تـُعد مصر كيانـًا خاصـًا من قوة العرب ؛ وبأسها يشتد بتعاون رجالها ونسائها ، وأشقائها في أمة العرب ... وقد أثبتت مصر في مواقفها التاريخية أنها إذا أحبت ؛ فحبها أمن ، وإذا كرهت فأمرها شورى .
ولقد اتصل بها العديد من الأنبياء والصالحين ؛ ومن هؤلاء إبراهيم – عليه السلام – الذي جاء إلى مصر بسبب وجود المجاعة في أرضه ، ولقد تحدثت التوراة عن هذا الأمر في سـِـفـْـر التكوين قائلة " وحدث جوع في الأرض، فانحدر إبرام إلى مصر ليتغـرب هناك، لأن الجوع في الأرض كان شديدا " .
وإبرام هو إبراهيم ، عليه السلام ، وأما قول النص التوراتي ( ليتغرب هناك ) فيبدو أن المقصود من ذلك أنه من يخرج من وطنه – في معظم الأحيان - إلى وطن آخر فسوف يشعر بالغربة ؛ لأنه ابتعد عن أهله وذويه .
وقد قال الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – " والله يا مكة إنكِ لأحب بلاد الله إلي الله وأحب بلاد الله إليّ ولولا أن أهلكِ أخرجوني منكِ ما خرجت ".
وقد دلَّ نص الحديث السابق ؛ بما لا يدع مجالاً للشك ، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – وطنيٌّ من طراز فريد .
وشاء الله أن يتزوج الخليل إبراهيم السيدة المصرية هاجر ؛ لينجب منها نبي الله إسماعيل ؛ ذلك النبي الكريم الذي كان من نسله الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – ويحكي رسول الله عن ذلك الأمر قائلاً " أنا ابن الذبيحين " ، فأما الذبيح الأول فهو سيدنا إسماعيل – عليه السلام ؛ وقد رأى إبراهيم – عليه السلام – في المنام أنه يذبح ابنه اسماعيل ؛ ورؤى الأنبياء حق ؛ فقال إبراهيم لابنه ( يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ) ، فردَّ إسماعيل – عليه السلام – على أبيه قائلاً " يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ"
ولقد أمر الله – تعالى – السكين ألا تذبح إسماعيل ... وفداه الله من الذبح ؛ حيث قال ( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ )؛ كما أمر النار من قبلُ ألا تحرق إبراهيم ؛ في قوله – تعالى - " يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ " ، وأنزل الله من الجنة كبشـًا عظيمـًا ؛ ليـُـذبح بدل إسماعيل – عليه السلام – الذي فـُجـَّـرت له بئر زمزم ؛ والتي شاء الله أن تـُردم بعد زمن من تفجيرها ؛ ليقوم عبد المطلب جد النبي – صلى الله عليه وسلم – بحفرها بعد أن رأى في المنام أنه يـؤمر بحفرها ؛ ففعل على الرغم من ضعف مـُـساعدة المؤازرين ؛ فأقسم أنه إذا أنجب عشرة من الأولاد فسوف يذبح واحدًا منهم ، وقد وقع الأمر على عبد الله بن عبد المطلب – الذبيح الثاني - الذي نجا من الذبح – أيضـًا - بعد أن قدّم عبد المطلب عددًا كبيرًا من الإبل ؛ لفداء ابنه من الذبح كما هو مشهور في كتب السيرة .
ولقد ذكر الله مقالة فرعون مع قومه ؛ حيث قال – تعالى - ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ) وقال الله في حق فرعون (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِين ) .
وقد ذكر الله – أيضـًا – رؤية ملك مصر ؛ حينما " ( قَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ) .
وكان يوسف – عليه السلام – الذي جاء إلى مصر ، وعاش فيها ، وخالط أهلها - من الذين يجيدون تأويل الرؤى ؛ فقيل له ( يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ) .
والدول المتقدمة تعمل على تسمين المواشي ورعاية الحيوانات ؛ من أجل الكفاية الإنتاجية الخاصة باللحوم ، وتعمل على زراعة القمح على مستوى واسع لصناعة الخبز وخاصة إذا كانت تمتلك عددًا كبيرًا من السكان .
