معانى إنسانية / الفقر

معانى إنسانية / الفقر
تمهيد
الفقر والغنى من الأمور التى لها مفاهيم تختلف فيها رؤية أهل العمق عن رؤية السطحيين....
صحيح إن الغنى غنى النفس وليس غنى العرض...ولكن!!
مَن ذلك الذى يعيش فينا بهذه النفسية وهذه الروح؟؟!!!
لقد قال لى ذات مرة احدهم:
كلنا يقول إن الفقر ليس عيبا إنني لو شعرت داخليا بانكسار نفسى والخجل من ضيق يدى وفقرى فاننى سوف احتقر نفسى ولو وصلت إلى هذا الشعور فان الانتحار هو النجاة حينئذ لا...ليس الانتحار(صديقى يقول ذلك) ولكن ...أنا لن اصل لهذا الشعور أبدا لأننى إنسان أتنفس الإنسانية الحقة التى أرادها الله للإنسان لأننى امدد بسبب إلى السماء ألا وهو الله ...
لا ....لا.....لن اصل لهذا الشعور أنا اكبر ( صديقى يقول) أنا أكبر من المادة أنا اكبر من الفقر.. أنا اكبر من تلك السفاهات ...فقط لاننى مع الله...
قلت: هذى معانى جميلة أن يمتلىء صدرك بالشعور بمعية الله فترى نفسك غنيا مستغنيا عن عرض الدنيا...
وقال أحدهم إن المال يمكننا من تحقيق السعادة حيث القدرة على شراء كذا وكذا وكذا
فرد عليه الآخر : إن السعادة هى ألا تفتقر إلى هذه الأشياء أصلا...
وقال احدهم: أنت تمتلك كذا فأنت تمتلك كذا ...أنت لا تمتلك شيئا فأنت تمتلك كل شىء.
أريد أن أقول:
لم تكتمل معانى إنسانية المرء لو انكسرت نفسه أمام الاحتياج ...
لقد صدق من قال: ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس
حول هذه المعانى نتفهم هذه الكلمات ....
توردها القاصة والروائية بنت الهدى :
والآن ، فلأقرر الحقيقة ، لقد مررت في بداية عهد الصبا بضائقة مالية خانقة امتدت خيوطها نحو المأكل والمشرب والمسكن والملبس والفقر حالة قاسية يجر معه أشكالا وأشكالاً من المآسي والآلام فماذا كان شعوري حين ذاك ؟
هل ضعفت أمام الأزمة أم قويت حتى جعلتها تضعف أمامي ؟
الواقع أنها كانت تجربة أشعرتني بأهمية الإيمان في حياة الإنسان وعلمتني مفهوم كلمة الرسول الأعظم التي تقول : ( ليس منا من لم يتغنى بالقران ) فالإنسان وأي إنسان مهدد لأن يتعرض لأزمة مالية أو فاقة مادية فأي حال سوف يكون عليه إذا لم يكن لديه غناء روحي واكتفاء ذاتي؟؟؟
وكلاهما لا يوجدان إلا عن طريق الإيمان الذي يرتفع بالفرد المؤمن عن المواد الأرضية ويعلمه كيف يكون سيد نفسه وسيد الآخرين.
هب الدنيا تساق إليك قسراً * أليس مصير ذاك إلى الزوال

إذن فليس عجيباً أن أقول أنني خلال تلك الفترة كنتُ سعيدا ! ولم يخطر ببالي أبداً أن الفقر أحد أنواع الخيبة بل على العكس من ذلك تماماً فقد كنت أحاول أن أفتش عن الطاقات الروحية الكامنة في وجودي لاستثمرها في عمل كل ما هو صالح وكل ما هو خير
فما دمت قد افتقدت المواد الزائلة التي أستند إليها في مسيرة الحياة فقد كان عليّ أن أسند خطواتي على دعائم جوهرية ثابتة منطلقا من المثل البناءة والمفاهيم الخلاقة ،والمعانى أو التصورات السماوية وهذه المثل وهذه المفاهيم وهذه التصورات السماوية هي وحدها الكفيلة ببناء شخصية الإنسان وصقل أبعاد وجوده في الحياة ، ومن هنا عرفت معنى الفقر ومعنى الغنى ،
عرفت أن الفقير هو ذلك الذي يتأرجح كيانه الاجتماعي على كفة ميزان المادة فهو يرتفع مع ارتفاع أرقام ما يملك وهو ينزل مع هبوط العدد في رصيده الخاص ، ولهذا فهو فقير! فقير إلى الدنانير التي تسند وجوده.. فقير إلى العمارات التي تشير إليه ، فقير إلى الأثاث والرياش الذي يحببه إلى الناس ويشجعهم على الالتفات نحوه ، أنه فقير إلى المادة لأنها عنوان عزه وحريص عليها لأنها محور تبادر وجوده ، وهو يخشى من زوالها لأن زوالها يعني زواله هو...
أو ليس هذا هو الفقير بعينه ؟
ولما كنت أعرف من الفقر معناه الحقيقي فقد كان من حقي أن لا أدع للفاقة المالية مجالاً لأن تسمني بسمة الضعف أو الحيرة أو تلون نظرتي إلى الحياة بمنظار الحسرة والحرمان...
كنت خلال تلك الفترة سعيد وسعيد جداً وكان فكري خالياً من كل شائبة بعيداً عن كل نائبة لا يهمني سوى بناء شخصي على أساس من الدين وتصوراته ولا أسعى إلا وراء المعرفة ، نعم المعرفة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى
وقد كنت أجد من قليل ما أناله من آثار المعرفة الكثير و الكثير من النشوة الروحية والراحة النفسية لأنني كنت أسعى إلى ذلك القليل بجهد كثير وجناح قليل
ولهذا فقد كان للفوز عندي معنى الانتصار ، وهكذا كنت والحمد لله غنيا وسعيدا وهذه هي الروعة الربانية في حياة الفرد المؤمن.(انتهى)

