امتداد النهضة النثرية في عهد المماليك:
تطلق كملة مماليك على ضرب من الرقيق، كان يؤسر في الحروب أو يباع في الأسواق، وأول من استخدم هؤلاء المماليك في شئون الحكم والسياسة المعتصم الخليفة العباسي، فقد جلب منهم جماعة كبيرة استخدمها في حروبه، وكان يجلبهم من شباب أواسط آسيا الأشداء، ونحن نعرف قصة هؤلاء المماليك الأتراك في الدولة العباسية، إذ سرعان ما انتقل إليهم تصريف الأمور، وأصبحوا هم الحاكمين بأمرهم، أما الخليفة فكان يحكم حكمًا اسميًا، وكان صلاح الدين ومولاه نور الدين، يستعينان في حروبهما ضد الصليبيين بقبيل من هؤلاء الأتراك: ولما جاء الصالح أيوب جمع حوله جيشًا كبيرًا منهم، وبنى لهم قلعة في جزيرة الروضة، لذلك سموا المماليك البحرية، وسرعان ما أصبحوا هم المتحكمين في كل أمور الدولة، كما أصبح لهم سلطان كبير، فقتلوا "توران شاه" آخر الملوك الأيوبيين، وولوا عليهم "شجرة الدر" زوج أبيه، فتزوجها أيبك التركماني، وأدار هو دفة الأمور بنفسه، ولكنها اختلفت معه فقتلته، فتولى ابنه، وفي عهده قتلها المماليك انتقامًا، ثم عزل، وتولى الحكم من بعده قطز، وفي عهده قتلها المماليك انتقامًا، ثم عزل، وتولى الحكم من بعده قطز، وفي عهده هزمت جيوشه، وعلى رأسها الظاهر بيبرس جيوش هولاكو التتري، وكان ذلك سببًا في التماع اسم الظاهر، فولي الحكم، وفي عهده انتقلت الخلافة العباسية من بغداد إلى القاهرة عام 656 للهجرة، وخلفه سلاطين أشهرهم قلاوون وابنه الناصر، ويظل الحكم في تلك الأسرة، حتى يسلبه منها برقوق زعيم المماليك الجراكسة، الذين جلبهم آل قلاوون وأسكنوهم بروج القلعة، ولذلك سموا المماليك البرجية، ويخلف برقوق سلاطين مختلفون، منهم السلطان "شيخ" الملقب بالمؤيد، وما تزال مصر في أيدي المماليك البرجية، حتى يفتحها العثمانيون في عام 923 للهجرة. كانت مصر في عهد المماليك، تعتبر زعيمة العالم الإسلامي، إذ وقفت دون موجه التتار، التي اكتسحت شرق هذا العالم حتى الشام، كما وقفت دون موجة الصليبيين وردتهم عن بلاد الإسلام، وقد انتقل إليها الخليفة العباسي، وفي هذا الانتقال ما يرمز إلى أهميتها في تلك العصور، إذ أصبحت موئل الإسلام من طرف، كما أصبحت موئل العلم والأدب من طرف آخر، فقد هاجر إليها العلماء، والأدباء من كل صوب، حتى ينعموا بما فيها من حياة آمنة مرفهة، ويظهر أن مصر كانت على جانب عظيم من الرخا، واليسر في هذا العصر المملوكي، ولذلك كثرت فيها العمارة، حتى قالوا: إنه "بني في أيام الملك الظاهر ما لم يبن في أيام الخلفاء المصريين، ولا ملوك بني أيوب من الأبنية والرباع والخانات، والقواسير والدور والمساجد والحمامات"1، وكذلك اشتهر عصر
الناصر بن قلاوون بكثرة العمائر في مصر والشام، وفي هذا ما يدل -من بعض الوجوه- على ثروة مصر في هذا الحين، ولعل مما يدل على ذلك أيضًا ما يقال من أن الناصر حج ذات مرة، فكانت تمد له مائدة في طريقه وسط حديقة مصنوعة، وعليها الفاكهة والزهور، وكان هذا المنظر يبهر الناس في صحراء بلاد العرب، وقد قالوا: إن إحدى زوجاته أنفقت في حجها مائة ألف دينار، كما قالوا: إنه أنفق في زواج كل بنت من بناته ثمانمائة ألف دينار2، وما من ريب في أن ذلك يدل بعض الدلالة على ما بلغته في عصر المماليك، من ترف وثراء. ولعل من الغريب أن المماليك -على الرغم من أنهم كانوا من الرقيق- عنوا بالحركة العلمية، على نحو ما صنع سادتهم من الأيوبيين، فبنوا المدارس وأغدقوا عليها الأموال، وكان أول من استن هذه السنة الظاهر بيبرس، فقد أنشأ مدرسة كبيرة هي المدرسة الظاهرية، وكان لها أربعن إيوانات لتدرس الفقه الشافعي، والحنفي وتدريس الحديث، وقراءات القرآن، كما كان بها مكتبة تشتمل على أمهات الكتب في سائر العلوم1، وقد احتذى الظاهر المنصور قلاوون، فبنى مدرسة كبيرة سميت المدرسة المنصورية، وكان يدرس فيها الفقه على المذاهب الأربعة، كما كان يدرس فيها التفسير والحديث، وأيضًا كان يدرس فيها الطب2، ثم جاء الناصر ابن قلاوون، فأنشأ مدرسة عظيمة ورتب فيها دروسًا للمذاهب الأربعة، ويقول المقريزي: إنه أدرك هذه المدرسة3، وبنى السلطان حسن من بعده مدرسة كبيرة، يقول المقريزي عنها: إنه لا يعرف ببلاد الإسلام معبد من معابد المسلمين، يحكي هذه المدرسة في كبر قالبها، وحسن هندامها وضخامه شكلها، ويقول: إن العمارة استمرت فيها مدة ثلاث سنين لا تنقطع، وإنه كان يصرف على عمارتها يوميًا عرشون ألف درهم، وكان يدرس فيها الفقه على المذاهب الأربعة4، ثم جاء المماليك البرجية، وعلى رأسهم برقوق، الذي أنشأ مدرسة لدرس المذاهب الأربعة، ودرس التفسير والحديث، وقراءت القرآن5، وتبعه الملك المؤيد شيخ فابتنى هو الآخر مدرسة كبيرة6، وكل ذلك يدل على مبلغ عناية المماليك بالحركة العلمية، وتشجيع العلماء، وقد عرف المؤيد شيخ من بينهم بأنه كان شعرًا وموسيقيًا7، ويقول السيوطي نقلًا عن ابن حجر: إنه "كان معه إجازة بصحيح البخاري من شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، فكانت لا تفارقه سفرًا ولا حضرًا"8.
