أحدث المشاركات

مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الطفل المشاكس بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» @ تَعَاويــذ فراشَــةٍ عَاشِقـَـة @» بقلم دوريس سمعان » آخر مشاركة: دوريس سمعان »»»»»

صفحة 5 من 6 الأولىالأولى 123456 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 50 من 56

الموضوع: الجامع لأحكام الصّلاة

  1. #41
    الصورة الرمزية تقي بن فالح قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2017
    المشاركات : 517
    المواضيع : 36
    الردود : 517
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي (39)- 72----

    هل يجب العدد في إزالة النجاسة؟
    إن إزالة عين النجاسة هي التطهير أو الطهارة ، وهذه الطهارة لا يلزمها تحديد عدد الغسلات، وإنما المطلوب فحسب هو إزالة النجاسة. أمَّا أَن تُزال النجاسة بعدد محدد من الغسلات فليس بلازم، فجميع النصوص التي ورد فيها الأمر بإزالة النجاسة أو غسل الأشياء المتنجسة لم تطلب عدداً محدداً من الغسلات إلا في ثلاثة مواضع لا غير: هي الاستنجاء بأحجار ثلاثة، وغسل اليدين بعد نوم الليل ثلاث مرات ، وغسل ما ولغ فيه الكلب من الآنية سبعاً أُولاهن بالتراب، وما سوى هذه المواطن الثلاثة جاءت النصوص مطلقة دون تقييد الغسلات بعدد محدد. فحديث بول الأعرابي لم يرد فيه عدد، وأحاديث غسل دم الحيض ودم المستحاضة لم يرد فيها عدد، وأحاديث غسل المذي والبول وآنية الكفار مما وضع فيها من لحم الخنزير والخمر لم يرد فيها عدد مطلقاً، ولم يرد العدد إلا في المواطن الثلاثة المارة فحسب، وإذن فإنَّ الأصل في الطهارة أو التطهير أن تُزيل أعيان النجاسات فقط، بمعنى أن يُغسل الثوب أو البدن أو الأرض أو أي شيء حتى تزايله النجاسة، سواء احتجنا في إزالتها إلى غسلة واحدة أو ثلاثٍ أو عشرين، فالعدد غير مقصود وغير مطلوب، وإنما المطلوب فقط الغسل الذي يزيل النجاسة.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #42
    الصورة الرمزية تقي بن فالح قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2017
    المشاركات : 517
    المواضيع : 36
    الردود : 517
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي (40)-- 72 - 74

    المواطنُ الثلاثة التي ورد فيها عدد
    أ - غسل اليدين حين الاستيقاظ من نوم الليل : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يُدخلْ يدَه في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات ، فإنه لا يدري أين باتت يده» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
    ب - الاستنجاء من الغائط: عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «... لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار» رواه أحمد ومسلم. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا ذهب أحدكم للحاجة فلْيَسْتطبَّ بثلاثة أحجار فإنها تُجْزِئه» رواه أحمد وأبو داود والنَّسائي والدارمي. ورواه الدار قطني وصحَّحه.
    ج - غسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «طُهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أُولاهن بالتراب» رواه مسلم والترمذي وأبو داود.
    أما الحديث الأول فإنه معلَّل «فإنه لا يدري أين باتت يده» فالأمر بغسل اليدين حين الاستيقاظ من نوم الليل معلَّل بوَهْمِ النجاسة أو بالشك في النجاسة، ولولا ذلك لما أمر بالغسل فضلاً عن أن يأمر بالغسل ثلاثاً ، وكون العلَّة هي وَهْمُ النجاسة، فهي قرينة صارفة للأمر عن الوجوب، لأن الواجب هو غسل المتيقَّن من نجاسته، وحيث أن النجاسة هنا غير متيقنة، فإن الأمر في الحديث يُحمل عن الندب فقط. فغسل اليدين عقب القيام من النوم مندوب، فيكون غسلهما ثلاثاً داخلاً في المندوب وليس ذلك واجباً، فالعدد هنا مندوب ولا يجب.
    وقد روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلْيستنثر ثلاث مرات، فإن الشيطان يبيت على خياشيمه» رواه مسلم وأحمد والنَّسائي. ولم يقل الفقهاء والعلماء بوجوب الاستنثار هذا، وإن هذا الطلب إنما قُصد منه إذهاب ما يلصق بمجرى النفس من الأوساخ، ليكون سبباً في نشاط القارئ وطرد الشيطان.
    وقد ذكر الشافعي وغيره من العلماء أن السبب في حديث غسل اليدين أن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالأحجار وبلادهم حارة، فإذا نام أحدهم عرق فلا يأمن النائم أن تطوف يده على دُبُره الذي فيه أثر الغائط. وقد روى ابن خُزَيمة هذا الحديث بلفظ يقوِّي هذا الفهم، فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في إنائه أو في وَضوئه حتى يغسلها، فإنه لا يدري أين أتت يده منه» أي من جسده. فالأمر إذن إنما هو لدفع وهْم النجاسة بالغائط، فإذا نام أحدنا الآن وقد لبس ملابس تحول دون وصول يديه إلى دُبُره، فإن غسل يديه حين الاستيقاظ يكون غير مطلوب إلا أن يفعله تعبُّداً محضاً، سيما ونحن اليوم نستنجي بالماء الذي ينقِّي الدبر من الغائط تماماً. فالعدد إذن هنا غير واجب، وهو لا يزيد عن كونه يعالج وهم النجاسة.
    أما الحديث الثاني فهو في موضوع تنظيف الدُّبُر من الغائط وقد طلب الحديث استعمال ثلاثة أحجار على الأقل وقال «فإنها تُجْزِئه» ففهم من هذا النص جماعة من العلماء أن العدد هنا واجب وأن الاستجمار لا يجوز بأقل من ثلاثة، واعتبروا أن العدد يدخل في إزالة النجاسة وقاسوا غسل النجاسات كلها على هذا الحديث فقالوا بغسل كل نجاسة ثلاثاً، وقد وَهَمَ هؤلاء جميعاً، فإن لدينا حديثاً يردُّ عليهم ويبطل العدد حتى في الاستنجاء، فقد روى الدار قطني بسند حسن عن سهل بن سعد «أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الاستطابة، فقال: أَوَلا يجد أحدُكم ثلاثة أحجار: حجرين للصَّفحتين، وحجرٍ للمسربة ؟» فأي نصٍّ أبلغ وأوضح من هذا النص الذي يقرر أن تنظيف الموضع الواحد يكفيه حجر واحد؟ فقد جعل حجراً واحداً للمسربة، وحجراً واحداً للصفحة اليمنى، وحجراً واحداً للصفحة اليسرى، أي أن هذا الحديث اكتفى في الاستنجاء بحجر واحد للموضع الواحد ولم يطلب عدداً، وبيَّن في الوقت نفسه سبب طلب الأحجار الثلاثة للاستنجاء، وأنها ثلاثة أحجار لثلاثة مواضع ، فأي تفسير أبلغ من هذا التفسير؟ وأي رد أبلغ من هذا الرد على من اشترطوا العدد في الاستنجاء وعمَّموه على سائر الأغسال؟ ونحن نعلم أن الحديث يفسر بعضه بعضاً.
    هذا هو منطوق الحديث، وهو واضح الدلالة على نفي العدد في إزالة النجاسة، فإذا علمنا أن المسربة مثلاً يكفيها حجر واحد، علمنا أن المسربة سيظل بها أثر الغائط، ومع ذلك لم يطلب الشرع إتْباع الحجر الأول بحجر ثان، فإذا كان الموضع يبقى فيه أثر النجاسة، ومع ذلك لا يطلب منا إزالته بحجر ثان أو ثالث، فأي رد أبلغ عليهم من ذلك؟ وما هذا العدد الذي أَتوْا به في إزالة النجاسات؟ وكيف يقال إن الغسل يجب له عدد؟ وهذا هو ما يفسِّر قول الشافعي وغيره في سبب طلب الرسول عليه الصلاة والسلام غسل اليدين عند الاستيقاظ، وهو أن الدبر يظل فيه أثر النجاسة. وبذلك ينتفي استدلالهم بهذا الحديث وبالذي قبله على وجوب العدد في إزالة النجاسات.
    وإذا أضفنا إلى ما سبق القول، إن الغسل هو مجرد إزالة النجاسة لتنقية الموضع فحسب وليس للتعبُّد بعدد مخصوص، وإن ما جاء في الأحاديث هو طلب إزالة النجاسة دون أية إضافة أدركنا تماماً عُقم القول بوجوب العدد. وليس أدل على هذا من حديث أبي ثعلبة الخشني وقد مرَّ ، فهذا الحديث يطلب غسل آنية الكفار وقدورهم ولا يطلب عدداً، وقد بيَّن الغاية من الغسل وهي الإنقاء «فقال أَنْقُوها غسلاً واطبخوا فيها» رواه الترمذي. فالغاية من كل غسل هي الإنقاء، وهكذا يجب عند غسل أي شيء متنجس تحقيق هذه الغاية فحسب، ولا بأس بعدئذ من بقاء آثار يسيرة من النجاسة، فالشرع يسَّر على الناس، وتجاوز عن اليسير والنادر.

