نهضة النثر في العهد الفاطمي
ما نكاد نشرف على النصف الثاني من القرن الرابع، حتى تبدأ مصر صفحة جديدة، وهي صفحة زاهية من جميع جوانبها السياسة، والاجتماعية والفنية، فقد دخلها الفاطميون فاتحين عام 354هـ، وأسسوا فيها إمبراطورية عظيمة دانت لها شعوب أفريقيا الشمالية، وبلاد الشام والعرب وخطب باسمهم في العراق وبغداد نفسها1، وحتى بلوخستان كانت تخضع لهم، فابن حوقل يقول: إن أهلها كانوا يرسلون للخليفة الفاطمي بأموال، وذخائر كثيرة2، ويقول ناصر خسرو الذي زار مصر عام 439 للهجرة: إنه رأى بالقاهرة طائفة من أبناء الملوك والأمراء الذين جاءوا من أطراف العالم مثل أبناء ملوك جورجيا، وملوك الديلم، وأبناء خاقان تركستان1، وأكبر الظن أن هؤلاء الأبناء، كانوا بعوثًا لبلادهم تريد أن تنهل من منابع الثقافة الشيعية بمصر، وكل ذلك يؤكد عظم المكانة التي احتلتها مصر في العصر الفاطمي، وهي مكانة أهل لها نظام الدعاة الذي أقاموه، فقد كان لهم دعاة منبثون في كل صقع، وفي كل ناحية يدعون لهم، يقول المعز في كتابه أرسله إلى أحد قواد القرامطة: "ما من جزيرة في الأرض، ولا إقليم إلا ولنا فيه حجج ودعاة يدعون إلينا: يدلون علينا، ويأخذون بيعتنا، ويذكرون رجعتنا، وينشرون علمنا، وينذرون بأسنا، ويبشرون بأيامنا، بتصاريف اللغات، واختلاف الألسن"2. استطاع الفاطميون أن يرتفعوا بالقاهرة في عصرهم إلى مرتبة لا تقل عن مرتبة بغداد في أيام مجدها الأولى، فقد بنوا فيها القصور الفخمة، والمساجد الضخمة وزركشوا هذه القصور، والمساجد بضروب مختلفة من الزخرف لا نبعد إذا قلنا: إنها كانت منتزعة من حياتهم، التي كانت تقوم على التأنق، وهو تأنق ساعد عليه ثراء مصر، الذي يبالغ المؤخون في وصفه، ولعل مما يدل عليه من بعض الوجوه، ما يقوله ابن ميسر من أن خراج دمياط، وتنيس والأشمونين كان يزيد على مائتي ألف دينار في العام3، ويقول ناصر خسرو: إنه رأى بالقاهرة رباطًا يحصل منه كل شهر ألف دينار، وأن بالقاهرة مائتي رباط أكبر منه أو مثله4، ويظهر أن هذا الثراء كان يعم الشعب وخلفاءه ووزراءه، يقول ناصر خسرو: "رأيت في مدينة مصر نصرانيًا من سراتها قيل: أن مراكبه وأمواله وأملاكه لا يمكن أن تعد، محدث في سنه ما إن كان النيل ناقصًا وكانت الغلة عزيزة، فأرسل الوزير إلى هذا النصراني، وقال: ليست السنة رخاء، والسلطان مشفق على الرعية، فأعط ما استطعت من الغلة إما نقدًا وإما قرضًا، قال النصراني: أسعد الله السلطان الوزير، إن لدي من الغلة ما يمكنني من إطعام أهل مصر الخبزست سنوات، وكل ما يستطيع الحكم يدرك، كم ينبغي أن يكون لهذا الثري لتبلغ غلته هذا المقدار، وأي سلام كانت فيه الرعية، وأي عدل كان للسلطان بحيث يكون شعور الناس، وأموالهم بهذا القدر"1. ويتكلم ناصر خسرو عن قصر الخليفة، فيقول: إن قصره به نحو ثلاثين ألفًا من الخدم والجواري، وإنه رأى يوم فتح الخليج -وكان أحد الأعياد في العصر الفاطمي- سرادقًا نصب للسلطان على رأس