فن المناظرة في عصر الانحدار
أ- إضاءة :
لم تختلف المناظرة في عهد الدول المتتابعة عما كانت عليه في العصر العباسي اللهم إلا في الموضوعات
ب-نماذج من المناظرات في عصر الدول المتتابعة :
1-مناظرة السيف والقلم لزين الدين عمر بن الوردي المتوفى سنة / 749 / :
لما كان السيف والقلم عدة القول وعمدة الدول ..........................فكرت أيهما أعظم فخرا وأعلى قدرا فجلست لهما مجلس الحكم والفتوى ومثلتهما في الفكر حاضرين للدعوى وسويت بين الخصمين في الإكرام واستنطقت لسان حالهما للكلام فقال .
القلم : بسم الله مجريها ومرساها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها أما بعد حمد الله بارئ القلم ومشرفه بالقسم وجاعله أول ما خلق جمل الورق بغصنه كما جمل الغصن الورق والصلاة على القائل جفت الأقلام فإن للقلم قصب السباق والكاتب بسبعة أقلام من طبقات الكتاب في السبع الطباق جرى بالقضاء القدر وناب عن اللسان فيم نهى وأمر طالما أربي على البيض والسمر في إضرابها وطعانها وقاتل في العبد والصوارم في القرب ملء أجفانها وماذا يشبه القلم في ناسه ؟ ومشيه لهم على أم رأسه ؟
قال السيف : بسم الله الخافض الرافع وأنزلنا الحديد فيه باس ومنافع أما بعد حمد الله الذي أنزل أية السيف فعظم بها حرمة الجرح وأمن خيفة الخيف والصلاة على الذي نفذ بالسيف سطور الطروس وخدمته الأقلام ماشية على الرؤوس وعلى آله وصحبه الذين أرهفت سيوفهم وبنيت بها على كسر الأعداء حروفهم فإن السيف عظيم الدولة شديد الصولة محا أسطار البلاغة وأساغ ممنوع الإساغة من اعتمد على غيره في قهر الأعداء تعب وكيف لا وفي حده الحد بين الجد واللعب ؟ فإن كان القلم شاهدا فالسيف قاض وإن اقتربت مجادلته بأمر مستقبل قطعه السيف بفعل ماض به ظهر الدين وهو العدة لقمع المعتدين حملته دون القلم يد نبينا فشرف بذلك في الأمم شرفا بينا الجنة تحت ظلاله ولا سيما حين يسل فترى ودق الدم يخرج من خلاله زينت بزينة الكواكب سماء غمده وصدق القائل ( السيف أصدق أنباء من ضده ) لا يعبث به الحامل ولا يتناوله كالقلم بأطراف الأنامل ما هو كالقلم المشبه يقوم عروا عن لبوسهم ثم نكسوا كما قيل على رؤوسهم فكان السيف خلق من ماء دافق أو كوكب راشق مقدرا في السرد فهو الجوهر الفرد لا يشتري كالقلم بثمن بخس ولا يبلى كما يبلى القلم بسواد وطمس كم لقائمه المنتظر من أثر في عين في أثر فهو في جراب القوم الحرب ولهذا جاء مطبوع الشكل داخل الضرب .
قال القلم : أو من ينشا في الحيلة وهو في الخصام غير مبين يفاخر وهو القائم عن الشمال وأنا الجالس على اليمين ؟ أنا المخصوص بالرأي وأنت المخصوص بالصدى أنا آلة الحياة وأنت آلة الردى ما لنت إلا بعد دخول العمر وما حددت إلا عن ذنب كبير أنت تنفع في العمر ساعة وأنا أفنى العمر في الطاعة أنت للرهب وأنا للرغب وإذا كان بصرك حديدا فبصري ماء ذهب أين تقليدك من اجتهادي وأين نجاسة دمك من تطهير مدادي ؟
قال السيف : أمثلك يعير مثلي بالدماء ؟ فطالما أمرت بعض فراخي – وهي السكين – فأصبحت من النفاثات في عقدك يا مسكين فأخلت من الحياة جثمانك وشقت أنفك وقطعت لسانك ويلك إن كنت للديوان فحاسب مهموم أو للإنشاء فخادم لمخدوم أو للتبليغ فساحر مذموم أو للفقيه فناقص في المعلوم أو للشاعر فسائل محروم أو للشاهد فخائف مسموم أو للمعلم فللحي القيوم أما أنا فلى الوجه الأزهر والحلية والجوهر والهيبة إذ أشهر والصعود على المنبر ثم إني مملوك كمالك فالك كناسك أسلك الطريق وأقطع العلائق .
