-7-
القاضي الجرجاني
((الوساطة بين المتنبي وخصومه ))
أ-رؤى جرجانية :
1-يبدأ الجرجاني بوضع نموذجه التصوري الأول انطلاقا مما قال القدماء : ( وما كان القدماء يتبعونه في أشعار الأوائل من لحن وغلط وإحالة وفساد معنى ) .
2-ويعتذر القاضي الجرجاني مستدركا ً ومؤكدا ً (( وليس يجب إذ رأيتني أمدح محدثا ً أو أذكر محاسن حضري أن تظن بي الانحراف عن متقدم أو تنسبني إلى الغض من بدوي , بل يجب أن تكشف عن مقصدي منه )) .
3-هكذا يحدد منهجه في مسألة القديم والجديد والبدوي والحضري الأعرابي والمولد ويواصل قوله : (( الشعر علم من علوم العرب , يشترك فيه الطبع والرواية والذكاء , ثم الدربة مادة له , وقوة لكل واحد من أسبابه . فمن اجتمعت به هذه الخصال فهو المحسن المبرز . ولست أفضل في هذه القضية بين القديم والمحدث والجاهلي والمخضرم والأعرابي والمولد , إلا أنني أرى حاجة المحدث إلى الرواية أمس واجده إلى كثرة الحفظ أفقر )) .
4-وهكذا يحدد موقفه بين القديم والجديد دون أن يفضل أحدهما عن الآخر لذاته , ثم يدلل بالتطبيق : (( لذلك تجد شعر عدي – وهو جاهلي – أسلس من شعر الفرزدق ورجز رؤية وهما آهلان , لملازمة عدي الحاضرة وايطانه الريف وبعده عن جلافة البدو وجفاء الأعراب )) . ثم ينظر الجرجاني للمسألة من زاوية أخرى : (( ونرى رقة الشعر أكثر ما تأتيك من قبل العاشق المتيم ))
5-ثم يشرح الجرجاني أسباب اختلاط مقاييس الشعرية فالعرب حين انتقلوا من البداوة إلى الحضارة (( تجاوزوا في طلب التسهيل حتى تسمحوا ببعض اللحن , وحتى خالطتهم الركاكة والعجمة , وأعانهم على ذلك لين الحضارة وسهولة طباع الأخلاق . وكسوا معانيهم ما سنح من الألفاظ , فصارت إذا قيست بذلك الكلام الأول يتبين بها اللين فيظن ضعفا ً )) .
6-يعلق على بيت لأبي تمام :
(( جهمية الأوصاف إلا أنهم . . . قد لقبوها جوهر الأشياء ))
يقول الجرجاني : ( هل تعرف شعرا ً أحوج إلى تفسير بقراط وتأويل أرسطو من هذا البيت )) . ولكنه يستدرك (( فلا تظن أني أريد بالسمح السهل – الضعيف الركيك )) ولا باللطيف الرشيق – الخنث المؤنث بل أريد النمط الأوسع : ما ارتفع عن الساقط السوقي وانحط عن البدوي الوحشي . ولا آمرك بإجراء أنواع الشعر كله مجرى واحدا )) ولكن هل يتناقض عمود الشعر مع الجناس والطباق إذا صدر عن الشاعر بعفوية كما في الشعر الجاهلي ؟
7-الجرجاني يرى ذلك وإن كان يعني التقصد كما في الشعر المحدث : (( ولم تكن العرب تعبأ بالتجنيس حول التقارب بين المنظوم والمطابقة ولا تحفل بالإبداع والاستعارة إذا حصل لها عمود الشعر ونظام القريض )) .
ب-عمود الشعر الجرجاني :
أولا ً : كانت العرب تفاضل بين الشعراء في الجودة والحسن بشرف المعنى وصحته
ثانيا ً : جزالة اللفظ واستقامته .
ثالثا ً : تسلل السبق به لمن وصف فأصاب وشبه فقارب وبده فأغزر .
رابعا ً : لمن كثرت سوائر أمثاله وشوارد أبياته .
