الأدب العربي
في العصر العثماني

















-أولاً-
حال الأدب قبل سقوط الدولة العثمانية
بلغ الشعر العربي أوجه في العصر العباسي ثم أدركه الهرم في عصر الانحدار والدول المتتابعة ، ثم تحول إلى تمويه وصنعة في نهاية العصر العثماني في الأغراض والمعاني والأساليب لأن الحكومات التي كانت تتعور الشعوب العربية كانت أعجمية لا تقيم وزنا ً للغة العربية وقد أولع الشعراء بالمحسنات البديعية المتكلفة ، فانحطت المعاني لديهم وكذلك الأخيلة وأصبح الشعر مؤرخا ً للأحداث لم يتعد المدح والهجاء والغزل والرثاء والوصف والإخوانيات وتلاعب الشعراء بالشعر فنظموا قصائد ذات حروف مهجئة منقوطة أو خالية من النقط أو أبيات تقرأ من أولها وآخرها مع الاقتباس والتضمين والتشطير بحيث لا نجد معنى عميقا ً ولا خيارا ً مبتكرا ً ولا لفظا ً جميلا ً ولم تتغير هذه الحالة إلا بعد (1850) م حيث أعاد الشعراء الشعر لنشاطه وإشراقه . ولايمكن لنا أن نتوقع من الأدب أن يتألق في زمن أصبح الحكام فيه غير أصحاب لغتنا ، فقد تراجع الأدب في عصر الانحدار تراجعا مريعا ، وتضاءل كثيرا في العهد العثماني ، وإذا كان الشعر والأدب قد كسدت سوقه فإن فنون الأدب الأخرى قد أصابها الإهمال كالمقامات والبديعيات والرسائل ، واستمرت الحالة على ما هي عليه إلا من بعض الوجوه الأدبية التي بقيت محافظة على جزء من روح الشعر العربي وذلك بعد يقظة العرب في نهاية الحكم العثماني وقبل قرن وستة عشر عاما ً من سقوط الدولة العثمانية عام 1916 م حيث عايش العرب نهضة جديدة لم تأت من الحكم العثماني ، وإنما بفعل تأثر العرب بالنهضة الأوروبية حيث انتقل أدب العرب من الخمول والجمود بسبب الاستبداد العثماني إلى دور البعث والنهوض ؛ فعصر النهضة في ظل الاستبداد العثماني يبدأ منذ: ( 1220 ) هـ //1798 م// حين حدثت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون على مصر حين كان يسود الظلم والفساد والجهل والظلام بسبب ما فرضه المماليك من استبداد واهتبال الفرصة من قبل الأوروبيون بالإغارة على البلاد العربية بدعوى نشر العلم والأدب سبقت ببعثات تبشيرية لنشر الثقافة الأجنبية ، فاصطحب نابليون معه اختصاصيين في العلوم وأنشأ مدرستين وجريدتين ومسرحا ًللعرض و للتمثيل ومجمعا ًعلميا ًومكتبة ومطبعة ومعامل كيميائية ومراصد فلكية وقد كانت هذه الحملة رغم قصرها (1798 – 1801 ) م جرسا ًمنبها ًأيقظ الحكام والبلاد ثم جاء محمد علي فأنشأ المدارس وجلب علماء فرنسيين للتدريس في مصر وأسس مدرسة طبية وأوفد الطهطاوي ومعه (44) طالبا ً إلى فرنسا عادوا مترجمين ومعلمين نقلوا عن الفرنسية للعربية آلاف الكتب وكثر العلماء والأطباء والمهندسون وأنشئت جريدة ( الوقائع المصرية ) وأسهم الشهابيون في سورية بالنهضة وخاصة الأمير بشير الشهابي ، وأنشئت المدارس الطائفية في سوريا بإرساليات أمريكية وفرنسية وبروتستانتية ويسوعية كاثوليكية وكثرت المعاهد والمدارس والمطابع والصحف وألفت الكتب وتجمع نخبة من الكتاب والشعراء والمترجمين والصحفيين ، وتعاون المصريون والسوريون لإنجاح النهضة ولكنها ركدت على يد عباس وسعيد باشا ونشطت من جديد في عهد إسماعيل












-ثانياً-
أحداث وشخصيات
مثلت النهضة العربية
1- الاتصال بالغرب من خلال حملة نابليون والإرساليات المسيحية ونشر الثقافة الغربية وهذا ما جلب الاستعمار لهذه البلاد.