  3. #43
    الصورة الرمزية تقي بن فالح قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2017
    المشاركات : 517
    المواضيع : 36
    الردود : 517
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي (41)---74-75

    بقي الحديث الثالث، والجواب عليه من وجهين:

    أ- إن العدد الوارد في أحاديث ولوغ الكلب غير معلَّل، وإذن فلا يجب الوقوف عنده ولا يصح قياس غيره عليه، فنجاسة الإناء من ولوغ الكلب تُزال بالغسل بعدد، ولا يُزال غيرها به، فالعدد محصور ومقصور على غسل نجاسة الولوغ.

    ب - ورد حديث الولوغ أو أحاديث الولوغ بألفاظ وروايات عديدة نجتزيء منها ما يفي بالغرض هكذا:

    1- «إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فلْيغسلْه سبعاً» رواه البخاري ومسلم وأحمد والنَّسائي ومالك.

    2- «طُهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسلَه سبع مرات أُولاهنَّ بالتراب» رواه مسلم والترمذي وأبو داود.

    3 – «إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفِّروه الثامنة في التراب» رواه مسلم وابن ماجة وأبو داود والنَّسائي.

    4 – «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فلْيُرقه ثم ليغسله سبع مرارٍ» رواه مسلم والنَّسائي والبيهقي.

    5- «إذا ولغ الكلب في إناء أحدٍ فلْيغسله سبع مرات أحسبه قال: إحداهن بالتراب» رواه البزَّار .

    6-«إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سـبع مرَّات، السابعة بالتراب» رواه أبو داود والدار قطني.

    7 – «يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات أُولاهن أو أُخراهن بالتراب» رواه الترمذي والشافعي بسند صحيح.

    جميع هذه الروايات مرويَّة من طريق أبي هريرة إلا الثالثة «وعفِّروه الثامنة في التراب» فمرويَّــة من طريق عبد اللــه بن مغفــل - مسلــم وابن ماجــه وأبو داود والنَّسـائي -. وقد اختلف الأئمة حيال هذه الروايات اختلافاً واسعاً، فقال أحمد ومالك في رواية عنه، إن الغسل يكون بالماء سبع مرات والثامنة بالتراب، وقال الأحناف بعدم وجوب التتريب وعدم وجوب التسبيع بالماء. وقال المالكيون بوجوب التسبيع بالماء دون وجوب التتريب . وقال الشافعي بوجوب التسبيع بالماء ، ووجوب التتريب في الغسلة الأولى.

    وقد بحث الصنعاني في كتابه سبل السلام هذه المسألة بحثاً جيداً ، أنقل لكم قوله كله فيه (بعض من قال بإيجاب التسبيع قال : لا تجب غُسلة التراب لعدم ثبوتها عنده، وَرُدَّ بأنها قد ثبتت في الرواية الصحيحة بلا ريب، والزيادة من الثقة مقبولة، وأورد على رواية التراب بأنها قد اضطربت فيها الرواية، فرُوي أولاهن أو أخراهن أو إحداهن أو السابعة أو الثامنة، والاضطراب قادح فيجب الاطِّراح لها، وأجيب عنه بأنه لا يكون الاضطراب قادحاً إلا مع استواء الروايات وليس ذلك هنا كذلك، فإن رواية أُولاهن أرجح لكثرة رواتها، وبإخراج الشيخين لها، وذلك من وجوه الترجيح عند التعارض، وألفاظ الروايات التي عورضت بها أولاهن لا تقاومها، وبيان ذلك أن رواية أُخراهن منفردة لا توجد في شيء من كتب الحديث مسندة، ورواية السابعة بالتراب اختُلف فيها فلا تقاوم رواية أولاهن بالتراب، ورواية إحداهن رواها الراوي على الشك، فهي إذن ضعيفة لا تصلح للاحتجاج، ثم إن هذه الرواية مطلقة فيجب حملها على المقيدة ، ورواية أولاهن أو أخراهن بالتخيير ، إن كان ذلك من الراوي فهو شك منه فيرجع إلى الترجيح، ورواية أُولاهن أرجح، وإن كان من كلامه  فهو تخيير منه ، ويرجع إلى ترجيح أولاهن لثبوتها فقط عند الشيخين كما عرفـت) وأضاف في موضع آخر (وقــد ثبت عند مسلم - وعفِّروه الثامنة بالتراب - قــال ابن دقيق العيد: إنه قــال بها الحسن البصري، ولم يقل بهــا غيره ولعــل المراد بذلك من المتقدمين) فالصنعاني يأخذ بأرجح الروايات عنده وهي رواية رقم (2) المتقدمة، ورأيه صحيح ، وهو يطابق رأي الشافعي.

    وأُضيف لمزيد بيان: إن الرواية رقم 1 والرواية رقم 4 ذكرتا أن الغسل سبعٌ دون أن تأتيا على ذكر التراب، وجاءت روايات أخرى بذكر التراب وهذه زيادة يتعين المصير إليها والعمل بها . أما السادسة فجعلت التراب في المرة السابعة ، والثالثة جعلته في الثامنة، والثانية جعلته في الأولى. أما رواية أبي داود وهي السادسة فلا تستوي مع الروايتين الثانية والثالثة من حيث السند فتقدمان عليها . نأتي للروايتين الثانية والثالثة فنقول: أما الرواية الثالثة «الثامنة في التراب» فقد أضافت غسلة ثامنة، بينما جميع الروايات الأخرى ذكرت أن الغسلات سبع ، فهي رواية منفردة خالفت جميع الروايات، فهي إذن شاذَّة فتترك، فتبقى الرواية الثانية ، وهذه حوت ما حوت جميع الروايات من حيث عدد الغسلات السبع، وهي التي تقول «أُولاهن بالتراب» فهي رواية محفوظة وصحيحة يُحتجُّ بها. قال البيهقي (إن أبا هريرة أحفظُ مَن روى الحديث في دهره فروايته أولى) يعني أولى من الرواية الثالثة ، فلم تبق سوى الرواية الثانية التي تقول بجعل التراب في الأولى، والرواية السابعة التي تقول بالتخيير بين الأولى والأخرى، ونحن نرجح الرواية الثانية لأمرين: أحدهما أن الثانية أقوى إسناداً والأقوى مقدَّم حين التعارض أو الاختلاف. وثانيهما أن التخيير فيه معنى التردُّد، في حين أن تحديد التراب في الأولى حسم، والحسم أقوى من التردُّد. فتقدَّم الرواية الثانية على رواية التخييـر ويُعمل بها، وبالعمل بها لا نكون خالفنا العمل برواية التخيير، وهذا مرجِّح ثالث.