وإذا كان المماليك عنوا بالحركة العلمية، فإنهم عنوا كذلك بالحركة الأدبية، وقد كان لديوان الإنشاء عندهم منزلة كبيرة، وكان لا يوظف فيه إلا من اشتهر بالبلاغة، وأوتي أسرار البيان والفصاحة، وكثيرًا ما ارتقى كاتب الإنشاء عندهم إلى مرتبة الوزارة، وقد كتبت في هذا العصر أكبر الموسوعات الأدبية من مثل مسالك الأبصار لابن فضل الله العمري، و"صبح الأعشى في صناعة دواوين الإنشاء" للقلقشندي، و"نهاية الأرب" للنويري، و"الخطط" و"السلوك" للمقريزي، ولولا هذه الكتب ما استطعنا اليوم أن نؤرخ للحركات الأدبية في مصر أثناء العصور الوسطى، ويظهر أن القوم اتجهوا هذا الاتجاه في التأليف مخافة ضياغ العلم، إذ فقد كثير من الكتب حتى عصرهم، فرأوا أن يكتبوا موسوعات تغني عن الكتب المختصة بكل عهد وكل عصر، ومن أهم كتب التاريخ الكبيرة في هذه العصر، كتاب النجوم الزاهرة لابن تغري بردي، وعقد الجمان للعيني. وأكثر كتابات هذا العصر ينتشر فيها السجع، ومن الكتب التاريخية التي بنيت على السجع بناء كتاب "عجائب المقدور في نوائب تيمور" لابن عرب شاه، واستمرت كتابات الرسائل في هذا العصر، مطبوعة بالطابع الذي رأيناه عند القاضي الفاضل، من ميل إلى استخدام ألوان البديع من جناس وطباق، وتصوير ثم الاقتراض من ألفاظ العلوم ومصطلحاتها، ومن أشهر كتاب هذا العصر ابن فضل الله العمري، وابن نباتة، ومحيي الدين بن عبد الظاهر، وهو أشهر الثلاثة، وكتاباتهم جميعًا تمتاز باستخدام فنون البديع وألفاظ العلوم، وعنوا عناية خاصة بلون التورية، كقول ابن نباتة من توقيع لشخص بنظر مدرسة1: "وكيف لا وهو نعم الناظر والإنسان، وفي مصالح القول، والعمل ذو اليدين واللسان، وذو العزائم الذي تقيدت في حبه الرتب، ومن وجد الإحسان". فقد ورى في الناظر والإنسان تورية واضحة، ولم يكتف بذلك، بل رأيناه يعمد إلى الاقتضاب في آخر العبارة، أو ما كانوا يسمونه حيئنذ بالاكتفاء، إذ ختم عبارته بقوله: "ومن وجد الإحسان"، وقطع وهو يريد الشطر المشهور، "ومن وجد الإحسان قيدا تقيدًا"، وهذا الاكتفاء إنما جاء من استخدام أساليب القرآن الكريم؛ لأن فيها حذفًا كثيرًا، فذهبوا يتأثرونها في هذا الجانب، ولا تظن أن الاكتفاء ظهر لأول مرة في تلك العصور، فهو قديم إذ نجده في العصر الفاطمي، عند ابن قادوس1، كما نجده من بعده في العصر الأيوبي2، ونستمر فنجده في هذا العصر عند ابن نباتة وغيره، وإنه لينبغي أن نقف وقفة قصيرة عند أشهر كتاب هذا العصر، وهو محيي الدين بن عبد الظاهر حتى تتراءى لنا طبيعة الكتابة في العصر المملوكي، وما تتسم به من شارات أدبية فنية.





المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)