قصيدة " رائحةُ المطَّاطِ المُحترِقِ"
بانَ العَوارُ وأُظهِرَ المستورُ
وتَبدَّلتْ بِحُرُوفهنَّ سُطورُ
والليلُ خيَّمَ فالظَّلامُ مُهيمِنٌ
يغزو النُّفوسَ ، عَلا فغارَ النُّورُ(1)
وتَمَلْمَلَ الحشْدُ المُشَطَّرُ صوتُهُ
في الخافقينِ, فَجَوُّنا مَسعورُ
المَشرقانِ ونِفْطُها مُتَوتِّرٌ
والمغربانِ حمَامُها مَذْعُورُ
والغَوْرُ(2) غَارَ الأمنُ فيهِ وَبُدِّلَتْ
آيَاتُهُ , وسَطَا عليهِ فُجُورُ
والكُدْيَةُ(3) الغَبْرَاءُ باتَتْ مَسْرَحَاً
للمُفسدينَ, فسَادهَا مَسْعُورُ !!!
والفِيلُ يُملِي شَرْطَهُ ما عِندَهُ
غيرُ العَصا, لو في السماء صقور!! (4)
لكنَّهُ يُعطي الدُّروعَ تَشَكُّراً
للمُنجِزِينَ, وكُلُّهمْ مَأْجُورُ
لا غَرْوَ إنَّ (أبَا رِغَالٍ) (5) والِدٌ
أولادُهُ وعلى خُطًاهُ تَسِيرُ
وأتَى بِمطَّاطَينِ كَيْ يُحْرِقْهُما
عندَ اللُّزومِ وكي تُشَدَّ خُصُورُ
وتَنازعَ النَّسرانِ لَمَّا حَلَّقَا
فأتى الغُرابُ من الشُّروقِ يطيرُ
يَترَقَّبُ اللَّحظاتِ كَي يَعدُو على
جِيفَاتِ صَرعَى, أو يشاءُ يَثُورُ
وغَدَا الصِّراعُ على المَنابرِ بَعدَ مَا
ضَجَّتْ به بينَ الضُّلوعِ صُدُورُ
وتَقاذفَ الحِزبانِ كلٌّ يَبتغِي
نَيلَ الوُصولِ, لِيُكْسَرَ المَجْرُورُ
وتَحَرَّقَ المَطَّاطُ فاحَتْ رِيحُهُ
وعلا دُخانُ أسودٌ دَيجورُ(6)
باللهِ يا (هارونُ) ما ذا قدْ جَنَتْ
كفَّاكَ , ما كارَ الأُولَى سَيَحُورُ .!!
يا أيَّها الحَشُدُ المُشَطَّرُ صوتُهُ
وَحِّدْهُ, يَعظُمْ في عِدَاكَ زَئِيرُ
وسَيَهرُبُ النَّعابُ عندَ سَماعِهِ
ويَضِلُّ (مَحمودٌ) (7) وتَسْلمُ دُورُ
وأَعِدْ لرَبِّكَ حُكمهُ في خلقهِ
تَعْلُو , ويَخسأُ حاقدٌ وحَقيرُ
********
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
1) في اللِّسان : وغارَت الشمسُ تَغُور غِياراً وغُؤوراً وغَوَّرت: غربت، وكذلك القمر والنجوم؛ قال أَبو ذؤيب:
هل الدَّهْرُ إلا لَيْلةٌ ونَهارُها، ***** وإلا طلُوع الشمس ثم غِيارُها.
2) الغَوْرُ : تهامةُ وما يلي اليمنَ. وقال ابن الأَثير: الغَورُ ما انخفض من الأَرض، والجَلْسُ ما ارتفع منها.
3) الكُدية: الأرض الصلبة المرتفعة .
4) الصقور : رمز للطير الأبابيل . (رمز للقوة والرجولة) . وفي الحديث: "ألا إن القوة الرمي" تفسيراً لقول الله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم لهم من قوة" (60) سورة الأنفال .
5) أبو رِغَال: رجلٌ من ثقيف كان دليل أبرهة وجيشه لغزو الكعبة . فسار بهم, فلما بلغ موضعاً يقال له: "المُغَمَّسُ" (موضع قرب مكة) مات , فصارت العرب ترجم قبره بذلك الموضع .(ذكر ذلك الطبري في تاريخه). وصار أبو رِغَال رمزاً للخيانة والعار على مَرِّ الزمان . وكم في عصرنا هذا من أبي رِغال؟!!.
قال جرير يهجو الفرزدق :
إذا ماتَ الفرزدقُ فارجموهُ *** كما تَرمُونَ قبرَ أبي رِغَالِ
6) الديجور : الظلمة
7) محمود : اسم فيل أبرهة الأشرم , وهو قائد الفيلة المتجهة لهدم الكعبة المشرفة .
أبومعاذ عبد المجيد جبَّاري
جازان – القمري
الأحد 4/8/1438هـ