    والمحصِّلة أنه لا يجب في غسل أية نجاسة أي عدد سوى نجاسة ولوغ الكلب، فتحتاج إلى سبعٍ أُولاهن بالتراب والست الباقية تكون بالماء، وما دام أن جميع هذه الروايات لم تظهر فيها علَّة فالحكم غير معلَّل ، فلا يصلح لتقاس عليه إزالة سائر النجاسات. ثم إن غسل الإناء من الولوغ من حيث هو غسل ليس تعبُّديَّاً محضاً، بل هو مثل إزالة أية نجاسة، ولكن ذكر العدد بهذا البيان هو الناحية التعبدية المحضة فيه، فيُعمل بهذا العدد المخصوص تعبُّداً وطاعة دون إعمال الذهن في الأسباب والعلل الموجِبة، كتلك التي أوردها الأطبَّاء مؤخراً من أن في لُعاب الكلاب جرثومةً ضارَّة لا يزيلها إلا التراب والماء، فهذا لا يعنينا في شيء، ولا يُلتفت إليه ، وليحذر المسلمون من التعليلات العلمية الحديثة لأحاديث وآيات سكتت عن التعليل ولْيعلموا أن الشرع وقد سكت عن التعليل إِنما سكت عن قصد، ولو أراد التعليل لعلَّل ، فكونه لم يعلِّل فهو يعني أنه أراد أمراً أخفى علته عنا فلا ينبغي لنا أن نحاول كشفها فإن ذلك تطاول على النص.
    وإذن فإن تطهير الثوب المتنجِّس والأرض المتنجِّسة والبدن المتنجِّس، والأداة والوعاء والحذاء والورق والخشب والحبوب المتنجِّسة إنما يُطلب له إزالة النجاسة دون اعتبارٍ للعدد مطلقاً، وحتى الكلب لو أقعى في إناء ماء ، أو وضع رجله فيه، أو أدلى ذنبه فيه، أو غمس بعض شعره فيه، فإنه يُغسل مرَّة واحدة كسائر النجاسات، والعدد إنما هو فحسب في ولوغ الكلب، وهو عبادة غير معلَّلة ، فلا يقاس عليها غيرها من أجزاء الكلب أو الخنزير أو سائر النجاسات.

  4. #44
  5. #45
    الصورة الرمزية تقي بن فالح قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2017
    المشاركات : 517
    المواضيع : 36
    الردود : 517
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي (42) 76 - 78

    ما يُستعمل في إزالة النَّجِس
    حيث أن الشرع أراد من إزالة النجاسات عن الشيء الإنقاء، فإن كل ما يصلح للإنقاء يعتبر صالحاً لإزالة النجاسة عنه وتطهيرِه، دون تخصيص ذلك بالماء أو بالتراب كما ذكر عدد من الأئمة، فكل ما يصلح لإزالة النجاسة وإنقاء المحلِّ به يصح التطهير به شرعاً. ولننظر في النصوص الدالة على هذا الرأي:

    1 - عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت «جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة كيف تصنع به؟ قال: تحتُّه ثم تقرُصُه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه» رواه مسلم. ورواه البخاري وأحمد بألفاظ متقاربة.

    2 - عـن أم ولدٍ لإبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف أنهــا سألــت أم سلمــة زوج النبــي صلى الله عليه وسلم فقالت «إني أمرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر، قالت أم سَلَمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يطهِّره ما بعده» رواه أبو داود وأحمد وابن ماجة والدرامي. وسنده جيد.

    3- عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إذا دُبِغ الإهاب فقد طهُر» رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنَّسائي ومالك.

    4 - عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إذا وطيء أحدكم بنعليه الأذى فإن التراب له طهور» رواه أبو داود وابن حِبَّان.

    5 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا ذهب أحدكم للحاجة فلْيستطبَّ بثلاثة أحجار، فإنها تُجزئه» رواه أحمد وأبو داود والنَّسائي والدارمي . ورواه الدار قطني وصحَّحه.

    الحديث الأول يفيد أن الماء يصلح لإزالة النجاسة «ثم تقْرُصُه بالماء» والحديثان الثاني والرابع يفيدان أن التراب أو مطلق الأرض يصلح للتطهير «يطهِّره ما بعده»، «فإن التراب له طهور» والحديث الثالث يفيد أن الدِّباغ يصلح للتطهير. وفي الحديث الخامس أن الحجارة تصلح للتطهير «فلْيستطبَّ بثلاثة أحجار».

    وإذن فالماء والتراب والدباغ والحجارة كلها أشياء تصلح للتطهير وإزالة النجاسة بنصوص شرعية . إذن فالتطهير لا يقتصر على مادة واحدة أو مادتين كما يقول بعضهم بل يصح التطهير بهذه الأشياء وبغيرها أيضاً كالصابون والخل، وبالحك والحرق، وأي شيء وأي فعل يؤدي إلى إزالة النجاسة، لأن إزالة النجاسة هي المطلوبة، فكل ما يحققها مشروع ومُجزيء، فلو غسلنا ثوباً متنجِّساً بصابونٍ سائل فزالت نجاسته، أو غسلناه بالخل فزالت، أو حككناه فزالت، صار طاهراً. ولو حرقنا خشباً متنجِّساً فصار رماداً صار طاهراً، ولو سخَّنَّا حديداً متنجِّساً بالنار حتى زالت نجاسته صار الحديد طاهراً، ولو مسحنا سطح مرآة عليها نجاسة بورقة ناعمة، أو خِرقة قماش أو حتى باليد فزالت صارت المرآة طاهرة، ولو التقطنا النجاسة العالقة بثوبٍ باليد، أو بملقط فزالت عنه، ولم يبق منها شيء صار الثوب طاهراً، وهكذا من أشياء جامدة أو سائلة أو أدوات مختلفة أو أفعال، كلها تصلح للتطهير بشرط وحيد هو أن تزول النجاسة بها.

    والآن لنستعرض الآراء المختلفة في هذه المسألة وأدلة القائلين بها ومناقشتها: قال الشافعي ومالك ومحمد بن الحسن وزُفَر إن الطهارة من النجاسة لا تحصل إلا بما تحصل به طهارة الحدث لدخوله في عموم الطهارة. وقال أبو حنيفة وأحمد تجوز إزالة النجاسة بكل مائع طاهر مزيلٍ للعين والأثر، كالخل وماء الورد ونحوهما.
    وقد استدل أصحاب الرأي الأول بما رُوي أن رسول الله  قال لامرأةٍ سألته عن دم الحيض يصيب الثوب «كيف تصنع به؟ قال: تحتُّه ثم تقرُصُه بالماء، ثم تنضحه ثم تصلي فيه» رواه مسلم والبخاري وأحمد. وقد مرَّ قبل قليل، وبحديث بول الأعرابي في المسجد وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذَنوبٍ من ماء فأُهريق على بول الأعرابي، وقالوا هذا أمر يفيد الوجوب ولأنها طهارة تُراد للصلاة فلا تحصل بغير الماء كطهارة الحدث، واستدلوا كذلك بقوله تعالىفَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا الآية 6 من سورة المائدة، والآية 43 من سورة النساء .

    واستدل أصحاب الرأي الثاني بالحديث «إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فلْيغسله سبعاً» رواه البخاري ومسلم وغيرهما من طريق أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما. وقد مرَّ ، فأطلق الحديثُ الغسلَ، وتقييده بالماء يحتاج إلى دليل، ولأنه مائع طاهر مزيل فجازت إزالة النجاسة به كالماء، فأما ما لا يزيل كالمرق واللبن فلا خلاف في أن النجاسة لا تُزال به.