وكان جواب يوسف " ... تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ )
وقد دلَّ النص القرآني السابق وما تلاه من نصوص على أهمية الزراعة والحصاد والإدارة الزراعية وفن الادخار ، ودور مصر البارز في عمليات الإغاثة العالمية منذ زمن بعيد ؛ فكانت مصر بمثابة الجبل الشامخ الذي إن دُكَّ يومــًـــــا فلن تقوم للعرب قائمة بعد ذلك .
وإذا كان الله – تعالى – قد رفع من قدر جبلي الصفا والمروة ؛ اللذين سعت بينهما السيدة المصرية هاجر ، وقال الله فيهما " إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا " فقد كرم الله – أيضـًا – جبل الطور في سيناء ؛ حيث أقسم به في قوله – تعالى – " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ "
ولقد تجلى الله في سيناء - تلك البقعة الغالية علينا ؛ وكلـَّـم نبي الله موسى بتلك الأرض التي تحتاج إلى حفظ الأمن ؛ وقد قال – جلَّ شأنه - ( فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29 ) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )
ولقد تميزت مصر في التجارة وحسن معاملة المرأة وإكرام الآخر ؛ حتى إن كان عبدًا أو خادمـًا ... قال – تعالى - " وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا " ... فما أجمل أن يشترى الرجل لامرأته شيئـًا ما ! وما أجمل أن يحثها على إكرام مثوى الآخرين ! وما أجمل أن تكون التجارة القائمة ذات منفعة للفرد والمجتمع !
لقد كانت مصر – ولا تزال - صاحبة البيئة الخصبة للتمكين الاقتصادي ، والتفكير العلمي ... قال تعالى " وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ "
ولقد استقبلت مصر السيدة الطاهرة مريم وابنها المسيح في رحلة العائلة المقدسة التي جاءت إلى مصر ؛ فقد ذكر إنجيل متى أن يوسف النجار رأى حلمـًا في منامه ، ... ونص الكتاب المقدس يقول " إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلاً : قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر )
ولقد كرَّم القرآن المسيح وأمه ؛ حيث قال – تعالى - " وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ "
ومن كرم القرآن الكريم لأم المسيح – عليه السلام – أن سورة كاملة من سور القرآن الكريم تـُـسمى سورة مريم ، وهي السورة الوحيدة التي تـُسمـَّى باسم سيدة من نساء العالمين .
وقد ذكر الله – تعالى – عن النصارى ( أَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (
وقد قال – أيضـًا - ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ ) .
وإذا كان الله يقول ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا ) ؛ فقد وضـَّـح – جل شأنه – أن من أركان الإيمان ... الإيمان بالكتب السماوية ورسل الله ؛ حيث قال – تعالى - (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) .
وقال – تعالى - ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )
وإن ذبح أي إنسان أو حرقه – بوجه عام – فتنة ، وإن كان الأمر للوقيعة بين الأديان وبعضها البعض فالفتنة أكبر ، وعلى قادتنا في الدول الإسلامية والعربية أن ينتبهوا إلى قول الله – تعالى - ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )
وإلى قول الله – تعالى – (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّمِنَ الْقَتْلِ ) .
ولقد تزوج النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – السيدة مارية القبطية وأنجب منها إبراهيم ؛ وهذا الاسم عزيز على الله ورسوله ؛ لأنه على اسم خليل الرحمن إبراهيم .
وإذا كان خليل الرحمن إبراهيم قد ترك هاجر المصرية وولدها إسماعيل في أرض لا زرع فيها ؛ فقد دعا لهما بالخير حيث قال ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ )
ودلَّ هذا النص القرآنيّ على أنه إذا لم يكن المرء قادرًا على مـُـساعدة ما لشخص أو أكثر فما ينبغي أن يبخل بالمـُـساعدة المعنوية من خلال الدعاء ، والحمد يكون باللسان ، والشكر لا يكون إلا بالعمل .
وإذا كان الله قد قال (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ)
وقال الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - عن مصر ( استوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما )
فإني أناشدكم الله والرحم ألا تقطعوا شجرة السلام ، وألا تبتروا حبل الود ، ... ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )؛ فإن التعاون قوة لا يـُـستهان بها في شتى المجالات .
وقد وجـَّـه الله الخطاب إلى نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - قائلاً ( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) .
فإن كان التعاون سبيلنا ؛ فـ (سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) ، وإن كانت الأخرى (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ).

مـُـرَاد مـُـصـْـلـِـح نــصــَّـــار .
مـِــــــــصـْـــــــــــ ــــــر .