المحطوط أو ( الهاتف / أو المسرة ، وفق مجمع اللغة العربية ) ظهر كرجل رصين مرتبط ( بأسلاكه ) وجذوره التي تحركه . هدفه واضح ومحدد ومحدود : ( الاتصال ) ، وأقصى ما قدمه من خدمات ، هي خدمة الساعة الناطقة أو حالة الطقس .بل ظل لزمن طويل ملتزما بزيه الأسود الوقور وصوته ( الرنين ) ذي النغمة الواحدة. متعهدا بخدمة الطبقات الراقية ، في ركن القصر أو البيت الكبير ، قابعا في شموخ في ( سلته) المخصصة له . وكان إذا اصابه العطب أوالتوعك ، جاءته النجدة ( لغاية عنده ) لإصلاحه على الفور ، كي لا تتعطل مصالح الناس بسبب ذلك .تأتيه أنت بذاتك تطلب خدمته ، ولا يمكنك أن تخلعه من ( رابطته أو جذوره ).بل وتذهب أنت أيضا بنفسك لتدفع تكاليفه في مراكز الاتصالات العامة.فأنت هنا الذي تحتاجه ، وأنت أيضا الذي تخدمه .أما ابن عمه ( المحمول/ النقال) ، فهو المعبر الحقيقي عن ثقافة الاستهلاك ونظريات الإسفنجة الماصة للمال .فهو المنافق المتلون ، مختلف اللغات والألسنة ، متنوع الأهداف والأغراض . ووفق قانون النفعية ، حول كل شيء يين يديك إلى سلعة مسبقة الدفع . والتصق بأذنيك في كل مكان ، وصار سمير العشاق ، وجامع الأصدقاء ، ونديم الساهرين ، ورفيق العابرين ، وجليس القاعدين ، ودليل البائع والمشتري، ودلال النخاسين. لا يمنح خدماته عن مبدأ أو حب ، ولا يمنعها عن عقيدة أو كره.ولا يفرق بيت الناس مهما تدنت طبقاتهم أو علت ، ولا يميز بينهم مهما هبطت مراكزهم أوارتفعت .يأتيك بالخدمة أينما كنت ، ومهما كان نوعها .فهو صديق للجميع، الصغير قبل الكبير ، الفقير والغني ، والصالح والطالح ، البر والفاجر، والمجرم والسوي ، المريض والصحيح ،الفاسق و التقي ، الضعيف والقوي، العاطل والعامل ، الفاشل والناجح ، الملحد والمؤمن ،طالما يعرف كيف يستخرج من جيوبهم النقود ، لا يهمه نوع الخدمة ،التي لم تتوقف عند خدمة الاتصال، قدر ما يهمه ما تدفع مقابلها .غير ملتزم بزي ، ولا لون ولا مكان ، ولا مصدر (استاتيكي / ثابت/ منظور ) للطاقة أو العمل . فبجرد أن تشحنه ، ينطلق . ليحقق كل الرغبات ، والنزوات والشهوات. من الأغاني ، إلى الوصايا الدينية. ومن الأخبار ، إلى الأكاذيب . ومن عمق الثقافة إلى سطحية التفاهة. تتنوع أساليبه ووسائله ، فمن الصوت إلى الصورة ، ومن الوثيقة المكتوبة ، إلى الألعاب الجذابة ، ومن الإعلانت التجارية إلى حفلات النصب الرأسمالي.وفتح عليك كل أبواب العالم ونوافذه . فكما تأتيك منها النسائم ، تداهمك من خلالها الأعاصير.ووضع بين يديك الدنيا دون أن تسافر أو تحرك قدميك خارج غرفتك ، أو حمامك ، أو مكتبك أو سيارتك. بل يمكنك سماع رنته أو نغمته أو هزته ، وأصوات العالم من حولك أو من هي بعيدة عنك ، دون حتى أن تخرجه من حقيبة يدك ، أو من جيب سترتك أوجراب بنطالك.إنه مندوب الحضارة الجديدة ، التي حولتك إلى كيس محاصر كسول منتفخ بالتخمة والاحتياج والرغبة المحمومة للاستهلاك ، يصب داخلك كل جواهر الزمن الجديد ونفاياته أيضا، فقط عليك أن تدفع الثمن.