    والجواب على أصحاب الرأي الأول هو أن حديث دم الحيض ليس دليلاً على الحصر، وأن وجوب امتثال أمره صلى الله عليه وسلم بإِهراق الماء على بول الأعرابي في المسجد لا يفيد حصراً أيضاً، ولا يدل على أن الماء وحده تجب به إزالة كل نجاسة، لأن حادث بول الأعرابي هو واقعة حال وليس قاعدة كلِّيَّة للتطهير، وقــد بيَّنا سابقــاً أن إزالـــة النجاسة لا تشترط فيهـــا النِّية ، ومــا دام أن المطلوب شرعــاً هو إزالة النجــاسة وهــي مـــا يطلق عليها التطهير أو الطهارة، فإن الإزالة تحصل بكل مزيل لها حسب اختلاف الأحوال كما أسلفنا أيضاً، فقول حديث دم الحيض «تحتُّه ثم تَقْرُصُه بالماء» ليس فيه أداة من أدوات الحصر وليست صياغته مفيدة للحصر ، وقد ذَكــر المــــاء وذِكْرُه خرج على الأعــمِّ الأغلــب، ذلك أن الماء هو الغالــب في التطهير وهـــذا مُسَلَّم به، وما قلتــه عن حديث دم الحيض أقولــه عـن حديث بول الأعــرابي، ففيه «أَمَر بذَنوبٍ من ماء» فهذا النص ليست فيه دلالـــة علـــى حصر التطهير بالمـــاء، وبذلك لا يصلح الحديثـــان للاحتجاج بهما على حصر التطهير بالماء مطلقاً.

    أما عن استشهادهم بالآية فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا فأقول: نعم هذا نصٌ يفيد حصر الوضوء والاغتسال من الجنابة والحيض والنفاس بالمــــاء ، وهــــذا لا خــــلاف فيه بيننا، لأن طلب الآية عدم الانتقال إلى التراب إلا إذا عدم المــــاء ، دليل علـــى وجوب استعمال المــــاء في هــذا الصنف من الطَّهارات، ولكن أَنْ يُستشهد بهذه الآية وهـــذا الحصر على موضوع البحـــث فهو خلط وخطأ، لأن البحـــث موضوعـــه إزالـــة النجاسة وليس الوضوء والأغسال المطلوبـــة شرعـــاً ، فهذان موضوعان مختلفان. فالوضوء والأغسال عبادات محضة تحتاج إلى نيَّة، وإزالة النجاسات ليست كذلك فافترقا، وإذن فلا قياس. فالماء واجبٌ وحده في الطَّهارات الخاصة بالعبادة، ولكنه ليس واجباً مطلقاً في إزالة النجاسات، لأن الاثنين مختلفان تماماً فيسقط الاستدلال بهذه الآية الكريمة على ما ذهبوا إليه.

    أما الرأي الثاني فهو صحيحٌ جملةً ولكنَّ أصحابه وقعوا في أخطاء، فاستشهادهم بحديث الولوغ ضعيف ولا يفيدهم ، وكان الأَوْلى بهم أن يستشهدوا بما استشهدنا به من أدلة مختلفة على إزالة النجاسات بوسائل متعددة ويكتفوا به، أما قولهم إن الحديث أطلق الغسل ولم يقيده بالماء فهو تعِلَّة، فإن معظم أحاديث إزالة النجاسات ذكرت الماء، فماذا يقولون بها؟.
    والخلاصة هي أن كل ما يصلح لقلع النجاسة من المكان المراد تطهيره يصح استعماله في الإزالة شرعاً، وأن الشرع طلب قلع النجاسة دون تحديد ودون تقييد.
    يتبع ......تطهيرُ المتنجس

  6. #46
    الصورة الرمزية تقي بن فالح قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2017
    المشاركات : 517
    المواضيع : 36
    الردود : 517
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي (42) ---- 78-80

    تطهيرُ المتنجس
    الأصل في تطهير المتنجِّس إزالة عين النجاسة وقلعها من الموضع الذي حلت فيه دون أن تُخلِّف أثراً ، ولكن هناك نجاسات إذا أصابت الموضع أحدثت فيه أثراً ثابتاً يصعب خلعه أو قلعه كلِّيَّة من الموضع كدم الحيض مثلاً وكالدَّم عموماً، خاصة إن جفَّ، ولكن الله الرحيم اللطيف خفف عن المسلمين في هذه الحال، فعفا عن بقاء الأثر بعد عملية الغسل، فعن أبي هريرة «أن خولة بنت يسار أتت النبي  في حج أو عمرة فقالت: يا رسول الله ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض فيه، قال: فإذا طهُرتِ فاغسلي موضع الدم ثم صلي فيه، قالت : يا رسول الله إن لم يخرج أَثرُه؟ قال: يكفيك الماء ولا يضرُّك أثره» رواه أحمد والبيهقي وأبو داود. فقول رسول الله عليه الصلاة والسلام «ولا يضرُّك أثره» صريح الدلالة على العفو عن بقاء أثر الدم في الثوب بعد عملية الغسل.

    ولكن الأفضل والأَوْلى أن يُغسل بموادَّ حادةٍ تزيله أو تغيِّر لونه على الأقل، لما رُوي عن معاذة قالت «سألتُ عائشة رضي الله عنها عن الحائض يصيب ثوبَها الدم، قالت: تغسله، فإن لم يذهب أثره فلْتغيِّره بشيء من صُفْرة ، قالت: ولقد كنت أحيض عند رسول الله  ثلاث حِيَضٍ جميعاً لا أغسل لي ثوباً » رواه أبو داود والدارمي. ولما رُوي عن عدي بن دينار أنه قال: سمعت أم قيس بنت محصن تقول «سألت النبي  عن دم الحيض يكون في الثوب قال: حُكِّيه بضِلْع واغسليه بماء وسدر» رواه أبو داود وأحمد والنَّسائي وابن ماجة ورواه ابن خُزَيمة وابن حِبَّان . قال ابن القطان : إسناده في غاية الصحَّة. قوله الضلع - بتسكين اللام وفتحها -: أي هو العود. فقول الحديث «اغسليه بماء وسِدْر» يدل على طلب استعمال الحادِّ لأن السِّدر آنذاك يماثل الصابون عندنا، فهذا الحديث يطلب من المسلم أن يجتهد في إزالة أثر النجاسة باستعمال مادَّة حادَّة. وروى سليمان بن سُحيم عن أمية بنت أبي الصَّلت عــن امــرأة من بنــي غِفــار قــد سمَّاها لي، قالت «أردفني رسول الله  علـى حقيبة رحله، قالت: فواللــه لــم يزل رسول الله  إلى الصبح فأنــاخ، ونزلتُ عن حقيبة رحله فإذا بها دم مني، فكانت أول حيضة حضتها، قالت : فتقبَّضْتُ إلى الناقة واستحييت، فلما رأى رسول الله  ما بي ورأى الدم قال : ما لك لعلك نُفِستِ ؟ قلت: نعم قال : فأصلحي من نفسك ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحاً ، ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم ، ثم عودي لمركبك ...» رواه أبو داود . فهذه الأحاديث متعاضدة في الطلب من المسلمين إزالة النجاسة باستعمال الموادِّ الحادَّة ، ولكن سائر الأحاديث تطلب استعمال الماء فحسب في الإزالة، مما يدل على أن المواد الحادَّة ليست واجبة بل مستحبَّة فحسب.

    أما ما يقوله بعض الأئمة من تطهير السمن المتنجِّس بصبِّ ماء كثير عليه وخضِّه فيه، ثم تركه يهدأ حتى يطفو فوق الماء فيُؤخذ طاهراً فلا أذهب إليه، لأن الرسول  حين سُئِل عن السمن وقعت فيه فأرة فماتت فنجَّسته قال «ألقوها وما حولها فاطرحوه، وكلوا سمنكم » رواه البخاري وغيره وقد مرَّ. فقد أمر بإلقاء الميتة وما حولها من السمن وطرحه ولم يأمرهم بتطهيره. وأما ما قاله الفقهاء من أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يأمر، أو لم يأذن بتطهيره لأن ذلك أمرٌ يشق على الناس فهو قولٌ لا دليل عليه.

    أما تطهير النِّعال، فيكفي فيه الدلك بالأرض دون الغسل، خلافاً لمن أوجبوا الغسل، لحديث أبي هريرة المار «إذا وطيء أحدكم بنعليه الأذى فإن التراب له طهور» رواه أبو داود وابن حِبَّان. وقولهم بغسل النعل هو قياس على غسل ما أصابه الدم والخمر وغيرهما، والقياس لا يصمد أمام النص القائل بالوطء والمسح بالأرض.

