تتجافى القلوبُ عن ذكرياتي ** لم ترعْها مواسمُ العَبَراتِ
وعساها تبلُّ ريقَ الأماني ** بكؤوسِ الغيابِ فــي السَّكراتِ
أيُّها الناكرُ الجَميلَ تمهَّلْ ** لستُ آسى على خيال الحيــاةِ
سوف نفنى ويتبع الظعنَ ظنٌّ ** كنشيجِ الصُّدورِ في العاديــــاتِ
سوف تبقى شكايتي والقوافي ** تمنح الجيلَ ومضةَ الدَّندناتِ
حينها يسكبُ الرَّبيعُ بديعًا ** وتغنّي الزهورُ بالأعطياتِ
دون وقتٍ يُصافح الروحَ لحنٌ ** من بقايا الوفاءِ في الأمسياتِ
ويغيثُ الرُّبـوعَ مِسْكٌ رحيقٌ ** عانـقـتْـهُ سحائبُ الطيّباتِ
كانسكابِ الدُّموعِ حينَ التلاقي ** أو هديرِ الفؤادِ في الدعَّواتِ
يشهدُ الآسُ والبلابلُ أنَّا ** ما ادَّكـــرنا سوى هيام الهداةِ
لن ترانا وأنتَ باسم التَّجافي ** تقتلُ الريحَ في احتـفالِ الرئاتِ
لن يمرَّ النَّدى حروفَ سَقيمٍ ** ظلَّ يهجو العِطاشَ قربَ الفراتِ
أيُّها المُضنى - وَيْبَ غيرِكَ - قل لي ** كيفَ يَغترُّ خاطرُ الإمَّعــاتِ؟
كيف للفجرِ يستقي العزمَ صبرًا ** ثم يأتي مزاعمًا للرواةِ
فارتقبْ ما يلـــوحُ بين الحنايـــا ** من عيون العتابِ والمَكرُماتِ
علها يوقظُ الضَّميرَ مداهـــا ** أو تُراعــــي مساربَ الخَطَراتِ
علَّ مَن أدمنَ النَّوى يتأنَّى ** ينظمُ الوصْلَ من بهاء الصِّلاتِ
مَشرقيَّا ، مُتيَّمًا ، ألمعيًّا ** رائقَ الوصْفِ ذاكــرًا أنَّــاتي
أيُّها الليلُ ليس يهدأ بالي ** والتجنّــي يطيـــحُ بالتَّـــاءاتِ
للنَّشاوى على حفيفك دَينٌ ** كفكف الآه عن دروبِ الثِّقاتِ
( بَرَدونـــيٌّ ) هـمُّـنا فـتـأمَّـلْ ** سطوَ ماضٍ ، مُستـنـطقًـا كل آتِ
أو أنيـنَ الفؤاد إثر الغوالي ** أو زمــانًـا يهيمُ بالعثراتِ
فَادركِ الفَوْتَ ، واستمِلْ بَوحَ ذاتي ** ملَّ سوحُ الهَوى صَدى أغنياتي
أمِّلِ البالَ ، حين يمضي الحيارى ** بارتــقــــاءٍ يليـــقُ بالمَهُجـاتِ
واحذرِ الصَّبرَ في دَرابينِ دمْعي ** فتناجيكَ لوعةٌ بالشَّتاتِ
أدركِ الفَوْتَ يا حَبيبُ ، فشوقي ** ليس تتلوهُ آيةٌ في الفَلاةِ
حسدًا برَّحوا حفيفَ حروفي ** ثمَّ قالوا : يحبُّ زهوَ المماتِ
واشترَوْا بالفُتاتِ بُهرجَ طيفٍ ** يتَّموا - يوم أفلسَوا – نَفَحـاتي
جَهِلوا كيفَ يَسْتظلّ فناءٌ ** بخلودِ اليقينِ في البَسَماتِ
كالذي يمنحُ اليراعَ بريقًا ** ثمَّ يمضي مُحرِّقًا بالدَّواةِ
أدركِ الفوْتَ يا ضميرَ ائتلاقي ** حُثَّ بالسَّعْيِ ، واغترفْ هَمْهماتي
ما فقهنا سوى الحَقيقةِ درسًا ** ما هجرْنا لوامعَ الفلسفاتِ
ولِهذا تواضُعي رأسُ مالي ** ولهذا ربحْتُ حُبَّ الأباةِ
واستحالتْ زواهري تُرْجمانًا ** وبكتْ سِفرَ عِشقِها أمنياتي
ويحَ ليلى ، وليلتي ، والنَّدامى ** وازدراءُ الظنونُ بالنَّازلاتِ
قد جعلناها وثبةً للأعالي ** ودفعْنا الشحوبَ بالصَّالحاتِ
وسقينا القِبابَ لحنَ الحُبارى ** وابتهجْنا بالأربعِ الطيّباتِ
هذه ساحةُ الغرامِ ومغنىً ** فيه لذَّتْ روائحُ الخالداتِ
هذه دارُ مَن تزيَّتْ رُؤاها ** بين وعــــدِ السَّنا وعهدِ اللِداتِ
واستَبَقْنا مع الشَّواهينِ فخرًا ** وابتنينا نفائسَ المَكْرُماتِ
رغم جَوْر القريبِ ، لؤمِ الثعالي ** عانقتْنا طـــــلائعُ النيّراتِ
...............
**(( البحر الخفيف - 2016 ))**