وأخيرًا جاءت البشائر
1 / 5 / 2018 م
ابنُك .. فلذةُ كبدك .. من يحملُ اسمك .. من لا يداني حبك له أي حب .. ربيته على عينك .. راقبتَ نموه ، ليس سنةً بسنة ، ولا شهرًا بشهر ، ولا حتى يومًا بيوم ، بل دقيقةً بدقيقة ، وثانيةً بثانية .. ها هو قد بدأ يحبو .. ها قد مشى خطواته الأولى .. يااااه .. لقد مرت الأشهر والسنون .. اليوم دخل رياض الأطفال .. ومرت الأشهر والسنون .. يا لفرحتي ، اليوم يدخل الصف الأول الابتدائي .. قريبًا سيصبح شابًا يافعًا أفتخر به في كل مكان .
وتمر الأيام .. ها قد أنهى دراسته الابتدائية بتفوق على أقرانه .. انتقل للمرحلة الإعدادية وهو محافظ على تفوقه .. ثم إلى المرحلة الثانوية .. هذا هو ابني الذي حلمتُ به قبل أن يأتي .. الآن هو في الثانوية العامة .
وفجأة .. لم أدر كيف حصل هذا .. جرى ما لم يكن في الحسبان .. مرض خطير ألمَّ به .. مرضٌ خطير عجز الأطباء عن معالجته .. تأزم الوضع .. أنا لا أكاد أصدق أن ابني سيضيع من بين يديَّ .. لا أكاد أصدق أنني سأفقده دون أن يكون باستطاعتي فعل شيء .. عليكم بالطبيب الفلاني .. لا بل ذاك الطبيب أفضل .. قد تكون نتائج الفحوصات غير صحيحة .. كرروا الفحوصات .. ولكن !! ها قد فقدنا كل أمل في غيرك يا ألله .. انقطعت بنا السبل ولم يبق إلا أنت يا ألله ..
ولما وصلت الأمور إلى ذروتها .. جاء الفرج من الله .. أجريت له عملية جراحية كبيرة خارج الوطن .. تكللت – والحمد لله – بالنجاح .. ولكن لم تعالج المشكلة من جذورها .. فقد فات الأوان .. ولكن استطاعت أن تحافظ على حياته شبه طبيعية ، مع تناول أدوية معينة طول حياته .
يا بني ! أريد أن أزوجك وأفرح بك .. يا أبتِ ! ومن تلك التي ستقبل بي وأنت تعلم وضعي ؟ وما وضعك يا بني ؟ إنك تتمناك كل بنات البلد ، فقط قل نعم ولا تحسب حسابًا لشيء .. تمت الخطبة والزواج .. أنجب بنين وبنات والحمد لله .. أكمل تعليمه الجامعي .. وجد وظيفةً محترمة ..
ولكن مسلسل الابتلاءات لم يفارقه ويفارقني .. ها قد ساء وضعه الصحي .. تم نقله للمستشفى .. وصل إلى وضع حرج .. وُضع في صالة العناية المركزة .. فقد الأطباء الأمل .. ومرةً أخرى لم يبق لنا أمل غيرك يا ألله .. وجاء الفرج مرة أخرى .. حمدًا لك يا رب .. إننا للمرة الثانية ننجح في الاختبار .. نصبر على الابتلاء ، ويرفع عنا الله البلاء.
ومرة أخرى يتأزم وضعه الصحي .. هذه المرة قال الأطباء إن وضعه ميؤوس منه ، ادعو له .. إذن لماذا لم تحولوه إلى مستشفيات الأرض المحتلة؟ .. وما الفائدة ؟ إنهم لن يعملوا له أكثر مما عملنا .. رفض أطباء مستشفى الشفاء تحويله ، وبعد عمل العديد من المحاولات وصلت حد التهديد تم تحويله ، وكانت المفاجأة .. إن وضعه جيد ولكن هناك خطأ طبي في مستشفى الشفاء .. رافقتُه في هذه الرحلة إلى مستشفى الكرمل .. مكثنا أحد عشر يوماً .. كان عمل الأطباء هناك فقط معالجة الخطأ الذي وقع هنا .. هكذا أخبرتني رئيس قسم العناية المركزة في مستشفى الكرمل .. حمدًا لك يارب .. وهذه المرة أيضًا مننتَ علينا بأن صبَّرتنا ، ومننتَ علينا بالشفاء .
وتوالى مسلسل الابتلاءات .. فلننتقل إلى آخرها .. ساء وضعه الصحي .. عجز الطب في قطاع غزة عن عمل شيء .. لا بد له من السفر للخارج .. أجريت كل إجراءات السفر .. ولكن المعبر مقفل .. لا يُسمح لأحد بالسفر .. انتظروا فتح المعبر .. فتح المعبر .. دخل برفقة زوجته .. انتظروا في صالة الجانب المصري ثلاثة أيام في وضع لا يطيقه الشخص السليم ، فما بالك بالمريض؟ ثم .. ارجعوا إلى قطاع غزة .. لا سفر .. هناك مشكلات أمنية في سيناء .. انتظروا لثلاثة أشهر أو أربعة .
ها قد فتح المعبر .. وتكررت أحداث المرة السابقة .. عادوا من حيث أتوا بعد معاناةٍ لا توصف .. وفي المرة الثالثة تم السفر إلى مصر في رحلة عذاب لا يعلمها إلا الله .. استغرقت الرحلة من المعبر إلى مطار القاهر ستًا وثلاثين ساعة .. انتظروا في المطار أربعًا وعشرين ساعة أخرى .. وطاروا برعاية الله وحفظه إلى الدولة التي يقصدونها .. بلد متقدم علميًا واقتصاديًا .. وطبيًا .. ولكن ! هناك إجراءات إدارية معينة حالت دون إجراء عملية جراحية ضرورية في هذا البلد .. تعقدت الأمور .. بعد كل هذا العناء .. وبعد أكثر من شهر من الانتظار والسعي الحثيث تكلَّلت الجهود بالفشل ؟ لا .. لا يأس مع الحياة ، ولا حياة مع اليأس .. أملنا فيك يا ألله كبير .. إيماننا فيك لم يتزعزع .. أنتَ عودتَنا أن تبتليَنا لتطهرنا من ذنوبنا ، ولكن من فضلك وكرمك علينا أنك تُنهي كل ابتلاء بنهاية سعيدة .. إلهنا يا مولانا .. يا رجاءنا .. امنن علينا بالفرج يا ألله يا حنان يا منان .
حمدًا لك يا ألله .. ها قد انتقل إلى بلد مجاور .. هناك تم تجهيز كل ما يلزم للعملية الجراحية .. وتم تحديد الموعد .. ها نحن ننتظر الموعد على أحرِّ من الجمر .. وجاء الموعد المحدد .. الأعصاب مشدودة .. الألسنة تلهج بالدعاء .. الأعين مثبتة عل الفيس انتظارًا للأخبار .. ها قد تم تجهيزه للعملية .. ها قد دخل غرفة العمليات .. يمر الوقت بطيئًا متثاقلاً .. ها قد مرت ساعة .. ساعتان .. ثلاث ساعات .. أربع ساعات .. لم يأتِ أي خبر .. وبعد ربع ساعة جاءت الأخبار السعيدة .. لقد تكللت العملية بالنجاح .. لقد اجتاز الخطر المحقق بسلام .. خرج الأطباء الأربعة الذين أجروا العملية وطاقم الممرضين تتهلل أساريرهم .. حمدًا لك يا ألله .. لقد غمرتنا بمنِّكَ وكرمك .. إن فضل الله علينا عظيم .. وخيره عميم .
اللهم لك الحمد والفضل والمنة .. لا نحصي ثناءً عليك ..أنت كما أثنيت على نفسك .. كما فرّجت علينا في ابننا .. فرِّج على هذا الشعب المغلوب على أمره .. اجعل له من كل همٍّ فرجا .. ومن كل ضيقٍ مخرجًا .. وانصره على عدوه وعدوك يا كريم .. إنك نعم المولى ونعم النصير .