استراتيجية تصنيف الكلمات باعتبار نوع الكلمة استثمار للتحليل الصرفي في الإثراء اللغوي للتلميذ
(1)
للكلمة أكثر من مفهوم على وفق العلم المعني بها.
كيف؟
الكلمة في الصرف أنواعها معروفة من قديم وهي: اسم، وفعل، وحرف. وهناك محاولات حديثة لزيادة أنواعها بتفصيل أنواع الاسم كما فعل الدكتور تمام حسان مع تلميذه العراقي في رسالته العلمية التي حاول فيها محاكاة التقسيم الإفرنجي للكلمة التي تنقسم على وفقه ثمانية أقسام.
ثم ماذا؟
ثم الكلمة في الإملاء التي قد تحتوي على أكثر من كلمة صرفية.
لماذا؟
لأن الخط تصوير اللفظ بحروف هجائه غير أسماء الحروف مع تقدير الابتداء والوقف كما يقول السيوطي في (همع الهوامع شرح جمع الجوامع):
{خاتمة في الخط
(ص) الخط تصوير اللفظ بحروف هجائه غير أسماء الحروف مع تقدير الابتداء والوقف ... (ش) الخط تصوير اللفظ بحروف هجائه بأن يطابق المكتوب المنطوق به في ذوات الحروف وعددها إلا أسماء الحروف فإنه يجب الاقتصار في كتابتها على أول الكلمة نحو ق . ن . ص . ج ... ولا بد من تقدير الابتداء به والوقف عليه، فيكتب كل لفظ بالحروف التي ينطق بها عند تقدير الابتداء والوقف، وكذلك كتب بالهاء ما يجب إلحاق هاء السكت به عند الوقف كـ (رَه) و(قِه) و(عِه) و (لم يره) و(لم يقه) و(لم يعه) و (مجيء مه جئت) ...}.
وكما ورد في شرح (شافية ابن الحاجب) للرضي الاستراباذي:
{قال: وَالأَصْلُ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ أَنْ تُكْتَبَ بِصُورَةِ لَفْظَها بِتَقْدِيرِ الابْتِدَاءِ بِهَا وَالْوَقْفِ عَلَيْهَا، فَمِنْ ثم كتب نحو ره زيدا، وقِهْ زَيْدا- بِالْهَاءِ، ومِثْلُ مَهْ أَنْتَ، ومجئ مَهْ جِئْتَ- بِالْهَاءِ أيْضا. بخِلافِ الْجَارِّ، نَحْوَ حَتَّامَ وَإلاَمَ وَعَلاَمَ؛ لِشِدَّة الاتِّصَالِ بِالْحَرْفِ، وَمِنْ ثَمَّ كُتِبَتْ مَعَهَا بألِفَاتٍ. وكُتِبَ مِمَّ وَعَمَّ بِغَيْرِ نُونٍ؛ فإِنْ قَصَدْتَ إلى الْهَاءِ كَتَبْتها وَرَدَدْتَ الْيَاءَ وَغَيْرَهَا إنْ شِئْتَ.
أقول: أصل كل كلمة في الكتابة أن ينظر إليها مفردةً مستقلة عما قبلها وما بعدها، فلا جرم تكتب بصورتها مبتدأ بها وموقوفا عليها، فكتب "مَنِ ابْنُك " بهمزة الوصل؛ لأنك لو ابتدأت بها فلا بد من همزة الوصل، وكتب "ره زيدا" و"قه زيدا" بالهاء؛ لأنك إذا وقفت على "ره" فلا بد من الهاء.
قوله: "ومِثْلُ: مَهْ أَنْتَ، ومجئ مَهْ جِئْتَ" قد ذكرنا في باب الوقف أن ما الاستفهامية المجرورة بالاسم يجب أن تقف عليها بالهاء، وفي المجرورة بالحرف يجوز إلحاق الهاء وتركه، وذلك لأن "ما" شديدة الاتصال بالحرف؛ لعدم استقلال الحرف دون ما يتصل به.
قوله: "ومِن ثَمَّ كتبت"- أي: من شدة اتصال "ما" بالحرف كتبت حتى وإلى وعلى بألفات، ولم تكتب بالياء، وذلك لأن كتابتها بالياء إنما كانت لانقلاب ألف على وإلى الياء مع الضمير، نحو عليك وإليه، ومع ما الاستفهامية التي هي كالجزء صارتا نحْوَ غُلام وكَلام، فلا يدخلون الضمير، ولأن حتى تمال اسما لكون الألف رابعة طرفا ومع ما الاستفهامية لا تكون طرفا، وكذا إلى اسما أميلت، لكون ألفها طرفا مع الكسرة قبلها وانقلابها ياء مع الضمير ومع "ما" لا تكون طرفا...)}.
