أحدث المشاركات

مختارات في حب اليمن» بقلم محمد نعمان الحكيمي » آخر مشاركة: أسيل أحمد »»»»» نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» برق الخاطر ... قسم جديد لأعضاء واحة الخير» بقلم د. سمير العمري » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الثعبان الأقرع يداهمني في المنام بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» بعض الحزن موت وبعضه ميلاد.» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» الغاية لا تبرر الوسيلة» بقلم جلال دشيشة » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» أمات العربُ؟» بقلم غلام الله بن صالح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» غار النصر في غزة» بقلم احمد المعطي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» رواية قنابل الثقوب السوداء .. مسلسلة. التالي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» الموشحات الكشكية 1'2'3» بقلم محمد محمد أبو كشك » آخر مشاركة: محمد محمد أبو كشك »»»»»

صفحة 1 من 4 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 37

الموضوع: عودة بعد غياب وفصول من رواية إعدام مظلوم

  1. #1
    الصورة الرمزية علاء سعد حسن أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 468
    المواضيع : 50
    الردود : 468
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي عودة بعد غياب وفصول من رواية إعدام مظلوم

    الفصل الاول

    ( 1 )

    أدارت محرك السيارة بصعوبة بالغة، أصابع يدها ترتعش بعنف رغما عنها.. جسدها كله يرتجف.. في تصميم وعزم داست دواسة البنزين بقوة قبل أن ترفع قدمها اليسرى من فوق دواسة فصل الحركة.. فأنّت السيارة وأصدرت صريخا مخيفا بسبب احتكاك عجلاتها بالأسفلت، وأخذت تتلوى في طريق ضيّق بين عشرات السيارات على الجانبين مبتعدة عن مبنى المحكمة.. عندما ابتلعتها شوارع المدينة الجميلة بدا لها كل شيء مشوشا، معالم الطريق، إشارات المرور، أعمدة الكهرباء، الأشخاص الذين يعبرون الشارع في برود متناهي وغير مبالاة.. الدراجات البخارية التي كادت أن تصطدم بها أكثر من مرة.. لم تتوقف على جانب الطريق فلم تكن أدركت بعد أنها تبكي، وأن دموعها قد شكلت سحابة كثيفة على عدسات نظارتها الشمسية الأنيقة.. أفاقت من شرودها على صوت منبه حافلة كادت أن تصطدم ببابها وصوت سباب عال ينطلق من فم السائق.. وأصوات مكابح مرتفعة تتصاعد خلفها، أخيرا قررت أن تنعطف إلى شارع جانبي وخلعت نظارتها الشمسية ناظرة في مرآة السيارة، لتلمح عينين بلون ثمرتي الطماطم الناضجتين.. أمسكت حقيبة يدها وأخرجت منديلا ورقيا وأخذت تمسح عدسات نظارتها بشرود..

    رأت محمود مقبلا عليها بابتسامته الباشة المعهودة، بطوله الفارع ونحافته الشديدة، ووجهه الأبيض ذو اللحية الخفيفة المهندمة، وشعره القصير جدا من جانبي الرأس على أحدث صيحة.. رأته يتوقف أمام سيارتها بجسارة وهو يقود دراجة بخارية فارهة يمتلكها صديق له.. بالكاد استطاعت أن توقف سيارتها في الوقت المناسب بعدما صرخت المكابح بعنف.. شهقت بقوة وكانت قد أغمضت عينيها فلم تتبين وجه قائد الدراجة البخارية بسبب انعكاس أشعة الشمس على الخوذة الصفراء اللامعة التي تخفي كثيرا من ملامحه.. قفز من فوق الدراجة أقبل عليها وهو يدق زجاج باب سيارتها بمرح.. صرخت وهي تفتح له الزجاج: أنت مجنون.. لقد كدت أصدمك بعنف.. لولا..

    صاح بها قبل أن تجد الكلمات المناسبة: لولا ستر الله.. ألف مرة أحذرك من قيادة سيارتك وأنت شاردة..

    قالت وفي صوتها رنة غضب حقيقية: وماذا لو لم أنتبه لجنون جنابك في اللحظة الأخيرة؟!..

    هز كتفيه في استخفاف وقال: لا شيء.. كنت سأستدير بالماكينة بحركة بهلوانية رائعة وأسير أمامك أفسح لك الطريق أيتها الأميرة الحسناء..

