لقاء الحُبّ
بقلم: حسين أحمد سليم
ومضةُ حُبٍّ من طيفِ حبيبٍ تلامعت كالبرقِ في الأفقِ, تكوّرت نُقطةَ إشراقٍ في سيّالاتٍ من الإيحاءاتِ, وأضاءت دياجيرَ المدى تتخافقُ كنجمةَ الصّبحِ... وراحت تتراقصُ مُتّكئةً على حبالِ إشعاعاتها, المُتعارجةُ في الخيطِ الفضيِّ الممتدِّ بينَ الأرضِ والسَّماءِ... تتماددُ ضبابيّةً وتدورُ على محورِ المستقيمِ الصّاعدِ في قُبّةِ السّماءِ, وتتهادى في سكينةٍ لتنتشرَ بُقعةَ ضوءٍ زرقاءَ بعيدةً, تتفاضضُ شفافيّةً في وهجِ الإشراقاتِ اللامعاتِ, وتغورُ بعيداً في لا متناهياتِ الكونِ خلفَ حدودِ سِعاتِ التّفكّرِ, وتعودُ فجأةً لتتمازجَ أدخنتها وتنسابُ على هيئةِ مشهديّةٍ من جماليّاتِ التّكوينِ... كأنّما شكّلتها أناملُ يدٍ حانيةً بالدّفء الفنّيِّ مُفترّةَ الدّماءِ, لتغدو تتماهى عنفواناً قدريّاً بألوانِ الأرجوانِ في لوجةِ الشّفقِ, ترميزَ تجريديّاتٍ من إلهاماتِ فلسفةِ الرّؤى في الوجدانِ, تتناهى للخواطرِ وتنسكبُ في لوحاتٍ سورياليّةِ الآمالِ المرتجاةِ... ترفلُ لها العينُ المكحولةُ بغباريّات الكحلِ العربيِّ الشّرقيِّ, من طرفِ قلمِ الميلِ المُثملِ من دنِّ المُكحلةِ الحُبلى بأجنّةِ الحُبِّ...
تهاتفنا في غفلةٍ من رقابةِ خفرِ السّواحلِ, بلا هاتفٍ رقميِّ عبر ثنايا أثير التّخاطرِ, نُمارسُ لعبةَ الإنفلاتِ تحرّراً من التّجسّسِ المُقوننِ في نُظمِ البلادِ, فتراءت لنا من كوّةِ الإمتداداتِ موسقاتُ الصّدى في البعدِ, تراديدٌ من ترانيمِ العشقِ في لعبةِ جرّاتِ الوترِ الأوحدِ على الوترِ العاشقِ... فتهايمت النّفوسُ في برزخِ الذّاتِ, تُنشدُ الوصالَ في تشاغفِ القلوبِ, وتتشوّقُ الأحاسيسُ في كُنهِ المشاعرِ الشّفيفةِ المُطمئنّةُ في سكناتها, وتتراعشُ الأرواحُ التي تُمارسُ الهجودَ هجوعاً في ضجعةِ الكهوفِ الأبديِّةِ... فتتسارعُ إهتزازاتُ خفقاتِ القلوبِ النّابضةِ قدراً بأسرارِ الحياةِ, فتدبُّ الإنتعاشاتُ الرّوحيّةُ في أنساغ البراعمِ وتتفتّقُ بالحياةِ, فإذا ما تفتّحت الأكمامُ بالأوراقِ والأزهارِ والورودِ, وتهاببت أنسامُ الأثير السّندسِ في رقّةِ الحرائرِ, تطايرت قدرا غباريّاتُ اللواقحِ بينَ مياسمِ العشّاقِ, فتحبلُ الأرحامُ مودّةً ورحمةً من لدنِ الله بالآمالِ المرتجاةِ, لتأتي أجنّةُ الغدِ على قدرِ رؤى الآمالِ...
تلاقينا بعدَ ضياعٍ في متاهاتِ نُقطةِ اللقاءِ, فأرقامُ الرّبطِ والتّحديدِ لم تتطابقُ في هندسةِ الميدانِ, كُلٌّ يتكلّمُ بلسانهِ في لغةِ شاءها للتّواصلِ... فإذا ما تزاوجت حروفيّاتُ الأبجديّاتِ في عناصرِ التّكوينِ, توالدت لغةً مُبتكرةً بوشاحٍ جديدٍ ترتاحُ لها الأطرافُ, وتباسطت في المدى المنظورِ لغةُ الحوارِ, وتصاعدَ الدّخانُ الأبيضُ في السّماءِ ناصعاً من أعمدةِ المداخنِ, دليلَ توافقٍ على رؤى الآمالِ في تحقيقِ الأوطارِ...
تجالسنا مُتقابلينَ على أريكةِ التّعارفِ, نُنشدُ تحقيقَ أوطار المُحاكاةِ بالخواطرِ, نتحادثُ في شؤونٍ كثيرةٍ لم ولن ولا علاقةَ لها بالأهدافِ, ووجوهنا تكتظُّ بالدّماءِ وتزدادُ احمراراً من الحياءِ... نتسارقُ النّظراتَ الحانيةَ في خِلسةٍ من عيونِ الرّقايةِ, وتُرعبنا زفراتُ الهمهماتِ على غيرِ بُعدٍ من خلوتنا, فنعودُ رغماً عن رؤانا للنّقاشِ في المواضيعِ السّرابِ...
تحاببت عيوننا بالنّظراتِ, وتعاشقت قلوبنا بالتّشاغفِ, وتهايمت أنفسنا بالعشقِ, ولم نتوافق بالحوارِ على اتّفاقٍ, وبقيتِ الأمورَ تتسابحُ بينَ مدٍّ وجزرٍ تُصارعُ عواتيَ الأمواجِ... لم ندرِ كيفَ غفونا والعيونُ جاحظةٌ, تتكاحلُ بسحرِ الجمالِ في فتنةِ اللقاءِ... فتعانقنا طويلاً حتّى تلظّت حرارةُ العناقِ في الصّدورِ, وتلاثمنا كثيراً بالشّفاهِ حتّى احترقت لمى الشّفاهُ بجمارِ القُبلِ, وما صحونا من غيبوبةِ سكرتنا وجنونِ اللقاءِ, إلاّ على ارتعاشاتِ الأجسادِ وعبقِ الوجوهِ المُكتظّةَ بإحمرارِ الحياء, خجلاً نفسيّاً يُخيّمُ في سكينةِ الصّمتِ بعدَ رعشاتِ الإنتشاءِ...