    وحبل الغسيل المتنجِّس تطهِّره الشمس بالتجفيف، والأرض التي بال فيها الإنسان أو الكلب مثلاً تطهِّره الشمس كذلك بالتجفيف دون فعلٍ من الإنسان ، والأرض المتنجِّسة تطهِّرها مياه الأمطار دون فعلٍ من الإنسان، لأن إزالة النجاسة كما أسلفنا لا تحتاج إلى نيَّة، ولا تحتاج بالضرورة إلى فعل الإنسان، فكل متنجِّس يمكن تطهيره بفعل الإنسان بالماء وبغير الماء كما يمكن اعتباره طاهراً بغير فعل الإنسان ، خلافاً للوضوء وأغسال الجنابة وأمثالها التي لا تحصل إلا بفعل الإنسان وبِنيَّة معاً. فالمسلم إذا انتقض وضوؤه أو أصابته جنابة ثم سبح في بركة ماء أو في البحر لا يصير متوضئاً ولا رافعاً للحدث الأكبر بمجرد السباحة، خلافاً لرأي بعض الفقهاء.

    إن كل متنجِّس - وقد نُطلق عليه كلمة نجِس تجاوزاً - يمكن تطهيره إلا أشياء وحالات نادرة لا ينفع فيها التطهير، كما أشرنا إلى ذلك في آخر بحث [تمهيد] وهذه الأشياء الطاهرة التي إن تنجست لا يُستطاع تطهيرها هي: العجين إذا عُجن بماء نجس، أو الحبوب التي تُنقع في الماء النَّجس حتى تزول يبوستها ، وتصبح طريَّة متشرِّبة بالنجاسة، وأمثال هذه الأشياء لا يمكن تطهيرها، وليس لها إلا الإتلاف، لأن النجاسة تشرَّبتها ولا يُستطاع إخراجها منها ، وما سوى هذه الحالات النادرة فإن كل متنجِّس يمكن تطهيره.

    أما النقطة الأخيرة فهي الشك في نجاسة الشيء ، فلو شككنا في نجاسة ثوب مثلاً فإن الشرع لا يُلزمنا بغسله وتطهيره، ولكن لو فعلنا ذلك احتياطاً فلا بأس، ولا نُلْزَم بتطهيره إلا إذا تيقَّنَّا من نجاسته. وقريبٌ منه الثوب وقد أصابته نجاسة يسيرة، كأن وقعت عليه ذبابة أو صرصور كانا قد وقعا على نجاسةٍ كغائط مثلاً، أو أصاب الثوبَ رشاشٌ جِدُّ يسير من البول لا يتجاوز النقطة مثلاً، وهو ما يطلق عليه (ما لا يدركه الطَّرْف) ففي هذه الحالة يظل الثوب طاهراً ولا يجب غسله، ولا يخالف في هذا إلا المُوَسْوَسون.

  7. #47
    الصورة الرمزية تقي بن فالح قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2017
    المشاركات : 517
    المواضيع : 36
    الردود : 517
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي (44)----- 80-81 الاستحـــالة

    الاستحـــالة
    المقصود من الاستحالة هو تحويل المادة النجسة إلى مادة طاهرة كالخمر تُحوَّل إلى خلٍّ مثلاً، وكالبول والغائط يُحوَّلان، أو يؤخذ منهما ماء نقي بالتقطير، وكشحوم الميتة تُحوَّل بالصناعة إلى صابون، وأشباه ذلك. هذا الأمر لا يحل القيام به شرعاً، لأن النجس كما أسلفنا لا يجوز الانتفاع به مطلقاً لا بالاستعمال ولا بالبيع ولا بالإهداء ولا بالإرث، ولا يُعدُّ مالاً محترماً مُقوَّماً شرعاً، بمعنى أنه لو سرق مسلم خمراً أو خنزيراً من مسلم فإنه لا يُحدُّ ولا يعاقب، ولا يحاسب إلا من حيث كونه صار يملك خمراً ويحملها ويستعملها، لأن الأحاديث قد نصَّت على حرمة الانتفاع بالنجاسات، ولم تسمح إلا بكلب الصيد وكلب الحراسة، وجلد الميتة بعد دباغه لا غير، وهذا الحكم عامٌّ في كل نجاسة، ولم يرد نص يستثني منه شيئاً من النجاسات، ومن قال غير ذلك طالبناه بالدليل.
    والمعروف أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين نزل قوله تعالى (إنَّمَا الخَمْرُ والمَيْسِرُ والأَنْصَابُ والأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُوْنَ) الآية 90 من سورة المائدة. بتحريم الخمر طاف عليه الصلاة والسلام في أسواق المدينة يُريق الخمر في الطرقات، ويشقُّ دِنانها بمُدية كانت بيده ، ولم يأذن لأحد من المسلمين بالانتفاع بها كدواء أو بتحويلها إلى خل. أما الدليل على عدم إذنه عليه الصلاة والسلام بالانتفاع بها كدواء، فالحديث الذي رواه مسلم والترمذي وأبو داود والدرامي وأحمد من طريق طارق الجُعفي، وقد مرَّ، ولفظه «إنَّ طارق بن سُويد الجُعفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر، فنهاه أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال : إنه ليس بدواء ولكنه داء» . وأما الدليل على عدم إذنه بتحويلها إلى خل ، فما روى أنس رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الخمر تُتَّخذ خلاً ، فقال : لا» رواه مسلم والترمذي. وما روى أنس أيضاً «أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمراً ، فقال : اهرِقْها، قال : أفلا نجعلها خلاً ؟ قال: لا» رواه أحمد وأبو داود . وهذا كافٍ لإثبات حُرمة الانتفاع بالخمر وحرمة تحويلها إلى أشياء نافعة أو طاهرة.

    ولكن السؤال الذي لا بد منه هو: كيف أحل الإسلام الخل وهو متحوِّل عن خمر؟ فالجواب على هذا السؤال هو أن الخل يُصنع بوضع العنب أو التفاح مثلاً في إناء، ويُترك شهراً أو شهرين حسب حرارة الجو وتعرُّضِه لأشعة الشمس ليتحول إلى خل، فالعنب والتفاح مثلاً يتحولان إلى خل بفعل الزمن ، وبالتخمُّر الذاتي، دون فعلٍ أو تدخل من الإنسان. هذه هي الطريقة الشائعة لصنع الخل، وهذه الطريقة قد أحلَّها الإسلام . والفرق بين هذه الطريقة وبين تحويل الخمر إلى خل، هو أن الشخص حسب هذه الطريقة لا يفعل سوى وضع عنب أو تفاح طاهرين في إناء طاهر، وتركه فترةً زمنية ليستخرج منه خلاً طاهراً، فكانت جائزة.
    أما الطريقة التي حرَّمها الإسلام فهي وضع الخمر وهي نجسةٌ في إناء ، وتركها فترة حتى تتحول إلى خل، إمَّا بإضافة مواد أخرى وإما بدون إضافة. والفارق بين الطريقتين هو أن الطريقة الأولى هي استعمال شيء طاهر للوصول إلى شيء طاهر ، وأما الثانية فهي استعمال شيء نجس للوصول إلى شيء طاهر ، فالفارق واضح لا سيما إذا علمنا أن الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم قد حرَّما الخمر ، وحرَّم الرسول عليه الصلاة والسلام في الخمر عشرة منها حملُها وعصرُها، ولا تتم الطريقة الثانية إلا بحملها وإلا بعصرها أو شرائها، وما دام أنه لا يحل لمسلم أن يعصرها أو أن يشتريها أو أن يحملها فإنه لا يتسنى له أن يصنع منها الخل.
    أما الطريقة الأولى فليس فيها أي فعل من المسلم يتعلق بالخمر، فالمسلم حين وضع العنب أو التفاح مثلاً في الإناء، تحوَّل العنب أو التفاح بفعل نفسه، لا بفعل المسلم إلى خمر، ثم تحول الخمر بفعل نفسه لا بفعل المسلم إلى خل، ولذا جازت هذه الطريقة. روى الطحاوي في كتابه مُشْكل الآثار عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب رضي الله قال «لا نأكل من خمرٍ أُفْسِدت حتى يكون الله تعالى بدأ فسادَها». وفي رواية أُخرى «... لا نشرب خلاً من خمر أُفْسِدت حتى يبدأ الله عزَّ وجلَّ فسادَها، فعند ذلك يطيب الخل ...».
    ومن جواز صنع الخل بالطريقة الأولى نستنبط حكماً شرعياً هو أن الشيء النجس إن تحوَّل بغير فعل المسلم إلى شيء طاهر جاز استعماله كسائر الطاهرات، لأن هذا الشيء الطاهر الذي خرج من النجس بالتحوُّل هو طاهر وليس نجساً، فلا يصح اعتباره نجساً عند ذلك، والمحظور على المسلم فيما يتعلق بالنجاسات هو الانتفاع بها ما دامت على حالها من النجاسة، وإنَّ من الانتفاع بها تحويلها بفعل نفسه، وهو لا يجوز.
    أما إن حوَّلها كافر، أو تحوَّلت ذاتياً إلى طاهرة صار حكمها في التعامل حكم الطاهرات وهو ما يفسر حِلَّ الخل الذي يستعمله المسلمون، ذلك أنه قد وصلهم خلاً طاهراً من طريقتين: من الطريقة الأولى التي ذكرناها، ومن طريقة ثانية هي شراء الخل من الكفار، والكفار إما أنهم قد صنعوه حسب طريقتنا، وإما أنهم صنعوه بتحويل الخمر إلى خل، واشتريناه نحن منهم خلاً طاهراً دون أن نسألهم عن الطريقة التي استخدموها في صناعة الخل، مما يدل على أن النجس إن تحول بفعل غير المسلم إلى طاهر حل استعماله والانتفاع به.
    والنتيجة هي أن الشيء النجس إن تحول بغير فعل المسلم إلى شيء طاهر جاز استعماله والانتفاع به وحكمنا بطهارته، سواء حصل التحوُّل ذاتياً دون فعل الإنسان، أو حصل بفعل كافر. وبتطبيق هذه القاعدة على بعض الأشياء نقول: إن المسلمين لا يحل لهم أن يقطِّروا الأبوال والعِذَر كمياه مجاري المدن ليستخرجوا منها الماء المقطَّر، فإن هذا حرام لا يجوز، ولكن إنْ قطَّر كافرٌ مياه المجاري، واستخلص منها ماء نقيَّاً مقطَّراً، جاز للمسلمين شراؤه واستعماله والتَّطهُّر به، ولكن شرطَ أن لا يقوم به الكافر وِكالةً عن المسلم، وإنما يفعله بنفسه دون تكليف منه، وذلك لأن الفعل في حالة الوكالة يظل للمسلم ومن المسلم، ويكون الكافر مجرد أجير أو وكيل، والفعل يُنسَب لصاحب الأمر وليس للأجير فحسب، ولو حصل ذلك لكان تحايلاً لا يجعل الحرام حلالاً، وإلا لجاز للمسلم أن يسلِّم ماله لكافر ليرابي له فيه ، أو لينشيء له به مزرعة خنازير، ويفعل سائر المحرمات.
    والخمر نجسة لا يحل الانتفاع بها مطلقاً إلا إن تحولت من ذاتها أو حوَّلها كفار إلى ماهيَّة طاهرة جديدة، فتأخذ الماهية الجديدة حكماً آخر هو الحِل والطهارة، لأنها لم تعد خمراً، ولم تعد نجسة. ولنقف هنا وقفة نفصِّل فيها القول.

  8. #48
    الصورة الرمزية تقي بن فالح قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2017
    المشاركات : 517
    المواضيع : 36
    الردود : 517
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي (45)---- 83/82

    الخمر لغةً: هي كل مُسكرٍ مُخامرٍ للعقل مغطٍّ عليه، من خمر الشيء إذا ستره، وأخمر توارى، وخامر الشيء خالطه. وفي اصطلاح الفقهاء: هي كل ما كان مُسكراً ، سواء كان متَّخَذاً من الفواكه كالعنب والرُّطب والتين والزبيب، أو من الحبوب كالقمح والشعير والذرة، أو من الحلويات كالعسل، وسواء كان مطبوخاً أو نيئاً. والخمر صنفان: صنف يُصنع بالطريقة التقليدية وهي المشروبات المخمَّرة كنبيذ البيرة أو الجعة المصنوعة من الشعير ونبيذ المزر المصنوع من القمح ونبيذ السَّكركة المصنوع من الذرة ونبيذ البتع المصنوع من العسل، وصنف ثانٍ هو المشروبات المقطَّرة كالوسكي والبراندي والجِن وأمثالها، وهذه المشروبات الأخيرة تعتمد على فكرة التقطير.
    أما الكحول
    أما الكحول - ويسميه العرب الغَوْل - فهو جملة عديدة من المركَّبات الكيماوية لها خصائص متشابهة ، ومن الكحول صنف اسمه الإثيلي وهو مسكر، ومنه صنف يسمى المثيلي وهو سامٌّ. والإثيلي هو المستعمل في المشروبات المسكرة، أما المثيلي فلا يستعمل في الشراب لأنه سامٌّ قاتل، وسبيرتو الوقود هو من النوع المثيلي، ويؤخذ من نشارة الخشب وغيرها، وشربه يسبب العمى ويؤدي إلى الوفاة خلال أيام. ومن ذلك يظهر أن المثيلي كسبيرتو الحريق ليس خمراً ، ولا يأخذ حكم الخمر من حيث النجاسة والحرمة فنخرجه من البحث. فيبقى الإثيلي (والسبيرتو الطبِّي هو من هذا النوع) .

    الإثيلي هو الموجود في المشروبات المتخمِّرة والمشروبات المقطَّرة، وهذا الصنف يستعمل أيضاً في الصناعة فهو يستعمل كحافظٍ لبعض المواد، وكمادة منشِّفة للرطوبة، وكمُذيب لبعض القَلَويات والدُّهنيات، وكمقاوم للتَّجمُّد، وكمذيب لبعض الأدوية، وكمذيب للمواد العِطرية كالكالونيا والروائح ، ويدخل في صناعة بعض مواد النِّجارة. وهذه الاستعمالات قسمان: قسم يُستعمل فيه الكحول كمذيبٍ فحسب، أو كمُضاف إلى بعض المواد، وهذا الاستعمال لا يُفقد الكحول ماهيته ولا خصائصه، وإنما يظل على حاله من التركيب ومن الإسكار، فهذا القسم حرام استعماله مطلقاً، وكمثالٍ عليه الكالونيا، فالكالونيا لا يحل إستعمالها وتظل نجسة، لأن النجاسة خالطتها وظل فيها الكحول المسكر على حاله، فهي مواد مخلوطة بخمرٍ نجسة. أما القسم الثاني الذي يستعمل فيه الكحول ، ففيه يتحوَّل الكحول عن ماهيته ، ويفقد خاصِّيته في الإسكار، ويتشكل منه ومن المواد الأخرى مادة جديدة لها مواصفات غير مواصفات الكحول، ففي هذه الحالة يجوز شرعاً استعمال هذه المواد وتعتبر طاهرة لأنه لم يعد فيها كحول بعد أن استحال فيها إلى مادة أخرى مختلفة كما تستحيل الخمر إلى خل. هذا من حيث الطهارة والنجاسة، واستعمال المواد بعد الخلط في الحالتين.

    أما من الذي يتولى عملية الخلط في الحالتين ؟ فالجواب هو أنه لا يجوز أن يتولاها المسلم مطلقاً، فالمسلم لا يحل له أن يحمل الكحول ليخلطه بغيره، أما إن خلطه كافر وكان من القسم الثاني فإن هذه المادة الجديدة يجوز للمسلم استعمالها، وذلك كبعض مواد النِّجارة في الدِّهان، ففيها يختلط الكحول بمادة أخرى ليخرج من الخليط مادة جديدة، فهذه المادة لا يجوز للمسلم أن يصنعها، ولكن إن صنعها كافر جاز للمسلم أن يشتريها منه، ويستعملها كسائر المواد الطاهرة المباحة.