    ضحكت رغم أنها لم تكن قد سيطرت على كامل أعصابها بعد، تساءلت: وحتى تقنعني بعدم القيادة شاردة تلق بنفسك هكذا أمام سيارتي بجنون؟

    رفع سبابته إلى شفتيه محذرا وهو يكتم ابتسامة عريضة: يجب عليك احترامي يا آنسة.. لن أسمح لك بوصفي بالجنون مرة أخرى.. يجب عليك أن تظهري لي قدرا من الاحترام أكثر من ذلك بكثير..

    نظرت إليه بابتسامة هازئة لم تخفِ إعجابها المبطن بلهجته الجادة القوية وملامحه التي لوحتها شمس الصيف فزادت من وسامته.. تساءلت في محاولة لتبدي قدرا من الاستهانة: لماذا إن شاء الله؟.. هل قررت أن تتخلى عن جنونك لتصبح إنسانا محترما؟!

    زام بشفتيه مصدرا أصواتا مبهمة، قبل أن يجيب: لا أظن أنني سأتخلى عن جنوني.. بالعكس أنا في هذه اللحظة مقبل على أكبر عمل مجنون في حياتي كلها.. عمي وافق يا سيدتي على موعد عقد الزواج.. الخميس بعد القادم!!

    شهقت من الفرح والمفاجأة قبل أن يقفز بحركة بهلوانية عجيبة لتجده جوارها على المقعد الخالي في السيارة، اقترب منها إلى الدرجة التي جعلتها ترفع كفها في وجهه محذرة وهي تصرخ: تعقّل يا محمود.. نحن لسنا أزواجا بعد.. كما أننا في منتصف الشارع..

    وقبل أن تنتهي من تحذيرها الصارخ، كان قد قفز في سرعة البرق قفزتين ليمتطي صهوة دراجة صديقه البخارية وينطلق بها من أمامها وهو يلوح لها بذراعه ويصيح: لو كنت ماهرة في قيادة سيارتك حقيقة فالحقي بي..

    بعد ثوانٍ كان قد اختفى من أمام عينيها.. تبخّرت صورته فوق الدراجة البخارية.. تبدلت كليا ليظهر محمود من جديد في بدلة الإعدام الحمراء خلف قضبان قفص المحكمة، فارع الطول بين زملائه، رافع الرأس، يكتم دموع عينيه كلما التقت بعينيها من خلف الحواجز.. حتى هي كانت تداري لمعان دموعها عنه..

    حاولت أن تمضي بسيارتها خلال الشارع الجانبي الذي انحرفت إليه منذ لحظات.. عادت السُحب الكثيفة على عدستي نظارتها الشمسية تحجب عنها الرؤية لم تعد ترى سوى محمود، رغم ضجيج الشارع العاج بالمارة وأصوات الضوضاء المنبعثة من المحلات الصغيرة المحيطة بها لم تعد تسمع سوى صوت محمود يجلجل في المحكمة، بعدما سمح له رئيس محكمة النقض بالحديث عن نفسه.. بدا لها محمود مستميتا في إثبات حقيقة ما.. إنها مؤمنة ببرائته.. كانت دوما مؤمنة ببرائته.. إيمانها ببرائته لم يتزعزع أمام الحكم بالإعدام الذي أصدرته عليه وعلى زملائه الخمسة محكمة الجنايات.. لكنها اليوم بعد سماعها له في المحكمة لم تعد فقط مؤمنة ببرائته، لقد صارت متيقنة من هذه البراءة تمام اليقين.. تشعر أنه كان يستصرخها يستنجد بها لتفعل شيئا من أجله.. تفعل شيئا حتى ولو كان مجنونا – كما كانت أفعاله كلها مجنونة من قبل- لإنقاذه من حبل المشنقة، وهي عازمة على ألا تضيع دقيقة واحدة دون أن تفعل هذا الشيء ولو كان مجنونا.. هذا الشيء الذي لا تعرفه بعد ومع ذلك يتوجب عليها أن تفعله، ومن جديد داست دواسة البنزين بقوة لا تتناسب مع مساحة الشارع الجانبي الضيق الذي انعطفت إليه، مما جعل الجميع يلتفتون إليها في دهشة وهي تخرج من الجهة المقابلة إلى زحام الطريق الرئيس وعلى وجهها تصميم عنيد وهي تردد لنفسها: لا وقت للدموع يا لمياء.. لا وقت الآن للدموع..


    لا تدري لمَ كانت أول صورة تخطر ببالها هي صورة الحاجة سهير!.. على كل حال لقد كانت الحاجة سهير هي الشخص الملائم تماما للمساعدة فيما اعتزمت القيام به..

    من جديد تملأ صورة محمود الفراغ أمامها.. لا تتذكر أنها رأته بهذا القدر من الجدية والوسامة من قبل، لقد ظهر رأسه حليقا تماما، لا توجد به شعرة واحدة.. لم تنتبه من قبل إلى أن عينيه كحيلتين إلى هذا الحد الفاتن.. إنهما لا تبدوان كذلك أبدا إلا إذا حلق شعر رأسه تماما.. لقد بدا جسده أكثر هزالا ونحافة في حلته الحمراء التي تتسع لشخصين آخرين معه داخلها!!.. وعلى خدوده بدت آثار بعض الكدمات، وحول عنقه آثار حروق .. لكنه مع هذه الجدية والصرامة التي لم تكن تظهر منه إلا نادرا جدا، حتى إن لمياء لا تستطيع أن تتذكر له موقفا أو اثنين بدا فيهما جادا عاقلا رزينا.. بدا رغم هزاله وإعيائه العام وسيما إلى درجة حمقاء.. كأنه اختار المكان الخطأ والزمن الخطأ ليثبت لها أنها أبدا لن تعرف غيره ولن تحب سواه.. مجنون محمود.. إنه فعلا مجنون في أدق تفاصيله.. لكن جنونه هذا لم يمنعه أبدا من شيئين غريبين جدا في هذه الحياة، لم يمنعه من تفوق فذ في دراسته وحياته العلمية والعملية، فهو من الأوائل دائما في دراسته، وهو من أوائل دفعته في كلية الصيدلة جامعة المنصورة، والشيء الآخر قدرته على اكتساب إعجاب الناس حوله به، وحب أكثرهم له!! هناك حقيقة ثالثة تملأ كيانها الآن كما تملأ صورة محمود أمام المحكمة الفراغ بينها وبين زجاج (بربيز) سيارتها فلا ترى من الطريق غيره، إنها أيضا تحبه بجنون، إنها أيضا مجنونة – يجب أن تعترف لنفسها- في حب جنونه!.. محمود في وقفته الشامخة –بهزاله وإعيائه- خلف قضبان قفص المحكمة لم يتبقَ منه سوى روح، روح مخيفة في كبريائها وعزمها ووهجها.. إنها تخاف من هذه الروح المجنونة كما تعشقها، تخاف منها لأنها ببساطة تسكنها الآن، توجه قراراتها وتصرفاتها، فروح محمود هي التي تحكمها الآن وتتحكم..

    انحرفت بالسيارة من جديد عن المسار التي كانت تسير فيه، توقفت على جانب طريق لم يكن ضيقه يسمح بالوقوف، فانطلقت من خلفها عشرات آلات التنبيه في ضيق وانفعال، لكنها تجاهلت حتى سباب سائقي سيارات الأجرة حولها، ونظرات فضولية لعابري الطريق، أو لعلها لم تنتبه لذلك كله.. أخذت تعبث بمحتويات حقيبة يدها، وعندما ملّت من البحث، ألقت محتويات الحقيبة على المقعد المجاور لها –ذات المقعد الذي امتلأ بحيوية وشطحات محمود عندما كان يركب معها سيارتها متخليّا عن سيارته المتهالكة-بعثرت المحتويات على كامل المقعد حتى ظهرت بطاقة تعريف باهتة كانت هي ما تبحث عنه وسط كومة من العاديات المهملة.. رفعتها أمام عينيها وقرأتها –ربما لأول مرة-:دسوقي فهمي دسوقي محام.. التقطت العنوان واحتفظت بالبطاقة أمامها.. وتحركت بسياراتها في الشارع بنفس الرعونة والحمق التي توقفت بهما معرقلة حركة المرور.. من جديد ارتفعت أصوات الاحتجاجات مع نباح عشرات آلات التنبيه.. ولم تعبأ.. في الحقيقة لم تكن لمياء من قبل رعناء ولا حمقاء.. حتى قيادتها للسيارة كانت هادئة رزينة في المجمل، لم يكن يشوبها إلا شائبة واحدة، أنها كانت تقود وهي شاردة أحيانا.. ومحمود هو أكثر من كان يحذّرها وينهاها عن القيادة وهي على هذه الحالة من الشرود، هتفت حانقة: الأبله.. لم يكن يعرف أبدا أنه هو وحده دون سواه سبب كل هذا الشرود.. لم أكن أنوي أن أخبره بتلك البديهية يوما، فالبديهيات تُدرَك ولا تُخبَر!!
    ارتفعت كفها في حركة لا إرادية فأمسكت أسفل صدرها الأيسر، كأنها تسند قلبها، إنها تشعر بوخز متعاقب.. لقد بات عليها أن تخبر محمود بالبديهيات الآن، لا بد أن يعرف كل الحقائق قبل أن .... ولم تستطع إتمام جملتها!!
    هل تكفيني كلمة أحبك وأنا أقتات على حبك!روحي تحيا بحبك،قلبي يدق به، حياتي لحبك
    التعديل الأخير تم بواسطة علاء سعد حسن ; 01-07-2017 الساعة 09:43 PM سبب آخر: التنسيق

