الطِّـــفْـلُ وَالـقُــرْآنُ
أتى الطِّفلُ سعْياً يجَاري خُطاهُ *** يُـوَاري كتَـــــاباً أصَابتْ يَداهُ
يُنَاغيهِ فخْراً بحِرْصٍ بَريءٍ *** وأحْنـى عليْهِ لصَــــــدرٍ طَواهُ
يَدٌ تتَّـقينَا بيُـسْرى وأخْــــــــرى *** بيُمْنـى تُمَسِّكُ غـُـنْــــماً سَباهُ
فهَـبَّ أبُــــوهُ حَثـيــــثاً بحَــــــزْمٍ *** وقَـدْ راعَـهُ الأمْرُ لـــمَّا رآهُ
أقُـرْآنُ هَــــــــــدْيٍ بأيْـدِي صَبِيّ *** ألاَ مَنْ ألـُـومُ أمَا مــنْ نَـهاهُ؟
وأدْرَكــــــــهُ دُونَ سعْـيٍ بشَوْطٍ *** وسَـــلَّ الكتَاب بلـُطـــفٍ أتاهُ
بَكَى الطـِّفل مُسْتعْـــطفاً ثمَّ أهْوَى *** وعَـيْنُ الرَّجَاء تُرَضِّـي أبَاهُ
يُريدُ الكتَابَ الكَــــريمَ بحِـرْصٍ *** ومَا إنْ درى أيَّ سِـرّ هَـداهُ
ولَكنَّـــــهَا فـطــرَةُ الله ِ ضَاءَتْ *** فأسْـنَتْ قـُلَيْباً بنُــــورٍ جَلاَهُ
بنُورٍ سَرَى في الـوَرى منْ بُـزُوغٍ *** وسَالَ بـقَــدْرٍ رَعَـــاهُ الإلَهُ
فكَانَ الخـتَامُ بـذِكْـــــــــرٍ تجَلَّى *** بلَـيْـــــلٍ إذِ الغَارُ سَـاجٍ دُجَاهُ
وصَاحبُهُ فــــي خُشُـوعٍ بنُسْكٍ *** يُـناجِي الإلَهَ لأمْـــــــرٍ دَعاهُ
فصَـــاحَ المَــــلاكُ لِتَــقْرأ بـآيٍ *** بَشـيراً بدِينٍ إلَهِـــي ارْتضَاهُ
فَحَـمَّلهُ هَــــــــدْيَ خلْـقٍ تجَافَى *** عَن الحَـقِّ دهْراً تــوَافَى مَداهُ
بحَبْلٍ منَ النُّـــــور فـيْـضاً تدَلَّى *** أضـــاءَ قُـلـُـوبَ البَــرَايَـا سَنَاهُ
تلَــــوْنا كـــمَا أنْـزِلَتْ محْكَمَاتٍ *** بِسِــــــــــرّ أكِـنَّ بَــدَا مِنْ خَفَاهُ
يُجَلّي هُمـــوماً فتَصْغـى نُـفوسٌ *** بهِ تـطْمَـــــئـنُّ بذِكْــــــرٍ تــلاهُ
فَأسْمِــعْ صَبِـــــــيَّـكَ منْهُ نَصِيباً *** أبَا الطِّفْل،واقْرَأ برِسْلٍ عَسَاهُ
إذَا بَلغَ السَّمْعَ مــــــنْهُ وَأصْغَى *** يَطِبْ منْهُ نفْساً وتُذْهِبْ أسَاهُ
فَهَزَّتْ أناملـُهُ صـــــــــفحَةَ الذِّكْــــــــــــــــرِ وَانسَاب يتْلــو بشَجْوٍ عَلاهُ
بعَـذبٍ يُـــــــرَوّي الفُؤادَ جَلالاً *** ويَغْشى ثنَايا الشَّغَاف رُوَاهُ
فَـرَوَّى الصَّبيّ وجَالَ بطَـــرْفٍ *** وأصْغَى بســــمْعٍ وخَفَّ بُكَاهُ
حَبَا ثمَّ سَاوَى الكتَابَ فأهْـــــوَى *** عَـــلَيْهِ بخَــــدّ تـــبَـاهَى ضِيَاهُ
وأغـفَى يَـــــــزينُ المُـحَيَّا سَلامٌ *** تهَادَى بهِ البِشْرُ يجْلُو صَفَاهُ
ونامَ بأمْـنٍ مَـــــــــــلاكاً كريماً *** فأشْـجَى قــلوباً وأبْــكَى أبَاهُ
وسَالتْ دُمُوعٌ فأعْـــشَتْ عُيُوناً *** وحَنَّتْ قـُلـــــوبٌ وخرَّتْ جِبَاهُ
وشَادَت بهِ ألسُــــــنٌ شَاهِداتٌ *** تُــزَكّي بفَخْرٍ وصَاحَتْ شِفاهُ
هُـــــوَ الذكْرُ روحٌ، وَذِكْرٌ لرُوحٍ *** بمِيثَاقِ غيْبٍ جَرَى مُذ بَراهُ
بَلَى قالَهَا الذرّ مــــنْ غَابِراتٍ *** وقامَتْ دَليلاً عَلى منْ عَصَاهُ
لهُ الدِّينُ فَرْداً فأخْلِـــــصْهُ ذِكْراً *** وأعْرضْ ،فمَا منْ إلهٍ سِوَاهُ
( مصطفى بوعزة).