جاسم الرصيف
ـــــــــــــــــــــــ
مهفات !!
ــــــــــــــــــــــ
بدأنا نتفرّد ، من بين شعوب هذا العالم ، بميزة المفردات التي طلقت معانيها ( بالثلاث ) ، وهو إمتياز يمكن أن ( نفخر ؟! ) به ولو إلى حين ، على وفق مايجري من واقع الحال على ( أرض السواد ) ، من مثل : ( الماء والخضراء والوجه الحسن ) التي غادرت مفرداتها مألوف المعاني على أكثر من جناح وفضاء وشظية ، إذ باتت تذكر المرء بالماء والكهرباء وألأمن الحسن ، ولن نذهب بأجنحتها إلى وجوه ما أحبتها غير أمّهاتها لاتنفك ّ تنغص علينا صباحاتنا ومساءاتنا بطلعاتها غير البهية بالتأكيد وأكاذيبها التي طلعت مع كل شمس . ما عادت الخضراء كما ألفناها مكان لقيا محبّين أو مكانا ً تستجم به النفس من عناء عمل دؤوب ، ولا عادت الماء صافية ومتوفرة توفر دجلة والفرات دائما ً بعد أن كدّرتها إلإنقطاعات المحسوبة وغير المحسوبة والجثث معلومة المصدر مجهولة القاتل ، كما غادرت ( العافية ) معناها ملتحقة بأخواتها بعد أن ( تعطلت لغة الكلام ) عن بطاقة التموين ، المتقطّع على أوتار الفضائح المالية لمن ينهبون العراق بعد أن ( إسئمنوا ؟! )عليه وفق واقع ( قلة الخيل ) !! ناهيك وداعيك ودواليك ومناديك إلى حدود تسرح وتمرح عليها الذئاب والضباع وأبناء وبنات آوى والجرابيع من كل صنف ولون ، قادمة ذاهبة ، من وإلى ، ( أرض السواد ) ، البقرة المثخنة بالجراح ، التي مازال ضرعها سخيا ًبالحليب !!

وعلى ألأجنحة ألأولى ( للماء والخضراء والوجه الحسن ) ، التي فقدت أيحاءات السعادة وخلو البال من الهموم ، نجد أن مفرداتها صارت نكتة بلهاء ، تنبأت بها أغنية عراقية تقول : ( عد وآنا أعد / ياهو أكثر هموم ) في حياتنا الملغومة ، على طول وعرض ألأرصفة والسيارات ، وملغومة على محيطات الدوائر والمربّعات والمثلثات التي غادرت معانيها هي ألأخرى على أجنحة ألأجندات القاتلة دون إنذار ، من أهالي أرض السواد وضيوفهم أجمعين !! فلا من إستتروا بالدين دريئة سيسمحون لأحد بمتعة ، حتى لو جاءت براءتها مشهودة من ملائكة ألله ، الذي ( أحبنا فإبتلانا )!! ولا من تمترس بالعلمانية قادر على حماية نفسه قبل ألآخرين في السباحة إلى برّ أمان يتساوى فيه الجميع في حقّ ( المتعة ) بالتساوي !! ولا من ظلّ محتاراً بين هذين قادر على إعلان نفسه مراقبا ًحياديا ًعلى الجميع فأغلق ألأبواب على نفسه وحصّنها من ( سوء الظن ّ ) القاتل !! والجميع يركضون خائفين يطاردهم خائفون من خائفين ، وكأنها ثقافة الخوف والتخويف التي صارت وحدها الوطن الجديد للعراقيين !!

نحن شعب إحتار بنفسه ، فإن صفق لطاغية خوفا ً من بطشه ، بطشت به القوى التي عارضت الطاغية ألأول مع علمها ( بمذهب الخوف ) الذي ( آمن به كل عراقي ) مرغما ً منذ عقود ، وكأننا نقلّد جلاّدينا على أطباق أطماعنا بحليب البقرة الجريحة ، التي لم تنقطع عن سكبه في كل إناء يوضع تحت ضرعها الكريم !! وإن صفق العراقي لمن ورث الجلاد مرغما ً وجد نفسه بين فكّي تهمة ( الخيانة العظمى ) فحلّ سلخه وتمزيق جسده بالخناجر والمزارف ألآلية أو بالمتفجرات إختصارا ً للوقت !! وما عدنا نعرف على أي ماء نضع شمعتنا ، قربانا ً ، ليوم آمن نتمناه لأطفالنا وأهلنا وأصدقائنا ومواطنينا !! ما عدنا نعرف إن كان الذي أتى في هذه اللحظة قد جاء ليربّت على أكتافنا ويطمئننا من خوف قادم من كل الجهات ، أم أنه جاء ليفجرّنا على جناح مفردة غادرت معناها من بيانات ألأطراف المتصارعة من أجل حفنة من حليب البقرة الجريحة ، التي كانت تسمى العراق ، وصار إسمها الجديد : مرضعة الخوف !!

الماء والكهرباء وألأمن الحسن : أمنية الصيف في الشتاء ، وأمنية الشتاء لكل الفصول ، مفرداتها لم تعثر على فتوى ( ملزمة ) تضع ألأمان في موقع ( الحلال ) الذي يرضي الجميع ، بمن فيهم ( السوّاح ) الذين دخلوا العراق دون تأشيرات دخول ، ما دام السادة الذين يوجّهون رياح ثقافة الخوف نحو بعضهم ونحو عامة العراقيين يوغلون في تبديد أمان ( أرض السّواد ) وسكّانها ، الذين عادوا إلى مهفات آبائهم وأجدادهم مرغمين !!

arraseef@yahoo.com :NJ: