أحدث المشاركات

سألوني: لمَ لم أرثِ أبى ؟» بقلم هشام النجار » آخر مشاركة: أسيل أحمد »»»»» غار النصر في غزة» بقلم احمد المعطي » آخر مشاركة: غلام الله بن صالح »»»»» أمات العربُ؟» بقلم غلام الله بن صالح » آخر مشاركة: غلام الله بن صالح »»»»» مختارات في حب اليمن» بقلم محمد نعمان الحكيمي » آخر مشاركة: أسيل أحمد »»»»» نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» برق الخاطر ... قسم جديد لأعضاء واحة الخير» بقلم د. سمير العمري » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الثعبان الأقرع يداهمني في المنام بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» بعض الحزن موت وبعضه ميلاد.» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» الغاية لا تبرر الوسيلة» بقلم جلال دشيشة » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» رواية قنابل الثقوب السوداء .. مسلسلة. التالي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»»

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الاحزان القديمة / الحكاية الثالثة

  1. #1
    الصورة الرمزية عمر الحجار أديب
    تاريخ التسجيل : Jun 2011
    الدولة : حيفا \ اجزم
    العمر : 53
    المشاركات : 767
    المواضيع : 37
    الردود : 767
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي الاحزان القديمة / الحكاية الثالثة

