من إيحاءات تحريف الواقع في قصة (أسامة بن زيد) بـ2ع

قلت في المقال السابق (من الهنات اللغوية في قصة "أسامة بن زيد" المقررة على الثاني الإعدادي) المنشور في 7/6/2017م: (عندما تقرأ قصة "أسامة بن زيد" المقررة على الصف الثاني الإعدادي تجد لغة صحيحة وأسلوبا متينا وتعبيرا فصيحا يفضل قصص ما قبل المرحلة الثانوية جميعها).
نعم، عندما تقرأها ستجد فيها قوة تعبير وفصاحة لغة، لكن ابن آدم خطاء، وجَلّ مَن لا يسهو، وكفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه.
وقد تناولت في المقال المشار إليه آنفا بعض الهنات اللغوية، وهنا أسرد عددا من الهنات الفكرية التي تُحدث تحريفا غير متعمد للواقع المزامن أحداث القصة يجب تعديلها في الطبعات القادمة إن شاء الله تعالى، وهي:
1- آلعرب تبيع أبناءها في سوق الرقيق؟
2- يقتحم .. الكلمة واجبة الحذف.
3- جنديا لا قائدا .. لا متطوعا.

وهاكم التفصيل:
1- آلعرب تبيع أبناءها في سوق الرقيق؟
أحيانا تكون الصورة المثلى للمعلومة عرضها عرضا مباشرا من دون تقديم.
لم؟
لأن التقديم قد يفجر موضوعات أخرى غير مرادة.
مثل ماذا؟
مثل ما ورد في قصة "أسامة بن زيد" المقررة على الثاني الإعدادي ص6 من قول المؤلفين في إجابة سؤال: من أسامة بن زيد؟
ماذا قالا؟
قالا: (إنه ليس من أسرة تبيع أبناءها في سوق الرقيق، وإنما هو من قوم يؤثرون الحرية على ما عداها من زخرف الدنيا ومتاع الحياة).
بم توحي جملة (إنه ليس من أسرة تبيع أبناءها في سوق الرقيق)؟
توحي بأن هناك فريقا من العرب كان يبيع أبناءه، فهل كان ديدن العرب بيع أبنائهم في سوق الرقيق؟ آلعرب الذي كان منهم من يدفن البنات أحياء خوف العار كانوا يبيعون أبناءهم؟ آلعرب الذين كانوا يتفانون حربا وقتالا لشيء تافه كناقة كما حدث في حرب البسوس- يبيعون أبناءهم أرقاء؟
لقد بحثت عن مصادر الرق عند العرب في الجاهلية فلم أجد بيع الأبناء مصدرا، فهل هناك مَنْ عنده أثارة من علم عن هذا؟
إن كان فأرجو أن يفيدني مشكورا مأجورا!

2- يقتحم .. الكلمة واجبة الحذف
ورد بقصة "أسامة بن زيد" المقررة على الصف الثاني الإعدادي ص21 نصا يوحي بعدم احترام الدخول على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كيف؟
تقول القصة في الصفحة المذكورة: (وبينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه يلقنهم تعاليم السماء ومبادئ الإسلام إذا برجل قادم من مكة اسمه عمرو بن سالم الخزاعي يقتحم عليه مجلسه وقلبه ينتفض من الرعب).
ماذا قرأنا عن فعل عمرو بن سالم حليف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
لقد قرأنا أنه "اقتحم مجلس الرسول".
ما معنى "اقتحم" كما ورد بالهامش؟
"يقتحم: يدخل عليه عنوة". أي دخل عمرو بن سالم على الرسول على الرغم من إرادة الرسول عدم دخوله، فهل هذا صحيح؟
لا.
لم؟
لقد راجعت روايات هذا الموقف في السنن الكبرى والصغرى للبيهقي، والطبقات الكبرى لابن سعد، والمعجم الكبير والصغير للطبراني، ومصنف ابن أبي شيبة، وشرح معاني الآثار للطحاوي، وغيرها- فلم أجد هذه الكلمة غير الصحيحة، ووجدت: "فقدم صريخ بني كعب ... فقال، وفلما قدم أنشده، فلما وقف عليه قال". إلى آخر العبارات الملائمة لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا يسمح أصحابه لأحد مهما كان أن يقتحم عليه مجلسه، أولئك الصحب الذين تترسوا حوله يوم أحد يوم القتل والقتال حتى لا تصل إليه سهام قريش ورماحها، فكيف يسمحون لرجل أن يفعل ذلك؟ وكيف يفعل الحليف مع حليفه ذلك؟
إن هذه الكلمة واجبة الحذف في الطبعات القادمة إن شاء الله تعالى، وأن ينوب عنها ما أوردته الروايات مما مثلت له سابقا.
وهذه رواية (السنن الصغرى) للبيهقي: (... وَأَنَّ عَمْرَو بْنَ سَالِمٍ رَكِبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ خُزَاعَةَ وَبَنِي بَكْرٍ بِالْوَتِيرِ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُخْبِرُهُ الْخَبَرَ، وَقَدْ قَالَ أَبْيَاتٍ مِنَ الشِّعْرِ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْشَدَهُ إِيَّاهَا:
اللَّهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الأَتْلَدَا
كُنَّا وَالِدًا وَكُنْتَ وَالِدَا ثُمَّتَ أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِعَ يَدَا
فَانْصُرْ رَسُولَ اللَّهِ نَصْرًا أَعْتَدَا وَادْعُ عِبَادَ اللَّهِ يَأْتُوا مَدَدَا
فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ تَجَرَّدَا إِنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا
فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدَا إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا
وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُؤَكَّدَا وَجَعَلُوا لِي بِكِدَاءٍ رَصَدًا
وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتُ أَرْجُو أَحَدَا فَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدَا
هُمْ بَيَّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدَا فَقَتَلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدَا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نُصِرْتَ يَا عَمْرُو بْنَ سَالِمٍ! فَمَا بَرِحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّتْ عَنَانَةٌ فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ هَذِهِ السَّحَابَةَ لَتَسْتَهِلُّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ).

3- جنديا لا قائدا .. لا متطوعا
تقول القصة ص19: (بعد أن استشهد القواد الثلاثة وأصبح موقف المسلمين بالغ الخطورة تدخل خالد بن الوليد وكان قد خرج متطوعا مع الجيش ...).
كيف خرج سيدنا خالد؟ خرج متطوعا؟ ما معنى متطوعا؟ أكان هناك إلزام وتطوع كما في عصرنا؟
لا، ورد في (السنن الصغرى) للبيهقي بشأن الإعداد لفتح مكة: ( ... وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ بِالْجِهَازِ)؛ فقد كان كل من لديه لأمة حرب مدعوا عند النفير، وكان الأمر بالتجهز أمرا عاما لكل مستطيع.
إذا، ما التعبير الصحيح؟
إنه: (بعد أن استشهد القواد الثلاثة وأصبح موقف المسلمين بالغ الخطورة تدخل خالد بن الوليد وكان قد خرج جنديا مع الجيش لا قائدا ...).
وهذا ما تؤيده رواية البخاري: (1246 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ - وَإِنَّ عَيْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتَذْرِفَانِ- ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ).
وقد لقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم اللقب الذي اشتهر به بعد ذلك كما ورد في رواية البخاري في باب مناقب خالد بن الوليد: (3757 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ، فَقَالَ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ - وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ- حَتَّى أَخَذَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ).