محاولات التجديد في النثر في العصر العثماني
ازدادت قيمة النثر على مر العصور، و كر الدهور، وأصبح يحتل مكانة كبيرة بين القول ،و اشكال الخطاب ، وقد تعلق بهذا اللون من اشكال الخطاب الأدبي معظم كتاب العربية في كل العصور – و منهم الأدباء العرب في العصر العثماني حيث باشروه و سعو الى إجادته من خلال معايير الإجادة و كتبوا في معظم فنونه كالرسائل الديوانية و الذاتية ،والأدبية ،و الاجازات ،و التقريظ ،والمقامات الأدبية ،و المواعظ و الادعية التقوية ،و الخطب المتنوعة و عبروا عن الرسائل التأليفية الطويلة و الرسائل التي تتضمن موضوعات الشعر ، و ترك لنا أدباء العصر العثماني قطعاً نثرية كثيرة متشابهة في (المضمون والأسلوب ) يمكن لنا بعد دراستها أن نكتشف فيها حقيقة هذا النثر وصورته الواضحة التمثل هذا العصر بكل تفاصيله ،ومقارنته بالعصور السابقة من حيث الفنون والموضوعات الأسلوب وطرائق التعبير ؛ أما النثر فقد كان معظمه كالشعر في عمومه، من حيث التقليدية المتخلفة، فهو غالبًا يعبر عن موضوعات ساذجة، ويتقوقع في الرسائل والمقامات ونحوها، من الأنواع التقليدية، ثم هو يتستر بالمحسنات، ولا يسلم كثيرًا من التهافت. ومن أمثلة ذلك قول الشيخ علي الدرويش من رسالة يهدد فيها أحد الشعراء بالهجاء: "وإني نصحتك نصيحة الشفيق، لعلك من الغي تفيق، فإن رجعت نجوب بالهرب، وإلا فوحق من أخلاك من الأدب، وجعل شعرك ضحكة للعجم والعرب، أعمل فيك دقيقة من صناعة الآداب، ما جاء بها أحد على ممر الأحقاب، وما سمعها سامع إلا وحفظها، ولا نظرها ناظر إلا ولحظها، فإن حفظت عرضك فيها، وإلا فأنا لها" (أعلام من الشرق والغرب لمحمد عبد الغني ص64.) ، ومنه أيضًا -وإن كنا أقرب نوعًا إلى الفن- قول الشيخ حسن العطار في رسالة: "أما بعد فإن أحسن وشي رقمته الأقلام، وأبهى زهر تفتحت عنه الأكمام، عاطر سلام يفوح بعبير المحبة نفحه، ويشرق في سماء الطروس صبحه.
سلام كزهر الروض أو نفحة الصبا ... أو الراح تجلى في يد الرشأ الألمي
سلام عاطر الأردان، تحمله الصبا سارية على الرند والبان، إلى مقام حضرة المخلص الوداد، الذي هو عندي بمنزلة العين والفؤاد، صاحب الأخلاق الحميدة، حلية الزمان الذي حلى به معصمه وجيده"( إنشاء العطار ص12.) على أن بعض النثر قد خطا خطوة أبعد من تلك الأغراض الساذجة، كما تحرر بعض الشيء من التهافت والمحسنات، وأصبح يحمل زادًا فكريا حينًا، وتجارب إنسانية حينًا آخر، ويحاول أن يأخذ شكلًا جديدًا غير شكل الرسالة والمقامة وما إليهما، وكان باكورة ذلك كتاب "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" لرفاعة الطهطاوي، هذا الكتاب لاذي تحدث فيه رفاعة عن رحلته إلى باريس، ووصف كثيرًا من انطباعاته ومشاهداته، كما نقل عديدًا من المعارف والنظم، والقوانين التي أعجب بها في فرنسا. ورغم أن الكتاب قد جاء مزيجًا من خصائص كتب الرحلات والكتب العلمية، والتقارير الرسمية، مع خلو تام من كل عنصر روائي؛ فإن بعض الباحثين يعتبره البذور الأولى للرواية التعليمية في الأدب الحديث، وذلك لتقديمه ما قدم من معارف من خلال رحلة؛ ثم لتمهيده لأعمال جاءت بعد ذلك فيها الهدف التعليمي، وفيها كثير من العناصر الروائية( تطور الرواية العربية للدكتور عبد المحسن بدر ص52، وما بعدها. ) . والكتاب بعد ذلك ذو قيمة كبيرة من الناحية الفكرية، فهو صورة لاحتكاك عقلية أزهرية مستنيرة بالحضارة الأوروبية، وهو كذلك صورة لجرأة مثقف مصري في وصف قيم ديمقراطية، وأنظمة دستورية آراها في فرنسا، وأعجب بها، وأعلن هذا الإعجاب في بيئته كانت تحكم في تلك الآونة حكمًا استبداديًّا غاشمًّا1 (تطور الرواية العربية للدكتور عبد المحسن بدر ص75 ) ، وقد ذكر رفاعة أن الذي نبهه إلى تأليف هذا الكتاب هو أستاذه الشيخ حسن العطار، فهو يقول في المقدمة: فلما رسم اسمي في جملة المسافرين، وعزمت على التوجه، أشار على بعض الأقارب والمحبين، لا سيما شيخنا العطار -فإنه مولع بسماع عجائب الأخبار، والاطلاع على غرائب الآثار- أن أنبه على ما يقع في هذه السفرة، على ما أراه وما أصادفه من الأمور الغريبة، والاشياء العجيبة؛ ليكون نافعًا في كشف القناع عن هذه البقاع" . ويقول