"التفَّ، وتحلَّق".. الكلمتان الإشكالان في الوحدة الأولى للسادس الابتدائي الفصل الدراسي الآخر
(1)
ما هذا الذي جاء في العنوان؟
أكلمتان يصنعان إشكالًا في درسين من دروس الوحدة الأولى المكونة من أربعة للسادس الابتدائي في الفصل الدراسي الآخر في كلام كثير كثير؟
نعم.
لماذا؟
لأنهما حجر الزاوية، ولأنهما أساس بناء التقنية الفنية القصصية في الدروس الثلاثة.
كيف؟
إن هذين الدرسين من دروس الوحدة الأولى يعتمدان القصَّة الحوارية وسيلة بناء فني، ويمهد للحوار فيهما بمقدمة سردية بين يدي الحوار، ومن هنا يأتي الإشكال الذي ينقض البناء الفني.
كيف؟
إن مادتي الكلمتين تدلان على الاستدارة حول شيء؛ أي: الإحاطة من كلِّ الجهات؛ كما تقول المعاجم.
ماذا تقول المعاجم؟
يقول "المصباح المنير" للفيومي عن "التف": ([ل ف ف] لَفَفْتُهُ: "لَفًّا" من باب قتل "فَالتَفَّ"، و"التَفَّ" النبات بعضه ببعض: اختلط ونشب، و"التَفَّ" بثوبه: اشتمل، و"اللِّفافَةُ" بالكسر: ما يُلَّف على الرجل وغيرها والجمع "لَفَائِفُ").
ويقول المعجم الوسيط عنها: "(التفَّ) الشيء: تجمَّع وتكاثف، يقال: التفَّ الشجر بالمكان: كثر وتضايق، و- بثوبه: اشتمل به، و- عليه القوم: اجتمعوا، و- الغلام: اتَّصلَت لحيته".
ويحصر أبو الحسين أحمد بن فارِس بن زكَرِيَّا وجهَ دلالتها في "مقاييس اللغة" قائلًا: "(لف) اللام والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على تلوِّي شيء على شيء، يقال: لفَفْتُ الشَّيءَ بالشَّيء لفًّا، ولففت عِمامَتي على رأسي، ويقال: جاء القومُ ومَن لَفَّ لَفَّهم؛ أي: من تأشَّبَ إليهم، كأنَّه التفَّ بهم... ويقال للعَيِيِّ: أَلَفُّ، كأنَّ لسانَه قد التفَّ، [و] في لسانه لَفَفٌ، والألفاف: الشَّجرُ يلتفُّ بعضه ببعض، قال الله تعالى: {وَجَنَّاتٍ ألْفَافًا} [النبأ: 16]، والألَفُّ: الذي تَدانى فَخِذاه من سِمَنه كأنَّهما التفَّتا...".
ويقول "المعجم الوسيط" عن الكلمة الأخرى "تحلَّق": "(حلق) القمر: صارت حوله دائرة، ويقال: حلق على اسم فلان: جعل حوله حلقة فأبطل رزقه... و- الطائر: ارتفع في طيرانه واستدار... والشيء: جعله كالحلقة... (تحلَّق) القوم: جلسوا حلقة".
ويحصر أبو الحسين أحمد بن فارِس بن زكَرِيَّا أوجه دلالتها في "مقاييس اللغة" قائلًا: "(حلق): الحاء واللام والقاف أصول ثلاثة: فالأوَّل: تنحية الشَّعر عن الرأس، ثم يحمل عليه غيره، والثاني: يدلُّ على شيءٍ من الآلات مستديرة، والثالث: يدلُّ على العلوِّ".
(2)
هذا ما تقوله اللغة، فهل استقام البناء الفني وذلك؟
لا.
كيف؟
في موضوع "دعنا نتحاور" الذي يعتمد وجهة نظر الغائب الملم بكلِّ شيء في القص، جاء السطر الأول مناقضًا لكل ذلك.
كيف؟
يقول السطر الأول: "اتخذ الجد يوسف مجلسَه وقد التفَّ حوله أحفاده كعقد الياسمين".
هكذا يفيدنا السطر في منتصفه استدارة الأحفاد حول الجد باستخدام كلمة "التف" الدالة على الإحاطة باستدارة، ويؤكد هذا في آخره بتشبيه مجلسهم بعقد من الياسمين يحيط بالرَّقبة، فهل يستقيم ذلك مع الصورة التوضيحية التي أورَدَها الموضوع في النشاط الأول قبل الدرس؟
لا.