2- البعثات والترجمات التي أرسلت في عهد محمد علي وعهد إسماعيل كبعثة الطهطاوي ومرافقيه حيث أنشأ بدعوته مدرسة الألسن لتعليم اللغات الفرنسية والتركية والايطالية والانكليزية والعربية وترجمت الكثير من الكتب
3- المدارس والمعاهد والتعليم التي أنشئت في عهد محمد علي بمساعدة الأوروبيين وأسست المدرسة الحربية عام (1825) م ومدرسة الصيدلة ومدرسة الطب حيث كان التعليم مجانيا ً وكان لمدرسة دار العلوم الأثر الكبير في النهضة ( 1817 م ) التي أسسها علي مبارك والذي أنشأ دار الكتب الوطنية وأنشئت جامعة فؤاد والتي تحولت إلى جامعة القاهرة . وفي الشام كانت المدارس قبل النهضة دينية لدراسة القرآن والفقه على المذاهب الأربعة والحديث الشريف ومدرسة الطب والصيدلة أغلقت بعد دخول الأتراك ، وأسست مدرسة للحقوق ومعهدا ً للطب تحولا إلى كليتي الحقوق والطب وكذلك كان في حلب مدارس كثيرة وفي لبنان كانت مدرسة ( عين ورقة ) (1789) م ومدرسة ( عين طورة ) ( 1834 ) م ومدرسة ( عبيدة ) ( 1847 ) وأقدم المدارس الإسلامية كانت ( كلية المقاصد الإسلامية ) (1880) م وافتتح بدمشق كليات لطب الأسنان والعلوم والآداب والتجارة والهندسة والزراعة وفي بيروت الكلية الأمريكية (1899م) واليسوعية (1874 م)
4- الطباعة والصحافة التي تطورت بفضل مطبعة نابليون وأنشئت مطبعة بولاق (1822 م) ومطبعة ماريو حنا (1732) م ثم دار الطباعة في القسطنطينية التي طبعت كتب التراث والمطبعة الأمريكية (1834) م ومطبعة الآباء اليسوعيين (1848) م وقد أسهم طبع الكثير من كتب التراث في فتح العقول وتيسير الثقافة وكذلك أسهمت صحيفة الوقائع المصرية برئاسة الشدياق ومحمد عبده وعبد الكريم سلمان ومجلة ( روضة المدارس ) برئاسة الطهطاوي (ومجلة اليعسوب ) الطبية وصحيفة ( وادي النيل ) السياسية و( نزهة الأفكار ) و ( أبو نظارة ) و ( التنكيت والتبكيت ) و ( الأهرام والمقطم ) برئاسة الأفغاني ومحمد عبده في النهضة العربية الجديدة . هذا في مصر . وفي الشام ظهرت صحيفة ( مرآة الأحوال ) الحلبية (1800) م و(حديقة الأخبار ) البيروتية (1808) م و ( الجرائد ) للشدياق .
5- الجمعيات والأندية العلمية والأدبية: وذلك لممارسة النشاط المدني خارج نطاق المدارس كالمجمع العلمي بدمشق بفضل محمد كرد علي ومجمع اللغة العربية في القاهرة و ( المجمع العلمي ) و ( جمعية المعارض ) (1868) م و ( الجمعية الجغرافية ) (1875 ) م . ( الأندية والمنتديات ) لإلقاء المحاضرات والخطب . ومن الشخصيات التي أسهمت في هذه النهضة ( الجبرتي – حسن العطار – علي درويش – الطهطاوي – محمود صقر – الساعاتي – حسين المرصفي – عبد الله فكري – علي مبارك – عبد الله النديم – محمد عثمان جلال – قاسم أمين – مصطفى كامل – المنفلوطي – سعد زغلول – محمد المويلحي – البارودي – شوقي – حافظ إبراهيم – بطرس كرامة – الأمير بشير الشهابي – فرنسيس مراش – أديب اسحق - الكواكبي – طاهر الجزائري – جرجي زيدان – يعقوب صروف – محمد كردعلي – آل الألوسي – وشهاب الدين – محمد شكري – وعبد الغفار الأخرس والرصافي ) . وقد قلّ الإنتاج العلمي والفكري في العهد العثماني لأن قسماً من العلماء انتقل إلى القسطنطينية

-ثالثاً-
ومن المؤلفين
في العصر العثماني
1-ابن إياس : بدائع الزهور في وقائع الدهور.
2-طاش كبري زاده : مفتاح السعادة ومصباح السيادة.
3-المقِّري : نفح الطبيب في غصن الأندلس الرطيب.
4-حاجي خليفة : كشف الظنون في أسامي الكتب والفنون .
5-يوسف البديعي: الصبح المنبي عن حثيثة المتنبي .
6-عبد القادر البغدادي : خزانة الأدب ولبّ لباب لسان العرب.
7-شهاب الدين الخفاجي.
8-المحّبي: خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر.
9-السيد المرتضى الزبيدي –تاج العروس














-رابعاً-
شواهد على
ضعف الشعر وانحطاطه
في أغراضه وتعبيراته
1-قول الشاعر بطرس كرامة في مدح الأمير بشير الشهابي (1774) م :
وباقة زهر من مليك منحتها معطرة الأرواح مثل ثنائه
فأبيضها يحكي جمال خصاله وأصفرها يحكي نضار عطائه
وأزرقها عين تشاهد مقلته وأحمرها يحكي دماء عداته
2-وكذلك قول ناصيف اليازجي في الزهر :
مر النسيم على الرياض مسلما ً سحرا ً فرد هزارها مترنما ً
أحنى إليه الزهر مفرق رأسه أدبا ً ولو ملك الكلام تكلما
يا حبذا ماء الغدير وشمسه تعطيه دينارا ً فيقلب درهما ً
3-ويقول علي أبو النصر في وصف قدح :
أهدي الحبيب لمن أحبه قدحا ً محلى بالذهب
لو أفرغت فيه الطلا لأطل ينظره الحبب
ومدحت من أهداه لي ومنحته شكرا ً وجب
4-وكذلك شعر المدح لم يتحول عما كان عليه كما في قول علي الليثي يمدح الملك عبد العزيز بمناسبة جلوسه على العرش :
مولى الملوك الذي من يمن دولته ظل العدالة في الآفاق ممدود
عبد العزيز الذي آثاره حمدت أبو الأولى جدهم في المجد محمود
5-ويقول محمد الساعاتي أيضا ً معرضا ً ببعض نحاة عصره الذي يتخذون من العمائم وسيلة لإيهام الناس بعلمهم :
إذا ارتفعت بالنحو أعلام علمنا جعلنا جواب الشرط فوق العمائم
ليعلم من بالنصب يرفع نفسه بأن حروف الجر غير الجوازم
6-ومن الشعر الموفق إلى حد ما قول عبد الله فكري ينصح ولده الأمين :
إذا نام غر في دجا الليل فاسهر وقم للمعالي والعوالي وشمر
وخل أحاديث الأماني فإنها علالة نفس العاجز المتحير
وسارع إلى ما رقت ما دمت قدارا ً عليه فإن لم تبصر النجح فاصبر
7-أما التأريخ الشعري فلم يتخل عنه أحد من الشعراء .
