صار كل شيء جاهزا الآن لبدأ التّصوير , في استوديو ضخم , أهم برنامج حواري جماهيري في أكبر القنوات التلفزيونية الفضائية , " قصة نجاحي " يستضيف فيها الصحفي اللامع شخصيّة مشهورة في مجالات الحياة المختلفة , ويغوص معه بمهارة في الدروب التي سلكها حتّى وصل إلى القمّة , محاولا أن يقف عند سر نجاحه ويكتشف مفتاح هذا النّجاح , ورغم أنّ البرنامج اكتسب جمهورا عريضا ينتظره من حلقة إلى أخرى , الاّ أنّ حلقة اليوم أكثر تميّزا وترقّبا من الجمهور , لأنّ الضيف نجم عربي عالمي , محبوب جدا ومشهور .
بدأ الحديث بالدعابة والمرح , حتّى وصل الحوار إلى السؤال المهم : كيف كانت البداية ؟ . نظر الفنان النّجم بعيدا كمن يحاول أن يلتقط شيئا من الماضي يعتقد واهما أنّه موجود في الأفق , كنت أغنّي وحدي في البيت وبين أصدقائي في المدرسة وأعرف أنّني أمتلك الموهبة وصوتي جميل , لكنّي كنت خجولا جدا ولم أتطلّع يوما أن أكون مطربا , وكنت أسير مع أخي الكبير في الشارع والتقينا بمطرب مشهور جدا , كان صديق أخي , وقفا يتحدثان وكلّمه أخي عنّي وعن موهبتي , قال له أنّ هناك فيلما سينمائيا كبيرا يتم التّحضير له , ويبحثون عن موهبة جديدة , يكون شابا صغيرا يافعا وصوته جميل , وسيعقدون تجربة أداء صوتيّة للمترشّحين لهذا الدّور هذا المساء .
ذهبنا في المساء أنا وأخي إلى مكان تجربة الأداء , وجدناه مزدحما , ويدخل المترشّحون بالدّور , يقف الشاب الممتحن أمام ميكرفون , وأمامه لوحة زجاجية يظهر من خلفها مهندس الصّوت , وخلفه بعض الأشخاص , ربّما هيئة الأساتذة المشرفين على المسابقة ومعهم المخرج , جاء دوري ووقفت أمام الميكرفون , حاولت أن أتغلّب على ارتباكي وخجلي , وبدأت أغنّي مقطعا صعبا لأغنية من التراث الطّربي الأصيل , كنت مرتبكا ومهتمّا بالوجوه التي أشاهدها خلف الزجاج أحاول أن أقرأ ردّة فعلها , لكنّها كانت جامدة ولا يبدو على الأشخاص أي انفعال , ما عدا رجل واحد هذا الذي اعتقدت أنّه المخرج , كان يبتسم ويحرّك رأسه صعودا ونزولا تعبيرا عن اعجابه , هذه الإبتسامة كان لها مفعول السّحر و وانطلقت بكل أريحية وأدّيت أفضل ما يمكن أن أقدّمه , وقبل أن أغادر قيل لي من طرف بعض الأشخاص : مبروك عليك الدور نتمنى لك النجاح , وفعلا فقد كانت انطلاقتي الحقيقية ومشواري الفني بدأ بهذا الدّور , وأنا اليوم مدين لهذا الرجل الذي ابتسم , وان كان يشاهدني الآن أقول له من كل قلبي : شكرا .
خلف الزجاجة التقنية كان يجلس مخرج البرنامج , سرح المخرج بخياله متذكّرا ذلك اليوم الذي استدعوه فيه ليشارك في تنظيم تجربة الأداء هذه التي كان يتحدّث عنها ضيف الحلقة , وكان يومها مخرجا تحت التّمرين , و مباشرة بعد سماع رسالة الشكر التي وجّهها الفنان النجم على المباشر , ابتسم المخرج وقال من كل قلبه : العفو .
( مستندة على قصة حقيقية بتصرف )