فن الوصايا في عصر الانحدار
أ-إضاءة :
ب- نماذج من وصايا عصر الدول المتتابعة :
1--ومن وصية ابن سعيد المغربي المتوفي سنة 967 هـ وقد أراد السفر :
أودعك الرحمن في غربتك مرتقبا ً رحماك في أوبتك
فلا تطل حبل النوى إنني والله اشتاق إلى طلعتك
واختصر التوديع آخذا ً فما لي ناظر ٌ يقوى على فرقتك
واجعل وصاتي نصب عين ولا تبرح مدى الأيام من فكرتك
خلاصة العمر التي حنكت في ساعة زفت إلى فطنتك
فللتجارب أمور إذا طالعتها تشحذ من غفلتك
فلا تنم عن وعيها ساعة فإنها عون إلى يقظتك
وكل ما كابدته في النوى إياك أن يكسر من همتك
فليس يدري أصل ذي غربة وإنما تعرف من شيمك
وامش الهوينا مظهرا ً عفة وابغ رضا الأعين عن هيئتك
وانطق بحيث العي مستقبح واصمت بحيث الخير في سكتتك
ولج على رزقك من بابه واقصد له ما عشت في بكرتك
ووف كلا ً حقه ولتكن تكسر عند الفخر من حدثك
وحيثما خيمت فاقصد إلى صحبة من ترجوه في نصرتك
وللزرايا وثبة ٌ ما لها إلا الذي تذخر من عدتك
ولا تقل اسلم لي وحدتي فقد تقاسى الذل في وحدتك
ولتجعل العقل محكا ً وخذ كلا بما يظهر في نقدتك
واعتبر الناس بألفاظهم واصحب أخا يرغب في صحبتك
كم من صديق مظهر نصحه وفكره وقف على عثرتك
إياك أن تقربه إنه عون مع الدهر على كرتك
وانم نمو النبت قد زاره غب الندى واسم إلى قدرتك
ولا تضيع زمنا ً ممكنا ً تذكاره يذكي لظى حسرتك
والشر مهما أسطعت لا تأته فانه جور على مهجتك
يا بني الذي لا ناصح له مثلي , ولا منصوح لي مثله – قد قدمت لك في هذا النظم ما أن أخطرته بخاطرك في كل أوان وأن رجوت لك حسن العاقبة – إن شاء الله تعالى – وإن اخف منه للحفظ ,وأعلق للفكر وأحق بالتقدم قول الأول :
يزين الغريب إذا ما اغترب ثلاث فمنهن حسن الأدب
وثانية حسن أخلاقه وثالثة اجتناب الريب
وأصغ يا بني إلى البيت الذي هو يتيمة الدهر , وسلم الكرم والصبر :
ولو أن أوطان الديار نبت بكم لكنتم الأخلاق والآدابا
إذ حسن الخلق أكرم نزيل , والأدب أرحب منزل ولتكن كما قال بعضهم في أديب متغرب وكان كلما طرأ على ملك فكأنه معه ولد , واليه قصد , غير مستريب بدهره , ولا منكر شيئا ً من أمره .
وإذا دعاك قلبك إلى صحبة من أخذ بمجامع هواه , فاجعل التكلف له سلما ً وهب في روض أخلاقه هبوب النسيم , وحل بطرفه حلول الوسن ,و انزل بقلبه نزول المسرة , حتى يتمكن لك وداده , ويخلص فيك اعتقاده وطهر من الوقوع فيه لسانك , وأغلق سمعك , ولا ترخص في جانبه لحسود لك منه , يريد إبعادك عنه لمنفعة , أو حسود له يغار لتجمله بصحبتك , ومع هذا فلا تغتر بطول صحبته ولا تتعهد بدوام رقدته , فقد ينبهه الزمان , ويتغير منه القلب واللسان وإنما العاقل من جعل عقله معيارا ً , وكان كالمرآة يلقي كل وجه بمثاله , وفي الأمثال العامة ( من سبقك بيوم سبقك بعقل )) . فاحتذ بأمثلة من جرب واستمع إلى ما خلد الماضون بعد جهدهم وتعبهم من الأقوال , فإنها خلاصة عمرهم وزبدة تجاربهم , ولا تتكل على عقلك , فإن النظر فيما تعب فيه الناس طول أعمارهم وابتاعوه غاليا ً بتجاربهم يربحك ويقع عليك رخيصا ً وإن رأيت من له عقل ومروءة وتجربة فاستفد منه , ولا تضيع قوله ولا فعله , فان فيما تلقاه تلقيحا ً لعقلك وحثا ً لك واهتداء .
