فن الخطـابة في العصر العباسي

أولاً-توطئة :
1-ازدهر في بداية العصر العباسي فن الخطابة واضمحل شأنها في نهايته والسبب في ذلك أن الخطابة ازدهرت دفاعاً عن حق العباسيين في الخلافة وتمكيناً لدولتهم، واضمحلت بعد ذلك بسبب احتجاب الخلفاء عن العامة، وزوال الداعي لها. وكان للخطابة شأن كبير في أوائل العصر العباسي؛ فقد كانت الدولة الجديدة في حاجة إلى ترسيخ الملك وإثبات حق العباسيين في الخلافة، وكان الخلفاء العباسيون الأوائل كالسفاح والمنصور والمهدي خطباء مصاقع، فازدهرت الخطابة في ذلك العصر. .................................................. .
2-وكانت الخطبة تلقى على مسامع الناس لأغراض مختلفة،
أ-فهناك الخطب السياسية التي يلقيها الخلفاء والقادة في استقبال الوفود أو تحميس الجنود،
ب-وهناك الخطب الدينية التي تلقي في الأعياد والجمع،
ج-والخطب الاجتماعية في المدح أو الذم أو الاستعطاف أو العتاب.
3-وقد امتازت الخطابة في أول العصر العباسي
أ-بجزالة الألفاظ،
ب-وعدم الالتزام بالسجع،
ج-وكثرة الاستشهاد بالقرآن الكريم والحديث الشريف،
د-وغلبة الإِيجاز إلا ما تدعو الضرورة فيه إلى الإِطناب.
4-وأشهر خطباء هذه الفترة
1-السفاح،
2-والمنصور،
3-وداود بن على،
4-وعيسى بن علي،
5-وخالد بن صفوان،
6-وشبيب بن شيبة
7-وهارون الرشيد
8-وجعفر الصادق ،
9-ومحمد بن إبراهيم الملقب (جعفر الصادق )
5-ولما استقرت الدولة العباسية، وفشت العجمة، وسيطر الأعاجم من بويهيين وسلاجقة على الخلافة، ضعفت الخطابة، وقويت الكتابة، فلم يعد الخلفاء قادرين عليها كأسلافهم، فأصبحت الخطابة مقصورة على بعض المناسبات الدينية كالعيدين والجمعة، وقد أناب الخلفاء والحكام غيرهم فيها.
6-ثم ازداد الأمر سوءاً في آخر العصر العباسي، وضعفت الخطابة الدينية أيضاً، وأصبح خطباء المساجد يرددون خطب السابقين ويقرؤونها من كتبهم على المنابر، وأغلبها خطب مسجوعة متكلفة.
7-وكان العباسيون كأسلافهم الأمويين في بدايتهم قد اهتموا بالخطابة كحظ دفاع أول
أ*- يسهم في دعوتهم أولاً،
ب-وتثبيت ملكهم ثانياً.
وقد اتضح ذلك في خطبة أبي العباس السفاح حين بويع بالخلافة في مدينة الكوفة، ولفت الانتباه إلى صلته بالرسول الكريم عليه السلام. يقول أبو العباس السفاح:
-"وزعم السبئية الضلاَّل أنّ غيرنا أحقُّ بالرياسة والخلافة منا، فشاهت وجوههم، بم ؟ ولم ؟ أيها الناس، وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم ..وبصّرهم بعد جهالتهم... وأنقذهم بعد هلكتهم...".
وخطبة عمه داوود بن عليفي أهل الكوفة حين كان والياً عليها لأبي العباس السفاح. يقول داوود بن علي :
-"شكراً شكراً، أما والله ما خرجنا لنحتفى فيكم زهىً ولا لنبتني قصرا، أظنَّ عدوُّ الله أن لن نظفر به إذ أرخي له في زمامه حتى عثر في فضل خطابه، فالآن عاد الأمر في نصابه، وطلعت الشمس من مطلعها، والآن أخذ القوس باريها، وعادت النبل إلى النزعة ، ورجع الحق إلى مستقرّه في أهل بينكم : أهل بيت الرأفة والرحمة".
