أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: قصة أمة..!

  1. #1
    الصورة الرمزية محمود العيسوي شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2015
    العمر : 34
    المشاركات : 121
    المواضيع : 35
    الردود : 121
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي قصة أمة..!

    قصة أمة..!



    نعم؛ إنها قصة أُمَّة شِيدتْ دعائمها على عمُد صلبة لا تأخذ منها مَعاولُ الزمان بقدر ما تأخذ هي من المعاول، وثَبتتْ أركانُها على أوتاد راسخة في أعمق جذور الحضارة، فارتفع بناؤها سامقًا شامخًا في سماء المجد، فكانت بحق {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110].

    إنها قصة أمة أفذاذِ العُظماء، أولئك الشجعان الذين لا يخافون في الله لومةَ لائم، ولا ينزلون أبدًا على رأيٍ لفاسدٍ، ولا يرضون أبدًا بالدنيَّة في دينهم مهما كانت عواقبُ أمورهم.

    إنها قصة أمة عظيمة جليلة، حُقَّ لكل مُنتسِب إليها أن يَفخَر بها، ولم لا، وقد وضَع لبناتها الأولى خيرُ الناس جميعًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟!

    لقد كان العربُ أُمَّة مُشتَّتة بيوتاتُهم في مجاهل الصحاري القاحلة، مشتتة نفوسهم في صحاري الفِكر وصحاري الشعور وصحاري الضمائر البَوار التي لا تَنبُت فيها زهرةٌ من زهور الإحساس ولا تُورِق فيها ورقةٌ من ورق المشاعر، لقد كانوا يَفتقِدون إلى أدنى مقوِّمات الحياة، حياة الرُّوح حياة الضمير حياة العقل حياة الفِكْر، حياتهم ظُلمات بعضها فوق بعض - إلا من عصَم الله من عقلائهم - مزَّقتهم العصبيَّة القبلية، وفرَّقتهم العداوات والإحن وضغائن النفوس، وتَطابَقوا بين عبدٍ ذليل مُنكَّس الرأس لا حقوق له، وبين سيد طاغٍ لا حدَّ يَحدُّه، ولا حقًّا يراه لخادمه عليه فيصدُّه، واستعبدت الأمم المجاورة من روم وفرس أطرافهم، وتَملَّك اليهود العلم والمال والجاه فانحنت أمامهم قلوبهم، فلا ريادة عندهم، ولا فضلَ لهم على أحد، ولا هيبة لهم تَمنعهم من الناس إلا ما كان من جوارهم بيت الله وتعظيمهم إياه، حتى تجرَّأ عليهم حبشيٌّ فغزاهم في عقرِ دارهم، فلم يستطيعوا أن يرفعوا فيه طَرْفًا، فأراهم الله سلْب أموالهم أمام أعينهم، ثم ردَّها الله عليهم وتولَّى الله حِفْظَ بيته، بعدما رأى من هوانهم وضعْفهم، وأهلك الله هذا الطاغي الباغي الحبشي.

    وبينما هم على ذلك إذ بعَث الله إليهم رسولاً اختاره واصطفاه من بينهم، فأتاهم بالنور المبين والحق المستبين، فتَبِعه أطهارهم وأصفاهم قلوبًا، ووقف له بالمرصاد طغاتُهم وظَلَمتُهم، فنكَّلوا بأصحابه، وآذوه في نفسه، وصدُّوا عن سبيله، فعاش بينهم حياة ملؤها الكفاح والجهاد والمثابرة، وظلَّ يدعوهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى أَذِن الله - عز وجل - له بعد ثلاثة عشر عامًا بأن يترك هذه الأرض القاحلة، ويذهب فيَغرِس بذورَه الرطبة الناضرة بأرض ذات خَصْب ونماء، فخرج من بين قومه مستخفيًا منهم غير خائف، واثقًا في وعدِ الله له بالنصر والغَلَبة والتمكين، حتى وصل إلى أرض يثرب الطاهرة، فوجد فيها بذورًا عطشى لما معه من العَذْب الزُّلال، لكنه وجد في أرض يثرب شوكًا كثيفًا يُحيط ببذوَرها؛ فاقتَلَع ما كان في طريقهم من أشواك، وجمَعهم الله على كلمته وحُكمه، وروى تلك البذور العطشى من ماء حِكمته فحَييتْ واخضرَّت، حتى صارت شجرةً وارفة الظلال مترامية الأفرع، جِذْرها في أرض يثرب المباركة، وفروعها ترامت حتى ظلَّلت أرضَ الأندلس والصين ومجاهل إفريقيا...
    بلادٌ بها الإسلامُ مَدَّ ظلالَه = وليس سوى الإسلام ظِلٌّ له مَدُّ([1])