    زينة النساء



    قبل الغروب هبطت( زينة النساء) من بيتها الصغير وسط المدينة... ألوان ثيابها باهتة وعلى وجهها نقاب كثيف... منذ مدة تركتها جاريتها وبأت تستمرئ الحزن والوحدة.. السماء البعيدة وقطع السحاب مثل زبد البحر
    شوارع بغداد الضيقة مزدحمة، المصابيح الصغيرة المعتمة منذ عهد أو خليفة لم يوضع بها فانوس واحد...
    عربات فارهة تعبر الطريق بجنون تتبعها موجة طويلة من الاحتجاجات العاجزة.. كانت الأصوات تخفت ، تذوب، ووقع السنابك يتلاشى، كتل المارة المتداخلة في كل مكان، اتجاه التجار الذين يعرضون بضائع الهند والسند، البيع والفصال، كل ذلك دون أي صوت ليس أكثر من حفيف خافت... فجأة أحست ( زينة النساء) كأنها تسبح في النهر، تغوص وحدها في أحضان دجلة الصافية، عارية تماما، وفي القاع كانت ألاف القواقع والطحالب والمخلوقات الغريبة تراقبها في انبهار خالص، وعندما كانت تصعد برأسها أحيانا كانت ترى السماء الصافية كبطن النهر، يحيط بها إحساس تام بالنقاء
    حتى أنها للمرة الأولى لم تخجل من جسدها العاري، لم تخجل أن يراها احد، كان الماء يمتص كل الرغبات النزقة، كان باردا ورقيقا لكنه لا يبعث على السعادة، لا يوحي إلا بشيء واحد، الشجن العميق الممتد، ( زينة النساء) خلف نقابها الكثيف تبكي نفسها، وشوارع بغداد تضج بالحركة دون صوت، أمس بلغت ( زينة النساء) عامها الثالث والعشرين
    مرت لحظة منتصف الليل وهي منزوية في ركن صغير بالحجرة، لم تجرؤ على الحركة، أو إضاءة المصباح الصغير، قالت لنفسها للمرة الأولى :
    - لم يعد هناك جدوى من الإحساس بالزمن
    قال رجل عابر، يبدو أن بغداد غريبة عنه:
    - هه يا انسه، هه
    وانصرف سريعا ، وقفت وسط الميدان، أمام تمثال الخليفة الأول، كانت تتألم من النظرات التي تحاصرها ، تذكرت أن نظرته هو كانت تختلف تماما، تلك العين الصغيرة البراقة المتعبة التي لا يخف توهجها، تطل منها النظرة الطفولية الغريزية نفسها كأنما تكتشف العالم للمرة الأولى وبطريقة جديدة
    من خلال وجهها يلتمس بأطراف أصابعه جبينها الناصع ويهتف باهتمام بالغ:
    - هل أخبرك احد ما ، أن جبينك أحلى من الفجر والشروق
    تضحك وهي عصبية :
    - اخبرني احد الشعراء ذات مرة
    يضحك وهو يزيح شعرها النافر خلف آذانها
    وفي المساء – أي مساء غريب – كانت تجلس وتتلمسه تكتشف في اللحظة انه مصنوع من نوع رقيق جدا من الزجاج، يشف حتى الموت، تتلمسه وتخشى أن تجرحه، أن يجرحها
    وعندما أخبرتها الجارية أن العيون السود تترصدها في السوق وخلف المشربيات وأمام البيوت، كان يبدو شاردا وحزينا فوق العادة
    لم تستطع قراءة الكلمات التي فوق قاعدة تمثال الخليفة الأول، حدقت في كل اتجاه، هذه بغداد
    اجل مدينتنا الغريبة وحلمنا الكئيب، كم مرة أخذها في يده وطافا سوية في كل الأماكن، في الصباح البارد والمساء :
    - انظري ، هذه بغداد، طرق طويلة ومتشعبة، كخيبة الأمل، مزدحمة بالوجوه الخجلى من الشمس، أن تعريها أن تعري جلدها، والنهر إذ يعبر المدينة
    كم هو خائف وجل، المشعوذون في أطراف الأزقة يحلمون بالفردوس المولود والخليفة المنتظر ، تموت الأشعار مختنقة وسط رائحة المسك والكافور والمرمر، ويباع لحم العالم الأبيض في السوق الواسع بدنانير بخسة
    - آه يا بغداد ، عندما تعطين النخاسين اكبر الأوسمة، والمكافآت لا شرس الحراس لا يعود هناك مكان للحب
    ( زينة النساء) وحدها ، لا تدري كيف اختفت زحمة المرور فجأة، التمثال يحدق بها ببلاهة، عرفها وألف ملامحها وأدرك أنها تعطيه الآن ظهرها حتى تعبر النهر إلى الجانب الغربي من المدينة، لم يكن الجانب الغربي إلا قلعة متوحشة ، ترقب المدينة كلها في غضب متحفز، تنتظر اللحظة حتى تنشب فيها أظافرها الحجرية، كانت ( زينة النساء ) تتضاءل، تتضاءل، والسور يكبر، ينفتح ، يبتلع السماء، وفي الأعلى كان الحراس يرقبون مقدمها، يتوقفون عن السير، يتأملون لحظة عبورها الانسيابي الحزين، يتهامسون
    - هذه هي، اجل، هي
    - تصور، تحسب أن شاعرها ما زال موجودا عندنا
    - تصور، حمقاء
    تواجهها الحجارة الضخمة في تحد، تخمشها كما الطيور المفزوعة دون صوت، كانت أحلام اللحظة التي قد ماتت، وأصبحت تدرك بطريقة غامضة أن المساء قد أتى وان الليل يربض خلفه، وصبح ، ومساء آخر، وأيام انتظار باردة
    وأنا الذهاب المستمر إلى البلاد

  2. #2
    مشرف قسم القصة
    مشرف قسم الشعر
    شاعر

    تاريخ التسجيل : May 2011
    المشاركات : 7,009
    المواضيع : 130
    الردود : 7009
    المعدل اليومي : 1.50

    افتراضي

    نصً متميز برمزيته ، وطرحه التاريخي ..
    الرحلة كانت عبر الزمن وكان إسقاط الواقع بمرارته على التاريخ - ذهول التمثال .. العيون الخجلى من الشمس ..أوسمة النخاسين ..

    الانتقال للجانب الغربي من المدينة يعني مرحلة عصيبة أخرى تنتظر الفتاة ومعها احلام المدينة التي عايشت وجدانها .

    نص جميل .
    وافر تحياتي .
    وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن

  3. #3