يقول الشاعر علي أبو النصر مهنئا ً مصطفى باشا نعماني برتبة الباشوية /1295/هـ :
بشير الهنا لاحت بحين قدومه يدور بها نور البشائر قد صفا
وبدر التهاني فاق بالأنس نوره فأهدى لنا أسنى السرور وأتحفا
1295 هـ = 100 - 81 – 121 – 497 – 496
8-وكان الشعراء يتبارون بالتأريخ بحيث جعل كل مصراع يساوي تأريخ الحادث
لقد جاء نصر الله وأنشرح القلب لأن بفتح القرم هان لنا الصعب
134-40-340-66-565- = 1272 هـ / 81-490-371-56-81-193=1272 هـ
9-ولم تكن نهضة الشعر بالثورة على القديم ، بل كانت تتصل بالتراث لأن الشعراء عادوا إلى أساليب تعبيره القديمة وأفكاره ومعانيه وأخيلته بمعارضة شعراء العصر العباسي والأموي والجاهلي ، كما صنع البارودي بعكس بعض الشعراء الذين قلدوا شعراء عصر النهضة كعلي أبي النصر والساعاتي وعبد الله فكري ومن هنا جاءت مكانة البارودي وشوقي الذين عارضوا القدماء بينما رفض حافظ إبراهيم تقليد القدماء وطالب بتجديده :
صعقت بين النهى وبين الخيال يا حكيم النفوس أين المعالي
آن يا شعر أن نفك قيودا ً قيدتنا بها دعاة المحال
وكان تجديد شوقي في مسيرة حياته الشعرية التي لم يوفق بها كثيرا ً بسبب نقصان دراسته المعمقة للمسرح وبقي شعرنا حركة سطحية في التجديد لأنه لا يقوم على منهج مرسوم ولا اتجاه معين لأن التجديد الحقيقي يقوم على دعامتين هما :
أ-دراسة المذاهب الفنية في الشعر العربي القديم دراسة دقيقة حتى يتفاعل الشعراء مع آبائهم الأدباء تفاعلا ً فنيا ً،
ب-استلهام الثقافة الغربية وفنها الشعري ومزج وجهتها مع التفكير الفني العربي
10-وكل يعلم ما كان للآداب العربية في القرون السابقة من الرونق والبهاء لكن هذا الخمول والحمد لله لم يدوم زمناً طويلاً ، فازدهرت شجرة الآداب ولما تنفَّس القرن التاسع عشر كانت أحوال أوربَّة في هَرج ومَرج والحروب قائمة على ساق بين دولها فلم تحطَ عن أوزارها إلا بعد نفي بونابرت إلى هيلانة. وكان الشرق راصداً لحركات الدول وممّا نقض حبلَ الآداب في ذلك العهد قلّة المدارس التي يتخرَج فيها الأحداث فغاية ما كان يُرى منها بعضُ الكتاتيب الابتدائية وكان في الحواضر كدمشق وحلب والإسكندرية والقاهرة مدارس أعلى رتبة لكنَّها في الغالب كانت محصورة في العلوم الدينيَّة وما يُحتاج إلى إتقانها من المعارف اللسانية كمبادئ الصرف والنحو...................................... ................
11-أما الكتب فكانت عزيزة الوجود أكثرها من المخطوطات الغالية الثمن التي لا يحصل عليها إلاَّ القليلون. وكذلك الطباعة العربيَّة كانت قليلة الانتشار فإن مطبوعات أوربة العربيَّة لم يكن يعرفها إلا أفراد قليلون من أهل الشرق و كانت موضوعة لمنفعة العلماء أكثر منها لفائدة الدارسين.
12-أما المطبوعات في الشرق فلم يكن يوجد منها إلاَّ في دار السلطنة العليَّة وكانت في الغالب تركيَّة وفي لبنان كانت مطبعة واحدة عربيَّة ، وكانت أكثر مطبوعاتها دينيَّة لا مدرسيَّة أما مصر فإنها حصلت على أول مطبعة عربية قبل القرن التاسع عشر بثلاث سنوات فقط. فإنَ اللجنة العلميَة التي كانت في صحبة نابليون كانت أتت بأدوات طبعية واستأنف المصريُون فن الطباعة في أيام محمَّد عليّ سنة 1822م .