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,035
    المواضيع : 310
    الردود : 21035
    المعدل اليومي : 4.96

    افتراضي

    بأسلوب مشوق وسرد ماتع جاذب وبلغة أنيقة قوية
    لقلم يعرف كيف يمتلك لب القارئ وعقله ـ استطعت ان تأسرنا
    معك في قصتك لنبقى مشدودين وفي انتظار للتمة ..
    تقديري لك ولقلمك
    دمت ودام أدبك الناضج.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Sep 2015
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 249
    المواضيع : 13
    الردود : 249
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    مرحبا بعودتك أستاذ علاء.

    استمعت كثيرا بقراءة هذا الجزء من الرواية الذي يبشر بفصول شائقة وممتعة، وبأحداث ونهايات غاية في الجمال والإبداع.

    مع أجمل التحايا

  4. #4
    الصورة الرمزية علاء سعد حسن أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 468
    المواضيع : 50
    الردود : 468
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناديه محمد الجابي مشاهدة المشاركة
    بأسلوب مشوق وسرد ماتع جاذب وبلغة أنيقة قوية
    لقلم يعرف كيف يمتلك لب القارئ وعقله ـ استطعت ان تأسرنا
    معك في قصتك لنبقى مشدودين وفي انتظار للتمة ..
    تقديري لك ولقلمك
    دمت ودام أدبك الناضج.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحية كبيرة لاطلالتك سيدتي
    اطلالة تأخذ بيد مغترب عائد الى بيته يتسقط ايماءات الترحيب

    دمت بكرم والق

  5. #5
    الصورة الرمزية علاء سعد حسن أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 468
    المواضيع : 50
    الردود : 468
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد العكيدي مشاهدة المشاركة
    مرحبا بعودتك أستاذ علاء.

    استمعت كثيرا بقراءة هذا الجزء من الرواية الذي يبشر بفصول شائقة وممتعة، وبأحداث ونهايات غاية في الجمال والإبداع.

    مع أجمل التحايا
    تحياتي العطرة لمرورك الكريم استاذ احمد

  6. #6
    الصورة الرمزية علاء سعد حسن أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 468
    المواضيع : 50
    الردود : 468
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    ( 2 )

    انعطفت بالسيارة في بعض الشوارع الجانبية الضيّقة متتبعة العنوان المكتوب على البطاقة التعريفية بالمحامي، حتى وجدت نفسها تسير داخل السوق في طريق لا يكاد يستوعب مرور سيارتها، فيضيق بالمارة وعربات الباعة الجائلين المصطفّة على الجانبين، وأقفاص الخضر والفاكهة التي تنتهك حرم الطريق، كما ينتهك ارتفاع أسعارها حرمة جيوب المشترين!!
    بالكاد وصلت إلى نهاية السوق دون حوادث تذكر، فتعليقات المتجولين بعدم مناسبة الطريق لمرور سيارة به لم تعنِ لها شيئا في حالتها التي كانت عليها!
    أخيرا انحرفت بالسيارة إلى منعطف على اليسار، كان يستوعب مقدمة سيارتها لا أكثر، وجدت من المستحيل عليها فتح بابها لتهبط منه، فاكتفت بكبس زر انزال زجاج بابها ومناداة بعض صبية يلعبون بالزقاق وسؤالهم عن مواعيد حضور المحامي الذي بدا لها مكتبه مُغلق النوافذ، وكان يشغل الطابق الثاني من بيت قديم متهدّم الشرفات، يعشعش العنكبوت بكثافة على القوائم الخشبية المهترئة لمدخله الضيْق المظلم وقت الظهيرة!