الخليج، وكان هذا السرادق من الديباج الرومي، موشي كله بالذهب، ومكلل بالجوهر، وهو من الكبر بحيث يتسع ظله لمائة فارس، وأمام هذا السرادق خيمة من أبي قلمون، وسرادق آخر كبير، ويسير في ركاب السلطان عشرة آلاف فارس، على خيولهم سروج مذهبه، وأطواق وألجمة مرصعة، وجميع لبد السروج من الديباج الرومي، وأبي قلمون، وكذلك كانت تسير إبل كثيرة عليها هوادج مزينة، وبغال عمارياتها "هوادجها" مرصعة بالذهب، والجوهر وموشاة باللؤلؤ2، ويستطرد ناصر خسروا إلى وصف مائدة رآها للمستنصر يوم العيد فيقول: إنه رأى في هذه المائدة شجرة أعدت للزينة تشبه شجرة الترنج، كل غصونها وأوراقها، وثمارها مصنوعة من السكر، ومن تحتها ألف صورة وتمثال مصنوعة كلها من السكر أيضًا3، ومن يرجع إلى ما روي عن ثورة الأتراك في عصر المستنصر، أثناء المجاعة العامة بمصر يرى مبلغ ما كان في دور الفاطميين من بذخ، وترف يقصر عنهما الوصف، فقد هجم الأتراك في ثورتهم على قصر المستنصر، ونهبوا ما فيه من مجاميع التحف والطرف وباعوه بأبخس الأثمان، فمن ذلك سبحة من الأحجار الكريمة، قومت بثمانين ألف دينار، وصندوق من الجوهر قوم بثلاثمائة ألف دينار، وأربع عشرة كيلة من الجواهر، وكثير من أواني الذهب والفضة، وأربعمائة صندوق من القطع الذهبية، وحصيرة منسوجة بالذهب زنتها ثمانية عشر رطلًا وشطرنج رقعته، من الحرير، وقطعة من الذهب والفضة والعاج والأبنوس المحلي بالأحجار الكريمة، وطاووس من الذهب رصع بالجواهر، وكانت عيناه ياقوتتين وريشه من الزجاج المموه بالذهب، وديك من الذهب مرصع باللؤلؤ، ومنضدة قوائمها من العقيق ... ومضرب للخليفة الظاهر كان منسوجًا بالذهب، ومضرب آخر للوزير اليازوري كلفه ثلاثين ألف دينار، إذ اشتغل في صنعه مائة وخمسون فنانًا مدة تسع سنوات، وما لا يحصى من الطيب والعطور والثياب1، وبجانب ذلك نجد المقريزي، يقول: إن بنتًا للمعز تركت بعد موتها ألف ألف دينار وسبعمائة ألف2، ويقول صاحب النجوم الزاهرة: إن ابنة للحاكم تركت نيفًا وثمانين زيرًا صينيًا مملوءة مسكًا، ووجد لها جوهر نفيس من جملته قطعة ياقوت زنتها عشرة مثاقيل، وكان إقطاعها في السنة خمسين ألف دينار3، وإذا تركنا قصر الخلفاء إلى الوزراء، وجدنا ابن منجب يقول: إن إقطاع يعقوب بن كلس أول وزرائهم، كان مائة ألف دينار في العام، وقد خلف بعد موته من الجواهر ما قيمته أربعمائة ألف دينار، ومن البز "الثياب والسلاح" ما قيمته خمسمائة ألف دينار4، وقد ترك الأفضل بن بدر الجمالي، الذي قتله الخليفة الآمر ستمائة ألف ألف دينار عينًا ومائتين وخمسين إردبًا دراهم نقد مصر وخمسة وسبعين ألف ثوب أطلس5، وهذه كلها صور تشبه أن تكون أقاصيص، ولذلك اتهمها بعض الباحثين، ولكن اتهامه لا دليل عليه، فقد أجمع المؤرخون على صدقها وتوثيقها. ونحن إنما سقنا هذا الوصف الطويل لثراء الفاطميين، لننفذ منه إلى أنهم أوتوا مادة كفيلة بإحداث نهضة واسعة في مصر سواء في عقلها، أو في أدبها وفنها. أما