8-وإذا كانت الخطابة في هذا العصر قد برزت سياسياً مع استلام العباسيين لمقاليد السلطة فإنها ضعفت بعد القضاء على الثورات التي قامت ضد العباسيين، وخاصة أن العباسيين كموا الأفواه. وأخذوا الناس بالشدة، فضعفت الأحزاب، وصودرت الحريات السياسية كذلك سرى الضعف إلى الخطابة الحفلية إذ وضع الأغنياء حاجزاً بينهم وبين الوفود التي كانت تأتي إلى بني أمية واقتصرت على مناسبات زواج أو موت أحد أقاربه أو موت الخليفة نفسه.
-يقول الخطيب ابن عتبة المهدي يهنئه بالخلافة ويعزيه بأبيه المنصور:
"أجر الله أمير المؤمنين على أمير المؤمنين قبله، وبارك لأمير المؤمنين فيما خلفه له أمير المؤمنين بعده، فلا مصيبة أعظم من فقد أمير المؤمنين ، ولا عقبى أفضل من وراثة مقام أمير المؤمنين".
9-أما الخطابة الدينية في المساجد فقد بقيت مزدهرة يشارك فيها الخلفاء والولاة، ولم تضعف إلاّ عندما طلب الرشيد من الأصمعي أن يعد خطبة لابنه الأمين، وعندما طلب الرشيد نفسه إلى إسماعيل الرشيدي أن يُعد خطبة للمأمون ليخطبا بهما.
ثانياً-الخطابة الدينية في العصر العباسي الأول :
1-ظل للخطابة الدينية وما اتصل بها من وعظ ازدهارها في هذا العصر على نحو ما كان عليه الخلفاء والولاة يشاركون فيها خلال عصر بني أمية حيث كان للولاة والخلفاء دور بارز في الخطابة الدينية إذ نجد للمهدي خطبة بارعة مأثورة ، كما نجد للرشيد خطبة أخرى رائعة ، على أننا نجد الرشيد يستن سنة كانت سببا في أن تضعف الخطابة وتنزل بمستواها ، إذ طلب إلى الأصمعي إن يعد لابنه الأمين خطبة يخطب بها يوم الجمعة ، كما طلب إلى إسماعيل اليزيدي وابن أخيه أحمد أن يعد خطبة مماثلة يخطب بها المأمون ، وبذلك سن للخلفاء إن يخطبوا بكلام غيرهم ، وكان المأمون معروفا بالفصاحة والجهارة وحلاوة اللفظ وجودة اللهجة والطلاوة . وكان الولاة يجمعون بين الولاية والصلاة ، ويظهر أنهم أخذوا مع مر الزمن يخطبون بكلام غيرهم وقد يندبون من يقوم مقامهم في الصلاة والخطابة .
