نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

.........ما ثم الا انت تختزل الكلام بعبوة ندباء تبدو في بني الصفراء ذكرى

...........وعلى جذاك الفجر يبدو مستطيرا في يديك برغم أنف الليل يورى


مفكرة الإسلام : لم يكن الشيخ عبد الكريم رحمه الله قائد إحدى فصائل المقاومة في العراق والملقب بابن تيمية الصغير مُنجمًا أو متنبئ عصره عندما خطب ذات يوم قبل استشهاده في المقاتلين في معركة الفلوجة وقال لهم: 'سنبيعهم في يوم من الأيام بقوة الله كما باع حكامكم العرب إسلامهم في شوارع ومقاهي واشنطن ولندن'!!
تذكرنا تلك الكلمات عندما توجهنا إلى سوق الباب الشرقي في بغداد, وهناك وجدنا معدات عسكرية لجنود أمريكيين, وأخرى شخصية, ورسائل لذويهم وصورًا عائلية وأغراض زينة, كان ينتظر أولئك الجنود العودة إلى منازلهم لأخذها معهم, إلا أن الموت كان أقوى من أمنياتهم, وضربات المقاومة كانت أسبق إلى عيونهم من صدورهم, ففي كل أسبوع يأتي عناصر المقاومة بكل انتماءاتها وفصائلها المختلفة إلى ذلك السوق, حاملين معهم غنائم الجيش الأمريكي ومن التي لا يستفيد منها عناصر المقاومة في عملياتهم العسكرية, والبعض الآخر من هذه المواد هي التي ينقض عليها الناس بعد كل عملية على الأمريكان, والقوات الأمريكية تعلم بذلك, وأصبح ذلك السوق يشكل وصمة عار على جبينها؛ لذلك منعت التصوير في ذلك السوق أو حتى بيع معدات التصوير فيه.
وفي كل مرة تأتي وتقوم بالتفتيش على الأشخاص الذين يبيعون تلك المواد ولكن دون جدوى, حيث لا تعثر إلا على أطفال لا يتجاوز عمر الواحد منهم اثني عشر عامًا, لذلك يئسوا قبل أيام منهم ولم يعاودوا الكرّة كل أسبوع كما كانوا يفعلون. وقد أدخلنا الكاميرا بصعوبة إلى ذلك السوق, ولو رآنا أحد عناصر الشرطة أو الأمريكان لقام باعتقالنا على الفور, إلا أن الحق كان أقوى, وشاء الله أن نتمكن من أخذ بعض الصور لذلك السوق .
ويقوم الباعة بوضع بضائع مسموح ببيعها في الواجهة وأما التي يخشون أن يقبض عليهم بسببها فيخرجون القليل منها ويجعلونه بجانب المسموح بها فإذا رأوا قوات الاحتلال أو الجنود العراقيين قاموا بإخفائها في لمحة بصر .
في هذا السوق وجدنا بوصلات, ودروعًا ملطخة بالدماء, وقنابل يدوية فاسدة, ومكبرات صوت , وأدوات احتياطية لسيارات الهمر التي دمرت, كما تظهر في إحدى الصور خلف الطفل مقدمة لعجلة همر وتسمى في العراق ' دعامية ' - وهي صالحة للاستعمال - وقد ركنها الطفل خلفه بانتظار من يشتريها, فهي كما يقول الطفل عبيده: [لك] أي جديدة وحديدها قوي.
في هذا السوق مواد أمريكية خالصة 100%, فيها ما يصل ثمنه إلى 1500دولار كمسدسات كاتمة الصوت, وقلائد الجنود التي يضعونها على رقابهم وفيها أسماؤهم, ومنها ما يصل إلى 50 دولارًا وهي مواد أو عدد شخصية للجنود. كما تتضح في الصورة الأقراص الممغنطة - السي دي - والتي فيها حفلات الجنود الخاصة والمحاضرات التي تلقى عليهم في قواعدهم العسكرية.
والغريب في الأمر أن أغلب رواد ذلك السوق هم من الميسورين, حيث يدفعون الكثير للحصول على أية قطعه يريدونها لأنها كما يقول أبو جعفر: [للذكرى], وقد اشترى أبو جعفر بيريه لجندي أمريكي - والبيريه هي خوذة الجندي الأمريكي - لقد اشتراها بـ300 دولار, ويزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: 'لا تكرهوا الفتن فإن فيها حصاد المنافقين'[1], ونحن في فتنة ثم يكمل حديثه : وواجب أن أبرهن لأبنائي وأحفادي أن العراقيين في هذه الفتنة قد محصوا المنافق من الطيب الأصيل, وأن هذه المواد هي لعلوج الاحتلال جاءتكم من الرمادي أو الفلوجة أو الموصل أو سامراء.. أنا رجل شيعي لكنني وطني والشيعة أركسوا رؤوسنا أمام العالم بجبنهم, اللهم إلا أتباع الصدر, فقد فعلوا ما استطاعوا فعله.
تركْنا السيد 'أبو جعفر' وتوجهنا إلى الطفل 'عبيده' والذي يبلغ من العمر اثني عشر عامًا, ووجدناه يحمل بندقية آلية, وهي لعبة غير حقيقية, ويصيح بأعلى صوته: بندقية أمريكية بألف دولار, 'الحك عليه قبل لا يشتروها'. سألناه: هل هذه حقيقية؟ قال: كلا, ولكن الحقيقيات في مكان آخر, هل أنتم جواسيس لكي تخبروا الأمريكان؟ قلنا له: كلا, نحن صحفيون, عندها ألح أن نصوره مع تلك البندقية اللعبة وقال: إنها في الحقيقة رمز سري, فأنا أحملها لكي يعرف الأشخاص الذين يبحثون عن بندقية أمريكية أن ضالتهم معي, أنا خبيث[2] أليس كذلك؟؟
وأخذ هذا الغلام يضحك وضحكنا معه نظراً لدماثة أخلاقه والتي جعلت الكثير يقبلون عليه , والغريب في الأمر أن الطفل أصر على أن نصوره مع معروضاته, وعندما سألناه عن السبب قال: نحن لا نأتي هنا إلا لمرة واحدة؛ لأنا ما أن ندخل إلى هذا السوق حتى نُعرف , فهناك جواسيس يتابعوننا إلى حيث منازلنا أو حيث ما نلتقي بالمقاومة في مناطق مختلفة, إذن كيف لكم أن تعرفوا قوانين السوق في أول يوم لكم لدينا؟ من يعلمنا؟
ثم دار بيننا الحوار التالي:

مفكرة الإسلام : إذن كم بعت إلى هذه الساعة؟

عبيدة : والله اليوم البيع ليس جيدًا, فكما ترى لم أبع اليوم سوى خوذه ودرع وناضور وصواعق أمريكية فاسدة.

مفكرة الإسلام : بكم بعت السترة الواقية؟

عبيدة : تقصد الدرع؟ نحن نسميها الدرع!!

مفكرة الإسلام : نعم.

عبيدة : بعتها بثمانين دولارًا, وهو ليس سعرها, سوف يأتي والدي ويشتمني على ذلك السعر.

مفكرة الإسلام : لماذا؟

عبيدة : لأن سعرها أكثر, ولكن المشتري قال: إن فيها دماء, وهي مكسورة من الجانب.. لا تساوي إلا ثمانين.

مفكرة الإسلام : ولماذا تبيعون بالدولار الأمريكي؟

عبيدة : لا أعلم, ولكنه - كما يقولون - قانون السوق.

مفكرة الإسلام : ما هي أحسن صفقه للسلاح هنا, أو أحسن شيء يبحث عنها رواد هذا السوق؟

عبيدة : البنادق, وهي نادرة لأن المقاومة لا تبيعها لنا, فهم يستخدمونها في القتال, إلا أنني أذكر وسمعت عن ملا جبار, وهو بائع قديم يسمى 'الشبح', يعمل بالخفاء, باع لجماعة 'جوني' - ويقصد جون كيري - أربعة بنادق غير صالحة للعمل, أمريكية خاصة بالمايرز - ويقصد المارينز - لكي يستفاد منها في [شغلاته الإعلامية], لقد باعها بعشرين ألف دولار لهم, وأخذوها منه.

مفكرة الإسلام : لماذا أخذوها؟

عبيدة : لا أعلم, ولن يقول الشبح: إنهم اشتروها لكي يبرهنوا أن الجيش الأميركي وقع في 'نكرة' - والنكرة في اللهجة العراقية تعني المستنقع-.

مفكرة الإسلام : كم سوقًا يوجد غير هذا السوق؟

عبيدة : هناك سوق في باب الشيخ جنوب بغداد, وآخر في اللطيفية, وهو الأحسن, ففيه يبيعون صورًا لفتيات جميلات, أظن أنها لزوجات الجنود وهن عاريات, وكل الشباب يشترون منهن.

مفكرة الإسلام : وهل المقاومة من تبيع هذه الصور؟

عبيدة : كلا فالمقاومة تحرقها لو علمت بذلك, إلا أن الباعة يجمعونها من المعسكرات التي تسقط بيد المقاومة أو من عجلاتهم المحطمة في الشارع ، أنا برأيي حلال فهم كفار.