من حيث العقل، وما يصل به من الحركات العلمية، فإن مصر شهدت في العصر الفاطمي نهضة علمية واسعة، إذ شجع الفاطميون على الدراسة والثقافة، وأكبر الدلالة على ذلك، أنهم عملوا على تأسيس أكبر جامعة في الشرق، وهي جامعة الأزهر، ذلك المسجد الذي بناه جوهر الصقلي، وسماه بالأزهر تيمنًا باسم فاطمة الزهراء، ويرجع الفضل في تحويل هذا المسجد إلى دار كبيرة للدرس، والتثقيف إلى وزير الفاطميين، الأول يعقوب بن كلس، فهو الذي حوله إلى جامعة تدرس فيها العلوم الدينية والمدنية1، وكان بيته يعتبر ناديًا "صالونًا" كبيرًا في عصره، فقد "رتب لنفسه مجلسًا في كل ليلة جمعة، يقرأ فيه مصنفاته على الناس، ويحضره القضاء، والفقهاء والقراء والنحاة ... وأصحاب الحديث، فإذا فرغ من مجلسه قام الشعراء ينشدونه المدائح، وكان في داره قوم يكتبون القرآن الكريم، وآخرون يكتبون كتب الحديث، والفقه، والأدب حتى الطب"2، وتبع الوزارء يعقوب بن كلس، يعنون بتشجيع الحركة العلمية، وبني الحاكم دارًا عظيمة للكتب سماها دار العلم "وحمل إليها الكتب من خزائن القصور المعمورة، ودخل سائر الناس إليها يقرءون، وينسخون وأقيم لها خزانون وبوابون، ورتب فيها قوم يدرسون للناس العلوم"3. ولعل من الطريف أن الفاطميين -مع أنهم كانوا مقيدين بنحلة خاصة، فيها تحجر عقلي واسع- كانوا في الوقت نفسه يدعون لدراسة الفلسفة، والتعمق فيها، حتى ليقول المقريزي: "إن من جملة المعرفة عندهم أن الفلاسفة أنبياء حكمة الخاصة"4، ولعل سبب دعوتهم إلى التفلسف، أنهم كانوا يؤولون الديانات والشرائع تأويلًا يؤدي إلى تبديلها، فاحتاجوا إلى اللسان الجدل المزود بالفسلفة حتى يحسن ذلك، ومهما يكن، فإن مصر ظفرت في العصر الفاطمي نهضة عليمة واسعة، ولعل مما يدل على ذلك ما رواه المقدسي، الذي رواها في أواخر القرن الرابع للهجرة من أنه رأى في المسجد الجامع بها مائة مجلس وعشرة1، ويقول ناصر خسرو: إن من رآهم في مسجد الفسطاط، لا يقلون في أي وقت عن خمسة آلاف من طلاب العلم والغرباء، والكتاب الذين يحررون الصكوك والعقود2. وهذه النهضة العلمية كان يؤازرها نهضة أدبية واسعة أيضًا، فقد كان الفاطميون يرون من الضروري لدعوتهم أن يكون حولهم مجموعة نفيسة من الشعراء، والكتاب تنافح عن مذهبهم، وقد أتوا من المغرب، وفي ركابهم ابن هانئ الأندلسي يريدون أن يفخروا به، ويشعره على المشرق، كما قال المعز أول خلفائهم بمصر3، وهو فخر لم يقفوا به عند ابن هانئ، فقد عرفوا كيف يذيعون في مصر نشاطًا واسعًا في الشعر، وصنعه بفضل جوائزهم ومكافآتهم، وقد خصص العماد الأصبهاني مجلدًا كبيرًا في خريدته، وصف فيه آثار الشعراء الفاطميين، وما كان من نماذجهم، وبإزاء هؤلاء الشعراء، وجدت طوائف من الكتاب الممتازين استخدمهم الفاطميون في دواوينهم، وعني الفاطميون بديوان الرسائل خاصة وسموها ديوان الإنشاء4، وتكثر الإشارة في الكتب التاريخية، عمن كتبوا في هذا الديوان، وهناك نص طويل تتناقله هذه