أعملُ خادمة متنقلة ، أنظف كل يوم بيتاً ، أمتطي قطاري كل يوم ، أترجل منه في محطة منزلية .
صاحبات المنازل ، كل منهن لها شكل وطبع ، منهن الحنونة التي تعدني واحدة من أهل بيتها ، تحسن إليَّ ، منهن الجافة التي تشبه قطعة خبز جافة ، تجرح فم مشاعري ، البخيلة التي تطعمني طعاماً قديماً ، تأكل وعائلتها الطعام الطازج.
أنظف غبار منازلهن ؛ لأنظف غبار الفقر عن أولادي !!
أعود كل يومٍ منهكةً بعدما أوزع بريق قوتي على بيوتهن .
يأتي سيد آخر ، ينتظرني كي يتقاضى ثمن صحتى وقوتي ، يأخذ نقودي تاركاً لي وهني وشقائي .
أستجديه أن يعمل ، لكنه اعتاد الاسترخاء على شواطئ شقائي
يوماً .... طفح الكيــــل ....
- ألا تعمل لأرتاح بعض الوقت ؟ النساء ـ كلهن ـ يرتحن فى بيوتهن ، مللت الخدمة بالمنازل ، ضعفت أرجل سنيني ، لم تعد تحملني !!
- هل وجدتُ عملا ولم أعمل ؟
- تحرك ، أبحث ، لا تقف هكذا ، الصحة تتصارع على أعضائك ، والتعب يأكل فتات عمري ..
- ماذا أفعل ..؟
يضرب الباب في وجهي ......
لن أخرج للعمل ، عليه أن يبحث هو عن طريقة ينفق بها على الأولاد .
بأول يوم ....
- رقية .. حان موعد ذهابك للعمل ، استيقظي ..
- لن أذهب .... أنا مريضة .
يأكل الأولاد ، ما تبقى من طعام في البيت ، أشعر أن أعضائي هدأت ، استراحة في إجازة رسمية لم أعلنها ، لم تتخيل أن تحظى بها ..
اليوم الثاني ...
- رقية .. وقت العمل .
- لن أذهب .
- لماذا ألم تأخذي قسطاً من الراحة أمس ؟ !!
- كلا .. مازلتُ أشعر بالتعب .
الغضب يجلس على مقاعد وجهه ، يخرج ، يلطمني بيد الباب على وجهي ..
- أمي ... ماذا سنأكل اليوم ..؟
- أذهب للمقهى ، أسأل والدك عن نقود نشتري منها غدائنا ..
يعود أبني مكفهراً، كأنه عائدٌ من رحلة طويلة ، بعدما فقد بعيره وزاده ..
- نهرني أبي ، بعدما خجل أمام أصدقائه .
- تحملوا ، حتى يحضر .
يمر نصف اليوم ...
- رقية .. ألم تحضري طعاماً للأولاد ..؟
- من أين ؟ لم أخرج للعمل .... تصرف أنتَ ..؟
- كيف ..؟ ومن أين لي ..؟ سُدت أبواب الرزق بوجهي ..
- كلا ... بل أنتَ من أدمنَ المكوث بالمنزل ، خلعت أبواب الرزق وبنيت بدلاً منها جداراً بأحجار راحتك ..
يقفز شيطانه على وجهه ، يوسعني ضرباً ، حتى سال الباقي من قوتي ؛ لأزيد إصراراً وعناداً .ينظر إليَّ ، ينتظر أن أخرج للعمل ، لكنني لم أخرج ، يستشيط غيظاً ، أتشفى لشعوري بذلته وقلة حيلته .
أنظر من النافذة ، أجد ابني يتسول قطعة خبز من أحد أصدقائه ، أبكي بشدة وأخرج إلى ....