2-وذكر الجاحظ عن محمد بن سليمان العباسي والي البصرة والكوفة بعهد المنصور والمهدي أنه كانت له خطبة يوم الجمعة لا يغيرها ، وهي خطبة قصيرة . ولكن إذا كانت الخطابة الدينية أخذت تضعف على لسان الولاة والخلفاء ، فإنها أينعت في بيئة الوعاظ النساك ممن كانت تزخر بهم مساجد بغداد والبصرة والكوفة ، وكان بعضهم يلم بمجالس الخلفاء لوعظهم ، وأحيانا كانوا يستقدمونهم ، فيعظونهم حتى يذكروهم بخشية عقاب الله ، وبما يصورن لهم من زفر جهنم وهم في تضاعيف ذلك يزجرونهم عن ظلم الرعية واقتراف المعاصي والسيئات . ومن كبارهم الذين عرفوا بمقاماتهم المحمودة بين أيدي الخلفاء ثلاثة ، وهم : عمرو بن عبيد المعتزلي الزاهد المشهور واعظ المنصور ، وصالح بن عبد الجليل واعظ المهدي ، وابن السماك واعظ الرشيد ويروى إن عمرو بن عبيد دخل على أبي جعفر المنصور فقال له : عظني ، فقال :( إن الله أعطاك الدنيا بأسرها فاستر نفسك ببعضها ، واذكر ليلة تمخض عن يوم لا ليلة بعده ))فوجم أبو جعفر المنصور من قوله ، فقال له الربيع حاجب المنصور : يا عمرو غممت أمير المؤمنين ، فقال عمرو :((إن هذا صحبك عشرين سنة لم ير لك عليه إن ينصحك يوما واحدا ، وما عمل وراء بابك بشيء من كتاب الله ولا سنة نبيه .))دخل ابن السماك على الرشيد فقال له : عظني ، فقال :((يا أمير المؤمنين ، اتق الله وحده لا شريك له ، واعلم أنك واقف غدا بين يدي الله ربك ثم مصروف إلى إحدى منزلين لا ثالث لهما : جنة ، أو نار ، فبكى هارون الرشيد حتى أخضلت لحيته .
ثالثاً-نماذج من الخطب العباسية :
1-من خطب الخليفة المهدي العباسي :
(الحمد لله الذي ارتضى الحمد لنفسه ورضي به من خلقه ، أحمده على آلائه ، وأمجده لبلائه واستعينه و أومن به وأتوكل عليه توكل راض بقضائه ، وصابر لبلائه ، واشهد أن لا اله لا الله وحده لا شريك له ، و إن محمدا عبده المصطفى ، ونبيه المجتبي ، ورسوله إلى خلقه ، وأمينة على وحيه ، أرسله بعد انقطاع الرجاء وطموس العلم واقتراب من الساعة إلى أمة جاهلة مختلفة أميّة ، أهل عداوة وتضاغن ، وفرقة وتباين ، قد استهوتهم شياطينهم ، وغلب عليهم قرناؤهم ، فاستشعروا الردى ، وسلكوا العمى ، يبشر من أطاعه بالجنة وكريم ثوابها وينذر من عصاه بالنار وأليم عقابها ، ليهلك من هلك عن بينه ، ويحي من حيي عن بيتنة وإن الله لسميع عليم أوصيكم عباد الله بتقوى الله ، فإن الاقتصار عليها سلامة ، والترك لها ندامة ، وأحثكم على إجلال عظمته ، وتوفير كبريائه وقدرته ، والانتهاء إلى ما يقرب من رحمته وينجي من سخطه ، وينال به ما لديه من كريم الثواب وجزيل المآب ، فاجتنبوا ما خوفكم الله من شديد العقاب وأليم العذاب ووعيد الحساب يوم توقفون بين يد الجبار ، وتعرضون فيه على النار .
فإن الدنيا دار غرور وبلاء وشرور ، واضمحلال وزوال وتقلب وانتقال ، قد أفنت من كان قبلكم ، وهي عائدة عليكم وعلى من بعدكم ، من ركن إليها صرعته ، ومن وثق بها خانته ، ومن أملها كذبتة ، ومن رجاها خذلته عزها ذل وغناها فقر ، والسعيد من تركها ، والشقي فيها من آثرها ، والمغبون فيها من باع حضه من دار آخرته بها ، فالله الله عباد الله والتوبة مقبولة ، والرحمة مبسوطة ، وبادروا بالأعمال الزكية في هذه الأيام الخالية قبل أن يؤخذ بالكظم وتندموا ، فلا تنالون الندم في يوم حسرة وتأسف وكآبة وتلهف ، يوم ليس كالأيام ، وموقف ضنك المقام ، وإن أحسن الحديث وأبلغ الموعظة كتاب الله يقول الله تبارك وتعالى أوصيكم عباد الله بما أوصاكم الله به ، وأنهاكم عما نهاكم الله عنه ، وأرضى لكم طاعة الله واستغفر الله لي ولكم
-تحليل الخطبة :
تتضمن هذه الخطبة عدة أفكار :
أولا :حمد لله والثناء عليه بما هو أهله ، والشهادة لله بالوحدانية ولنبيه  بالرسالة ، كما هو معلوم شرعا في مقدمة الخطبة .
