أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: ذكريات ...

  1. #1
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Jul 2004
    الدولة : غزة فلسطين
    العمر : 72
    المشاركات : 2,005
    المواضيع : 323
    الردود : 2005
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي ذكريات ...

    ذكريات ...
    6 / 7 /2018م
    قاست في حياتها كثيرًا .. وذاقت الأمرين هي وزوجها الضرير من أقرب الناس إليها .. وصارت تحلم باليوم الذي تزوج فيها ابنها الأكبر، لتفرح به، ولتأتي ببنت الحال التي تعينها في حياتها، وتعوضها عن الأيام السوداء التي عاشتها، وعن الشقاء الذي تجرعته .. ولكن خاب ظنها ، فقد كانت زوجة ابنها مثالاً للحقد والكراهية والمكر والخداع .. فقاست منها أكثر مما قاست ممن قبلها .
    وضعت أملها بعد الله في ابنها الثاني، الذي كان يرى ما تفعله زوجة أخيه به وبأهله، وكان يقول لها : اصبري يا أماه فقد قرُب الفرج .. وبالفعل، كبر هذا الابن، وحاز على وظيفة مرموقة في نظر الكثيرين في تلك الأيام .. طمع الكثيرون في أن يصاهرهم .. عملوا المستحيل ليفوزوا بقصب السبق . ولكنها قالت: لا يصلح لابني إلا بنت صديقتي وجارتي فلانة، فأنا أعرفهم تمامًا، وهي بنت نشيطة، كما أنها ( قوية ) لا يستطيع أحد أن يتعدى عليها .. بل بالعكس، يمكن أن تكون هي التي تأخذ لي حقوقي من زوجة ابني الأكبر .
    كان من بين من طمح أن يصاهرهم زوجة الابن إياها ، فقد عملت المستحيل أن تكون أختها هي الفتاة المطلوبة، ولكن كان ذلك عشم إبليس في الجنة كما يقولون، فماذا رأينا منها حتى نأتي بأختها؟ ومن هنا بدأ مسلسل الآلام والمصائب والمتاعب التي لا تستطيع الجبال الرواسي على حملها.
    الحلقة الأولى من هذا المسلسل بدأت أثناء فترة الخطوبة .. كانت في أي فرصة تختلي بهذه العروس، وتحرضها على فسخ الخطوبة .. تقول لها: هؤلاء يظلمون زوجات أبنائهم .. يضربونهن .. يمنعون عنهن حتى الأكل .. يمنعوهن من زيارة أهلهن .. أنا لا أستطيع أن أتكلم بكلمة أمام حماتي .. إلخ . ولكن شاء الله أن تفاتح خطيبها في الموضوع، فطمأنها وقال لها: إنما تفعل ذلك لأنها كانت تطمح أن أتزوج أختها، ألا تعرفيننا وقد كنا جيرانًا، وتعرفين كل شيءٍ عنا؟ وهكذا فشلت الخطة رقم (1).
    أما الحلقة الثانية فكانت بعد الزواج .. فبمجرد أن تمت مراسم الزواج حتى أصبحت زوجة الابن الأكبر وحماتها سمنًا على عسل .. سرهما واحد .. لا تعترض الحماة على أي تصرف من زوجة ابنها ولو كان خطأ كعين الشمس .. تخرجان إلى أي مكان مع بعضهما في انسجامٍ تام ، مع إهمال زوجة الابن الثاني .. وصارت العروس الجديدة مجرد خادمة في البيت للجميع بما فيهم الابن الأكبر وزوجته وبناته .. وهي صابرة . والأمر المحير والذي لحد الآن لا أجد له تفسيرًا مقنعًا أن الابن الثاني أصبح لا يحرك ساكنًا أمام المعاملة السيئة لزوجته .. وكل ما يطمح له أن تكون أمه راضية عنه .
    أما الحلقة الثالثة من هذا المسلسل الكئيب فكان افتعال المشاكل من الحماة وكنتها الأولى مع الكنة الثانية ، وكأنهما متفقتان على أمرٍ ما .. ما إن يعود الابن الثاني من عمله متعبًا حتى تبدأ الشكوى والصراخ والبكاء من الحماة وكنتها الأولى .. زوجتك فعلت كذا .. زوجتك قالت كذا .. زوجتك صفتها كذا .. أما زوجته فتحاول الدفاع عن نفسها بنفس الطريقة، فلا تعرف الظالم من المظلوم، وحتى لا تعرف المشكلة بالضبط . ماذا يفعل هذا الزوج المتعب من العمل، الذي ينتظر أن يجد في بيته الراحة والطمأنينة والسكينة؟ هل يقف أمام أمه ويضربها أو يصرخ في وجهها وهو لا يعرف إن كانت ظالمة أو مظلومة ؟ وهو أصلاً يرى أن أمه خطًا أحمر، ويكفي ما عانته من ظلم في حياتها؟ وهو أيضًا لم يُعطَ الفرصة للتفكير في المشكلة من كثرة الصراخ وتداخل الأصوات؟ إن أمامه خيارين وقد قام بهما في مرات عديدة : الأول أن يطلب من زوجته أن تذهب إلى أهلها ويستريح من المشاكل حتى وإن أدى ذلك إلى الطلاق، وقد تكرر ذلك عشرات المرات، وفي كل مرة تبقى عند أهلها مدة طويلة حتى يتدخل أهل الخير، وتعود إلى البيت لتجد في انتظارها المشكلات في نفس لحظة رجوعها . الخيار الثاني أن تضيق الدنيا في وجهه ولا يعرف ماذا يفعل فيهرب من البيت إلى أحد الأصدقاء أو الأقارب، ويبقى عندهم أيامًا أو أسابيع، ثم يعود للبيت فيجد المشكلات في انتظاره من جديد .