    يا للعجب! أي دوحة عظيمة هذه التي تنمو في أيام قلائل من عُمر الدنيا، فتَبسُط ظلالها الوارفة على أرجاء الأرض حتى يَحجُب هذا الظلُّ عن الأرض نيران كسرى، وتنطفئ تحت أوراقها الخضراء أضواء قيصر؟!!

    كانت أمة الإسلام أُمَّةً منيعة شديدة الهيبة، يخشاها كلُّ ملوك الأرض وهي لم تَزَل فتيَّة شابة بنت قرن واحد، وما قرن في عمر الأمم؟ فسادت الأرض بالحق والعدل، عزيزة منيعة مستعصية على محاولات الإذلال والإضعاف قرونًا عديدة، حتى تغنَّى شاعرُنا([2]) يومًا فقال:

    ملكْنا هذه الدنيا قُرونا = وأخضَعَها جدودٌ خالِدونا
    وسطَّرنا صحائف مِن ضياء = فما نسيَ الزمان ولا نسينا
    وكُنا حين يأخُذُنا وليٌّ = بطُغيان ندوسُ له الجَبينا
    تَفيضُ قلوبنا بالهَدْي بأسًا = فما نُغضي عن الظلم الجُفونا
    بنَينا حِقبةً في الأرض مُلْكًا = يُدعِّمه شبابٌ طامِحونا
    شبابٌ ذلَّلوا سبُل المعالي = وما عرَفوا سوى الإسلام دِينا
    تعهَّدهم فأنبتَهم نباتًا = كريمًا طاب في الدنيا غُصونا
    إذا شَهِدوا الوغى كانوا كماةً = يَدكُّون المعاقل والحُصونا
    شبابٌ لم تُحطِّمه الليالي = ولم يُسلِم إلى الخَصم العَرينا
    وإن جنَّ المساء فلا تراهُم = مِن الإشفاق إلا ساجِدينا
    كذلك أخرج الإسلام قومي = شبابًا مُخلِصًا حرًّا أمينا
    وعلَّمه الكرامة كيف تُبنى = فيأبى أن يُقيَّد أو يَهونا

    أما بعد؛ فإنني ما طالعت فصلاً من فصول ماضي هذه الأمة العظيمة المشرِق الزاهر إلا وتملَّكتني الدهشةُ وأخذني العجب بكل أطرافه من كل منافذي، ثم أتملَّك أنا العجَبَ فليس لي دونه متنفَّس!
    أي أمة هذه؟! وأي أناس كان أسلافنا مجدًا وحضارةً وسؤددًا وكفاحًا؟!
    وأي بناء شامخ هذا البناء الذي أسَّسوا قواعدَه، ثم شادوه على أتمِّ الوجوه وأحسنها؟!

    وأي لَبِنة هذه التي وُضِعت في أساسه فجعلته صلبًا قويًّا، لا يأبه بمصائب الدنيا، حتى إنني لأتخيَّله ينظر إلى كل حادثةٍ مهما بلغت عَظَمتُها وشِدَّتُها بعين المزدري لكل صغير حقير، وعين الواثق من نفسِه، المؤمن بوعد ربه، ليقول لها: "أنا هنا"، ثم يَلتفِت عنها مقهقهًا قهقهةَ العجَبِ والفخر في آنٍ!