وليس كل ما تسمع من أقوال الشعراء يحسن بك أن تتبعه حتى تتدبره , فإن كان موافقا ً لعملك , مصلحا ً لحالك , فراع ذلك عندك , وإلا فانبذه نبذ النواة فليس كل أحد يتبسم ولا كل شخص يكلم , ولا الجود مما يعم به ولا حسن الظن وطيب النفس مما يعامل به كل أحد ولله در القائل :
وما لي لا أوفي البرية قسطها على قدر ما يعطي وعقلي ميزان
وإياك أن تعطي من نفسك إلا بقدر , فلا تعامل الدون بمعاملة الكفء , ولا الكفء بمعاملة الأعلى , ولا تضيع عمرك فيمن يعاملك بالمطامع , ويثيبك على مصلحة حاضرة عاجلة , بغائبة آجلة ولا تجف الناس بالجملة , ولكن يكون ذلك بحيث لا يلحق منه ملل , ولا ضجر , ولا جفاء فمتى فارقت أحدا فعلى حسني في القول والفعل , فانك لا تدري هل أنت راجع إليه ؟ فلذلك قال الأول :
ولما مضى سلم ٌ بكيت على سلم
وإياك والبيت السائر :
وكنت إذا حللت بدار قوم رحلت بخزية وتركت عارا
واحرص على ما جمع قول القائل : ( ثلاثة تبقى لك الود في صدر أخيك , أن تبدأه السلام وتوسع له المجلس وتدعوه بأحب الأسماء إليه ) , واحذر كل ما بينه لك القائل : ( كل ما تغرسه تجنيه إلا ابن ادم , فإذا غرسته يقلعك ) وقول الآخر : ( إن ابن ادم ذئب مع الضعف أسد مع القوة ) . وإياك أن تثبت على صحبة أحد قبل أن تطيل اختباره , ويحكى أن ابن المقفع خطب من الخليل صحبته , فجاوبه : ( إن الصحبة رق ولا أضع رقي في يدك حتى اعرف كيف ملكتك ) , واستمل من عين على من تعاشره وتفقد في فلتات الألسن فإن الكلام سلاح السلم , وبالأنين يعرف الم الجرح , واجعل لكل أمر أخذت فيه غاية وتجعلها نهاية لك :
وخذ الدهر ما أتاك به من قر عينا ً بعيشة نفعه
إذ الأفكار تجلب الهموم وتضاعف الغموم وملازمة القطوب عنوان المصائب والخطوب يستريب به الصاحب ويشمت العدو والمجانب , ولا تضر بالوساوس إلا نفسك , لأنك تنصر بها الدهر عليك – والله در القائل :
إذا ما كنت للاحران عونا ً عليك مع الزمان فمن تلوم ؟
مع أنه لا يرد عليك الغائب الحزن ولا يرعوي بطول عتبك الزمن .
ولقد شاهدت بغرناطة شخصا ً قد الفته الهموم وعشقته الغموم ومن صغره إلى كبره لا تراه أبدا خليا من فكره , حتى لقب ( بصدر الهم ) .
ومن أعجب ما رايته منه أنه يتنكد في الشدة , ولا تعلل بأن يكون يعدها فرج , ويتنكد في الرخاء خوفا ً من أن لا يدوم , وينشد :
توقع زوالا إذا قيل تم
وعند التناهي يقصر المتطاول
وله من الحكايات في هذا الشأن عجائب , ومثل هذا عمره محسور يمر ضياعا ً ومتى رفعك الزمان إلى قوم يذمون من العلم ما تحسنه حسدا ً لك وقصدا لتصغير قدرك عندك , وتزهيدا لك فيه , فلا يجعلك ذلك على أن تزهد في علمك وتركن إلى العلم الذي مدحوه , فتكون مثل الغراب الذي أعجبه مشي الحجلة فرام أن يتعلمه فصعب عليه ’ ثم أراد أن يرجع إلى مشيه فنسيه فبقي محبل المشي كما قيل :
إن الغراب وكان يمشي مشية فيما مضى من سالف الأجيال
حسد القطا وأراد يمشي مشيها فأصابه ضرب من العقال
فأضل مشيته واخطأ مشيها فلذاك كنوه ( أبا مرقال )
ولا يفسد خاطرك من جعل يذم الزمان وأهله ويقول : ما بقي في الدنيا كريم ولا فاضل , ولا مكان يرتاح فيه , فإن الذين تراهم على هذه الصفة أكثر ما يكونون ممن صحبهم الحرمان ,و استحقت طلعتهم للهوان وابرموا على الناس بالسؤال فمقتوهم , وعجزوا عن طلب الأمور من وجوهها , فاستراحوا إلى الوقوع في الناس , وأقاموا الأعذار لأنفسهم بقطع أسبابهم , ولا تزل هذين البيتين من فكرك :
لن إذا ما نلت عزا فاخو العز يلين
فإذا نابك دهر فكما كنت تكون
والأمثال تضرب لذي اللب الحكيم , وذو البصر يمشي على الصراط المستقيم , والفطن يقنع بالقليل , ويستدل باليسير , والله سبحانه خليفتي عليك لا رب سواه




المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)