    أجابها أجرأ الصبيان وأسرعهم استيعابا للسؤال:

    آه الأستاذ دسوقي المحامي لم يعد يحضر إلى المكتب منذ جاءت الشرطة للقبض عليه..

    ازدادت اضطرابا وسبقها لسانها بسؤال قبل أن تكتشف غباءه: وهل قبضوا عليه؟!

    طمأنها الصبي وعلى وجهه ابتسامة خبيثة:
    لا.. لا.. لم يكن موجودا وقت حضورهم.. تقول أمي أنه هجر المكتب من ليلتها..

    شكرته وقامت بمغامرة شاقة جدا لإخراج السيارة من الوضع المأساوي الذي قادتها إليه..


    بعد أكثر من نصف ساعة أخرى كانت تجلس في أحد المقاهي النظيفة في أحد الضواحي الهادئة بالمدينة، في انتظار حضور السيد دسوقي فهمي دسوقي، بعدما نجحت في مهاتفته أخيرا وكانت قد تفطّنت لترك رسالة نصية له ليأمن بالرد على رنين هاتفها المتواصل بلا انقطاع من جانبها ودون رد من جانبه..
    لا تدري لمَ ابتسمتْ وهي تتذكر منظر الأستاذ (دسوقي) وكيل الفنان فؤاد المهندس في مسرحية (أنا وهو وهي) ببنطاله القصير وجملته الشهيرة: أنا الاستاذ دسوقي الوكيل بتاعه.. أو جملته الأكثر شهرة: بلد شهادات صحيح..
    ضبطت نفسها تبتسم، ولامت نفسها بشدة فلم يعد من حقها أن تبتسم قبل أن تنقذ محمود من حبل المشنقة!!
    أخيرا وصل الأستاذ دسوقي الذي بهرها مظهره تماما، فلم تكن تتخيل أبدا أن تراه على هذه الهيئة!!.. ولم تُخب صورته ظنونها، ولم تتباين كثيرا مع صورة الأستاذ دسوقي وكيل الفنان (فؤاد المهندس)!


    والأستاذ دسوقي فهمي دسوقي رجل أربعيني من أصول ريفية واضحة على ملامح وجهه ولهجته تاركة بصمة واضحة على الطريقة التي اختارها في التخفي، مرتديا خليطا متنافرا تماما من الملابس، جعلته أقرب إلى ممثل كومبارس فار من استوديهات السينما أثناء تصوير فيلم كوميدي بملابس الشخصية التي يؤدي دورها في الفيلم!!
    حاولت منع عقلها من طرح سؤاله التهكمي عليها، لكن السؤال انطلق إلى رأسها رغما عنها:
    وهل هذا الرجل هو المنوط به إنقاذ زوجها أو خطيبها من الإعدام؟!
    اضطراب الرجل ونظراته المختلسة حوله في كل لحظة تقريبا أثار شفقتها بشدة، حاولت إنهاء محنة المحامي بسرعة قدر الإمكان.. سألته عن الموقف القانوني لموكّليه، وجاءتها إجابته النموذجية في مثل هذه الظروف، قال هازئا:

    لا يوجد موقف قانوني يا دكتورة.. الانقلاب العسكري عطّل القانون.. نحن نخضع لأسوء فترة مرّت على المحاكم عرفها التاريخ الحديث...
    ثم انبرى الرجل في مرافعة طويلة حد الملل عن أوضاع البلاد، انهمك في مرافعته حتى أنه نسيَ توتره واضطرابه ونظراته المتلاحقة الباحثة عن عين مراقب ما..
    وهي تتحيّن الفرصة لتوقف تلك المرافعة، لم يكن يعنيها شيئا من كل هذا اللغو الذي حفظته عن ظهر قلب من جرّاء ترددها على كل الأطراف التي تتعلق القضية بهم.. لقد وصلت رسالة هيئة الدفاع عن المتهمين الشباب.. وخلاصة الرسالة أن هيئة الدفاع نفسها متهمة بالتواطؤ مع المتهمين، وتعاني من المطاردة والتعقب، ومُشرّدة عن مكاتبها وبيوتها، وتعمل في ظروف بالغة التعقيد.. هيئة الدفاع تحتاج إلى ثُلّة من المحامين الأفذاذ للدفاع عنها!!