خامسا ً: والشاعر الحاذق يجتهد في تحسين الاستهلال والتخلص وبعدهما الخاتمة فإنها المواقف التي تستعطف أسماع الحضور .
وهذه الصفات لعمود الشعر هي الصفات نفسها التي طرحها من سبقوا القاضي الجرجاني .
ج-علاقة الشعر بالدين :
يناقش القاضي الجرجاني مسألة في غاية الخطورة والحساسية وهي – علاقة الشعر بالدين . وإذا كنا قد رأينا أن أبا بكر الصولي قد وضعها في مكانها الصحيح فإن الجرجاني وضحها في المكان الأكثر صحة والأهم من ذلك أن الجرجاني – أحد القضاة المشهورين , وبالتالي فإن ملاحظة محي الدين صبحي من أن شهادة الجرجاني حول علاقة الدين بالشعر هي إضافة لكونها رأيا ً نقديا ً ( هي فتوى شرعية ) ملاحظة صحيحة . قال الجرجاني ( القاضي ) : (( فلو كانت الديانة عارا على الشعر , وكان سوء الاعتقاد سببا لتأخر الشعر لوجب أن يمحى اسم أبي نواس من الدواوين ويحذف ذكره , إذا عدت الطبقات ولكان أولاهم بذلك أهل الجاهلية , ومن تشهد الأمة عليه بالذكر , ولوجب أن يكون كعب بن زهير وابن الزبعري وأحزابهما ممن تناول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعاب من أصحابه بكما خرسا ً وبكاء مفحمين , ولكن الأمرين متباينان : والدين بمعزل عن الشعر )) . هذه الفتوى الشرعية لا تعني – كما يتوهم البعض – فصل الشعر عن الأيدولوجيا باعتبار الدين جزءا من الأيدولوجيا , ولكنها تساوي بين الإيمان بالشيء والكفر به في المادة الشعرية كمادة خام , إذ أن العامل المقرر في المسألة الشعرية ليس الكفر والإيمان وإنما كيف يتم استخدامهما من الناحية الشعرية وليس من الناحية الأخلاقية
د- السرقات الشعرية
يتطرق الجرجاني لقضية أخرى مهمة هي قضية ( السرقات الشعرية ) يضعها في سياقها الصحيح بما يشبه مفهوم ( التناص ) المعاصر .
يقول الجرجاني :
أولا ً : (( متى نظرت رأيت أن تشبيه الحسن بالشمس والبحر والجواد بالغيث والبحر , والبليد البطيء بالحجر والحمار , والشجاع بالسيف . . .الخ . أمور متقررة في النفوس متصورة للعقول ’ يشترك فيها الناطق والأبكم والفصيح والأعجم , حكمت بأن السرقة عنها منتفية )) .
ثانيا ً : قال : (( سألت الشافعي عن مسألة فقال : إني لأجد بيانها في قلبي ولكن ينطلق به لساني )) .
ثالثا ً : ((والسرقة داء قديم وعيب عنيف . وما زال الشاعر يستعين بخاطر الآخر ويستمد من قريحته ويعتمد على معناه ولفظه وكان أكثره ظاهرا ً كالتوارد ثم تسبب المحدثون إلى إخفائه بالنقل والقلب وتغير المنهاج والترتيب )). إذن : (0فالمشتركات البديهية وتوارد الخواطر ليست من السرقة , أما الإخفاء بالنقل والقلب والترتيب وتغيير المنهاج هي السرقة)) . إلا أن القاضي الجرجاني يعود ليضع القديم نموذجا له (( فلكل صناعة أهل يرجع إليهم في خصائصها ويستظهر بمعرفتهم عند اشتباه أحوالها )) ولكن من زاوية أخرى يمكن النظر إلى ذلك من أن القاضي الجرجاني يرى أن الشعرية علم ذو أصول وقواعد معروفة . وفي النهاية يصف الجرجاني المعترضين على منهجه النقدي بأنهم : (( إما نحوي لغوي لا بصر له بصناعة الشعر . أو معنوي مدقق لا علم له بالإعراب ولا اتساع له في اللغة )) .




المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)