13- ووُجد قومٌ من الكتبة الذين خدموا في الدواوين المصريَّة والشاميَّة وكانوا يتولَّون قلم الإنشاء فيها عند عمَّال الدولة العلية فينالون في الكتابة بعض الشهرة منهم إبراهيم الصبَّاغ وأولادهُ والذي صار ابنهُ حبيب كاتب القلم العربي عند أحمد باشا الجزَّار فتسلَّم دائرتهُ ثم تغيَّر هذا عليه فحبسهُ ومات محبوساً. واشتهر المعلم عبود البحري وأخواهُ جرمانوس وحنَّا عند إبراهيم باشا أوزون القِطر أغاسي في حَلب وفي دمشق ثم عند خلفية عبد الله باشا العظم ويوسف آغاكنج وكان في مدينة صور أيضاً المعلَم حنا عوراء من جملة الكتَّاب أخذ عن أبيهِ ميخائيل الذي كان فريداً في الكتابة يُحسن الإنشاء في العربية والتركية والفارسية فلمَّا توفي ميخائيل في سنَّ الأربعين نال ابنهُ حناَّ رتبتهُ في ديوان الجزّار ثم عند سليمان باشا واستخدم معهُ ابنهُ إبراهيم ، وممن خدموا أيضاً في دواوين الإنشاء في ذلك الوقت الأخوان إبراهيم وخليل النحاس ابنا عم حنّا عوراكتب الأول في عكا والثاني في صور وأشتهر أيضاً بالكتابة في الوقت عينه غير هؤلاء كميخائيل سكروج وأخيهِ بطرس وإبراهيم أبي قالوش ويوسف مارون وإلياس بن إبراهيم أده الذي دون سيرتهُ وشعرهُ ، وكذلك فضُول الصابونجي وأخوهُ وقد خدموا كلهم أحمد باشا الجزّار وذاقوا حلوهُ ومرَّهُ. وفي عهدهم اشتهر عند الأمير بشير الشهابي الشيخ ساوم الدحاح ثمَّ ابنهُ الشيخ منصور وبعدهما بطرس كرامه. كما حظي عند الأمير يوسف الشيخ سعد الخوري وعُرف في ذلك الوقت جرجس باز وعبد الأحد أخوهُ خدما أولاد الأمير يوسف وهم حسين وسعد الدين وسليم الذين كانوا يزاحمون الأمير بشير على الحكم . وكان في مصر القبطيَّان جرجس الجوهري وغالي. فكان الأوَّل رئيس الكتبة في أيام إبراهيم بك وحظي لدى محمَّد باشا خسرو ثم نُكب. وقد ذكرهُ الجبرتيّ في تاريخهِ عجائب الآثار وجعل وفاتهُ في شعبان سنة 1225ه./ 1810. وقام من بعده المعلم غالي وكان زاحمهُ في حياتهِ فصار في خدمة محمَّد علي باشا وابنهِ إبراهيم متولياً رئاسة الكتابة ؛
14-ومما ساعد أهل مصر على صيانة الآداب العربية في ظهرانيهم مدرسة الأزهر الشريف ، وكان متولّي تدبيرها في ذلك الوقت الشيخ عبد الله بن حجازي الشهير بالشْرقاوي مولدهُ في شرقية بلبيس سنة( 1150ه ) (1737) درس في الأزهرْ وانتقلت إليه مشيختهُ سنة 1208 ه وبقي عليها إلى سنة وفاته في// 2 شوال سنة ه1227/1812 م //ولهُ عدَّة تصانيف دينيَّة في التوحيد والعقائد والتصوَّف. ومن تآليفه مختصر (مغنى اللبيب في النحو) ولهُ في التاريخ كتاب :
( طبقات فقهاء الشافعية المتقدّمين والمتأخرين ) وكتاب ( تحفة الناظرين في من ولي مصر من الولاة والسلاطين ) ، والشيخ محمَّد الخالدي المعروف بابن الجوهري فكان أقرأ الدروس في الأزهر وطار صيتهُ ووفدت عليهِ الوفود من الحجاز والمغرب والهند والشام توّفي في( 11 ذي القعدة 1215 )1801ومؤلفاته في الفقه ومتعلقاتهِ ، ومن أدباء الأزهريين الشيخ مصطفى بن أحمد المعروف بالصاويْ لزم شيوخ الأزهر وبرع في العلوم الدينيَّة واللسانيَّة وكان لطيف الذات مليح الصفات محباً للآداب لهُ النثر الطيّب والشعر الحسن روى منهُ الجبرتي شيئاً في عجائب الآثار
15-وكان افتتاح القرن التاسع عشر في أيَّام السلطان الغازي سليم خان الثالث وكان من أفضل ملوك دولتهِ دمث الأخلاق مغرماً بالآداب محبَّا لترقية رعاياه في معارج الفلاح. ثمَّ صار الملك إلى ابن عمّهِ السلطان مصطفى خان الرابع الذي لم يملك أكثر من سنة فضبط من بعدهِ سنة 1808 م زمام السلطنة أخوه محمود خان الثاني فطالت مدّتهُ وكان كالسلطان سليم هائماً بترّقي سعيه ساعياً في أسباب نجاحهِ في فنون الآداب وللشاعر نقولا الترك قولهُ في جلوسهِ على العرش:
توّلى التختَ سلطان البرايا ... وأَيّدهُ الإلهُ بمرتقاهُ
فصاح الكون لمَّا أرَّخوهُ ... نظامُ الملك محمودٌ بهاهُ ...........
16-ومن مساعي السلطانين سليم ومحمود المشكورة تعزيزهما لفنّ الطباعة في دارالسعادة فطُبعت فيها عدَّة تآليف عربيَّة فضلاً عن المصنَّفات التركية. ويبلغ عدد المصنَّفات العربيَّة التي نُشرت بالطبع في هذه الثلاثين سنة نيّفاً وأربعين كتاباً : ( كالقاموس المحيط للفيروز أباديّ - ومراح الأرواح لأحمد بن علي بن مسعود - مع مجموع تآليف أُخرى نحويّة وصرفيَّة - وكافيَّة ابن حاجب) ، وكان الولاة يساعدون السلاطين في إدراك غايتهم الشريفة في جهات المملكة كسليمان باشا فيعكَّا ويوسف باشاكنج في دمشق وداود باشا في بغداد وغيرهم.
17-وكان الوزير سليمان باشا القتيل أوَّل من أيقظ العلوم والمنتمين إليها في ديار العراق بعد سُباتها العميق وأنشأ في بغداد عدَّة مدارس. ثمَّ جاء بعدهُ بقليل داود باشا فأنهضها النهضة التي خلدت لهُ الأثر المحمود والذكر الطيّب.