    إنها قصة أُمَّة عظيمة هي خير الأمم، قصة بناءٍ شامخ من خير ما عرف الزمان قوةً وعلوًّا، وإني لفي عجبٍ من أمر هذه الأمة وقصَّتها.

    [1] - من قصيد للشاعر أحمد نسيم، مطلعها:
    قطر النوى هل وقفة قبلما تعدو = نودِّع وفدا ما لنا غيره وفْدُ
    [2] - هو الشاعر هاشم الرفاعي - رحمه الله.

    أنــا فيلـسـوفُ الـشِّـعـرِ، رائـــدُ أُمَّـــةٍ
    يُنـبـيـكَ عــنــي حـكـمـتـي وبَـيـانــي

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,131
    المواضيع : 318
    الردود : 21131
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    كانت أمة الإسلام أُمَّةً منيعة شديدة الهيبة، يخشاها كلُّ ملوك الأرض وهي لم تَزَل فتيَّة
    شابة بنت قرن واحد، وما قرن في عمر الأمم؟ فسادت الأرض بالحق والعدل،
    عزيزة منيعة مستعصية على محاولات الإذلال والإضعاف قرونًا عديدة

    فما باله عالمنا الإسلامي اليوم يعيش واقع مؤلم لا يحسد عليه
    التمزق السياسي والتفرق المذهبي، والتشاحن والتدابر، والتنازع والتقاتل،
    ومن ثم التخلف العلمي، والضعف الاقتصادي، والانقسام حسب الرغبات
    والأغراض الاستعمارية، التي مزقت العالم الإسلامي .
    إن العمل على تجديد بناء العالم الإسلامي، بل وإنقاذ السلام العالمي، وتحقيق العدالة والسعادة في العالم
    لا يكون إلا بما قاله سيدنا عمر بن الخطاب في القدس الشريف لقائد جيشه:
    (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما نرد العزة بغيره يذلنا الله).
    وإلا بما ورد من أنه: (لن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها).لقد آن الأوان أن تعود أمة التوحيد والإسلام إلى شريعة ربها، وأن تعود إلى سنة نبيها، وإلى القرآن دستورها، وأن تشعل الإيمان المخدر في القلوب الغافلة، وأن تغرسه في الأجيال الصاعدة، لتكون أهلاً لحمل رسالة الإسلام والهدى، ولتبليغ مبادئها لكل العالمين.


    شكرا لك على المقالة الرائعة .. بوركت ـ ولك تحياتي وتقديري.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2013
    الدولة : مصر
    المشاركات : 362
    المواضيع : 47
    الردود : 362
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    المقال، والمرفق (القصيدة)
    يحملان المعنى لإنسان موجوع على أمة صارت بلا معنى...
    عن نفسي :
    - صرت أستشعر بردود أكــــف الضراعة إلى سواعدها الهشة
    - بثرثرة حروفنــــــا التي اعتبرناها هي الرصاص الذي نملك .
    مقال جيد لا تساويه أمه لا تملك إلا المشاهدة وبين أصابعها "السيجارة"

    -

المواضيع المتشابهه

  1. قصة أمة ..
    بواسطة الشريف عبد الله آل جازان في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 18-03-2015, 02:56 PM
  2. معلقة قصة شعب حكاية أمة ( الشاعر الفلسطيني مأمون مباركة )
    بواسطة مأمون مباركة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 28-12-2008, 01:21 PM
  3. قصة شعب حكاية أمة
    بواسطة مأمون مباركـة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 19-09-2006, 05:08 AM
  4. رسالة إلى أمة كانت خير أمة أخرجت للناس
    بواسطة محمد سوالمة في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-03-2006, 12:01 AM