كيف نتعامل مع المال؟؟
أسوق هذه الحكاية التحليلية أولا:
لى صديقان...أما أحدهما فهو غنى محبوب مشهور متزوج يمتلك الكثير متدين( متعبد) ...طبيب... لديه مسكنه الخاص ورصيد فى البنك......لكنه لا يفتأ يشكو من ضيق الحال ويبحث عن السفر إلى الخليج ليزداد دخله!!
وأما الآخر فهو فقير مغمور محبوب متزوج لا يمتلك سوى خفة ظل وابتسامة جميلة ...متدين لا وظيفة له...يعمل لدى الغير...لا مسكن خاص له (يسكن بالإيجار)..لا يعرف أمانا للغد....لكنه
لا يفتأ يشكر ربه على ما حباه الله من راحة البال وما حباه من نعم وإن له لابتسامة تريح الهموم.
تُرى....أى الرجال أحدهما: الأول أم الثانى؟؟؟
لعمرى إن ميدان الرجولة والتدين الحقيقى ليقاس ههنا من هذه النفوس الجميلة... الجميلة بتدينها وبرضاها وبابتسامتها الهادئة جميلة ببساطتها...جميلة لأنها حقا جميلة.
ترى....أيهما يهنأ بالراحة النفسية؟؟؟
فى ضوء ذلك نقرر هذه القواعد التالية :
1/ المال وظيفة/وسيلة وليس غاية
2/ فى المال حق...الزكاة
3/ فى المال حق....سوى الزكاة(الصدقات)
4/ الصدقة أنواع ...وفى كفالة الأيتام والأرامل متسع جيد للتنافس على فعل الخيرات.
5/الإنفاق على العلم والمعرفة فضيلة تذكرنا بأن المال وسيلة وليس غاية.
6/هناك علاقة بين الحاجة إلى المال وبين بعض المتغيرات مثل:
السن/ المأكل/ الملبس / الزواج /المسكن / الطموح / الأصدقاء /المهنة / العلم والدراسة / البيئة الاجتماعية.....
وتسهم هذه المفردات الثلاثة (3) فى تحقيق التوازن بين معظم هذه المتغيرات:
1/تحديد الاحتياجات الحقيقة....حدد ماذا تريد أو بمعنى أدق ماذا تحتاج؟
2/ تحديد الكماليات والضرورات والاحتياجات وفق أسس معينة(تقدر حسب كل بيئة )
3/ السعى الدءوب للوصول إلى الغنى والثراء ولكن بطريق تتسم ب....
الوضوح +الإباحة + الإنسانية (أنت لست آلة أو حيوانا )+ خدمة الحق والمجتمع والدين + سمات أخرى تقدر بحسب طبيعة الأفراد ومجال عملهم وبيئتهم.
تعليق
*/كل ما يرد ههنا يهدف إلى
أ/ فهم حقيقة النفوس البشرية فى التعامل مع المال
ب/ ان يستبين لنا ان المال وسيلة وليس غاية.
ج/ ان الإسلام حينما استعاذ نبيه من الفقر فقال
(اللهم إنى أعوذ بك من الكفر والفقر) إنما كان يقصد تحديد المعنى العميق للفقر ومن ثم فليست هذه دعوة للفقر كلا كلا وإنما هى دعوة ان يكون المال فى أيدينا وليس فى قلوبنا.
د/ ونختم تعليقنا ههنا بنعم المال الصالح للرجل الصالح
نصيجة
أتقدم بنصيحة للذين ينهزمون أمام معركة رغيف الخبز تلك التى حولتهم من رجال إلى أشباه رجال ....
بكلمتين تتكاملان ولا تتعارضان :
1/ نعم المال الصالح للرجل (المؤمن ) الصالح كما يروى فى الأثر
2/ ما قيمة المال فى يدك وقلبك مشغول بما هو أكبر من إمكانياتك ؟؟!!
فى النهاية
أسأل الله ان ينفعنا جميعا
سيد يوسف

الأخ الفاضل / سيد يوسف

أرحب بك - وإن كنت قد تأخرت بهذا - في واحتنا و في دوحتنا دوحة النثر ، و إني لسعيدة بما تكتبه هنا من معاني إنسانية جميلة .
و كم آسف و أنا أرى الكثير لا يعير تلك المعاني اهتماما و لا حرصا ، فتغدو حروف الفضيلة خلوا من سقيا التعليق و التنبيه أو حتى المرور عليها .

ترجمة معاني الفقر هنا بالغة التأثير بما رسمت من صور حقيقية عن صفاء النفوس و نقاء السرائر ، فما أروع ما ذكّرت به من ارتباط الفقر بمدى الافتقار إلى الأشياء .

نسأل الله العفاف و الهدى و التقى و الغنى ، إنه سميع الدعاء .

تحية طيبة لك .

اشكرك اختى الكريمة
واشكر لك تعقيبك ومرورك الكريم
وانه لمن دواعى سرورى ان تمر عيناك الكريمتان على تلك المعانى
اشكرك
سيد يوسف