18-وكذلك في مصر كان محمَّد علي باشا راغباً في نشر المعارف فاستعاد الأدوات الطبعيّة التي كان الفرنسويّ -مرسال - اتخذها في أيام بونابرت وأنشأ مطبعة بولاق الشهيرة سنة 1822 م
19-ومن الأسباب التي ساعدت أيضاً في تلك المدة على اتساع المعارف الأدبية وارتقاء اللغة العربية ما أنشئ في الشرق من مدارس بهمة أصحاب الخير. ما عدا الآداب العربية من السنة 1830 م إلى 1850 م والمعاهد ، وأوّل هذه المدارس التي فتحت لتثقيف الوطنيين بالآداب العصريَّة مدرسة عين طورا باشرت بالتعليم سنة 1834 ثم أُنشئت بعد تسع سنوات 1843 مدرسة للآباء اليسوعيين في كسروان أنشأها الأب مبارك بلانشة في غزير في الدار التي كان شيَّدها الأمير حسن شقيق الأمير بشير الشهابي لسكناه. وهذه المدرسة بقيت عامرة إلى سنة 1875 م وفيها نقلت إلى بيروت فقامت عوضاً عنها مدرسة القديس يوسف الكلية. أما المدارس الوطنية فإنها تعززّت أيضاً في هذا الطور وزادت نموَّا لا سيما مدرسة عين ورقة وكانت الدروس العربية في كل المدارس راقية فإنهقد تخرج فيها معظم الذين اشتهروا بالكتابة في ذلك العصر؛ أما المدارس خارج الشام فكانت في الغالب مقصورة على مبادئ القراءة والكتابة وأصول الحساب واللغة.
20-وأنشئت الجرائد في الشرق. كالوقائع المصرية( التي صدرت سنة 1828 م على عهد محمد علي باشا فظهرت سنين عديدة. وكان ظهورها ثلاث مرات في الأسبوع. ثم توفرت الجرائد في الممالك جميعها حتى عددت منها 11 جريدة في الأستانة العلية و5 في أزمير و4 في مصر. وفي تشرين الأول من السنة 1854 م أنشأ رزق اللّه حسُّون الحلبي أوَّل جريدة عربية في دار السعادة وسمَّاها : (مرآة الأحوال ) في لندن وخلفتها سنة 1857 م جريدة السلطنة لمحررها اسكندر أفندي شلهوب. أما سورية فكانت أول جرائدها ( حديقة الأخبار) أنشأها فقيد الآداب المتوفى في 26 ت1 سنة 1907 خليل الخوري ظهر أول أعدادها في غرة كانون الثاني من السنة 1858 م ولم تزل في الوجود حتى وفاة منشئها فانطفأ سراج حياتها معه. وفي سنة إنشاء (حديقة الأخبار)أنشئت في أثر تلك النشرات عدة جرائد أخصها الرائد التونسي وهي جريدة تونس الرسمية سنة 1860م . وفي تموز منها أنشأ الشيخ أحمد فارس الشدياق في الأستانة جريدة الجوائب فبقي فيها إلى السنة 1884 م وفي ذلك الوقت أيضاً ظهرت في باريس جريدة البرجيس كان يحررها سليمان الحرائري التونسي. وعقبها في دمشق جريدة سورية الرسمية ظهرت 1865م. ثم وليها في مصر جريدة وادي النيل سنة 1867م.
21-ورأت السنة 1870 م إنشاء جرائد ومجلات أخرى كالزهرة وكانت جريدة أخبارية عني بنشرها الأديب يوسف الشلفون والنحلة للقس لويس صابونجي السرياني وكانت أدبية وعلمية والنجاح كانت إخبارية سياسية أنشأها القس المذكور مع يوسف الشلفون. ثم صارت ملكاً للمرحوم الصقلى خضرا بشراكة المطران يوسف الدبس. وفي تلك السنة ذاتها أنشأ المعلم بطرس البستاني وابنه سليم مجلة الجنان وجريدة الجنة فصار لهما رواج.
22-وكذلك أخذ العلماء المصريون يضمون قواهم لنشر الآداب فبهمتهم طبعت في بولاق تآليف معتبرة كالأغاني لأبي الفرج الأصفهاني وأمثال الميداني وإحياء علوم الدين للغزالي والخطط للمقريزي.
23-ولم تخل سورية من جمعيات علمية نفعت الآداب بأفكارها الراقية ومساعيها بترقية المعارف ومنشوراتها الحسنة. وكانت أولها جمعية أدبية سعى بعقدها بعض مشاهير لبنان في بيروت سنة 1847 م فلم تطل مدتها. ثم الجمعية الشرقية التي أنشأت سنة 1850 م في دير الآباء اليسوعيين في بيروت. ثم خلفتها سنة 1857 م الجمعية السورية وضمت إليها عدداً من الذوات كحسين أفندي بيهم والأمير محمد أمين والوجوه إبراهيم فخري بك وبولس دباس والشيخ ناصيف اليازجي والأدباء بطرس البستاني وسليم رمضان وسليم شحادة وعبد الرحيم بدران وعالي سميث وموسى يوحنا فريج وحنين الخوري ويوسف الشلفون وحبيب الجلخ. ثم اتسعت دائرة أعمالها ونالت من الدولة العلية الرخصة بنشر أبحاثها فنشرت أولاً من حين إلى آخر دون وقت محدد ثم طبعت قوانينها سنة 1868 م وصدرت أعمالها في كل شهر بنظام فأرخها سليم أفندي رمضان:

قلت للدهرُ والنجاحُ تبدَّى ... قمراً في بلادنا السوريَّة
أيَّ يومٍ يتم ذا قال أرخ ... يوم فتح الجمعَّية العلميَّة
)1284ه(. وطبعت هذه النشرة خمس سنوات ثم عدل عن طبعها. وقد نفعت تلك الجمعية المعارف والآداب بهمة أعضائها أما المدارس فإنها زادت في هذا الطور ترقياً لا سيما مدارس المرسلين الكاثوليك من ذكور وإناث ومدارس الأميركان لا سيما كليتهم التي علموا فيها اللغات والعلوم وكانت الدروس تلقى فيها أولا بالعربية وطبعوا عدة كتب مدرسية في ضروب العلوم كالطبيعيات والرياضيات والهيئة والكيميا والجغرافيا ثم عدلوا عنها إلى اللغة الإنكليزية لتوفر أسبابها لديهم.