ثانيا :حاجة العرب إلى رسالة محمد  لما كانوا عليه من جهالة جهلاء وضلالة عمياء ، تحكمت فيها العصبية القبلية وهانت الأنفس والدماء ، والقوي يأكل الضعيف وعداوة مستحكمة فأصلح أحوالهم ونقلهم من الظلمات إلى النور .
ثالثا : الوصية بتقوى الله وإنذار من عصى بعذاب الله الشديد ، وبشارة من إطاعة بجنة عرضها السموات والأرض أعدها الله لعباده الصالحين يوم يقوم الناس لرب العالمين .
رابعا :الإكثار من الشواهد القرآنية والتركيز على الوعد والعيد والتحذير من الركون إلى الدنيا فهي دار غرور وبلاء وشرور .
خامسا : عدم الركون إلى الدنيا لتقلب أحوالها ، وعدم الثقة بعطائها ونعيمها فهي إلى زوال وهي دار شرور وبلاء وغرور لا ترعى عهدا ولا تحفظ مودة كم من عزيز من أهلها ذل ، وكم من غني افتقر .
سادسا :الحض على التوبة ، وتحقيق شروط قبولها والمبادرة بالأعمال الصالحة ، لنيل رحمة الله تعالى . لأن السعيد من ترك التعلق بالدنيا وآثر ما عند الله على ما سواه ، والشقي من باع آخرته للحصول على نعيم زائل وجاه زائف .
سابعا :التذكير بيوم القيامة يوم الحسرة والأسف والندامة .
ثامنا :الوصية في آخر الخطبة بالالتزام بكتاب الله ، فهو أحسن الحديث وفيه أبلغ موعظة ، والتذكير بطاعة الله تعالى .
تاسعا :الإكثار من الشواهد القرآنية .
2-خطبة هارون الرشيد الخليفة العباسي :
خطب هارون الرشيد قائلا : ( الحمد لله نحمده على نعمته ونستعينه على طاعته ، ونستنصره على أعدائه ونؤمن به حقا ، ونتوكل عليه مفوضين إليه ، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، بعثه على فترة من الرسل ودروس من العلم وإدبار من الدنيا وإقبال من الآخرة بشيرا بالنعيم ونذيرا بين يدي عذاب أليم فبلغ الرسالة ونصح الأمة ، وجاهد في الله فأدى عن الله وعده ووعيده حتى أتاه اليقين فعلى النبي من الله صلاة ورحمة وسلام ، وأوصيكم عباد الله بتقوى الله ، فإن في التقوى تكفير السيئات وتضعيف الحسنات وفوزا بالجنة ونجاة من النار ، وأحذركم يوما تشخص فيه الأبصار ، وتبلى فيه الأسرار ، يوم البعث ويوم التغابن ويوم التلاقي ويوم التنادي ، يوم لا يستعيب من سيئة ولا يزداد من حسنة ،(وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع * يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) [غافر :18-19](واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون )[البقرة:281] عباد الله إنكم لم تخلفوا عبثا ولن تتركوا سدى ، حصنوا إيمانكم بالأمانة ، ودينكم بالورع وصلاتكم بالزكاة ، فقد جاء في الخبر إن النبي  قال :(( لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له ، ولا صلاة لمن لا زكاة له )) ، إنكم سفراء مجتازون ، وأنتم عن قريب تنتقلون من دار فناء إلى دار بقاء ، فسارعوا إلى المغفرة بالتوبة وإلى الرحمة بالتقوى وغلى الهدى بالأمانة ، فإن الله تعالى ذكره أوجب رحمته للمتقين ومغفرته للتائبين وهداه للمنيبين ، قال الله عز وجل وقوله الحق :( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكوة) [الأعراف :156] وقال :( لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى)[طه:82] وأياكم والأماني فقد غرت وأوردت وأوبقت كثيرا حتى أكذبتهم مناياهم فتناوشوا التوبة من مكان بعيد ، وحيل بينهم وبين ما يشتهون ، فأخبركم ربكم عن المثلات فيهم ، وصرف الآيات ، وضرب الأمثال ، فرغب بالوعد وقدم إليكم الوعيد ، وقد رأيتم وقائعه بالقرون الخوالي جيلا فجيلا ، وعهدتم الآباء والأبناء والأحبة والشعائر باختطاف الموت إياهم من بيوتكم ومن بين أظهركم لا تدفعون عنهم ، ولا تحولون دونهم ، فزالت عنهم الدنيا وانقطعت بهم الأسباب فأسلمتهم إلى إعمالهم عند المواقف والحساب والعقاب ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ، إن أحسن الحديث وأبغ الموعظة كتاب الله عز وجل ( وإذا قرىء القرءان فاستمعوا له ، وأنصتوا لعلكم ترحمون ) [الأعراف :204] آمركم بما أمر الله ، وأنهاكم عما نهى الله عنه ، وأستغفر الله لي ولكم )
-تحليل الخطبة :
يلاحظ إن الخطبة لا تخلو من طول ، وتتضمن باقة من الأفكار :
أولا : بدأ الخطبة بحمد الله والثناء عليه بما هو أهله مع الشهيد .
ثانيا :تشبه إلى حد كبير خطبة أبيه الخليفة المهدي وتنطوي على الأفكار نفسها تقريبا حيث تضمنت حاجة البشرية عامة والعرب خاصة إلى رسالة النبي  التي جاءت على فترة من الرسل .
ثالثا :الوصية بالتقوى لأنها أساس الإيمان ومفتاح النجاة عند الله ، وبها تنال رحمة الله .
رابعا :التحذير من كربات يوم القيامة ، والحث على طاعة الله تعالى التي بها ينال العبد الفوز بالجنة ، والحذر من المعاصي التي تهلك صاحبها وترديه في النار .
خامسا :الإشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى ضرب لعباده الأمثال ورغب عباده بالوعد ، وحذرهم بالوعيد .
سادسا :الحذر من أماني الشيطان التي تقوم على الغرور والتعلق بالدنيا وذلك رأس كل خطيئة .
سابعا :الحث على التوبة الصادقة والوفاء بالعهود والوعود وأهمها الوفاء بعهد الله وعهود الناس لأنها أساس الدين وأداء الأمانات لأهلها وعلى رأسها أمانة التكليف التي اخذ الله ميثاقها على عباده عندما كانوا في الأصلاب .
ثامنا : كثرة الاستشهاد من القرآن الكريم والدعوة إلى الالتزام به ، والاعتصام بهديه .