الكتب، يصف سلسل رؤساء الكتاب في ديوان الإنشاء الفاطمي، نجده في صبح الأعشى، وفي النجوم الزاهرة وحسن المحاضرة، وجاء في الكتاب الأول على هذ النحو: "لما ولي الفاطميون الديار المصرية صرفوا مزيد عنايتهم لديوان الإنشاء وكتابه، فارتفع بهم قدره، وشاع في الآفاق ذكره، وولي ديوان الإنشاء عنهم جماعة من أفاضل الكتاب وبلغائهم، ما بين مسلم وذمي، فكتب للعزيز بالله ابن المعز أبو المنصور ابن نسطوروس النصراني، ثم كتب بعده لابنه الحاكم، ومات في أيامه، فكتب للحاكم القاضي أبو الطاهر النهوكي، ثم كتب بعده لابنه الظاهر، وكتب للمستنصر القاضي ولي الدين بن خيران ، ثم ولي الدولة موسى بن الحسن قبل انتقاله إلى الوزارة، وأبو سعيد العميدي، وكتب للآمر والحافظ الشيخ الأجل، أبو الحسن علي بن أبي أسامة الحلبي إلى أن توفي سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، فكتب ولده الأجل أبو المكاروم إلى أن توفي في أيام الحافظ، وكان يكتب بين يديهما الشيخ الأمين تاج الرياسة، أبو القاسم علي بن سليمان بن منجب، المعروف بابن الصيرفي، والقاضي كافي الكفاة محمود بن القاضي، الموفق أسعد بن قادوس، وابن أبي الدم اليهودي، ثم كتب بعد الشيخ أبي المكارم بن أبي أسامة المتقدم ذكره، القاضي الموفق بن الحلال أيام الحافظ، وإلى آخر أيام العاضد، وبه تخرج القاضي الفاضل البيساني، ثم أشرك العاضد مع الموفق ابن الخلال في ديوان الإنشاء، القاضي جلال الملك محمودًا الأنصاري "وهو ابن قادوس السابق"، ثم كتب القاضي الفاضل بين يدي الموفق بن الخلال قرب وفاته في سنة ست وستين وخمسمائة في وزارة الملك الناصر، صلاح الدين يوسف بن أيوب، وكتب في إنشائه عدة سجلات ومكاتبات عن العائد آخر خلفائهم"1، وهذا النص الطويل له طرافته من حيث، إنه يذكر أن الفاطميين لم يفرقوا بين مسلم، وذمي في وظائف ديوان الإنشاء، وما من ريب في أن ذلك يدل على أنهم، كانوا يطلبون لهذا الديوان من تفوق في تحبير الكلام، وصوغه دون تفريف بن من هو من دينهم، ومن هو من غير دينهم، ومن هو من نحلتهم، ومن هو من غير نحلتهم، فالبليغ التام يتولى هذا الديوان بغض النظر عن دينه ومذهبه، فالبلاغة هي مقياسه، وهي موضع تقديمه، ولعل مما يدل على مدى تقدير الفاطميين للكاتب الممتاز في تلك العهود، ما يرويه ياقوت عنهم من أنهم جعلوا راتب صاحب ديوان الإنشاء ثلاثة آلاف دينار في الشهر، غير رسوم يتناولها عن السجلات، والعهود وكتب التلقيدات2، وبينما يروي ناصر خسرو، أن راتب قاضي القضاة كان ألف دينار فقط"3. على أنه ينبغي أن نلاحظ، أن النص الطويل السابق لكتاب دواوين الإنشاء