    وأما الحلقة الرابعة – وليست الأخيرة وهي حلقات لا حصر لها إنما أذكر بعضها فقط – فقد كانت من الابن الأكبر، الذي كان دائم الذم لزوجته، فقد كانت مهملة له ولخصوصياته، بيتها قذر .. بناتها كما لو كن بلا أم .. المنزل غير معتنى به . وبمجرد أن تم زواج الابن الثاني حتى انقلب حاله ، وإن لم يتغير حالها إلا في اعتنائها بنفسها بدرجة مبالغ فيها ، وأصبح يمتدحها في كل صغيرة وكبيرة، ويطلب منها أن لا تعمل شيئًا في البيت، وأن تبقى فقط بجانبه، فأمور البيت هو من اختصاص (الخادمة) التي أحضروها زوجةً لأخيه. وأصبح هو الآخر يفتعل المشكلات لزوجة أخيه ويقف لها على النقرة – كما يقولون - ، وأيضًا زوجها لا يحرك ساكنًا، إنما هو يعيش في دوامة لا يدري أولها من آخرها .
    الوحيد الذي كان يقف مدافعًا عن هذه الزوجة هو الأخ الأصغر لزوجها، وقد كان فتىً يافعًا، فكان يقف لكل العائلة بالمرصاد، فزوجة أخيه هذه كانت تعامله كابن لها، وتعتني به أكثر من أمه، فحفظ لها الجميل. وكم أهين وضُرب من أجل دفاعه عنها.
    لا أريد أن أطيل كثيرًا في سرد كل حلقات هذا المسلسل ، ولكن لا بد من ذكر حلقة كانت الفاصلة في الموضوع .. فقد باع الابن الثاني لأخيه الأكبر حصته من المنزل، واشترى بيتًا في بلدة بعيدة، وانتقل معه للمنزل الجديد – بالإضافة إلى زوجته وبنتيه – والداه وأخاه الأصغر، فانقلب الحال رأسًا على عقب . عادت الأمور إلى نصابها .. الاحترام المتبادل بين الكنة والحماة .. العدل في المعاملة بين الزوجة والأم، فلا تكون راحة إحداهما على حساب الأخرى .. الالتفات إلى النفس ومتطلباتها .. والزوجة وحقوقها .. الاهتمام بتربية الأبناء وتنشئتهم التنشئة الصالحة .. هدوء الأعصاب والتفكير في كل أمر بروية دون ضغط أو توتر أو تشتت ذهن .
    شاء الله أن تمرض الأم مرضًا عضالاً ألزمها الفراش ، فقامت كنتها بأفضل ما تقوم به ممرضة لمريضها ، وأفضل ما تقوم به ابنة لأمها، فازت برضاها وكانت دائمًا تقول : أنتِ ابنتي الحقيقية وليس بناتي .. وقد قالت لكنتها في آخر حياتها : سامحيني يا بنتي، فقد ظلمتكِ، ولكن لم يكن الأمر بيدي، وكانت تقول: الله يجازي اللي كان السبب . لقد ماتت وهي تترضى عليها وتقول لها : الله يبعت لك بنات الحلال اللي يعملوا لك زي ما بتعملي لي .
    جلس الزوجان يتذاكران الماضي _ ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي كانا يتذاكران الماضي فيها _ تذكرت الزوجة كل تفاصيل الماضي لحظةً بلحظة ، وكأنها مسجل من أفضل الأنواع ، أما الزوج فكان لا يتذكر أحداث الماضي إلا كأنه حلم، وكأنه فقد الذاكرة، ولا يتذكر من الماضي إلا أنه عاش في جحيم لا يطاق، ولولا أن هناك من الدلائل اليقينية على صحة أقوال زوجته _ سواء من الأقارب أو الجيران أو المعارف _ لقال بأن زوجته تدعي ما تقول، وأنها تبالغ فيه . تذاكرا الماضي المر فبكيا، وقالا بصوت واحد: الله يعوضنا في الآخرة خيرًا عما قاسيناه في الدنيا. أما الذين كانوا سببًا في كل هذه المعاناة فأمرهم إلى الله الذي لا يرضى بالظلم مثقال ذرة .
    قال تعالى على لسان سيدنا يوسف : " إنه من يتقِ ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " . صدق الله العظيم.
    اللهم يا من تعلم السِّرَّ منّا لا تكشف السترَ عنّا وكن معنا حيث كنّا ورضِّنا وارضَ عنّا وعافنا واعفُ عنّا واغفر لنا وارحمنا