3-خطبة المأمون الخليفة العباسي يوم الجمعة :
خطب فقال :( الحمد لله مستخلص الحمد لنفسه ، ومستوجبه على خلقه ،أحمده واستعينه وأومن به وأتوكل عليه ، وأشهد أن لا اله إلا لله وحده لا شريك له ، وأشهد إن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون أوصيكم عباد الله بتقوى الله وحده والعمل لما عنده ، والتنجز لوعده والخوف لوعيده ، فإنه لا يسلم إلا من اتقاه ورجاه وعمل له وأرضاه، فاتقوا الله عباد الله ، وبادروا آجالكم بإعمالكم ، وابتاعوا ما يبقي بما يزول عنكم ، وترحلوا فقد جد بكم ، واستعدوا للموت فقد أظلكم ، وكونوا قوما صيح بهم فانتبهوا وعلموا أن الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا ، فإن الله لم يخلقكم عبثا ولم يترككم سدى ، وما بين أحدكم وبين الجنة والنار إلا الموت إن ينزل به ، وإن غاية تنقصها اللحظة وتهدمها الساعة الواحدة لجديرة بقصر المدة ، وإن غائبا يحدوه الجديدان الليل والنهار لحري بسرعة الأوبة ، وإن قادما يحل بالفوز أو بالشقوة لمستحق لأفضل العدة ، فاتقى عبد ربه ونصح نفسه ، وقدم توبته ، وغلب شهوته ، فإن أجله مستور عنه وأمله خادع له والشيطان موكل به يزين له المعصية ليركبها ويمنيه التوبة ليسوفها حتى تهجم عليه منيته أغفل ما يكون عنها ، فيالها حسرة على ذي غفلة إن يكون عمره عليه حجة أو تؤديه أيامه إلى شقوة . نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمة ، ولا تقصر به عن طاعته غفلة ، ولا تحل به بعد الموت فزعة ، إنه سميع الدعاء بيده الخير ، إنه فعال لما يريد
-تحليل الخطبة :
يلاحظ إن التشابه كبير في خطب الخلفاء العباسيين :
أولا :حمد اله والثناء عليه والتشهد وهذا من أركان الخطبة .
ثانيا : الوصية بالتقوى والعمل لما عند الله ابتغاء مرضاته للفوز بجنته والنجاة من ناره .
ثالثا :العظة بحدث الموت لأنه قضاء مبرم على الخلائق والاستعداد لما بعده .
رابعا :التحذير من الركون إلى الدنيا وزينتها لأن فتنتها كبيرة ومهلكة وإنها ليست دار إقامة ، والله سبحانه لم يخلق الخلق عبثا ولم يتركم سدى .
خامسا :الترغيب بالجنة والعمل لها ليكون من أهلها ، والترهيب من الغفلة عن العمل للآخرة .
سدسا :التحذير من خداع الشيطان وحيله فهو عدو لبني آدم يزين لهم المعاصي ليركبوها ويمنيهم بالتوبة ليؤجلها لكن الموت يباغتهم وحينئذ لا ينفع الندم وتكون أيام العمر حجة على الغافلين فيا لها من حسرة تغم صاحبها وتدفعه إلى دار الشفاء .
سابعا :ختم الخطبة بالدعاء له وللمسلمين وسال الله تعالى إلا تبطره النعم ولا تقصر به عن طاعة الله تعالى .
رابًعا-الخطابة الدينية في العصر العباسي الثاني
أ-إذا كانت الخطابة الدينية ضعفت على السنة الخلفاء ، فإنها نشطت في المساجد ، حيث كانت تعقد حلقات للوعاظ والقصاص ، وكان الناس يتحلقون من حولهم ، وكان منهم الرسميون الذين تعينهم الدولة للخطابة في أيام الجمع ، ومنهم غير الرسميين وهم الجمهور الأكبر، وكانوا يستمدون وعظهم وخطبهم من
1-القرآن الكريم
2-والحديث النبوي الشريف
3-وقصص الأنبياء والمرسلين ،
ب-ومنهم من كان يقرأ القرآن الكريم ويفسره
ج-وكثير منهم يذهب مع الجيوش المجاهدة للوعظ في الحرب وبث روح الحماسة الدينية في نفوس المجاهدين ، من مثل : أبي العباس الطبري الذي كان يذهب إلى الجهاد ، ويتولى أمر الوعظ والإرشاد للجند ؛
د-وكثيرا ما كانت الخطب والمواعظ تنشط في رمضان ، فلا يخلو يوم من أيام رمضان ولا وقت من أوقات الصلاة فيه إلا وكان واعظ يقوم بعد الصلاة فيقف في الناس واعظا وخطيبا ،
ه-وكان الخطيب هو الذي يقوم بالخطابة والموعظة وإقامة الصلاة في الجمع والأعياد ، وكان كثير منهم فصحاء بلغاء يستحوذون على إعجاب الجماهير فيحتشدون حولهم مكبرين لهم إكبارا عظيما ، وكانت المساجد دائما مفتوحة ليلا نهارا تغص بالمصلين وحلقات التدريس تستقطب روادها من طلبة العلم.