رفاعة معلقًا في كتابه على ما أورد من نصوص الدستور الفرنسي: "إن سائر الفرنسيين متساوون قدام الشريعة، معناه سائر من يوجد في بلاد فرنسا من رفيع ووضيع، لا يختلفون في إجراء الأحكام المذكورة في القانون، حتى إن الدعوى الشرعية تقام على الملك؛ وينفذ عليه بالحكم كغيره، فانظر إلى هذه المادة، فإنها لها تسلط عظيم على إقامة العدل، وإسعاف المظلوم، وجبر خاطر الفقير، بأنه كالعظيم نظرًا إلى إجراء الأحكام، ولقد كادت هذه القضية أن تكون من جوامع الكلم عند الفرنساوية، وهي من الأدلة الواضحة على وصول العدل عندهم إلى درجة عالية، وتقدمهم في الآداب الحضرية"( تخليص الإبريز ص80. ) . على أن لرفاعة عملًا آخر أكثر أهمية في هذه الناحية من ذاك الكتاب، هذا العمل هو ترجمته لمغامرات تليماك Les Aventures de Tedlemaque التي كتبها القس الفرنسي فينيلون Fenellone، وقد سمى رفاعة الترجمة "مواقع الأفلاك في وقائع تليماك"، ولعل الأدب العربي الحديث لم يعرف تجرمة لرواية فرنسية قبل ترجمة رفاعة لتلك الرواية، وهكذا تأتي أهمية تلك الترجمة أولًا من حيث إنها أول مظهر من مظاهر النشاط الروائي في مصر خلال العصر الحديث، ثم تأتي أهميتها ثانيًا من حيث ما اشتملت عليه من نقد لاستبداد عباس الأول، ومن دعوة محجبة لملصريين إلى التآزر والاتحاد للمقاومة والخلاص، ثم تقديم لبعض قيم الديمقراطية، ومبادئ الحرية( تطور الرواية العربية ص57-60. ) . فقد ذكر رفاعة أنه قصد بترجمة تليماك: "إسداء نصائح إلى الملوك والحكام، وتقديم مواعظ لتحسين ساوك عامة الناس". ولكن يلاحظ بوضوح أنه اختار هذه الرواية بالذات لكونها أنسب الأعمال لحاله، وموقف عباس منه، حين اضطهده ونفاه إلى السودان، ولذا نرى رفاعة في تليماك يتحدث عن الملك المصري الذي ينفي "منظور" إلى السودان بسبب بعض الوشايات، ثم يتحثد عن ملك جديد يتولى الملك بعد الملك السابق، ويطلق سراح جميع الأسرى ( وقائع تليماك ص18، وما بعدها. ) ، وهو في ذلك يوشك أن يتحدث عن نفسه ونفي عباس له، وتطلعه إلى حاكم عادل يأتي بعد عباس. ونراه في موضع آخر يقول: "الملك هو ولي الأمر في الرعية، يأمر وينهى، وأحكام المملكة وقوانينها تجري عليه.. وإذا أساء الاستعمال تغل يده؛ فإن الأهالي سلمته الشرائع وديعة بشرط أن يكون أبًا للرعايا بموافقتها" (انظر: وقائع تليماك ص66.) ، وهو هنا يوشك أن يسمى عباسًا ويحرض عليه. وفي موضع ثالث يقول: ".... فالحكمة الإلهية التي أوجدت البرية من العدم. تحب أن تكون بينهم رباطة تربطهم بالاتفاق والاتحاد، وأن يكونوا إخوانًا؛ فإن جميع البشر أبناء رجل واحد، انتشروا في جميع جهات الأرض، فإذا كلهم إخوان، ومحبة الإخوان واجبة، فويل لأهل الجحود الذين يتطلبون الفخار بسفك الدماء"( وقائع تليماك ص197،). وفي ذلك ما فيه من دعوة إلى التجميع، وتعريض بالطغاة. و نلاحظ أهمية أخرى لهذه الترجمة، وهي أن لغته أسلس وأقرب إلى الجمال من لغة الكتاب الأول، وذلك لتقدم أسلوب رفاعة في الفترة التي بين الكتابين( طبع تخليص الإبريز أول مرة سنة 1834، وطبع مواقع الأفلاك أول مرة سنة 1867، فالمدة بينهما تزيد على ثلاثين عامًا) ، ومن هنا يعتبر الكتاب بالإضافة إلى كل ما تقدم، خطوة في سبيل تحسين النثر العربي وتطويره. وأخيرًا هناك ظاهرة جديرة بالتسجيل تتعلق بالأدب في تلك الحقبة، وهي الالتفات من بعض الكتاب إلى موضوع الوطن والوطنية، بالمفهوم الحديث تقريبًا، فقد كان الوطن من قبل ذائبًا في جملة العالم الإسلامي أو دولة الخلافة، وليس له دلالة خاصة، وبالتالي ليس هناك كتابات تدور حوله وتتغنى به. أما الآن ومع كتابات رفاعة الطهطاوي بصفة خاصة، فنحن نجد فكرة الوطن تبرز، والتغني به يبدأ، حتى ليمكن أن يعتبر ما كان من ذلك حجر الأساس في الأدب المصري القومي في العصر الحديث ( في الأدب الحديث لعمر الدسوقي جـ1 ص32. ). وهكذا نرى أن رفاعة الطهطاوي يعتبر واضع بذور التجديد في الأدب المصري الحديث، فأدبه يمثل دور الانتقال من النماذج المتحجرة التي تحمل غالبًا عفن العصر التركي إلى النماذج المجددة التي تحمل نسمات العصر الحديث.




المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)