24-وكانت السنة 1870 م مفتتح طور جديد في تاريخ نهضة الآداب العربية ، وكان الأدباء في ذلك الوقت حاصلين على حريتهم لا يعيقهم في نشر المطبوعات عائق المراقبة. والجرائد تروي الأخبار كما تشاء لا يعترض عليها إلا إذا خرجت عن طورها وتعدت حدودها. وقد سبق لنا ذكر مجلة الجنان التي أنشأها المعلم بطرس البستاني وعهد بتحريرها إلى ابنه سليم سنة 1870 م وفيها باشر بجريدتين الواحدة أسبوعية وهي الجنة والثانية يومية دعاها الجنينة وهذه الأخيرة لم تطل مدتها. أما الأوليان فاشتغلتا خمس عشرة سنة فأكسبتا الأسرة البستانية شهرة بفصولهما. وقد أنشئت سنة 1874 م جريدة ثمرات الفنون لصحابها صاحب السعادة عبد القادر أفندي القباني فخدمت مصالح الأمة الإسلامية بلا ملل إلى أيام الدستور. أما في بلاد الشرق خارجاً عن الشام فإن الآداب العربية فيها لم تخط خطوةً كبيرة . وزاد التعليم واتسع نطاق العقول بالوسائل الجديدة التي قربت إليها رقيها وأنارت بصائرها وشحذت أفكارها. وأخصها المدارس التي شاعت في نفس القرى فضلاً عن المدن. بينها الجامعات والمدارس العليا والوسطى والابتدائية كان يتقاطر إليها الأولاد من كل طبقات الأهالي حتى الفقراء والوضعاء ففتحت لكثيرين منهم سبلاً جديدة للارتزاق بصفة كتبة وأطباء ومحامين ومهندسين وأصوليين جاروا الغربيين في مضمار الحضارة والتمدن. وخرج بعضهم من الجامعات الأوربية فأتقنوا علومها كسائر الغربيين.وعرف الشرقيون ما في الاتحاد من القوة فألفوا الجماعات الأدبية لتعزيز اللغة العربية ونشر آثارها. لكنها لم تثبت لعدم اتفاق أعضاءها ولنفور الحكومة منها خوفاً على مسيس سياستها.
25-وقد ساعد على ترقي الآداب العربية في الشرق انتشار الصحافة وتوفر المطابع والمطبوعات فإن عدد العديد من المتخرجين في المدارس تحفزوا للكتابة فأنشؤوا من الجرائد السيارة والمجلات عدداً كاد لا يفي به إحصاء سواء كان في الوطن أم في المهجر. وقد بين ذلك جناب الفيكونت دي طرازي في كتابه الممتع عن الصحافة فعدد منها العشرات مع كونه لم ينشر بعدما استجد منها في القرن العشرين وأبرزوا مع المجلات مئاتٍ من المطبوعات في كل علم وفن وأصبحت المكاتب تضيق عن جمعها. وبين هذه المطبوعات عدد وافر من مخطوطات القدماء وقد أدى امتزاج الشرق بالغرب في أوائل القرن العشرين إلى التطور في أساليب الإنشاء نثراً ونظماً فأخذ البعض ينشئون على منوال الخياليين بما يدعونه النثر الشعري أو الشعر النثري فيرصفونه كمقطعات شعرية وينسقونه دون ارتباط كبير في المعاني وقد اكتسب الشعر من طريقتهم أن خرج من دائرته السابقة الضيقة وأخذ أصحابه يتفننون في نظمه صورة ومعنى. فترى الدواوين الجديدة مشحونة بالقصائد في كل الوقائع المستحدثة والحوادث التاريخية والاختراعات الجديدة وتصيور كل عواطف الإنسان وكل مظاهرالكون. وربما تحرروا أيضاً فيها عن البحور الشعرية فوضعوا طرائق مختلفة لنظمهم وإبراز شواعرهم.
وقد أكثروا من وضع الروايات الخيالية واتسع نطاق الآداب العربية في مصر والشام وبعض العراق أخذت تنتشر بفضل المواصلات والمهاجرة إلى أنحاء السودان ومراكش وتونس وطرابلس الغرب وبلغت أنحاء أمريكة الشمالية والجنوبية وبالأخص نيويورك والبرازيل. فكثرت المطبوعات وتوفرت الصحف السيارة.
26-وكان من سمة تلك المنشورات أنها تحررت من كل مراقبة فكان أصحابها يعرضون أفكارهم بكل حرية لا يخافون تقييداً في بسطها. وظهر بعض النوابغ الذين تكاتفوا وتناصروا لرفع منار العلوم سبقوا عهده ببضعة أعوام أو وافقوا طلوع هلاله فكان لهم في نهضته فضل مشكور. وكاد يقضى على الآداب العربية في مدة تلك الفوضى فإنها كاد يقضى عليها بمصادرة الجمعيات العربية وشنق بعض أصحابها وإقفال المدارس ومناصرة اللغة التركية وتعطيل معظم الجرائد الوطنية والمطابع الأجنبية والحرة في أنحاء دولة الأتراك في بيروت ولبنان وفلسطين وأنحاء الشام والعراق. أما في الخارج في مصر وأميركا فإن النهضة العربية بقيت على حالتها إلا أنها لم تترق لانقطاع معاملاتها مع بلاد الشرق التي منها تستمد كثيراً من مواد حياتها وبانشغالها بأمور الحرب وأطوارها.
27-ومع ما كان من نكبة الآداب العربية في هذه الحقبة لا بد من الاعتراف بهمة الحكومة المصرية في تحسين مدارسها الوطنية وسعيها إلى زيادة مصاريف برنامجها لتعميم المدارس ولإنشاء مدارس عليا وجامعة وطنية تلقى فيها الدروس العلمية الخاصة ينتدب إليها أساتذة بارعون من الوطنيين والأجانب وهذه الجامعة المصرية تقوم بثلاثة أقسام كبيرة وهي:
أ-كلية الآداب تشمل الآداب العربية وعلم مقارنة اللغات السامية وتاريخ الشرق القديم وتاريخ الأمم الإسلامية والفلسفية العربية
ب-ثم قسم العلوم الاجتماعية والاقتصادية.
