طُهْرًا عَلَى تَقْوَى الْقُلُوبِ أَهَلَّا
شَهْرًا يَجِلُّ وَنِعْمَةً تَتَجَلَّى
يَسْقِي مِنَ الظَّمَأِ الْغَنِيَّ بِنُجْعَةٍ
تجْزِي وَيُطْعِمُ بِالصِّيَامِ مُقِلَّا
وَيُعِيدُ مَنْ خَتَلَ الْفُؤَادَ إِلَى الْهُدَى
وَيَزِيدُ مَنْ بَذَلَ الْفَضَائِلَ فَضْلَا
قَدْ عُدْتَ يَا رَمَضَانُ بَهْجَةَ مُهْجَةٍ
فَكَأَنَّكَ الْبُسْتَانُ يُغْرِي النَّحْلَا
أَقْبَلْتَ يَا خَيْرَ الشُّهُورِ فَأَقْبَلَتْ
بِكَ رَحْمَةٌ لِمَنِ ارْتَقَى تَتَدَلَّى
أَقْبَلْتَ بِالنَّفَحَاتِ تَعْظُمُ لَذَّةً
فَيَذُوقُهَا مَنْ صَامَ فِيكَ وَصَلَّى
مَا انْفَكَّ يَبْتَهِلُ الْحَنِينُ تَهَجُّدًا
أَنْ لَيْتَ هَذَا الشَّهْرَ يُصْبِحُ حَوْلًا
شَهْرٌ كَرِيمٌ مَا أَطَلَّ بِنُورِهِ
إِلَّا وَفِي أَنْقَى الْمَشَاعِرِ حَلَّا
شَهْرُ الصَّفَاءِ مَعَ الْوُجُودِ مَعَ الْوَرَى
وَتَعَلُّقٍ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّا
شَهْرُ التِّجَارَةِ مَعْ كَرِيمٍ عَفْوُهُ
كَنْزٌ أَجَلُّ مِنَ الْجَمَالِ وَأَجْلَى
شَهْرٌ بِهِ الْقُرْآنُ أُنْزِلَ قُرَّةً
فِي لَيْلَةٍ هِيَ فِي الزَّمَانِ الْفُضْلَى
تَرْنُو لَهَا الْأَرْوَاحُ مِلْءَ ضَرَاعَةٍ
وَتَؤُمُّ خُلْوَتَهَا الْقُلُوبُ الثَّكْلَى
شَهْرٌ كَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَمْنَحْ بِهِ
إِلَّا حَيَاةً مِنْ مَآثِرَ مُثْلَى
صَوْمٌ وَإِفْطَارٌ وَسَجْدَةُ مُخْبِتٍ
فَالْفَرْحَتَانِ بَرَاءَةٌ تَتَأَلَّى
وَصِلَاتُ أَرْحَامٍ وَبَسْمَةُ مُنْفِقٍ
وَقُنُوتُ أَحْلَامٍ لِمَا هُوَ أَحْلَى
وَنَمَارِقٌ لِلْبِرِّ تَفْتَرِشُ النَّدَى
وَبَيَارِقٌ لِلصَّبْرِ لَا تَتَوَلَّى
وَحُضُورُ أَفْئِدَةٍ وَرَاحَةُ خَاطِرٍ
وَعَبِيرُ إِيمَانٍ بِعَفْوِ الْمَوْلَى
يَا مَوْسِمَ الْغُفْرَانِ كُلُّ خَطِيئَةٍ
نَشَجَتْ عَلَى أَبْوَابِ فَضْلِكَ خَجْلَى
رَفَعَتْ بِدَمْعِ الْخَوْفِ كَفَّ رَجَائِهَا
تَعْنُو لِمَنْ فَطَرَ السَّرَائِرَ تُبْلَى
وَتَضُمُّ مِنْ دَمْعِ التَّضَرُّعِ سُبْحَةً
وَتَشُمُّ مِنْ رَوْعِ التَّوَرُّعِ فُلَّا
الزُّهْدُ فِي رَغَدِ الْحَيَاةِ بِكِ اجتْلِى
وَالشَّهْدُ مِنْ زَهْرِ امْتِثَالِكَ أَمْلَى
تَصْفُو بِكَ الْخَلَجَاتُ عَيْنَ تَأَمُّلٍ
وَتَطُوفُ آفَاقَ التَّبَتُّلِ جَذْلَى
وَتَلُمُّ شَعْثَ الرُّوحِ عَرْفَ سَكِينَةٍ
بِالذِّكْرِ مِنْ نُورِ الْمَصَاحِفِ يُتْلَى
يَا مَنْ يُعَلِّلُ مَا يَضِلُّ عَنِ الْهُدَى
لَوْلَا تَكِلُّ عَنِ ابْتِذَالِكَ لَوْلَا
لَا تَمْضُغِ الرَّأْيَ الْبَلِيدَ وَلَا تَعِشْ
عَبَثًا وَحَرِّرْ فِكْرَكَ الْمُحْتَلَّا
قَدْ تُوسِعُ الشُّبُهَاتُ سَمَّ خِيَاطِهَا
فَانْسِجْ يَقِينَكَ حُلَّةً لَا تَبْلَى
وَالْمَرْءُ إِنْ يُطِعِ الْهَوَى سَيُضِلَّهُ
وَمَآلُهُ لِلْقَبْرِ مَهْمَا اسْتَعْلَى
فَاخْصِفْ عَلَى نَزَغَاتِ شَيْطَانِ الْهَوَى
وَانْسِفْ لِفَتْنِ السَّامِرِيِّ العِجْلَا
وَاغْرِسْ مِنَ الزَّكَوَاتِ نَخْلَ طَهَارَةٍ
تَمْدُدْ لِنُورِكَ بَعْدَ مَوْتِكِ ظِلَّا
وَاكْسَبْ نُضَارًا لَا تَغُرَّكَ بَهْرَجًا
دُنْيَا بِأَكْثَرِ مَا تُحَبُّ سَتُقْلَى
ثَابَرَ لِفَحْوَى الذَّاتِ قَدْرَ فَضِيلَةٍ
أَغْلَى مِنْ الْقَمَرِ الْمُنِيرِ وَأَعْلَى
وَاجْهَدْ فَمَا غَرَسَتْ يَدَاكَ مِنَ الْتُّقَى
لَا يَحْصُدُ الْأَمَلُ الَّذِي يَتَخَلَّى
وَازْهَدْ بِحَمْدِ النَّاسِ وَاحْمَدْ رَبَّهُمْ
تَنَلِ الرِّضَا فَاللَّهُ نِعْمَ الْمَوْلَى