    ربما خانها التعبير، أو خانتها المشاعر، لكن التقزز الواضح على ملامح وجهها جعل الأستاذ دسوقي فهمي دسوقي يفهم على وجه الدقّة السؤال الذي جاهدت دقائق لتصيغه بطريقة أكثر لباقة ولياقة.. لكن الرجل فهم المعنى مباشرة، وأجاب عليه بطريقة أكثر مباشرة:

    مهمتنا تنحصر سيدتي فيما يتعلّق بالأمور الإنسانية.. الحصول على أكبر عدد ممكن من الزيارات للمتهمين من ذويهم، والتي تتعنت الداخلية في منعها أو تقليصها.. تهريب الأدوية الضرورية وبعض الطعام النظيف للمتهمين..

    ثم شرع يشرح لها من جديد مغامرات المحامين المساكين مع أمناء الشرطة والمساعدين والجنود لتهريب هذه الأشياء الإنسانية البسيطة، وما يتكبّدونه من مصروفات يدفعونها بسخاء لهؤلاء نظير تمرير الحقوق البديهية الإنسانية للمتهمين وغيرهم..

    أخيرا استطاعت أن تتخلص من هذا اللقاء الكئيب، معتذرة بأنها لا تريد أن تطيل اللقاء أكثر من ذلك حتى لا تسبب له قلقا مُضاعفا بسبب الأوضاع الأمنية..
    في اللحظة التي حرّك فيها الأستاذ دسوقي مقعده إلى الخلف ونهض شبه واقفا، باغتته بالسؤال الذي التقته أساسا من أجل أن تطرحه عليه:
    ما هو الحل الوحيد الممكن لايقاف تنفيذ حكم الإعدام؟!

    أُسقط في يد الرجل، وانكفأ رأسه على صدره في هيئة كاروكاتيرية غريبة قبل أن يجلس من جديد.. بدا على ملامح وجهه أنه سيعيد شرح كل ما تقدم شرحه خلال الساعة الفائتة لكن بأسلوب مختلف، قال:

    القضية برمّتها يا سيدتي قضية سياسية لا جنائية.. القضايا السياسية ليس لها إلا مخرج واحد لإيقاف تنفيذ الحكم هو العفو الرئاسي!!
    أومأت له برأسها لتوهمه بتفهمها، وشكرته ثم كانت هذه المرة أول من نهض ليغادر المكان..

    لم يكن في استطاعتها أن تفهم أن قضية جنائية مثل هذه فيها جريمة قتل واضحة لشرطي يعمل حارسا، يمكن أن تكون قضية سياسية بحتة!.. هي تدرك الظروف والملابسات المحيطة بالطبع، وتفهم جيدا حجج وذرائع المحامي وهيئة الدفاع جميعا.. لكن القضية لم تكن اختلاقا سياسيا محضا.. القضية لها أصل جنائي.. هناك قتيل فعلي حقيقي هو الشرطي، وإذا وُجد قتيل، فلا بد من وجود قاتل.. أن يُعدم بريء أو أبرياء نيابة عن المجرم الحقيقي قد يكون ملتبسا بشبهة تسييس.. لكن شطر القضية جنائي لا شك عندها في ذلك..
    لم يكن في مقدورها أن تصارح الأستاذ دسوقي بخواطرها تلك، لقد أشفقت عليه منذ البداية مما يعانيه من اضطراب يجعل أكبر همه في الحياة أن ينأى بنفسه هو شخصيا عن الزج به في قضية من هذا النوع.. كانت نظرتها له منذ التقته أو ربما بالأحرى منذ رأت واجهة مكتبه المهجور، تتمثل في المثل الشعبي القائل: (جبتك يا عبد المعين تعينني.. وجدتك يا عبد المعين تنعان)!!


    ملأ رأسها وهي في طريقها إلى سيارتها سؤالا ملحا: هل كل الأطراف المتأثرين بتلك القضية المصيرية على شاكلة الأستاذ دسوقي فهمي دسوقي؟!.. هل كلهم قد آمنوا أنه لا جدوى من أي شيء لأن السياسة غلبت كل شيء؟!..
    من جديد قفزت إلى ذهنها صورة الحاجّة سهير كمنقذ محتمل..