في العصر الفاطمي إنما عرض لرؤسائهم فقط، ومن يرجع إلى كتب التراجم ليبحث هؤلاء الرؤساء يجدها لا تهتم بهم في الغالب، وخاصة بالمتقدمين منهم، وكتب القلقشندي بتفصيل، وإسهاب عن دواوين الإنشاء في مصر، ومع ذلك لم يعرف تعريفًا واضحًا بهؤلاء الكتاب، وأيضًا فإنه لم يعن بحكاية آثارهم إذا نحن استثنينا قطعًا منثورة فيه عن ابن الصيرفي، وابن قادوس، والموفق ابن الخلال1، ومع ذلك فإن ما رواه عن هؤلاء الثلاثة، لا يفسر فنهم تفسيرًا كاملًا، وهل نستطيع أن نحكم برسائل عارضة على فن كاتب، إن لم تكن تلك الرسائل من أمهات رسائله، ويتصل بذلك أن هؤلاء الثلاثة جميعًا، إنما كانوا في أواخر العصر الفاطمي، فما شأن سابقيهم؟ وأي آثار تركوها؟ والحق أن المؤرخين خاصموا كتاب الفاطميين، ولم يصفوهم وصفًا واضحًا، بسبب ما كانت عليه دولتهم من تشيع، وكان ينبغي أن يفصل هؤلاء المؤرخون بين بغضم للفاطميين، وتشيعهم وبين تقديرهم لآثار من نشأوا في ظلال دواوينهم، وإن الإنسان ليعجب حقًا، إذ يرى نهضة الكتابة في العصر الفاطمي، لا تكاد تبين إلا من خلال السطور، ومن أجل ذلك لم يتبين مؤرخو الأدب مدى ما كان في هذا العصر من حركة أدبية مزدهرة! وإن من يقرأ في معجم الأدباء لياقوت، يجده يذكر أن ابن خيران، المتوفى عام 432هـ، أرسل بمجموع رسائله إلى بغداد، ليعرض على الشريف المرتضى، كي يودعه في دار العلم هناك2. ويذكر عن العميدي، الذي رأس ديوان الإنشاء بعد أن خيران أنه له كتابًا في تنقيح البلاغة يقع في عشر مجلدات، وأن له كتابًا يسمى الإرشاد إلى حل المنظوم والهداية إلى نظم المنثور، وكتابا آخر يسمى انتزاعات القرآن، وإن في هذين الكتابين، ما يدل على ميل العميد إلى نثر الشعر في رسائله، واقتباسه الكثير من القرآن الكريم، وهما صفتان استمرتا في النثر المصري من بعده، روى له ياقوت
شعرًا واضحًا فيه أثر الجناس1، ولسنا ندري هل كان يستخدمه في نثره أو لم يكن يستخدمه، لهذه السدود التي أقامها المؤرخون بينننا، وبين آثار العصر الفاطمي، وأيضًا ليس لدينا نصوص واضحة، عمن ولوا الديوان بعده في عصر المستنصر، فقد توفي العميد عام 433هـ، وخلفه أبو الطاهر النهركي، وليس تحت أيدينا له رسائل نتعرف منها على فنه، إنما الذي تحت أيدينا حقًا هو مجموعة من رسائل كاتب آخر لعهد المستنصر، ولم يكن من رؤساء ديوان الإنشاء، ولكنه كان من كتابه الكثيرين، وهو ابن الشخباء المتوفى عام 382 هـ، وربما كان أهم كاتب فاطمي احتفظت لنا المصادر بصورة واضحة من عمله، ونستمر بعد ابن الشخباء، فنلتقي بابن الصيرفي الذي خدم في الديوان من عام 485هـ إلى عام 531هـ، ويقول ياقوت: إن له رسائل تزيد على أربع مجلدات، ولكن هذه المجلدات فقدت، وما بقي من نثره لا يصوره تصويرًا واضحًا، وكذلك الشأن في ابن قادوس، الذي خدم من بعده في ديوان الإنشاء على الرغم من أن القاضي الفاضل، كان يسميه صاحب البلاغتين، ولعل ما رواه صبح الأعشى عن الموفق بن الخلال، يفصح بعض الشيء عن فنه، ففي رسالة له تصنع واضح لاصطلاحات النحو، إذ يقول في بعض جوانبها2: "وراقب الله فيما ألقاه إليك، فقد فوض إليك مقاليد البسط والقبض، والرفع والخفض، والولاية والعزل، والقطع والوصل، والتولية والتصريف، والصرف والإمضاء والوقف، والغض والتنبيه، والإخمال والتنويه، والإعزاز