ج-ثم كلية السيدات. وكان شروع الجامعة بهذه العلوم السنة 1910م.
28-وكانت الجامعتان البيروتيتان الأميركية والفرنسوية زادتا ترقياً واتساعاً في هذه الحقبة الثانية ففي السنة 1909 م وفي تلك الأثناء أنشئت للمسلمين في دمشق مدرسة طبية وفي بيروت مدرسة حقوقية كان التعليم فيها باللغة العربية.
ومما أنشئ من المجلات النفيسة قبل الحرب مجلة المقتبس سنة 1324 ه لصاحبها السيد محمد كرد علي في دمشق. ومجلة الآثار في زحلة سنة 1911 م لمنشئها اسكندر المعلوف. والنبراس لصاحبها مصطفى أفندي الغلاييني سنة 1327 والكوثر للأديب بشير رمضان وكلتاهما في بيروت.
29-و تصرف الشعراء بأوزان الشعر وذلك أنهم لما رأوا انبساط الغربيين في معاني الشعر وأتساعهم في أغراضه وتصرفهم بأوزانه شاؤوا أن يجاورهم في ذلك لئلا تنحصر قرائح الشعراء في دائرة القصائد الشائعة في الدواوين السابقة. وأول ما تصرفوا فيه بحر الرجز لقربه من النثر بكثرة جوازاته وبسهولة تغيير قوافيه. كما فعل نابغة العصر المرحوم سليمان البستاني في شعر الإلياذة القصصي تفنن في أراجيزه أي تفنن فراراً من سلم القارئ وملله عند مطالعة هذا الكتاب لو جرى على طريقة واحدة وقد فعل ذلك دون تعسف وبحس ذوق. ووجد أيضاً الشعراء في الموشحات متسعاً في نظمهم فاتخذوها مثالاً وتصرفوا في البحور الستة عشر وأوزانها وقسموها تقاسيم جديدة في الأبيات وفي الأدوار وجروا على قوافي متناسقة إلى غير ذلك مما أرشدته إليهم قريحتهم فربما أجادوا وربما أساؤوا وإنما بينوا ما يستطاع استخراجه من كنوز الفنون في الشعر العربي في معالجة الأغراض المعنوية العصرية كما ترى في روايات التمثيلية والقدود الغنائية.
30-وابتكروا الشعر المنثور دون مثال في لغتنا وما دعوه بالنثر الشعري وهذه الطريقة استعارها الكتبة المحدثون كأمين الريحاني وجبران خليل جبران ونشأ ما يسمى الشعر المنثور ، وكانت مصر بعد تقدمها على الشام في النهضة الأدبية أصابها بعض الخمول رغم انتشار العلوم الحديثة في مدارسها ووفرة مطبوعاتها العربية وهمة خديويها محمد علي باشا ووزير معارفها الهمام علي باشا مبارك. ولعل سبب هذا الخمول إنما كان انصراف نظر أهلها إلى العلوم الأجنبية فكأن شيوخها كانوا ساعين في نقل التأليف الأوربية إلى العربية ليدرسوها في مدارسهم فشغلهم الأمر على الاهتمام بالآداب العربية.
31-ثم حدث الثورة العرابية سنة 1881 واحتلت الجيوش الإنكليزية القطر المصري فكان الاحتلال مضراً للغة العربية وزادعدد المدارس الوطنية في القاهرة والقطر المصري ونشطت عقيب الاحتلال الإنكليزي الحياة السياسية بما منحته المطبوعات من الحرية واتسعت دوائر الصحافة خصوصاً فبلغ عدد الجرائد والمجلات العربية في مصر ما يربى على المائة. وكان للسوريين في هذه الحركة نصيب عظيم حتى كان أكثر مديري تلك المنشورات ومنشئيها من أهل سوريا وزاد عددهم في وادي النيل بعد ضغط الدولة العثمانية على المطبوعات حتى أناف على ثلثي الكتبة المصريين فتقدموا على غيرهم بما عرفوا بهم من النشاط والذكاء والتفنن في الكتابة. وكان أكبر مجلات القطر المصري في تلك الأوان (المنار- والمقتطف -والضياء -والهلال وأعظم جرائده -كالمقطم –والأهرام- والعمران) وكان يحررها السوريون.
32-ومما اكتسبته مصر من الاحتلال الإنكليزي لنشر آدابها توفر المطابع وتحسن مادياتها . وقد استعاروا من مسابكها حروفهم. فنشرت إذ ذاك في وادي النيل معاجم جليلة كلسان العرب وتاج العروس ونهاية ابن الأثير. وكتب لسانية خطيرة كسيبويه ومخصص ابن سيده. وكتب تاريخية أخصها ما نشرته المكتبة الخديوية كتاريخ ابن إياس وتاريخ ابن دقماق وتاريخ ابن جيعان وتاريخ الفيوم. ومثلها تاريخ السخاوي وطبقات الأطباء لأبن أبي أصيبعة. وكتب أدبية كخزانة الأدب وبعض دواوين وتآليف أخرى..
33-أما الأقطار الخارجة عن الشام ومصر فكانت حركة آدابها خفيفة لم يشتهر في نهضتها إلا الأفراد. ففي هذه المدة أبرزت مطبعة الجوانب مطبوعات مفيدة حسنة الطبع كديوان البحتري وأدب الدنيا والدين وشرح مقصورة ابن دريد ورسائل فلسفية وأدبية متعددة لأبن سينا والثعالبي وللضبي وغيرهم. وفي ذاك العهد دخل فن الطباعة إلى مكة فأنشئت مطبعتها الأميرية وأخص ما طبع فيها الفتوحات الإسلامية للسيد أحمد زيني دحلان وبعض الدواوين.