(2)
إذًا، الكلمة الإملائية التي علامتها أن تُسْبق بمسافة وتُلْحق بمسافة قد تكون مفردة كـ"عيد"، وقد تكون مركبة من كلمتين كـ"عيدنا"، وقد تركب من أكثر من كلمة كـ"ضربناهم"، وقد تزيد كـ " فَسَيَكْفِيكَهُمُ" من قوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137]، ونحو "أَنُلْزِمُكُمُوهَا" من قوله تعالى:{قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [هود: 28].
وإن (استرتيجية تصنيف الكلمات) باعتبار (نوع الكلمة) تعتمد على السابق لَتُؤسس مفهوم الكلمة الصرفي والإملائي لدى التلميذ؛ مما يضعه على ثراء لغوي كبير كبير.
كيف؟
عندما يدرس أسماء الإشارة يدرها محللة تحليلا صرفيا.
كيف؟
إن أسماء الإشارة للقريب (هذا، وهذهِ، وهذانِ، وهاتانِ، وهؤلاءِ) ليس كل منها كلمة واحدة صرفا وإن كانت كذلك إملاء.
كيف؟
إنها تتكون من (ها التنبيهية) واسم الإشارة (ذا، وذهِ، وذانِ وتانِ، وأولاءِ). وهي بعد حذف "ها" قد تلحقها "كاف الخطاب" كما في قوله تعالى: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [القصص: 32]، و{أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5].
وكذلك الأمر في أسماء الإشارة للتوسط والبعد.
كيف؟
إن أسماء الإشارة (ذاكَ، وذلِكَ وتِلْكَ) ليس كل منها كلمة واحدة صرفا وإن كانت كذلك إملاء.
كيف؟
إنها (ذا، وكاف الخطاب الحرفية التي يمكن أن تتصرف إلى المثنى والجمع، مثل قوله تعالى: {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [يوسف: 37]، و{وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة: 49])، و(ذا التي لا تكتب ألفها على الرغم من نطقها، ولام البعد، وكاف الخطاب الحرفية التي يمكن أن تتصرف إلى المثنى والجمع، مثل قوله تعالى: {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف: 32])، و(تي التي حذفت ياؤها لسكون لام البعد، ولام البعد، وكاف الخطاب الحرفية التي يمكن أن تتصرف إلى المثنى والجمع مثل قوله تعالى: { وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأعراف: 22]، و{وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43].
ويمكن أن يتغير الشكل السابق.
كيف؟
يصبح ("هكذا" التي تتكون من ها التنبهية وكاف الخطاب الحرفي وذا اسم الإشارة)، أو ("كذلك" التي تتكون من كاف التشبيه الجارة، وذا اسم الإشارة، ولام البعد، وكاف الخطاب).
فلو درس التلميذ أسماء الإشارة بهذا التحليل لكان على ثراء لغوي يمكنه من التحليل الصرفي الذي يجعله يستخرج الحروف والأسماء الصرفية من الكلمات الإملائية التي تتصل بعضها ببعض.
وكذلك عندما يدرس الضمائر يدرسها بتصنيفها إلى منفصلة ومتصلة في كل حالاتها (التكلم والخطاب والغيبة)، فيدرك أن الضمائر المتصلة أسماء في الكلمة الإملائية، وليست حروفا منها.
مثل ماذا؟
مثل ضمائر المتكلم المتصلة (ـي وـنا، وـتُ وـنا)، وضمائر الخطاب المتصلة (ـكَ وـكِ وـكما وـكمْ وـكنّ، وـتَ ـتِ ـتما وـتمْ وـتنّ) وضمائر الغيبة (ـهُ وـها وـهما وـهم وـهنّ).
فهذه الضمائر لو تعلم التلميذ المتصل منها كما يتعلم المنفصل لسهل عليه معرفة أن هذه الكلمات السابقة أسماء كاملة وإن كانت متصلة بكلمة قبلها.
(3)
وحتى لا يسارع المنحازون إلى وَهَم التخفيف المسارعون إليه إن جابههم غير الاعتيادي إلى القول: إن هذا عُمق تخصص، وهو لا يلائم التلاميذ- أقول: إن أَمْن خوفكم شأنه يسير.
كيف؟
كما يعتاد التلميذ معرفة أن "باء الجر، ولامه" حرفان وإن اتصلا بما بعدهما- فإنه سيعتاد كون السابق كلمات وإن اتصلت بما قبلها، وبذا سنؤسسه تأسيسا لغويا صحيحا ليس عليه مزيد فيما هو قادم من مراحل.
وأزيد هؤلاء اطمئنانا بقولي: إنني جربت الأمر، وكان يسيرا سهلا مثمرا لدى التلاميذ والحمد لله رب العالمين؛ فهل يحاولون؟
أرجو بل أدعو!