نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

بقلم : العارف بالله الشيخ عبد الغني العمري الحسني حفظه الله.
الاثنين 17 ذو الحجة 1437هـ - 19 سبتمبر 2016 مـ

____________________


إعادة نظر -1-

استهلال

بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه.

في هذه السلسلة، سنتناول مواضيع دينية شائعة، لكن من زاوية نظر جديدة على القارئ؛ ليتمكن بعدها من "إعادة النظر" في كل مسلماته وموروثاته. نفعل هذا، لمحاولة الخروج من نمط التدين التاريخي، الذي أصاب أمتنا بتصلب وظيفي، أقعدها عن "الفعل" في مرحلة زمانية، هي من أخطر ما مر بها؛ ألا وهي مرحلة العولمة.

إن التدين التقليدي، كان يسير في الغالب، خارج دائرة النقد والمراجعة، بسبب خوف الموجِّهين له (الفقهاء)، من انهداد منظومته على رؤوسهم. وإن خوفهم ذاك، لم يكن ليجد مدخلا إليهم، لو لم يكن تدينهم مبنيا على المنطق المذهبي، عقيدة وعملا. هذا يعني أن التدين المبني على التمذهب، هو غير التدين الأصلي المطلق. وهذا يجعل توهُّم فقد الدين، عند فقد التدين الموروث، أمرا مخالفا للحقيقة من غير شك. ولسنا نعني هنا بالموروث، مذهبا من المذاهب المعلومة، بقدر ما نعني نمط التدين نفسه، الذي قد ينبني على المنطق الفكري الديني ذاته، المشترك بين مختلف المذاهب. فنحن نُعنى بالخلفية المعرفية للتدين عند الجميع، ولا نجعل الفوارق الظاهرية تحول بيننا وبينها. ولهذا السبب، فإنه لا يمكن أن نكون مناصرين لمذهب مخصوص قط، في مقابل مذاهب أخرى.

ثم إننا سنتناول مواضيع، قد لا يكون المرء معتادا على الخوض فيها، لخوفه من دخول الشك عليه منها، أو خوف الوقوع فيما يراه منافيا لأصل الإيمان لديه؛ وكأن أصول الإيمان، ينبغي أن تكون في صندوق مغلق، لا يتطرق إليه الهواء والنور. والحقيقة هي أن كثيرا مما يَضِن به الناس من أنفسهم، لا يسلم من دخول الوهم عليه أو التحريف. ولعل هذا الأمر سيتضح بالتدريج مع مقالات السلسلة، لا دفعة واحدة.

إننا بعرضنا لما يخرج عن المعتاد، لا نريد أن نخلخل ما هم عليه الناس من معتقدات، قد يرى جلُّهم عدم جواز خلخلتها؛ وإنما نرمي إلى تمحيص تلك المعتقدات، بعرضها على صحيح النظر، المعضَّد بصحيح الخبر؛ حتى يكون بناء الناس لتدينهم على بصيرة، لا على تقليد أعمى. وإن أهم ما يدعونا إلى ما نحن بصدد البدء فيه، هو دخول الفكر الفلسفي العام، على عقول جل الناس في زماننا. وعدم القبول بمنازلة منصفة بين المقولات الفكرية والمقولات الدينية، سيجعل كثيرين يتوهمون عجز الدين عن تقديم إجابات معتبرة للأسئلة الشائعة لدى المفكرين. وهذا، سيُظهر المتدين منهزما، لا يتمكن من ممارسة تدينه إلا خفية، بين مَن هم مِن "الجماعة" الدينية نفسها. وهذا النمط من التدين، لا شك هو غير مناسب لزمن العولمة، التي يُفترض أن تنتظم الناس أجمعين.

إن العنف الذي ينتهجه بعض المتدينين اليوم، ليس إلا تعبيرا عن الخوف من المنازلة الفكرية للمخالف؛ خصوصا إن كان هذا المخالف أمْلَك من المتدين لأصول الفكر السليم، وأضبط لأنساقه. وظهور العنف على سطح التدين، يجعل الدين مرجوحا لا راجحا، عندما يبدو أهله مجانين، في مقابل غير المتدينين المتحضرين. وإن أزمةً كهذه، لا يمكن أن يتصدى لها فقهاء التقليد، الذين يتكلمون لغة لا يفهم المخالف منها شيئا. والإصرار على المضي فيما نحن عليه، من "خطة" في هذه المواجهة، لا يمكن أن يأتي بخير كما هو جلي. فلم يبق إلا أن ندخل في مواجهة مفتوحة، نتكلم فيها بلغة مشتركة، ليفهم عنا مخاطَبنا، ونفهم عنه.

لن تكون متابعتنا في هذه السلسلة أمرا سهلا على من لم يستعد لاستكشاف أغوار نفسه، ويتقبلْ ما سينكشف له من حسن وقبح فيها، أو من صواب وخطإ. لن يستطيع متابعتنا، إلا من حاز حظا موفورا من الإقدام المعرفي؛ الذي يؤهله لهذه المغامرة غير مضمونة العواقب.

إننا من وراء هذه الكتابات، نقصد إلى الخروج بالتدين إلى أصالته الضامنة لحياته، كما نقصد الخروج من الالتباس إلى الوضوح.. ومن الانغلاق إلى الانفتاح... لا يمكن أن نعيش العولمة، ونحن بهذا الانغلاق، الذي لم نُجاوز به حدود المذهب، بله حدود الأمة!.. وهذه التحديات، لا يمكن إغفالها، إن كنا نريد أن نعيش الواقع بما له وبما عليه، وعلى جميع الواجهات!..

ومع أن ما نرومه، قد يدخل في الغايات السامية، التي تقصر عنها همم الأفراد ومقْدِرات المؤسسات ، إلا أننا سنحاول أن نبلغ ذلك من أقصر الطرق بحسب الوُسع؛ منتهجين لأسلوب المباشرة والوضوح، من غير أدنى خوف يمنعنا عن طرق أيٍّ من المواضيع. لا نراعي في ذلك إلا الأهمية المعرفية والترتيب بحسب الأولوية فيها. ومع كل هذا، فلن نعِد بتقديم أجوبة دائما؛ بل سنعمل على استفزاز العقول بكثير من الأسئلة، عسى أن تنهض إلى طلب معالي الأمور.

واللهَ نسأل، أن يوفقنا إلى ما يخدم أمتنا حقيقة، وأن يتقبل منا ما وَفّقنا إليه، فإنه سبحانه وليّنا ومولانا.


______________________

المصدر : http://www.alomariya.org/makalat_suite.php?id=32