    عندما استقلّت سيارتها لم تستتطع أن تتحرك بها، لقد ملأ بصرها وسمعها حديث محمود من قفص المحكمة إلى رئيس المحكمة.. لقد كانت مرافعة محمود أقوى من كل مرافعات هيئات دفاع أقصى طموحهم تهريب شريط أقراص دوائية لزوم الربو أو السعال الديكي، وعدة أرغفة من الخبز النظيف الخالي من السوس!!.. هيئات الدفاع عن القانون وحقوق المواطنين لم تعد كذلك، ومكاتب المحامين الموَكّلين بالقضايا السياسية وشبه السياسية تحولت إلى مكاتب خدمات.. والذين يلعنون الانقلاب العسكري ليل نهار على صفحات تواصلهم الاجتماعي فيما يشبه التسبيح بالعشي والإبكار، أنفسهم يرشون ويوّسطون ويستجدون أصغر جندي في دولاب ماكينة ذات النظام الانقلابي لتمرير علبة دواء لذويهم!!.. وقفز إلى رأسها سؤال فرض نفسه إزاء تلك المفارقة العجيبة، هل هؤلاء معنيين حقا بقتل ذات الجنود الصغار، كالشرطي الحارس القتيل؟!

    محمود لم يكن يهذي وهو يصيح بأعلى صوته كأنه يريد أن يُسمع مصر كلهامرافعته:


    معالي المستشار رئيس المحكمة الموقر.. أنا أؤمن أن القتل كله حرام.. حرام ليس ككل حرام.. القتل أبشع جريمة عرفتها البشرية.. لقد علّمونا يا معالي المستشار أن من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا.. وعلّمونا أن من قتل نفسا بغير نفس أو أعان على قتلها بشطر كلمة جاء مكتوبا على جبهته يوم القيامة آيس من رحمة الله.. وعلّمونا أننا أبناء دعوة رفض مرشدها الثاني أن يصافح رجلا جاء يبايعه لأنه علم أنه كان قاتلا، ولا يمكن له أن يضع كفه في كف سفكت الدماء..
    (رسم محمود فاصلا زمنيا وهو يلقي نظرة عابرة على الحضور، تنفس بعمق ثم أضاف):

    يا معالي المستشار القتل جريمة بشعة نكراء في كل الأحوال والظروف.. والاغتيال غدرا وغيلة أشد دناءة وأبشع نكارة.. يا معالي المستشار رئيس هيئة المحكمة الموقرة إنني أُشهد الله وأُشهد هيئتكم الموقرة وكل من في هذه القاعة، قاعة الحق والعدل.. أنني أمقت القتل وأرفض مبدأ القصاص الفردي.. فالقصاص الفردي يحوّل المجتمع إلى غابة يستحيل العيش فيها فضلا عن الأمن والأمان.. فكيف لي أن أشارك في قتل جندي يعمل حارسا؟؟.. إن الذين يؤمنون بالقصاص الفردي لا يمكنهم أن يثبتوا أن هذا الجندي المسكين –رحمه الله- كان متورّطا بلحمه وشحمه في قتل واحد منهم محدد معلوم.. فهل من إنسان عاقل على هذه الأرض يؤمن بتوزيع القتل العشوائي على البشر؟!..

    معالي المستشار إنني وأنا أعلن كلماتي هذه أشعر أنها آخر اتصال لي بالعالم خارج الأسوار.. الموت بات قريبا جدا إلى رقبتي ورقاب إخواني المتهمين معي في نفس القضية، وأنا لست محاميا مختصا لأدفع عن نفسي جريمة لم أرتكبها، ولم أطلب الكلمة كي ألتمس من معاليكم تخفيف الحكم.. إنني وقد بت قريبا من ملاقاة المولى الحَكَم الحق العدل الشهيد أردت أن أُسجّل للناس وللذاكرة وللتاريخ أن القتل جريمة بشعة لا يُقرها دين.. وأنني أرفضه وأمقته و........