    هذه هي القاعدة في الخمر، وهذه هي الاستحالة ، وحسب هذه القاعدة يُسار في جميع الحالات وجميع المواد. وإِنَّ من أعظم ما ابتُلي به المسلمون في هذه الأيام صناعة الأدوية وصناعة العطور ، ففي الكثير منهما يدخل الكحول، لذا فالواجب على المسلم أن يتحرى حين شرائهما، فإن كان الدواء أو العطر يظل الكحول فيه على ماهيته وخاصِّيته فإن الدواءَ هذا والعطرَ لا يحل استعماله ويظل نجساً، أما إن استحال الكحول فيهما إلى مادة جديدة ذات خاصية جديدة فإنه يجوز حينئذ استعماله.

    وما يقال عن الخمر يقال عن شحوم الخنزير وشحوم الميتة مثلاً، فهذه الشحوم قد تدخل في صناعة الصابون فتفقد في هذه الصناعة ماهيَّتها وخصائصَها، ففي هذه الحالة يكون الصابون حلالاً ويكون طاهراً، ولا شيء في الانتفاع به، لأن الشحوم في صناعة الصابون تتحول إلى مادة أخرى مغايرة في الوصف والخاصِّية للشحوم فتحل لأجل ذلك. وكما قلنا في الخمور نقول في الشحوم، وهو أنه في صناعة الصابون لا يحل لمسلم أن يستعمل هذه الشحوم النجسة، أما إن صنعها الكافر وحوِّلها مع مواد أخرى إلى صابون، فإنه يجوز للمسلم حينئذ أن يستعملها وتكون طاهرة.

    فالقاعدة في الاستعمال والانتفاع هي أن النجاسات لا يحل لمسلمٍ الانتفاع بها استعمالاً أو بيعاً أو شراء أو هبة أو تحويلاً، ولكن إن تحولت ذاتياً إلى مواد جديدة ، أو حوَّلها كفار إلى مواد جديدة حلَّت حينئذ، لأنها لم تعد نجاسات، وصار حكمها حكم أي شيء طاهر.

  9. #49
    الصورة الرمزية تقي بن فالح قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2017
    المشاركات : 517
    المواضيع : 36
    الردود : 517
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي (46)- 83 - 84

    الفصـل الرابـع - أحكامُ وآدابُ قضاء الحاجة
    هناك أحكام وآداب تتعلق بقضاء الحاجة في البر والخلاء ، وهناك أحكام وآداب تتعلق بقضاء الحاجة في البيوت والعمران. وقديماً أطلق الفقهاء على هذا الفصل آداب التَّخلِّي، يعنون بذلك أحكام الأفعال التي يُقام بها حين التبوُّل والتَّغوُّط.
    أحكامُ وآدابُ قضاء الحاجة في الخلاء
    1- يُسنُّ لمن أراد التبوُّل أو التغوُّط في الخلاء أن ينطلق بعيداً عن أعين الناس خاصة إذا أراد التغوط، بحيث لا يرى عورته أحد، ولا يُسمَع منه صوت، ولا تُشَمُّ منه رائحة، لحديث جابر قال «خرجنا مع رسول الله  في سفر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتي البرَاز حتى يتغيَّب فلا يُرى» رواه ابن ماجة . ورواه أبو داود ولفظه «انطلق حتى لا يراه أحد» وهذا الحديث رجاله رجال الصحيح، إلا إسماعيل بن عبد الملك قال فيه البخاري (يُكتب حديثه). وروى النَّسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذهب أبعد» قال الترمذي (حديث حسن صحيح).
    2- ويُسن أن يستتر بشيء وأن يطلب مكاناً منخفضاً - وهو ما يسمى لغة بالغائط، إذ الغائط هو المكان المنخفض - بحيث يختفي عن الأنظار. وقد جرى التوسُّع في استعمال لفظة الغائط حتى صارت تطلق على البِراز نفسه، وعلى عملية التبرُّز، فقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يرتاد لبوله مكاناً منخفضاً يتوارى فيه، وكان يتَّخذ لحاجته سِتراً ، فعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال «... وكان أحبَّ ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هَدَفٌ أو حائشُ نخل» رواه مسلم وابن ماجة والبيهقي وابن حِبَّان. قوله الهدف: أي كل مرتفع من كُومة رمل أو صخر أو جبل . وقوله الحائش: أي مجموعة أشجار متقاربة تستر مَن يقف خلفها. وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فلْيستدبرْه فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج» رواه أحمد والبيهقي. ورواه ابن ماجة وأبو داود جزءاً من حديث. قال ابن حجر (إسناده حسن).
    3- وإذا لم يكن مع المسلم ماء أخذ معه ثلاثة أحجار أو أكثر ، إلا أن تكون الأرض ذات حجارة فيأخذ الحجارة منها، ويُغْني عن الأحجار أيُّ صلب طاهر أملس يصلح للإنقاء. أَمَّا أنْ يكون صلباً فلأنَّ المَدَر من التراب مثلاً إذا ابتلَّ تفتت فلم يُزِل النجاسة، وأَمَّا أن يكون طاهراً فواضح، فالنجس لا يصلح للتطهير، وأَمَّا أَنْ يكون أملس صالحاً للإنقاء فلأن الحجارة الخشنة مثلاً لا تصلح لإزالة النجاسة، وربما جرحت الموضع.
    قد يُقال بوجوب الاستطباب بالحجارة فحسب دون سواها من الأشياء لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يذكر سواها، ولم يُنقل أنه استعمل غيرها فتكون هي المطلوبة وحدها، فنجيب على ذلك بالحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم «إنما أنا لكم مثل الوالد أُعلِّمكم، إذا ذهب أحدكم إلى الخلاء فلا يستقبل القِبلة ولا يستدبرها ولا يستنج بيمينه، وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الرَّوث والرِّمَّة» أخرجه النَّسائي وابن ماجة وابن خُزَيمة والبيهقي. قوله الرِّمَّة : أي العظم البالي، والمراد مطلق العظم. فهذا الحديث استثنى الروث والرِّمَّة من المواد الصالحة للاستجمار، وتخصيصهما بالنهي هو دليل على صلاح ما سواهما، إذ لو كان الأمر بالاستجمار محصوراً بالأحجار فقط لنهى الرسول عليه الصلاة والسلام عما سواها مطلقاً ولم يخصِّص، ولَمَا كان لتخصيص الرَّوث والرِّمَّة بالنهي فائدة.
    وبذلك يظهر أن كل ما يصلح لإزالة النجاسة يجوز الاستجمار به كالخشب والورق والخِرق والمعدن، وما ذِكْرُ الحجارة في الأحاديث إلا من باب الأعمِّ الأغلب لا غير . وقد سبق أن بيَّنَّا أن الغاية من الغسل، أيِّ غسلٍ، هي الإنقاء، ونقول هنا إن ثلاثة من الأحجار ليست مقصودة لذاتها بقدر ما يُقصد بها الإنقاء، فإن تحقَّق الإنقاء بثلاثة أو أكثر أو أقل فقد حصل المطلوب، ولا يجب فيه عدد مخصوص.
    4- ويُسنّ لمن أراد التخلي أن يرتاد المكان الرَّخو حتى لا يصيبه رشاش البولِ للحديث الذي مرَّ سابقاً وفيه «أما أحدهما فكان لا يستتر من البول» ومدلول القول هذا أن من بال في موضع صلب لم يأمن رَشاش البول، فيقع تحت النهي الوارد في الحديث، ولذا وجب أن يبول في مكان رخو ذي تراب ناعم، إلا أن يبول على سطح صلب مائل يبعد عنه الرَّشاش فلا بأس. فالعبرة هي الاستتار والتَّنزُّه من رشاش البول، فهو العلة ، فكل ما يحقق الاستتار والتَّنزُّه واجب.
    5- ولا يجوز لمسلم أن يتخلَّى في ظـلٍّ يستظلُّ فيه الناس، أو فــي طريق يسلكها الناس، أو في مكـان يجلسون فيه ، لأن فيه إضراراً بالناس وهو لا يجوز، وللحديث الذي رواه أبو هريرة أن رسول الله  قال «اتَّقوا اللعَّانَيْن، قالوا : وما اللعَّانان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلَّى في طريق الناس، أو في ظلهم» رواه مسلم وأحمد. ورواه أبو داود والبيهقي بلفظ
    «اتَّقوا اللاعِنَيْن، قالوا: وما اللاعِنان؟». قال الخطَّابي: المراد باللاعِنَيْن الأمران الجالبان للَّعن الحاملان الناس عليه والداعيان إليه، وذلك أن مَنْ فعلهما لُعن وشُتم، يعني عادة الناس لعنه، فلمَّا صارا سبباً أُسند اللعن إليهما على طريق المجاز العقلي. أما إن كان الظِّلُّ لا يصل إليه الناس أو لا يستظلون فيه فلا بأس بالبول فيه.