و-ومن الجدير بالذكر أن الخطابة في هذا العصر كانت تمر بأطوار متفاوته ما بين خمود وازدهار .
1-فقد كانت مزدهرة في الطور الأول من العصر العباسي الثاني ،
2-لكنها غدت في الطور الثاني الذي استبد فيه الأتراك بالخلفاء وهان شأنهم وفقد كل سلطان لديهم وقطعت الصلة بينهم وبين الناس . فلم يعد لهم أي أثر في الحياة ، وحجبوا عن شعبهم وماتت أسباب الفصاحة والقول والخطابة في المناسبات المختلفة ، وبلغ تحكم الأتراك بالخلفاء إلى درجة منعهم من الخروج إلى الصلوات الجامعة ، وأوكلوا مهمة الخطابة إلى غيرهم من العلماء
ز-وكان آخر خليفة خطب على منبر هو ((الراضي بالله)) المتوفى 329هـ ، وازداد الأمر سوءا ومعه الخطابة الدينية تراجعا في عهد البويهيين 324هـ ، وعهد السلجوقيين 447هـ
ح-فقدت الخطابة أهم مقوماتها وهي: -حرية القول-التي بها تحيا ، وبما أن البويهيين والسلاجقة أعاجم لم يتذوقوا جمال اللغة العربية ولم يفهموا حقيقة الدين من خلال كتاب الله الذي أنزل بلسان عربي مبين ، لذلك لم يولوا اهتماما كبيرا باللغة العربية ، فتوارت الفصاحة وتوارى البيان رويدا رويدا وعجزت الألسنة عن المشافهة والارتجال في الخطابة الدينية ، فضعف شانها وهانت مكانتها لفقدان تأثيرها في النفوس ، وهان معها شأن الخطيب وازدادت هوانا إذ صار الخطيب يلجا إلى الكلام أعده غيره ومن إعداده أحيانا ويلقي خطبته من أوراق مكتوبة ، واعتمد الخطيب في خطب الجمعة والعيدين على السجع المتكلف والإغراق في المبالغة ، فصارت فارغة من الروعة والتأثير ،لكن الأمر لم يستمر على هذا الحال ، فقد تبدلت الظروف السياسية والأحوال العامة حيث تعرض العالم الإسلامي إلى عدوان الحروب الصليبية فشنوا حملاتهم المتوالية على بلاد الشام ومصر وشطرا من العراق .
خامساً-خصائص الخطابة في هذه المرحلة :
تميزت الخطابة في هذا العهد :
1-الاقتباس من القرآن الكريم:لتأكيد ما يذهب إليه الخطباء من حمل النفوس على الجهاد والصبر على ملاقاة الأعداء وما أعده الله لهم من الجنة وعظيم المنزلة ،
2-الاستشهاد بالشعر:كما فعل ((ابن نجا)) فقد كان ينشد على المنبر ما يصلح للاستشهاد به من شعره كقوله :..........................................
وكيف بقاء عمرك وهو كنز وقد أنفقت منه بلا حساب
وكما في خطب ((سبط ابن الجوزي )) المتوفى سنة 654 هـ ، وقد طلب إليه في يوم عاشوراء أن يتحدث عن مقتل الحسين بن علي  ، فصعد المنبر وطال صمته ثم بكى بكاء شديدا، ثم أنشأ يقول في غمرة البكاء :
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه والصور في نشر الخلائق ينفخ
لابد أن ترد القيامة فاطمه وقميصها بدم الحسين ملطخ
3- الإصرار على السجع والتهافت على المحسنات البديعية:
4-تحبير الألفاظ :
5-واختيار الأساليب
ه-أشهر الخطباء في هذا العصر :
1-الخليفة المهدي
2-هارون الرشيد
3-المأمون




المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)