مفكرة الإسلام : من قال لك هذا؟

عبيدة : شيخ الجامع في منطقتنا قال: كل مالهم ودمهم حلال لكم.

وهنا يضحك الصبي 'عبيدة' ونحن نغادر المكان الذي يعج برائحة مخلفات الاحتلال وجنوده القتلى.

توجهنا - بعدها بعد أن أخفينا الكاميرا الصغيرة تحت ثيابنا بسبب دخول جنود من القوات الأمريكية والعراقية إلى ذلك السوق - إلى بسطية أخرى وجدنا أحد الأطفال أيضًا, ودار الحديث التالي :

مفكرة الإسلام : ما عندك من المواد للشراء؟

البائع الصغير : عندي جهاز مسجل لسيارة همر تنفعكم؟ هي ترهم - أي تصلح لأية سيارة أوبل أو مرسيدس أو نيسان, وثمنه رخيص.

مفكرة الإسلام : بكم؟

البائع الصغير : ستين دولارًا أمريكيًا, وهو أصلي, لا محروق ولا معطوب - همر بعبوة ناسفة - وهو مصطلح يطلق على مواد السيارات الأمريكية المعروضة, للبيع حيث من المتعارف لديهم أن انفجار العبوة على الهمر لا يدمر محتوياتها العليا مثل مسجل أو حاكيه أو لاقطة صوت, عكس صاروخ القاذفة الذي يقلبها رأسًا على عقب.

مفكرة الإسلام : إذن أين هو؟

البائع الصغير : تعالوا معي لكي أريكم إياه, ألا ترون العلوج واقفين؟!

مفكرة الإسلام : حسنًا شكرًا لك, لا نريده الآن.

البائع الصغير : أنتم الخاسرون, لن تجدوا أحسن منه.

ثم توجهنا إلى شخص يسمونه بالعمدة, وهو أكبرهم سنًا بين الأطفال, يبلغ من العمر 17عامًا, يسمونه العمدة لأنه باع ساعة كيمت بخمسة آلاف دولار - وكيمت هو المتحدث السابق باسم جيش الاحتلال والذي تعرض لمحاولة اغتيال إثر هجوم فدائي على موكبه شمال سامراء-.

سألناه عن صحة تلك الرواية:

العمدة : نعم كنت في بيت جدي في سامراء عندما هاجموا كيمت وجرحوه, وركض الأطفال بعد خروج الرتل من المنطقة التي هوجم بها, ووجدت تلك الساعة التي تعود لكيمت.

مفكرة الإسلام : وما أدراك أنها لكيمت؟

العمدة : لا أعلم ولكن أبي يقرأ الإنجليزية, وهو قال لي: إن الساعة تعود لكيمت, ففيها اسمه منقوش على تلك الساعة.

لقد بعناها بخمسه آلاف دولار, وبنينا بثمنها الطابق الثاني من المنزل, واشترى لي والدي ملابس ودراجة, واشترى لأختي الأكبر مني كومبيوتر. ومن ذلك الحين ولحد الآن وأنا أعمل في تلك المهنة.

مفكرة الإسلام : ألا تخاف على نفسك من الاعتقال.

العمدة : أربعة مرات يأخذونني ثم يفكون أسري, وفي كل مرة أبقى أسبوعًا أو أكثر. يا أخي منو يعتقلون حتى يعتقلون؟ [إحنا بالعشرات, ثم إحنا ما سرقناها منهم, هم من تركها وهرب من القتال. إذا يعطوننا يوميًا خمسة وعشرين ألف دينار عراقي نترك ها الشغلة التعبانة].

[عمي, اكو ناس بَنَت منازل من وراء ها الغنائم الأمريكية, يوميًا دبابة, يوميًا همر, يوميًا طيارة, واحنا انبيع على اللي يريد يشتري].
بقي أن نقول شيئًا واحدًا في نهاية هذه المقابلة الممتعة مع أولئك الباعة, هو أن الجيش الأمريكي ومعداته موجودون في العراق على قسمين: الأول معداته العسكرية إما في مقابر السلاح المنتشرة في محافظات العراق, أو في أسواق باب الشيخ وباب الشرقي في بغداد, والقسم الثاني ينتظر دوره إما إلى المقبرة أو السوق.

ملاحظة: الصورة أخذت بحذر شديد, وأخذت موافقة الطفل على ذلك لأنه كما قال لنا: يوم واحد هنا, وبعدها أتوجه إلى سوق آخر.
قام بالحوار : أبو محمد الأنباري مدير مراسلي ' مفكرة الإسلام ' في العراق