الزواج ونظرية الذكاءات المتعددة
7 / 6 / 2018م
في الماضي كان المعلمون يقسمون طلابهم ثلاثة أقسام: أذكياء وأغبياء ومتوسطين، وظلت هذه النظرية هي السائدة في الوسط التربوي والتعليمي عشرات بل مئات السنين. وفي عام 1983م ظهرت نظرية الذكاءات المتعددة لصاحبها (هاورد جاردنر) عالم النفس الأمريكي الحاصل على دكتوراه في علم النفس من جامعة هارفرد، والتي في مجملها تنص على أنه ليس هناك طلاب أذكياء وطلاب أغبياء، بل الكل قابل للتعلم ، ولكن بأسلوب يختلف من طالب لآخر، وهو ما أطلق عليه الذكاءات المتعددة أو أنماط التعلم، فهذا ذو ذكاء لغوي، وذاك ذو ذكاء منطقي أو رياضي، وثالث ذو ذكاء حركي أو بدني، وغيره ذو ذكاء اجتماعي، وآخر ذو ذكاء ذاتي أو انعزالي، وهناك من هو ذو ذكاء بصري أو فراغي، ومن هو ذو ذكاء موسيقي، وأخيرًا من هو ذو ذكاء طبيعي أو بيئي.
ما علاقة كل ذلك بموضوع الزواج؟! الحقيقة أننا - ونحن نعمل في مجال التعليم - لاحظنا أن الطلاب في علاقاتهم داخل الصف وخارجه يتقاربون ويتجمعون في مجموعات، تتمتع كل مجموعة بانسجام كبير بين أفرادها ، وبقلة الانسجام مع أفراد المجموعات الأخرى ، وبدراسة نوع الذكاء الذي يتمتع به أفراد كل مجموعة ، كانت المفاجأة أن أفراد كل مجموعة أو (شلة) يتمتعون بنفس النوع من الذكاء، وأن المجموعات غير المتآلفة مختلفة في نوع الذكاء الذي يتمتع به أفرادها .
ولو طبقنا هذه النظرية على موضوع الزواج، لاكتشفنا السبب الحقيقي لكثير من – ولا أقول كل – الخلافات الزوجية، وعدم التآلف بين الأزواج. اذهب إلى المحاكم الشرعية تجد عشرات بل مئات حالات الطلاق، وكثير منها في الشهور الأولى من الزواج، وفي معظمها لا تجد سببًا حقيقيًا – في الظاهر - يستدعي الوصول للطلاق، وأنا أفسره الآن باختلاف نوع الذكاء الذي يملكه كل من الزوجين، ما يؤدي إلى التنافر وعدم الانسجام بينهما، حتى وإن توفرت كل أسباب الحياة الكريمة. وهذا ما يصدقه حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم - القائل: ((الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ)). (رواه أحمد، والبُخاري، ومسلم، والتِّرمذي، وابن حبّان).
من أين تبدأ المشكلة؟ إنها تبدأ من قبل الزواج .. ينوي الشاب أن يتزوج، فيتولى أمر اختيار عروسه الأم أو الأخت أو العمة أو الخالة، يذهبن إلى بيت فلان، فهو عنده بنت ( زي القمر)، ويرجعن له يَكِلْنَ المديح لهذه الفتاة – من وجهة نظرهن طبعًا – فيقتنع الشاب، ويتلهف ليوم الزفاف من هذه العروس، وما إن يأتي يوم الفرح ويجتمع بعروسه، حتى يجد نفورًا نحوها، ولا يكاد يطيق رؤيتها، فيكتم ذلك في نفسه، وقد يصرح بذلك لأحد المقربين منه كالوالدة أو الصديق، فتأتي النصائح والإرشادات: لا تقلق .. هذا شعور طبيعي .. غدًا تتعودان على بعضكما .. لا تبطر؛ فعروسك ألف من يتمناها. وقد يذهب الشطط بالبعض فيفسر ما حدث بأنه سحر قد دسه أحد الحاقدين أو الحاقدات .. اذهبوا إلى المشعوذ الفلاني ليفك السحر قبل أن تقع الفأس في الرأس، ويعودون ليقنعوا الشاب بأن مشكلته قد حُلَّت.
يتم الزواج، وتمر الأيام والأشهر، ولم يصل مع زوجه إلى التآلف المنشود، فيفكر جديًا في الطلاق، ولكن !! ماذا يقول الناس؟ وماذا نعمل بالديون التي تراكمت عليك بسبب الزواج؟ وهل تستطيع أن تتزوج بأخرى؟ ... قد يقتنع الشاب على مضض، وقد يصمم على الطلاق مهما كانت النتيجة. ولنفرض أن الطلاق لم يتم، ما نوع الحياة التي سيعيشها مع زوجه؟
وتمر الأيام والسنون، وينجب من زوجه بنين وبنات، والتنافر يزداد، والمشكلات بينهما تزداد لأتفه الأسباب، هنا يفكر جديًا بالطلاق، ولكن! كيف سيكون مصير أبنائي وبناتي إن حدث الطلاق؟ إنهم سيضيعون .. سيتحكم فيهم الآخرون .. لهذا الحد أنا أناني لا أفكر إلا في نفسي؟ من أجل أبنائي سأتحمل وأتحمل .
وتمضي الحياة نكدٌ في نكد .. يتكلم أحد الزوجين بكلمة بقصدٍ معين في ضوء نوع ذكائه، فيفسرها الآخر بمعنى آخر في ضوء نوع ذكائه، ويبدأ الزقار والنقار.. يتصرف أحدهما تصرفًا ما، فيعترض عليه الطرف الآخر. والمصيبة أن كلاً منهما يعتبر نفسه على صواب والآخر على خطأ، وكلاً منهما – حقيقةً – لا يتصرف بسوء نية، وتتحول حياة الأسرة إلى جحيم.
وفي خضم هذه الأحداث، وحتى تمشي هذه الحياة، يتنازل أحدهما – مكرهًا – عن رأيه وقناعاته، فيتوهم المحيطون من أقارب وجيران أنهما من أسعد الناس في حياتهما، فيتظاهر كل منهما بالتوافق والانسجام مع الآخر، وقد يتمازحان، أو يتجاذبان أطراف الحديث، أو يذهبان في رحلة ( ممتعة ) ، ولكن فجأة – ولأتفه الأسباب – يظهر التنافر المدفون، فيتعجب كل من يعرفهما: ماذا حدث لكما؟ إن الكل يحسدكما على تآلفكما؟ أنتما اللذان يضرب فيكما المثل في المحبة والعشرة والحياة الهانئة؟ ولكن كما قال المثل : " اللي بيدرى بيدرى واللي ما بيدرى بيقول كف عدس " .
لا أريد أن أعطي نصائح، فمن هذا السرد فليأخذ كل منا العبرة التي يراها، والعاقل من اتعظ بغيره .