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,131
    المواضيع : 318
    الردود : 21131
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    قال تعالى:
    (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
    فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت (34)
    لا ماضي بدون ذكريات مؤلمة ـ لكن المهم أن لا يبق الإنسان أسيرا لتلك الذكريات المؤلمة
    وما أجمل أن ينقي روحه من الأسى ، وينمي قدرته على التسامح والتصالح مما ألم به من أذى وضرر
    ويحول ذكرياته لتصبح كنزا من التجارب والخبرات والمهارات.

    نص جميل الحرف ، نبيل الوصف ، راقي القصد والقصيد
    تحياتي وتقديري.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Jul 2004
    الدولة : غزة فلسطين
    العمر : 72
    المشاركات : 2,005
    المواضيع : 323
    الردود : 2005
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناديه محمد الجابي مشاهدة المشاركة
    قال تعالى:
    (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
    فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت (34)
    لا ماضي بدون ذكريات مؤلمة ـ لكن المهم أن لا يبق الإنسان أسيرا لتلك الذكريات المؤلمة
    وما أجمل أن ينقي روحه من الأسى ، وينمي قدرته على التسامح والتصالح مما ألم به من أذى وضرر
    ويحول ذكرياته لتصبح كنزا من التجارب والخبرات والمهارات.

    نص جميل الحرف ، نبيل الوصف ، راقي القصد والقصيد
    تحياتي وتقديري.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    اللهم أعنا على نسيان هذا الماضي المؤلم ، وألهمنا الصفح والغفران لمن أساءوا إلينا
    تحياتي واحترامي وتقديري أخت نادية
    ودمتِ بألف خير