يقول الأصوليون :
-----------------
الحكم على الشيء فرع عن تصوره
وآفة (المصلحين الجدد ) المسارعة في الأحكام على أمور لا يدركون كنهها ولا يعرفون حقيقة ماهيتها فيأتي حكمهم شائلا مائلا حائلا بئيس .. هؤلاء طمّ بهم الوادي وقعدوا كل مرصد من الرائح والغادي .. وتبعهم جيش من الغافلين المتثائبين ممن اختاروا العمى على الهدى .. البكم الصم الذين امتاروا في نعمة السمع
وتلددوا في فهم الدين ..
ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم
.
انطلق هؤلاء المصلحون الجدد غير مكترثين يصففون من خرزهم اللامع ما ينطلي على كل أحمق أشيمط رقيع .. وما أكثرهم
.
يملأون الأرض من كثرتهم ثم لا يغنون في أمر جلل..
.
اذا أوقعك حظك العاثر على نتاجهم القميء لوجدتهم من السذاجة المضحكة والفشل الذريع في ممارسة الحيل وبسط الشبهات حتى أن احمى سيف عندهم هو الابرد عند أسيادهم ممن سبقوا وهلكوا أولئك الذين كانوا يتقنون جيدا فن عرقلة السعي بإلقاء الشبهات وذر الفتن في أعين السالكين
أحفاد ابن ابي دؤاد وفراخ أبي رغال ..
.
وإن تعجب فعجب مسلك أحدهم ممن ينسب إلى العقل ينتصب لتناول امر في الدين يمس عموم المسلمين .. يستدرك - وهو القاعد - على الذين نفروا خفافا وثقالا .. ويقدح في سعي فئام منهم لا يكلف نفسه البتة عنت المشقة في تقرير الحكم من مظانه واستعيابه بأدواته ولا يتجشم الطرق العلمية في تناوله ولا يتتبعه تتبع المحيط به والمسترسل مع خوافيه وقوادمه وإخراجه - أصوليا - على وجهه الذي ينبغي له .. وأنى لهم وقد فرغت عقولهم وفهومهم من علوم الوسائل
فضلا عن مشاكلة الدليل وفهم الواقع واستيعاب المناط تحقيقا وتخريجا وتنقيحا . .. فليس الا اشتهاء محض وأقيسة تالفة وفهم مبتسر مردّه نفي آفة القعود عنهم ودفع تهمة الكسل وتكريس العجز التالف المبير.. أخلدوا إلى الطين وارتادو السفح وقعدوا عن صعود القمم
هم أتباع من عناه الشاعر بقوله
دع المكارم لا ترحل لبغيتها .. واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
,
من ذلك ما وقعت عليه عيني من ( الدليل العريض ) التعجيزي الذي يلجم هذه الجماعات ويفت في عضد أصلها ويجعل أفرادها حيارى دوار في ملاء مُذيل :)
وبدا السؤال كبيضة ديك لا يرام خباؤها :)
.. فوجدت عجبا .. وجدت أن الاعتصام بحبل الله كما امرت به الآية الكريمة ( واعتصموا .. ) هو من اصول ما يحتج به منظرو الجماعات الاسلامية على مشروعية اجتماعهم ..... فتأمل .!
عندها تداعت في نفسي كل معاني الاسى وتحسرت على عقول أمحلها الثرى وغاض عنها ماء الحياة .. وتمثلت في سري قول القائل
وإذا محاسنيَ اللاتي أدلُّ بها .:. صارت معايبَ قل لي كيف أعتذر
.
إنه طبقا للفهم ( العصري ) لهذه الآية وتتبع معانيها في ادمغة من لا يحسنون إلا ذر الغبار وإثارة النقع ...يكون الكسول المتداعي الذي يقوم من نومته كل صباح على ما يملأ بطنه بصنوف الطعام ويكيّف رأسه بدخان أزرق ويذهب (كحمار ) مُسير يدور في دولاب المادة ليجمع القرش فوق القرش في كد وتعب ونصب ليعاود في غده ما فعله في يومه وأمسه وهكذا دواليك حتى يطويه الثرى فيهلك
عن بينة ..
هذا الكائن بهذا الوصف (عندهم ) هو خير ممن حمل امانة الدين واعتصم بحبل الله المتين مع النفر القليل الذي عاضده وآزره في بث معاني الشريعة وروحها ومحاولة صبغ الحياة بها ...
.
وآية ذلك عندهم ..
أن الاول- ذاك اللاهث المتهافت لم ( يتشرذم ) وينتظم في سلك جماعة أو جمعية تُوحّد سعيَه وترفع من رتبة آدميته وتأخذ بيديه تربية وتعليما وتوجيها ، ورضي أن يكون غنمة بين اغنام (تفرقت) في ليلة مطيرة ، لا يجمعها هدف ولا يحدها غاية ولا ترغب بنجاء ... هذا ( عندهم ) هو من اعتصم بحبل الله ونبذ الفرقة والاختلاف وآثر المحبة والائتلاف وألزم قدمية جادة الصراط المستقيم ..
نعم هكذا والله زعموا ...
لقد هزلت حتى بدا من هزالها .:. كُلاها و حتى سامها كل مفلس
وأن الاخر الذي اجتهد وقارب وسدد و نفض عن كاهلة غبار التخنث وأبت عليه فطرته وعزمته وغيرته إلا ان يكون ترسا في ألة الهداية التي يؤمل منها ان تدور بالخير دائما وإن أوقفها الجاهلون احيانا ....إن مثل هذا الانموذج الذي قدم حظ دينه على دنياه واجتمع على الخير واعتصم به مع من شاكله وآزره وشد عضده هو(عندهم ) شر مسلكا وأضل سبيلا وانه داخل في وعيد شديد لمخالفته صريح الآية ( واعتصموا ..) .. هكذا هو في فهوم كثير من هؤلاء الذين أبوا أن ينزلو مع الرهط الذين نزلوا بمكة من قبائل هاشم .:. وتيمموا البيداء أبعد منزل
طلبوا العلم يوم السبت وحصلوه في يوم الأحد وانتصبوا للفتوي به يوم الاثنين ... !
الشيطان سول لهم وأملى لهم
ولا باس عند هؤلاء بتطريز معانيهم التالفة بنُتف منتقاة من أقوال ( قاطعة ) لعلماء سوء من (ماركة ) أصحاب الفضية ذوي البطون المستطيلة اللاهثين مع الزعيم وإن تمرغ في الرذيلة ..
الذين مردوا على التزلف وطبعوا على النفاق غصت به الكراسي المُدَولبة الوثيرة والمكيفات الأثيرة والرواتب الغزيرة ...
فأنى لأنوفهم الشامخة أن يملؤها رَهَجُ السنابكِ والغبارُ الأطيبُ ؟!ّ