  10. #50
    الصورة الرمزية تقي بن فالح قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2017
    المشاركات : 517
    المواضيع : 36
    الردود : 517
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي (47) 85-86

    6- ويُكره للمسلم أن يتخلى في الحُفَر والشقوق والجُحور، لأنها مساكن كائنات حيَّة أخرى يُؤذيها البول، فتؤذي المتبوِّل مِن ثَمَّ، لما روى قتادة عن عبد الله بن سرجس أن نبي الله  قال «لا يبولنَّ أَحدكم في جُحر، قالوا لقتادة: وما يُكره من البول في الجُحْر؟ قال : يقال إنها مساكن الجن» رواه النَّسائي وأحمد وأبو داود والبيهقي. وصححه ابن خُزَيمة.

    7- يُشرع للمسلم أن يستعمل يده اليسرى لا اليمنى في الاستنجاء والاستجمار لما رُوي عن سلمان رضي الله عنه أنه قال «قال لنا المشركون : إني أرى صاحبكم يعلمكم، حتى يعلمكم الخِراءَة، فقال: أجل ، إنه نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه، أو يستقبل القِبلة، ونهى عن الرَّوث والعظام وقال: لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار» رواه أبو داود والبيهقي. ورواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. ولما رُوي عن أبي قتادة «أن النبي  نهى أن يمسَّ الرجل ذَكَره بيمينه» رواه الترمذي وقال (هذا حديث حسن صحيح).

    8- ويُكره أن يتكلم مع غيره أو مع نفسه بصوت مسموع، لما رُوي عن ابن عمر «أن رجلاً مرَّ ورسولُ الله  يبول ، فسلم فلم يرد عليه» رواه مسلم وابن ماجة والنَّسائي وأبو داود والترمذي.

    وقد يتساءل أحدهم: لماذا لا يكون حكم الكلام في أثناء التَّغوُّط التحريم وليس الكراهة للحديث الذي رواه أبو سعيد، قال: سمعت رسول الله  قال «لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفَيْن عورتهما يتحدثان، فإن الله يمقت على ذلك» رواه أحمد والبيهقي وأبو داود وابن ماجة؟ فأجيب : إن هذا الحديث لا يدل على أن المقت واقع على الكلام في أثناء التغوط، وإلا لكان الحديث صالحاً للدلالة على التحريم، وإنما يدل الحديث على أن المقت واقع على كشف العورة للغير والحديث معه وهو على حاله فهذا لا شك حرام، فقد روى ابن حِبَّان الحديث بسياق يفيد هذا المعنى «لا يقعد الرجلان على الغائط يتحدثان، يرى كل واحد منهما عورة صاحبه فإن الله يمقت على ذلك» فالمقت الذي يفيد التحريم واقع على رؤية كل واحد منهما عورة صاحبه، وليس على مجرَّد التحدُّث والكلام.

    ويدل على كراهة الكلام أيضاً أن حديث ابن عمر المارَّ رواه أبو داود ثم قال: ورُوي عن ابن عمر وغيره «أن رسول الله  تيمَّم ، ثم ردَّ على الرجل السلام» ورواه أيضاً ابن ماجة. وكذلك الحديث المروي عن المُهاجِر بن قُنفذ «أنه أتى النبي  وهو يبول، فسلم عليه فلم يردَّ عليه حتى توضأ ثم اعتذر إليه فقال: إني كرهت أن أذكر الله عزَّ وجلَّ إلا على طُهر أو قال: على طهارة» رواه أبو داود وأحمد . فهذان الحديثان يبيِّنان العلَّة من عدم التكلم وهي كراهة ذكر الله بدون طهارة وهذه قرينة صالحة لصرف الحكم إلى الكراهة فحسب، وإلى هذا ذهب عامة الفقهاء قديماً وحديثاً.

    9- ويُكره أن يستقبل القبلة وأن يستدبرها في أثناء قضاء الحاجة، إلا أن يستتر بشيء فلا بأس، هذا إن كان قضاء الحاجة في الخلاء. أما إن كان ذلك في المراحيض المتَّخَذة في البيوت فلا بأس من الاستقبال والاستدبار، لأن الجدران تستر مَن خلفها. وقد وردت عدة أحاديث تعالج هذا الموضوع ، فلْنستعرضها لاستنباط الأحكام منها:

    1- عن أبي هريرة عن رسول الله  قال «إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القِبلة ولا يستدبرها» رواه مسلم وأحمد والدارمي.

    2- عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي  قال «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القِبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط، ولكن شَرِّقوا أو غرِّبوا ، قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بُنيت قِبَل القِبلة فننحرف عنها ونستغفر الله، قال: نعم» رواه مسلم وأحمد والبخاري وابن ماجة وأبو داود.

    3- عن ابن عمر قال «رَقِيتُ على بيت أختي حفصة، فرأيت رسول الله  قاعداً لحاجته مستقبل الشام مستدبر القِبلة» رواه مسلم والبخاري.

    4- عن أبن عمر قال «... فحانت مني التفاتة، فرأيت كنيف رسول الله  مستقبل القِبلة » رواه البيهقي وابن ماجة بسند ليِّن.

    5- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال «... فرأيت رسول الله  على لَبِنَتين مستقبل بيت المقدس لحاجته» رواه ابن حِبَّان والدار قطني والنَّسائي وابن ماجة.

    6- عن عائشة رضي الله عنها قالت «ذُكِر عند رسول الله  قومٌ يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القِبلة، فقال: أراهم قد فعلوها، استقبلوا بمقعدتي القبلة» رواه ابن ماجة وأحمد. ورواه الدار قطني وقال (هذا أضبط إسناد) ، وحسَّنه النووي.

    7- عن مروان الأصفر قال «رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبِل القِبلة، ثم جلس يبول إليها، فقلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قد نُهي عن هذا؟ قال : بلى إنما نُهي عن ذلك في الفضاء فإذا كان بينك وبين القِبلة شيء يسترك فلا بأس» رواه أبو داود والبيهقي وابن خُزَيمة . قال ابن جحر (أخرجه أبو داود والحاكم بسند لا بأس به).

    8- عن جابر بن عبد الله قال «نهى نبي الله أن نستقبل القِبلة ببول فرأيته قبل أن يُقبَض بعام يستقبلها» رواه أبو داود وأحمد وابن ماجة. ورواه التِّرمذي وحسَّنه وصحَّحه البخاري وابن خُزَيمة.

    9 - عن أبي هريرة عن النبي  قال «من أتى الغائط فلْيستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فلْيستدبره، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج» رواه أحمد والبيهقي. ورواه ابن ماجة وأبو داود جزءاً من حديث. وقد مرَّ.

    الحديث الأول يفيد عموم النهي عن استقبال القِبلة واستدبارها، وكذلك الحديث الثاني والشطر الأول من الحديث الثامن دون تخصصٍ بالفضاء - أي بالخلاء - أو بالعمران. والحديث الثالث والحديث الرابع والحديث الخامس والحديث السادس والشطر الثاني من الحديث الثامن، تفيد كلها استقبال القِبلة أو استدبارها من فعل الرسول  وقوله، وجاء الحديث الثامن خاصةً بتوقيت الاستقبال بعامٍ قبل وفاته عليه الصلاة والسلام.

صفحة 5 من 6 الأولىالأولى 123456 الأخيرةالأخيرة