المقفع بأنه كان زنديقًا، وأنه إنما اتخذ الإسلام قناعًا لزندقته ومانويته، وممن أكد ذلك أبو الفرج الأصبهاني3، والبيروني4 وابن خلكان5 وصاحب خزانة الأدب6، ويقول المرتضى في أماليه: روي عن المهدي أنه قال: "ما وجدت كتاب زندقة إلا وأصله ابن المقفع"7، ويقول المسعودي: "أمعن المهدي في قتل الملحدين لظهورهم في أيامه، وإعلانهم باعتقاداتهم في خلافته، لما انتشر من كتب ماني وابن ديصان، ومرقيون مما نقله عبد الله بن المقفع وغيره وترجم من الفارسية، والفهلوية إلى العربية"8، وفي الفهرست أنه ترجم كتابا في سيرة مزدك9، ويقال: إنه مر ببيت نار للمجوس بعد أن أسلم فلما رآه تمثل:
يا بيت عاتكة الذي أتعزل ... حذر العدا وبك الفؤاد موكل
إني لأمنحك الصدود وإنني ... قسما إليك مع الصدود لأميل10
ويقول بعض الرواة: إنه عارض القرآن بزعمه11، ونشر ميكائيل أنجلو جويدي سنة 1927 كتابا يسمى: "كتاب الرد على الزنديق اللعين ابن المقفع -عليه لعنة الله- للقاسم بن إبراهيم عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم"، ونرى القاسم يندد -في مقدمة هذا الكتاب- بمذهب ماني وأتباعه، ويقول: إن ابن المقفع خلفه في إفكه وضلاله، "فوضع كتابا أعجمي البيان، حكم فيه لنفسه بكل زور وبهتان، فنال من عيب المرسلين، وافترى الكذب على رب العالمين، فرأينا من الحق أن نضع نقضه، بعد أن وضعنا من قول ماني بعضه". ثم يعرض القاسم فقرا من أقوال ابن المقفع ويرد عليها، وقد شك بعض الباحثين في هذا الكتاب، ونسبة ما فيه من آراء لابن المقفع1، غير أن ذلك لا ينقض زندقته فقد شهد بها معاصروه ومن جاءوا بعدهم، ويروى أنه لما قتل ابن أبي العوجاء لزندقته رثاه بقوله:
رزئنا أبا عمرو ولا حي مثله ... فلله ريب الحادثات بمن وقع
فإن تك قد فارقتنا وتركتنا ... ذوي خلة ما في انسداد لها طمع
فقد جر نفعا فقدنا لك أننا ... أمنا على كل الرزايا من الجزع
وقال أحمد بن يحيى ثعلب: البيت الأخير يدل على مذهبهم في أن الخير ممزوج بالشر والشر ممزوج بالخير2. وعلى الرغم من زندقة ابن المقفع، وتعصبه الشديد لفارسيته لم يفكر في الرجوع إلى لغته، بل اتخذ العربية مثله الأعلى، وكان ذكيا ذكاء شديدًا، ولكن ذكاءه أضله، وكان دقيق الحس، فقد دعاه عيسى بن علي للغداء معه يوما، فقال له: "أعز الله الأمير! لست يومي للكرام أكيلا، فقال له: ولم؟ قال: لأني مزكوم والزكمة قبيحة الجوار، مانعة من عشرة الأحرار"، وكتب إليه يحيى بن زياد الحارثي الزنديق يلتمس عقد الإخاء، والاجتماع على المودة والصفاء، فأخر جوابه، فكتب إليه كتابا آخر، يستريثه، فكتب إليه ابن المقفع: "إن الإخاء رق، فكرهت أن أملكك رقي قبل أن أعرف حسن ملكتك"3.


أولاً-تصدر النثر في العصر العباسي: ........................................
أ-اهتم العباسيون بالنثر الفني اهتماماً كبيراً لحاجة الدولة الجديدة ، واتساع رقعتها ؛ ولم يتألق النثر العادي والعلمي والأدبي إلا في عهد ما يسمى بالدول المنقطعة –وإن كان قد احتل مكانه -التي هي حصاد هشيم الانحلال والتحلل الذي أصاب الدولة العباسية الكبرى ،
ب-فالكاتبان الوحيدان اللذان عاشا في عهد بني أمية هما :
1-عبد الحميد الكاتب ، ثم قتل عبد الحميد مع مروان بن محمد آخر ملوك بني مروان
2-وعبد الله بن المقفع ، الذي بقي بعض الوقت في عهد العباسيين إلى أن لقي مصرعه ، وتصل الدولة العباسية إلى أوج عظمتها في عهد الرشيد ولم تكن الكتابة العربية أو النثر آنذاك في مرتبة عليا من الإجادة ، وإنما بلغ النثر أرقي منزلة له بعدتشتت الدولة العباسية ، وبعد احتلال بغداد من قبل بني بويه ، بدأنا نسمع عن
3-ابن العميد
4-والصاحب بن عباد والوزير المهلبي
5-وأبي إسحق الصابي
6-وأبي بكر الخوارزمي
7-وبديع الزمان الهمداني
8-وأبي حيان التوحيدي
9-وأبي الفتح كشاجم
10-وأبي الفرج الببغاء
وهم أعلام النثر العربي الذي لم ينتج عصر من عصور الأدب اللاحقة فنا مثل فنهم أو عددا مثل عددهم . وهكذا كانت الكتابة الفنية قد أصبحت ذات قواعد وأصول على يد عبد الحميد الكاتب وغيره من الكتاب كابن المقفع، والحسن بن سهل، وعمرو بن مسعدة، وسهل بن هارون، والحسن بن وهب,الجاحظ، والصولي، وابن قتيبة، وأبو حيان وابن العميد، و الصاحب بن عباد، وبديع الزمان الهمداني، والخوارزمي، والثعالبي. ............................................
