الحركة التأريخية والحركة الإنسانية
سعد عطية الساعدي
الحلقة الثانية
الحركةالإنسانية

قصدنا بالحركة الإنسانية هي تلك الإنتقالات الواضحة والملموسة في ساحة الفعل والحدوث من أجل تقدم أو تطوير أو نصر أو بناء وتغير يشهد له الواقع الفعلي الحقيقي وليس محاولة حصر وجرد لكل الحركات الفعلية الجزئية والفردية أوالعامة العادية فهي لا أهمية لها في الحركة الإنسانية هذه ولا في سنن حركة التأريخ وهذه الحركة هي المعنية بذات الفعل الواضح الأثر والذي يحسب في الجهد الإنساني المؤرخ كونه قام لفعل جمعي نحو الأفضل أو فردي مميز تذعن له العقول لما حققة صوب هدف مهم ما بدافع إرادي غرضي له نتائج من تقدم علمي أو قيادة فذة نزيهة مخلصة أو فكر بناء نفع المجتمع الإنساني أو الوطني الخاص - ونقصد بالحركة الإنسانية هنا هي الخيرة والنافعة في الجمع الإنساني النتائجي في التأريخ كونها العنوان الجمعي مابين التأريخ والمجتمع الإنساني برمته في كل عصوره وإجياله ليتحقق الأثر من خلال المؤثرواقعا وتأريخا إضافة للحركة السيئة الهدامة في الفعل الجمعي المعين في الناتج الحركي الإنساني وكلا في مقامة تأريخيا كونها حركات فعلية قامت في الواقع الإنساني التأريخي ودونت ضمن الحقائق الفعلية الحدثية كشاهد فعلي تأريخي حقائقي نافع بناء أو سيء هدام لا يمحى

نوعية الحركة الإنسانية
وهنا لابد من نظرة موضوعية لهذه الحركة من حيث العزل والتقييم حتى نهتم بالحركات المهة والتي لها الوقع والصدى في التدوين التأريخي السنني وهذا يتطلب التحري النوعي والعزل التفرعي وإن بصورة إجمالية لا حصرية لصعوبة الحصروحيلولته ورأينا أن هذه الحركة الإنسانية التأريخية تنقسم إلى قسمين رئيسين وهما :

القسم الأول : الحركة الهدامة وهي كل ما أضر بالإنسانية وأصابها بالنكبات والويلات على مستوى مجتمع معين أو شعب معين أو أمة بعينها أو مجموعة من الناس حل بها ما حل بمجتمع ونحوه كون الضرر الذي لحق بها كان شديدا وعنيفا تنكره الإنسانية ويوبخه التأريخ وهذه الوقائع يشهد لها التأريخ وتئن منها الإنسانية وهي متعددة الأغراض والأهداف والدوافع والنتائج ومتعددة الأمكنة والأزمنة والعصور وإستكمالا للموضوع نخوض في هذا النوع من الحركة أولا لأن أثرها السيء لا يمحى تأريخيا ولا إنسانيا -

أوجه الحركة الهدامة : بما أنها ذات طابع سيء مضر تتولد من عدة دوافع وأهداف وأغراض يكون حجم أثرها بقدر ما تخلفه من ضرر وهدم و هي لا قف عند هدف معين أو في مكان وزمان وشعب وظرف معين لأنها الوجه المقابل والضد الخصم للحركة البناءة بحاكمية الصراع المستمر بين الخير والشر في الإرادات الإنسانية الممثلة لذلك الصراع
وعليه تكون الإرادة الإنسانية هي الفعل المؤثر في حركة التأريخ من خلال إستمرارية ذلك الصراع ألا متوقف لفرض الإرادات وتحقيق المصالح والغايات وهنا مكمن كل محن ومصائب الإنسانية عبر التأريخ حتى يومنا الحاضر ونحن نشاهد كيف تجوٌع وتذبح الشعوب وكأن شيئا لم يكن فما بال الجهد الإنساني والإرادة الإنسانية الخيرة تصمت كل هذا الصمت المخيف وتخنع لتلك الإرادات الشيطانية أوليس الشر يعم وهل ستبقى سنن التأريخ منتظرة لفعل إنساني جبارليحركها و يوقف أويخفف من هذه الإضرار والألام والمذابح بل لابد من فعل سنني تأريخي يهيء الظرف لإرادة إنسانية جبارة و ذلك لأن المعاني الإنسانية خالدة وسنن التأريخ غير معطلة والظلم منبوذ وهي أعظم من الطغاة والمجرمين كيانات وإرادات - وبعد هذا الطرح العام فلا بد من تفاصيل نبين فيها مفردات هذه الأوجة المؤثرة سلبا في الحركتين التأريخية والإنسانية كجرائم يشير لها التأريخ من كونها محققة للشر في السجل الحقائقي للتأريخ