قال القلم : أما أنا فابن ماء السماء وأليف الغدير وحليف الهواء أما أنت فابن النار والدخان وناثر الأعمار وخوان الإخوان تفضل مالا يفصل وتقطع ما أمر الله أن يوصل لا جرم أن صعر السيف خده وصقل قفاه وسقى ماء حميما فقطع معاه يا غراب البين ويا عدة الحين ويا معتل العين ويا ذا الوجهين كم أفنيت وأعدمت ؟
وارملت وايتمت ؟
قال السيف : يا ابن الطين ألست ضامرا وأنت بطين كم جريت بعكس وتصرفت في مكس وزورت وحرفت ونكرت وعرفت وسطرت هجوا وشتما وخلدت عارا وذما أبشر بفرط روعتك وشدة خيفتك إذا قست بياض صحيفتي بسواد صحيفتك فأين خطابك فأنت قصير المدة وأحسن جوابك فعندي حدة وافلل من غلظتك وجبهك واشتغل عن دم في وجهي بقيح في وجهك وإلا فادني ضربة مني تروم أرومتك فتستأصلك وتجثت جرثومتك فسقيا لمن غاب لك عن غابك ورعيا لمن لو أهاب بك لسلخ أهابك
فلما رأى القلم السيف قد احتد ألان له من خطابه ما اشتد وقال : أما الأدب فيؤخذ عني وأما اللطف فيكتسب مني فإن لنت لنت وإن أحسنت أحسنت تحن أهل السمع والطاعة ولهذا نجمع في الدواة الواحدة منا جماعة وأما أنتم فأهل الحدة والخلاف ولهذا لا يجمعون بين سيفين في غلاف
قال السيف : أمكرا ودعوى عفة لأمرها ما جدع قصير أنفه لو كنت كما زعمت ذا أدب لما قابلت رأس الكتاب بعقدة الذنب أنا الصيت والصوت وغراري لسان مشرفي يرتجل غرائب الموت أنا من مارج من نار والقلم من صلصال كالفخار وإذا زعم القلم أنه مثلي أمرت من يدق رأسه بنعلي
قال القلم : صه فصاحب السيف بلا سعادة كأعزل
قال السيف : مه فقلم البليغ بغير حظ مغزل
قال القلم : أنا أزكي وأطهر
قال السيف : أنا أبهى وأبهر
فتلا ذو القلم إنا أعطيناك الكوثر
وتلا صاحب السيف لسيفه : فصل لربك وأنحر فتلا ذو القلم لقلمه : إن شانئك هو الأبتر
قال : أما وكتابي المسطور وبيتي المعمور والتوراة والإنجيل والقرآن ذي التبجيل إن لم تكف عليك بقلمي سجلا بهذا الحكم
قال السيف : أما ومتني المتين وفتحي المبين ولساني الرطبين ووجهي الصلبين إن لم تغب عن بياضي بسوادك لأمسن وجهك بمدادك ولقد كسبت من الأسد في الغابة توقيع العين والصلابة مع أنني ما آلوتك نصحا أفنضرب عنكم الذكر صفحا ؟
قال القلم : سلم إن كنت أعلى فانا أعلم وإن كنت أحلى فأنا أحلم وإن كنت أقوى فأنا أقوم أو كنت ألوى فأنا ألوم أو كنت أطرى فأنا أطرب أو كنت أغلى فأنا أغلب أو كنت أعتى فأنا أعتب أو كنت أقضى فأنا أقضب ؟
قال السيف : كيف لا أفضلك والمقر الفلاني شاد أزري
قال القلم : كيف لا أفضلك وهو عز نصره ولي أمري ؟
قال الحكم بين السيف والقلم : فلما رأيت الحجتين ناهضتين والبينتين بينتين متعارضتين وعلمت أن لكل واحد منها نسبة صحيحة إلى هذا المقر الكريم ورواية مسندة عن حديثه القديم لطفت الوسيلة ودققت الحيلة حتى رددت القلم إلى كنه وأغمدت السيف فنام ملء جفنه وأخرت بينهما الترجيح وسكت عما هو عندي الصحيح إلى أن يحكم المقر بينهما بعلمه ويسكن سورة غضبهما الوافر ولجاجهما المديد ببسط حلمه .
2-مناظرة بين الجمل والحصان للمقدسي المتوفى سنة / 875 /
قال الجمل : أنا أحمل الأحمال الثقال وأقطع بها المراحل الطوال وأكابد الكلال واصبر على مر النكال ولا يعتريني من ذلك ملال وأصول صولة الإدلال بل أنقاد للطفل الصغير ولو شئت استصعبت على الأمير الكبير فأنا الذلول وللأثقال حمول لست بالخائن ولا الفلول ولا الصائل عند الصول أقطع في الوحول ما يعجز عنه الفحول وأصابر الظلماء في الهواجر ولا أحول فإذا قضيت حق صاحبي وبلغت مأربي ألقيت حبلي على غاربي وذهبت في البوادي اكتسب من الحلال زادي فإن سمعت صوت حادي سلمت إليه قيادي وواصلت فيه سهادي وطلقت طيب رقادي ومددت عنقي لبلوغ مرادي فأنا إن ضللت فالدليل هادي وإن زللت آخذ بيدي من إليه انقيادي وأن ظمئت فذكر الحبيب زادي وأنا المسخر لكم بإشارة وتحمل أثقالكم فلم أزل بين رحلة ومقام حتى أصل إلى ذلك المقام .
فقال الحصان : أنا أحمل صاحبي على كاهلي فأجتهد به في السير وأنطلق به كالطير أهجم هجوم الليل وأقتحم اقتحام السيل فإن كان طالبا أدرك بي طلبه وإن كان مطلوبا قطعت عنه سببه وجعلت أسباب الردى عنه محتجبة فلا يدرك مني إلا الغبار ولا يسمع عني إلا أخبار وإن كان الجمل هو الصابر المجرب فأنا السابق المقرب وإن كان هو المقتصد اللاحق فأنا المقرب السابق فإذا كان يوم اللقاء قدمت أقدام الواله وسبقت سبق نباله وذلك متخلف لثقل أحماله وإن أوثق سائسي قيدي وأمن قائدي كيدي أوثقت بأشكالي لكيلا أحول على إشكالي وألجمت كيلا أكل عن أقدامي فأنا الموعود بالنجاة العدود لنيل الجاه المشدود للسلامة المقصود للكرامة قد أجزل المنعم على إنعامه أمضي بالعناية الأزلية أحكامه فإن الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة خلقت من الريح فكم ركضت في ميدان السباق وما أبديت عجزا وكم حزرت رؤوس أهل النفاق حزا وكم أخليت منهم الآفاق هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا .


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)