ج- فالعصر العباسي هو العصر الذهبي للكتابة الفنية؛ فقد نبغ فيه كبار الكتاب الذين جددوا في أساليب النثر ومعانيه، وفتحوا آفاقاً جديدة للكتابة.
د-وقد ارتفع شأن الكتَّاب في هذا العصر ،
1-فأصبح لكل خليفة أو وزير كاتب أو أكثر،
2-وأنشئت لذلك الدواوين المتعددة،
3-بل إن بعض الكتاب قد وصل إلى الوزارة بسبب قدرته على الكتابة الفنية،
4-كما أن الكتابة قد حلت محل الخطابة في آخر العصر،
5-وأديلت دولة الشعر من الصدارة الأدبية. ................................
ه-وقد تعددت أنواع الكتابة في هذا العصر؛
1-فهناك الكتابة الديوانية مثل كتب البيعات وعهود الولاء وكل ما يصدر عن ديوان الرسائل معبراً عن رأى الخليفة أو الوزير في شؤون الدولة العامة، وسميت بالديوانية نسبة إلى صدورها من "ديوان الرسائل".
2-وهناك الكتابات والرسائل الإِخوانية المتبادلة بين الكتاب في أمورهم الخاصة من مدح أو اعتذار أو تهنئة أو تعزية.
3-وهناك الرسائل الأدبية التي يكتبها الأدباء والبلغاء لإِبراز قدرتهم وإبداعهم كرسائل الجاحظ وابن العميد.
ثانياً-أقسام الكتاب في العصر العباسي :
ويقسم مؤرخو الأدب الكُتَّاب في العصر العباسي إلى أربع طبقات، لكل طبقة رجالها وميزاتها الفنية:
-1 الطبقة الأولى:
أ-وإمامها ابن المقفع،
ب-ومن أشهر رجالها:
1-الحسن بن سهل،
2-وعمرو بن مسعدة،
3-وسهل بن هارون،
4-والحسن بن وهب. .................................................. .....
وتمتاز هذه الطبقة
أ-بتنويع العبارة،
ب-وتقطيع الجملة،
ج-وتَوَخِّي السهولة،
د-والعناية بالمعنى،
ه-الزهد في السجع. ................................................
-2 الطبقة الثانية:
أ-وإمامها الجاحظ،
ب-ومن أشهر رجالها:
1-الصولي،
2-وابن قتيبة،
3-وأبو حيان التوحيدي
وقد تابعت هذه الطبقة الطبقة الأولى في كثير من أساليبها، لكنها تمتاز :
أ-بالاستطراد،
ب-ومزج الجد بالهزل،
ج-والإكثار من الجمل الاعتراضية،
د-وشيء من الإطناب لتحليل المعنى واستقصائه.
-3 الطبقة الثالثة:
أ-وإمامها ابن العميد،
ب-ومن أشهر رجالها:
1-الصاحب بن عباد،
2-وبديع الزمان الهمداني،
3-والخوارزمي،
4-والثعالبي.
ج-ومن خصائصها :
1-السجع بجمل قصيرة،
2-والتوسع في الخيال والتشبيهات،
3-والإكثار من الاستشهاد
4-وتضمين المعلومات التاريخية والطرائف الملح،
5-والعناية بالمحسنات البديعية.
-4والطبقة الرابعة:
أ-وإمامها القاضي الفضل،
ب-ومن أشهر رجالها:
1-ابن الأثير،
2-والعماد الأصبهاني الكاتب.
وهذه الطبقة سارت على نهج الطبقة الثالثة في :
أ-السجع والإكثار من المحسنات البديعية، إلا أنها غلبت في ذلك وأغرقت في التورية والجناس
ب-حتى أصبحت الكتابة عبارة عن ألفاظ منمقة مسجوعة،
ج-لكن ذلك كان على حساب المعنى.
ثالثاً-امتزاج الثقافات :
لقد طرأت في العصر العباسي تطورات جديدة على ما كان عليه النثر في الجاهلية وعصر صدر الإسلام والعصر الأموي بفعل:
1- امتزاج الثقافات الفارسية واليونانية والهندية ،
2- النقل والترجمة والاقتباس
3- إقامة العباسيين دولتهم معتمدين على العنصر الفارسي ،
4- بناء هذه الدولة بالطريقة الفارسية من حيث إنشاء الدواوين والوزارات
5- تنافس الكتاب في تقلد مناصب الدولة ،
6- اشتراط فيمن كان يستوزر( يصبح وزيراً ) أن يكونممن يتميز بالكتابة الفنية
رابعاً-العوامل التي أثرت في تطور النثر في العصر العباسي الأول
أثر في تطور النثرفي الحياة العباسية مجموعة عوامل:
1-ازدهار حركت الترجمة والتأثر بالآثار الأدبية الأجنبية والنظرات والأفكار البلاغية لدى الفرس واليونان والهند...................................... ....
2-انتشار الوعاظ والقصاص والنساك في المسجد والساحات والتفاف العامة حولهم.
3-ظهور المذاهب الفلسفية وأقوال الحكماء في الثقافات الأجنبية في الأدب العربي.
4-احتدامالجدل الديني وقيام المناظرات بين الفرق الإسلامية. فالعرب منذ العصر الجاهلي وهم يعرفون هذا الفن ، وسبب عدم حفظ النثر في الأدب العربي هو :
1-أن العرب في الجاهلية وفي صدر الإسلام لم يكن فيهم كتاب إلا قليل،
2-كان جميع العرب أهل حفظ ، فإذا قال أحدهم مقوله حفظها الجميع،
2-أنه لم يكن لهم أوراق يقرؤون منها بل كانوا يحفظون ما يريدون إلقاءه.



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)