مفردات الأوجه :
الوجه الأول : الدعوات والنزعات العرقية والقومية والتي تسبب صراعات دموية من أجل الإنتقام والتنكيل والسيطرة وهذه النزاعات والصراعات العدوانية هي قديمة بقدم المجتمع الإنساني والتأريخ يشهد وهي ليست خافية والتي تركت أثارا سلبية وآلاما كبيرة وهي مازالت وبدعاوى وحجج واهية متعددة -

الوجه الثاني : الصراعات الدينية بين الأمم والمذهبية بين طوائف الآمة الواحدة وهذه معلومة وقائمة ومازالت تزهق فيها الآرواح بدون وجه حق مع ما تخلفه من خسائر كبيرة وهدم وتأخير وتخلف
الوجه الثالث : النزاعات والصرعات السياسية وهذه أبتليت بها الإنسانية بكل شعوبها عموما وشعوبنا العربية خصوصا والتي عانت منها ما عانت من سطيرة إستعمارية وهدم وتخلف عمراني وإقتصادي وعلمي بل وسيادي خصوصا بعد ربط مصالح شعوبها بمصالح المستعمر قديما وحديثا ضمن الوسائل الإستعمارية المتغيرة وتحت شعارات كاذبة وحكومات مرتبطة

الوحه الرابع : الصراعات الزعاماتية داخل الأمم وخصوصا أمتنا وشعوبها المنكوبة المبتلية بمثل هكذا صراعات غبية إستعلائية تهدف لفرض زعامة شخص طامع تحكمه النزعة الزعامية والقيادية المزعومة أوأسر تريد مد نفوذها بشتى الأساليب وهذا حاصل واقع تشهد له الأضرار وسفك الدماء
هذه أهم إوجه الحركات الإنسانية الهدامة في تأريخ الإنسانية ماضيا وحاضرا وبلا توقف لأن طمع الإنسان لأخيه الإنسان هو غريزة عدوانية طامعة لايوقفها شيء ما دام تبيح القتل وبأبشع الوسائل وبلا رحمة أو وخزة ضمير وذلك من أجل إستعباده وإسقاط حقه في العيش الحرالكريم أو سلبه كرامته وإذلاله والتعالي عليه أو من أجل تغير معتقده ومذهبه وفكره وقيمه - أي إنسانية هذه وأي تاريخ يكتب
وهي من أبشع الجرائم المتكررة والمنتشرة ضمن الحركة الإنسانية الهدامة في التأريخ هي جرائم سلاطين الجور وزعامات وملوك الظلم الذين يذيقون أبناء شعبهم الويلات ويجرعونهم جرعات السم الزعاف من إجل تركيعهم و إنتزاع ولائهم بالقهر والإجرام ويجوعونهم من أجل البذخ على ملذاتهم الشيطانية الفاسدة وتحت شعارات الدين والوطن والقييم وكأنهم يستخفون بعقول الناس بجهلهم وسوء غاياتهم
إن مأساة الإنسانية عموما والشعوب المنكوبة بساستها خصوصا لهو عار يسجله التأريخ في جبين الإنسانية التي كان العدل والمساواة أوسع عليها من ضيق الجوروالظلم والقيم النبيلة الشريفة أكمل لها من مداهنة أهل الفسق والفجوروالتخلف والسكوت عنهم
بل إن إرادة حركة الشعوب والإنسانية هي أكبر و أشد من مكر هؤلاء الطغاة مهما تربعوا على عروش تخاف وثبة شعب سئم الظلم ونشد الحق والعدل والحرية وإرادة الشعوب أقوى من سطوة الطغاة إن نهض شعب فإن التإريخ وسننه كفيلة بتهيأة كل أسباب النصرما دام إرادة الشعوب الثائرة لا ترد خالية أو مغلوبة هيهاة