34-ونشرت في جهات العجم عدة منشورات بعضها تاريخية كمقاتل الطالبيين لأبي فرج الأصبهاني وروضات الجنات في أحوال العلماء والسادات. وبعضها أدبية ولغوية وأغلبها دينية وإن مطبوعات كثيرة ظهرت هناك كشفاء ابن سينا وقواعد العقائد الطوسي وشرح الهداية الأثرية ومنها رسائل إخوان الصفا وديوان علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وديوان الموسوي وديوان علي بن مقرب وديوان شرف الدين المقري وسبائك الذهب في معرفة قبائل العرب.
35-وقد كان الأدب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بعيدا ً إلى حد ما, عن التيارات السياسية يعيش في نطاق ضيق . بعض قصائد ورسائل يكتبها الأدباء والشعراء في أغراض محدودة . وهي لون من أدب المحاكاة والتقليد إلا من تحرر أدبه من قيود مدرسة الانحطاط , وكتب هواجسه بالانطلاق , وهؤلاء جد قلائل .. فإذا خطونا إلى بداية إعلان الدستور رأينا الأدباء والشعراء يتحررون بعض التحرر من قيود السجع , ويعبرون عن فرحتهم بالدستور كعامل من عوامل انطلاقهم من كابوس الاستبداد الذي يعيشون في كهوفه المظلمة وسراديبه العفنة الخانقة , إلى جو تعبق نسماته بفجر الحرية الباسم . وشعرهم كما قلنا أمنيات ودعوات بطول عمر السلطان الذي منح الأمة هذه المنحة السنية لتنهض وتسير في طريق العزة والكرامة ، وكان رجال هذه الفترة يختلفون في مناهجهم , كل واحد حسب نشأته وثقافته , وكانوا جميعا ً ينشدون الإصلاح بشتى منازعه . والإصلاح في نظرهم أن نتبع سنن الأقدمين . وبعضهم كان يرى الإصلاح في مجاراة أوروبا في سيرها ونظمها ومناهجها , أي كان رجال تلك الفترة – والأدباء منهم على الأخص – يتأرجحون بين الماضي والحاضر , وكان للماضي سحره في أدبهم وفي تفكيرهم .
36-ثم تأتي الحرب العالمية الكبرى . وإذا الشعراء – أريد أكثرهم – يعتمدون شعر المدح والملق ، وإذا شعرهم أماديح في الطاغية التركي جمال باشا الذي صلب أحرار العرب ، وهذه وصمة في تاريخ الأدب تدلنا على أن شعراء تلك الفترة لا يجيدون إلا شعر المديح الذي تأثروا به خلال حياتهم الأدبية . فالمبالغة في وصف الممدوح , فاقت بتعابيرها أماديح المتنبي في سيف الدولة . وشتان بين الممدوحين . فهذا يمدح سيدا ًعربيا وأولئك يمدحون سفاحا ً طورانيا ً يطيح بزعماء العرب . يقول شاعر من قصيدة يمدح بها جمال باشا :
لقد عز جيش كنت فيه رئيسه وعزت جموع كنت فيهن رائدا
فلم أر مثل اليوم أرفع همة وأعظم أثارا وأكثر حاشدا
وأطهر أخلاقا , وأصفى سريرة وأنجب مولودا ً, وأكرم والدا
وقفت على علياك فيض قريحتي ونفسي وفكري والقوافي الشواردا
وكثير من الشعراء من نهج هذا النهج من الأماديح الكاذبة
37-وقليلون هم الذين قالوا شعرا ً ظل حبيس صدورهم . أو عبثت به يد الضياع خشية أن ينم عن نوازعهم القومية فيقودهم إلى الموت , قد قبعوا في بيوتهم يراقبون المآسي بقلوب جريحة . إذن: كان الأدب حتى نهاية الحرب العالمية الأولى يدور في آفاق ضيقة . أدب أماديح وأمنيات . أدب ثورية ومباسطات . أدب جناس ومطابقة ليس عليه هذه المسحة المثالية والنزعة التحريرية وهو أبعد ما يكون عن أدب الحياة التي تحياها الأمة بشتى نوازعها . وبعد الحرب الكونية الأولى .
39-و كانت مهمة الأدب مقتصرة على صون اللغة وإنقاذها من الميوعة والعجمة , فإن الأدباء قد أدوا واجبهم في هذا المضمار ولم يستطعوا أن يخطو أي خطوة في تطوير الأدب .
40-وتطلع الشباب إلى مصر وأدبائها . والى المهجر وشعرائه . وإذا هم إزاء ألوان حية وأصداء متنافرة تجمع بين النزعات القديمة والنزعات الحديثة بين الأدب الوجداني والأدب الكلاسيكي .. وأثيرت مشكلة أطلق عليها مشكلة ( الأدب القديم ) والأدب الحديث ) آثارها الأدباء المصريون بقوة وعنف – هذه المشكلة التي استمرت فترة طويلة زادت على العشرين سنة إلى أن انتهت عن هذه الناحية التي اعتبرها أنصار القديم – سواء في ميادين الأدب أو في ميادين الفكر- الأساس لصون دعائم التراث وهو عدم التحول عن الماضي ... حسبهم من الأدب تقليد ما أنتجه الأدباء والشعراء في العصرين الأموي والعباسي , فهم مثلهم الأعلى في الأدب , بينما أنصار الأدب الحديث قد اتجهوا اتجاها يختلف كل الاختلاف عن مذاهب خصومهم . فقيمة الأدب عندهم في الإبداع لا في التقليد . وفي المعنى قبل المبني . وفي أن يقترب أدبنا من الآداب الحية لا أن يظل في عزلته


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)