قصّتنا مع القطّة بيسة
قصّتنا مع القطّة بيسة
على بعد أميال قليلة من مدينة العيون، أقيم وعائلتي في بيت بدوي بسيط، حيث ننعم بامتداد البرّ، ورؤية نبتة "الدّغموسْ" والعَكّاية" ونمشي حفاة لنشعر بدفء الأرض..
ما شغلني بالإضافة إلى هذا الانصهار الذي أحتاجه في الطبيعة بعد سنة من الحيطان والأضواء قصة قصيرة لقطة زراتنا قبل عشرين يوما تقريبا بدون دعوة..
من أوّل يوم بدا أنها تألف البشر، فكنا نقاسمها ما تقبل أن تشاركه معنا من طعام، فهي مثلا لا تأكل "المكْلي" لكنها تأكل أحيانا الخبز، وطبعا تفضل اللحم على كلّ شيء..
الغريب أنها كانت تغيب وتعود، قبل أن نتفطن إلى أن الأمر منتظم، كأنها تضبط ساعتها البيولوجية على مواعيد الطعام..
المهم أننا ألفناها بيننا على هذا النحو، وتمّ إطلاق اسم "بيسة" عليها رسميا..
حاول ابني المهووس بحب القطط -مثل أبيه صغيرا- أن يتبعها ذات مساء، لكنها ابتعدت به كثيرا، فخاف وقفل، ومن يومها كفّ عن ملاحقتها، وظلّ الفضول يراودنا جميعا إلى معرفة من أين تأتي هذه القطة وإلى أين تذهب.. فلم تُبق لنا غير التخمين.. فمن قائل أنها تأتي من منزل عائلة بدوية في مكان قريب، إلى مدّع أنها تملك جُحْرا في مكان ما، إلى زاعم أنها تذهب إلى المدينة.. حتى بدا أن القصة تنفتح على عدّة نهايات، وتترك "للقارئ" حق التّخيّل..
الفاجأة أن هذه القطة جاءت ذات صباح برفقة قطّيْن صغيريْن، تبيّن بعد مكوثها بهما عندنا أنها قرّرت الإقامة بيننا، فقام أبنائي السعداء بهذا الطارئ الجميل بتوفير سكن "يليق" بها وبصغيريْها اللذيْن كانا يخافان من البشر في البداية، قبل أن يقتديا بأمّهما ويلعبان معنا، ويأكلان من أيدينا، وقد تمّ على الفور إطلاق اسم "كوكيتو" على القطيط الذكر، و"النّميريّة" على القطيطة الأنثى..
القصة لم تنته على هذا النحو.. ففي إحدى الليالي أيقظنا صوت معركة بين القطط في بهو البيت المنفتح على السماء، وعندما تكرر الأمر في الليلة اللاحقة أحسسنا أن القطة تعاني من مشاكل مع قط زائر أو أكثر، فقد كان واضحا أنها حريصة طول اليوم على ألا يبتعد إبْناها عن البيت، حتى أنها كانت تؤدّب "كوكيتو" الذي كان مشاغبا أكثر من أخته..
لم نكن حينها نفهم تماما ماذا يحدث.. لكنني ذات سهر في باحة المسكن في ليلة مقمرة رأيتُ قطا غريبا وكبيرا يتسلل من تحت الباب الخارجي المؤدّي للبهو، حينها كانت القطة وأبناؤها على مرمى حجر منّي، وما أن رأتْ الزائر حتى بادرتْ بإجبار صغيريْها على دخول إحدى الغرف عنوة، فيما اندفع القط مباشرة إليْهما في ما يبدو أنه شروع واضح في القتل..
حينها كان لابدّ من خرق قانون الطبيعة، فقد أخذتُ نعلا وضربتُ الزائر غير المرغوب فيه، فولّى هاربا..
كان لابدّ أن أفعل، فالقطة وصغيراها في حُرمتي ما لم تغادر..
بعد أن حلّ الهدوء جلست أفكّر في ما حدث.. إنها ذات الطبيعة التي رأيناها في برامج الحيوانات حيث يعمد الأسد إلى قتل أشبال اللبوة كي تتفرّغ له ولنزواته..
الغريب أن القطة أخيرا صنعت نهاية لهذه القصة، رغم أنها رأت بأمّ عينها أنني دافعت عن صغيريْها، فقد أفقنا في اليوم الموالي على غيابها وصغيريْها.. وما زلنا ننتتظر حتى اليوم أن تعود بفارغ الصبر..
ما حزّ في نفسي أنها تركتْ فراغا عند الأطفال.. فكانت ابنتي كلّما سمعتْ أني ذاهب إلى المدينة تطالبني بجلب قطّة معي.. وما زلت أبحث..
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آمال المصري