كيف؟
كانت صورته التوضيحية التي وردت ص2 في طبعة 2015/2016م تحتوي على كرسي يجلس عليه الجد، وعن يساره توجد أريكة يعلوها الأحفاد الأربعة: صبيان، وفتاتان. وعن يمينه حفيدة تمسك بذراعه اليمنى.
فهل هذا التفاف؟
لا، لا.
وكذلك أتت صورة موضوع "أنت حر ما لم تضر" ص7 من الطبعة السابقة نفسها- محتوية المكونات ذاتها بتغيير طفيف مفاده جلوس أحد الأحفاد الأربعة على الأرض أسفل الأريكة، وبقاء الحفيدتين عليها، ووقوف الحفيد الرابع جانبها، واعتلاء الحفيدة الخامسة دراجة عن يمين جدها.
فهل نرى هنا التفافًا؟
لا.
ماذا نرى؟
نرى مواجهة بين الجدِّ والأحفاد كما رأينا في الموضوع السابق؛ فالأحفاد يصطفون في مقابلة الجد، وهذا ما يَستقيم وهدف الموضوع الحواري.
لماذا؟
لأن الالتفاف يجعل بعضًا من الأحفاد خلف الجد، فتفوتهم لغة جسَد جدهم في وجهه ويديه، ولا يكون التفاعل كما يجب.
إذًا، الكلمة جعلت البناء الفنِّي غير فاعل؛ لأنها تشرِّق وهو يغرِّب، وصادمت الصورتين التوضيحيتين، فهل تتغير في الطبعات القادمة فتنضبط اللغة التعليمية وتخلو من الفوضى؟
أرجو وأدعو!
(3)
وفي الدرس الثالث "الحياة دائمًا اثنان" يبدأ السرد بين يدي الحوار القصصي الذي تغيَّرَت فيه زاوية القص لتكون بضمير المتكلم - بهذه الأسطر:
"تحلقنا جميعًا حول جدي؛ لنستمع إلى حكايته الجميلة، ونستفيد من خبرته الكبيرة في الحياة، نظر إلينا الجد مبتسمًا، ثم رفع يديه متشابكتين، وسألنا: "ماذا ترون؟!" أجبنا جميعًا بلا تردد: "نرى يدين متشابكتين"، فقال جدي معقبًا: وهكذا الحياة يا أحفادي الأعزاء دائمًا، فسأل عليٌّ مندهشًا: "هل تقصد يا جدي أن الحياة مليئة بالأحداث المتشابكة والمرتبطة بعضها ببعض أم ماذا؟! قال الجد: سأحكي لكم قصَّة قرأتها منذ أيام؛ لكي تفهموا ما أقصده".
في السطرين الأولين نجد عدَم الاتساق باديًا بما لا يخفى على القارئ السريع.
كيف؟
يقول القاص: "تحلقنا" مما يفيد أن بعضهم خلف الجد، لكنه يقول بعد ذلك: "نظر إلينا الجد"، هذا ينقض الأول؛ إذ كيف ينظر الجد إلى من خلفه؟ ثم يستمر الكلام: (ثم رفع يديه متشابكتين، وسألنا: "ماذا ترون؟!" أجبنا جميعًا بلا تردد: "نرى يدين متشابكتين") - فيفيدنا أنَّ الجد يواجههم، وإلا كيف يتأتَّي تنفيذ هذه الوسيلة التعليمية الجسدية؟ وهذا ما لم يحدث كما يقول الفعلان "تحلق، ونظر إلى".
فهل يتغيَّر ذلك في الطبعات القادمة فتنضبط اللغة التعليمية وتخلو من الفوضى؟
أرجو وأدعو!
(4)
ولسائل أن يسأل: ما بال الدَّرسين الباقيين؟ أحتويا الملحوظة ذاتها؟
لا.
لِمَ؟
لأنَّهما نصَّان: نص نَبوي قصصي، ونص شِعري قصصي، فلم يأتِ فيهما ما جاء في السابقين، بل جاءت مقدِّمة تمهيدية من مؤلِّفي الكتاب أعقبها النصان.