والإذلال، والإساة والإجمال، والإبداء والإعادة، والنقص والزيادة، والإنعام والإرغام، وكل ما تحدثه تصاريف الأيام". وإن مما لا شك فيه أن كتابة الرسائل بلغت في العصر الفاطمي مبلغًا عظيمًا من الرقي والاكتمال، بدت لها أوائل هذه العصر نزعة إلى السجع، فإن من يرجع إلى الكتاب، الذي كتبه المعز لأحد قواد القرامطة -وهو كتاب شعرًا واضحًا فيه أثر الجناس1، ولسنا ندري هل كان يستخدمه في نثره أو لم يكن يستخدمه، لهذه السدود التي أقامها المؤرخون بينننا، وبين آثار العصر الفاطمي، وأيضًا ليس لدينا نصوص واضحة، عمن ولوا الديوان بعده في عصر المستنصر، فقد توفي العميد عام 433هـ، وخلفه أبو الطاهر النهركي، وليس تحت أيدينا له رسائل نتعرف منها على فنه، إنما الذي تحت أيدينا حقًا هو مجموعة من رسائل كاتب آخر لعهد المستنصر، ولم يكن من رؤساء ديوان الإنشاء، ولكنه كان من كتابه الكثيرين، وهو ابن الشخباء المتوفى عام 382 هـ، وربما كان أهم كاتب فاطمي احتفظت لنا المصادر بصورة واضحة من عمله، ونستمر بعد ابن الشخباء، فنلتقي بابن الصيرفي الذي خدم في الديوان من عام 485هـ إلى عام 531هـ، ويقول ياقوت: إن له رسائل تزيد على أربع مجلدات، ولكن هذه المجلدات فقدت، وما بقي من نثره لا يصوره تصويرًا واضحًا، وكذلك الشأن في ابن قادوس، الذي خدم من بعده في ديوان الإنشاء على الرغم من أن القاضي الفاضل، كان يسميه صاحب البلاغتين، ولعل ما رواه صبح الأعشى عن الموفق بن الخلال، يفصح بعض الشيء عن فنه، ففي رسالة له تصنع واضح لاصطلاحات النحو، إذ يقول في بعض جوانبها2: "وراقب الله فيما ألقاه إليك، فقد فوض إليك مقاليد البسط والقبض، والرفع والخفض، والولاية والعزل، والقطع والوصل، والتولية والتصريف، والصرف والإمضاء والوقف، والغض والتنبيه، والإخمال والتنويه، والإعزاز والإذلال، والإساة والإجمال، والإبداء والإعادة، والنقص والزيادة، والإنعام والإرغام، وكل ما تحدثه تصاريف الأيام". وإن مما لا شك فيه أن كتابة الرسائل بلغت في العصر الفاطمي مبلغًا عظيمًا من الرقي والاكتمال، بدت لها أوائل هذه العصر نزعة إلى السجع، فإن من يرجع إلى الكتاب، الذي كتبه المعز لأحد قواد القرامطة -وهو كتاب طويل -يجد أكثره بني على السجع"1، وقد روى صاحب صبح الأعشى عن العزيز نزار كتابًا فيه سجع كثير2، وإذا تركنا القرن الرابع إلى القرن الخامس، وجدنا صاحب النجوم الزاهرة يروي كتابًا صدر عن الخلافة الفاطمية، بني كله على السجع مع أنه طويل3. ونستمر حتى نلتقي بابن الشخباء، ثم ابن الصيرفي، ثم ابن قادوس والموفق بن الخلال، وكل هؤلاء بنيت كتابتهم على السجع والتصنع فيه ضروبًا من التصنع، وربما كان ابن الشخباء كاتب عصر المستنصر خير من يعبر عن ازدهار النهضة الفنية للنثر الفاطمي، فقد بقيت لنا من أعماله طائفة صالحة تفسر طابع فنه، بل طابع عسره في الكتابة، ولذلك سنقف عنده وقفة قصيرة.



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)