    انطلقت آلة التنبيه برعونة من سيارة كانت تقف خلف سيارة لمياء، انتظر قائدها طويلا لتبتعد بسيارتها مفسحة له مكان الخروج، فلما تمادت في ذكرياتها صرخ في وجهها بكل حدّة آلة التنبيه المزعجة بسيارته.. فاضطرت لمياء أن تتحرك بسيارتها مودّعة صورة محمود كأن قائد تلك السيارة اللعينة قد انتزعها انتزاعا من بين أحضان فتاها، فانطلقت ودموعها تنساب على خديها، كبست زر (الكاسيت)، فانبعث صوت (حمزة نمرة):

    يا مظلوم ارتاح
    عمر الحق ما راح
    ليك يا ظالم يوم
    تشرب أسى وجراح
    ياللي اتظلمت خلاص
    مستني ايه من الناس
    ده زمان ملهوش أمان
    فيه الغلبان عليه ينداس

  7. #7
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Sep 2015
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 249
    المواضيع : 13
    الردود : 249
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    فصل أخر مميز للرواية مميزة بأسلوبها، وصورها، وأحداثها...
    نترقب المزيد.
    دمت مبدعا.
    مع التقدير

  8. #8
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,035
    المواضيع : 310
    الردود : 21035
    المعدل اليومي : 4.96

    افتراضي

    بحورك عميقة ، ولا تركب إلا الصعب من الموج
    مواضيعك شائكة .. وشيقة ـ وبقلمك المتمكن تجعلنا نحلق معك
    في فضاءات حرفك المسجل للأحداث بعين مفكر وقلم أديب جاد احيانا
    وساخرا أحيانا أخرى .. ولكنه ممتع.
    أتابع معك .. وبشغف
    تحياتي وودي.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  9. #9
    الصورة الرمزية الفرحان بوعزة أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 2,366
    المواضيع : 199
    الردود : 2366
    المعدل اليومي : 0.56

    افتراضي

    بدون شك أن السارد مهد لروايته بافتتاحية مثيرة ومغرية ،حيث ترك القارئ يتنبأ بأحداث سوف تظهر بعد هذه التوطئة،واختار توليد الفوضى في الشارع العام ،فوضى خلقت نوعا من الترقب والاستنفار لدى القارئ ،ومن هنا زاوج السارد بين السرد المتين والوصف الدقيق لما حدث متتبعا سلوكات معينة ترتبط بالبطلة والمارة عن طريق لغة شيقة، فطور الحدث إلى ما يشبه نوعا من التداعي ،والتخيل ،والواقع الممكن ... فبرز ما يكسر نمطية السرد عن طريق حوار مقتضب يزاوج بين الرغبة في التواصل وتصنع القسوة والخشونة في الحديث. بفنية أدبية متميزة عرف السارد كيف يتخلص من الحديث عن الفوضى إلى الحديث عن ما هو أخطر وأكبر لرفع درجة التشويق والإثارة خاصة بعدما تعقدت الأمور ووصلت القضية إلى تأرجح بين الموت والحياة .. ..
    بداية موفقة ،وكتابة إبداعية متميزة ،تعتمد على تطويع اللغة لتكون منسجمة مع الأفكار ، وكما قيل : اللغة وعاء للأفكار ، فإذا انثقب الوعاء تبعثرت الأفكار ..
    جميل ما كتبت وأبدعت أخي المبدع المتألق علاء..
    محبتي وتقديري

  10. #10
    الصورة الرمزية مصطفى الصالح أديب
    تاريخ التسجيل : May 2014
    الدولة : شرق الحلم
    المشاركات : 1,031
    المواضيع : 44
    الردود : 1031
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    كأني أقرأ ل نجيب الكيلاني
    سأقول أنك أبدعت بلا حدود
    تشويق قوي
    أسلوب رصين مزج الحاضر بالماضي وأثبت الواقع بطريقة فنية لائقة
    ولغة جيدة خلت من السهوات إلا في كلمة واحدة
    أبدعت
    كل التقدير
    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

صفحة 1 من 4 1234 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. رحبوا معي...بالدكتور مصطفى عراقي عودة بعد غياب
    بواسطة صفاء حجازي في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 14-11-2007, 07:50 PM
  2. ستعود البسمة من بعد غياب
    بواسطة كنعان محمود قاسم في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 27-06-2007, 05:13 PM
  3. عودة بعد طول غياب
    بواسطة سيف الاسلام في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 03-03-2006, 11:26 PM
  4. أعود لكم من جديد بعد طول غياب ومع حب واشتياق فجديدي..عندما يتكلم القدر..!!
    بواسطة بنت الموسوي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 29-08-2005, 12:28 PM
  5. رحبوا معي بعودة نسرينة الواحة بعد طول غياب
    بواسطة د. سمير العمري في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 13-04-2003, 09:15 AM