أحدث المشاركات

نسجل دخولنا بذكر الله والصلاة على رسول الله» بقلم عوض بديوي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» بكاء على الاطلال» بقلم أحمد بن محمد عطية » آخر مشاركة: أحمد بن محمد عطية »»»»» مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»»

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 17

الموضوع: بنت البولفار

  1. #1
    الصورة الرمزية بشرى رسوان قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2013
    المشاركات : 181
    المواضيع : 14
    الردود : 181
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي بنت البولفار

    عادت مجددا لتقول أنها ليست سعيدة هذا لا يعني بالضبط أنها تعيسة هذا يعني فقط أنها دخلت مرحلة الحياد..تدرك أنه لا أحد يسأل عنها ..هي ليست حاقدة على أحد


    تكتب بشكل متقطع تكتب بشكل عشوائي... ربما هي مشوشة

    تقول أنها محظوظة البارحة رمى أحدهم طوب طيطوارة * الحجرة جاوزت رأسها بسنتيمترات..اليوم أيضا كانت محظوظةوضعت اﻹبريق على النار ونسيته تماما ..

    عندما خرجت لشراء نسكافيه وبسكويت الشوكلاه قابلت ابنة صديقتها٬ بدا وجهها كالخريطة تحججت بالكرة الطائرة تقنيا يستحيل أن تخربشها كرة٬ ثمة أوقات يبدو فيها الكذب واجبا مقدسا على قول لابيش

    طبختْ البدنجان حتى صار أسودا أسود من كل أفكارها...حصلتْ أخيرا على شقة في الطابق الرابع هربت من مطرقة النجار و تواجه اﻵن شمكارة المقهى.

    لا شيء هنا سوى العيون المبحلقة ....ودت لو تركلهم لو تشتمهم لكنهاتراجعت عن أفكارها مخافة أن تخدش حياء الجدران

    ليس في نيتها شيء ...عادتْ ﺇلى أريكتها السوداء التصقت بها احتضنت الوسادة الصفراء٬ تلتهمها الوساوس تتقب صدرها

    أمسكتْ الريموت كنترول أطبقت عليها مخافة أن تهرب .... يوم أخر تهدره أمام الشاشة..صوت المذيع ...سبعة جرحى و قتيلان

    صوت الوزير ...ﺈننا نعمل جنبا ﺈلى جنب ..

    الطبيب يتفصد عرقا ...الكوليرا تنتشر....منظمة ﺈرهابية

    المونولوج نفسه..كل شيء معد سلفا معد بعناية للتشويش عليها...تشرب القهوة وتلعن العالم ....كشمكارة راس الدرب تماما لا ينقصها سوى كأس شاي منعنع وغليون كيف لم تعد تنصت لأحد..لا أحد يستحق

    ألقت نظرة سريعة على دفتر ملاحظاتها .. رقم هاتف سناء06015..... وعبارة لنيتشه (لا تحدق طويلا في الهاوية حتى لا تنظر ﺈليك و تنفذ فيك)**

    رسمت دائرة وسط دائرة أكبر وسط دائرة دوائر مغلقة ... خط مستقيم يلف عنقها ويكسره

    و خط متعرج يأخذها ﺇلى شفير الهاوية وقعت اسمها على هامش الصفحة على الهامش مكانها...

    تبصم بالعشرة أن هذه الدوائر لها.. تخصها وحدها..تضغط على الريموت كنترول تقتنص مشاهد عابرة أغنية كيتي بيري ..فيلم هندي لديبكا بادوكان .. برامج ثرثرة... برامج طبخ .. صابون و شامبو وألات غسيل تضغط وتضغط أشياء كثيرة

    تغفو أمام الشاشة تصحو مفزوعة كادت تصرخ بل فعلت٬ حلمتْ مجددا بذلك المسخ الذي يطاردها٬ كانت تمد يدها طالبة النجدة تشدها الأيادي أيادي كثيرة على رأسها على عنقها أسفل ظهرها ٬ على بطنها ثم تتقاذفها كالكرة تۡعيدها ﺈليه. يجدبها من شعرها يمرغ وجهها في الطين٬ طعم التراب الجاف في حلقها ٬يَرتعش جسدها تبحث عن شيء ما... تئن تَصرخ لا صوت يصدر عنها٬ لا أحد يسمعها٬ تريد اﻹستيقاظ و تعجز٬ ينقض عليها يَركلها تحاول الانزلاق الهرب محاولاتها مكشوفة٬ يسحق رأسهابحافره يحيله سائلا لزجا٬ تنزف كل سوائلها تسيل ببطء تندفع فو ق التراب تتسرب ﺈلى الشقوق الجافة

    ...............تَجلس ثم تَقف تدور حول نفسها دورة كاملة تذهب وتجيء تحملق في السقف٬ ترفع رجلاها تمدهما ﺈلى الأعلى رأسها على السجاد جدعها على الجدارتحاول التوازن تضع كفوفها على الأرض تحرك ساقها في الفراغ ...انها اليوغا تقول في نفسها .. ربما الزومبا .. أو الايروبيك ...انها لاشيء ..

    تعود لسريريها و تتكور داخله تضع يدها تحت رأسها و تشد الغطاء٬ تۡغطي رأسها ٬ ترقد على ظهرها على بطنها في كل الوضعيات٬ الباعوض يستأنف رحلته الإستكشافية لجسدها يَرتشف ما تيسر له من دمها يۡصفي حساباتهِ القديمة معها٬ تترائ لها خراطيمه الصغيرة مغروسة في عروقها تۡباغت ﺈحداها بضربة طائشة –الحظ لا اسم له* - تلصق جسدها الصغير بالجدار٬ يخرج السائل المائع من بطنهاالسائل يۡكو٘ن بۡقعةحمراء صغيرة على الحائط بقعة هي مثواها الأخير سائل هو مجموع أعضاءها المتكومة فوق بعض

    وَدت لو تجمع أحشائها من جديد أن تلحم أنسجتها لو تشكلها باعوضة جديدة ثم تۡعاود ضربها كالكريكت أو البيسبول ترتد وترتد وترتد ﺈلى ما لانهاية تشعر بنشوة النصر٬نصر يعيد لها اعتبارها..كم هي قاسية في تفكيرها ..العالم قاس أيضا

    تحك وجهها ساقها تحك رقبتها٬ أسفل جبهتها الباعوض ينخر جلدها يغرف من دمها٬ تدهن وجهها بزيت الغليسرين و الزيت العود * تزفر بحنق.. تسبح في بركة من الزيت

    معاركها مع الباعوض اعتيادية جدا تنتهي دوما بخسارتها خسارات لاتعد ولا تحصى٬ كلما مضى يوم كلما أدركت صلابة عدوها في أخر معركة جمعت بينهما رشة واحدة من مبيد الحشرات وحَملوها للمستشفى٬ اختنقت شيئًا فشيئًا سعلت فَتحتْ فمها عن اخره٬ لا شيء يدخل صدرهاو لا تخرج ﺈلا الكحة ٬ الجفاف يحرق رئتها٬ غَطستْ في نوبة سعال ٬ في المستشفى ربوطها بأنابيبِ الأوكسجين ٬ الأنبوب يضخ غازه ﺈلى جسمها عاد لها نبضها٬ كان الأوكسجين البارد يدخل أنفها يسري في حنجرتها تشعر به يدور في رأسها ينشردبيب النمل داخلها ﺈعادة الحياة كانت تَستلزم أن يزيل الممرض تنورتها و يحقنها أعلى عضلتها .... تشجر اﻹحراج داخلها غطت ما تبقي منها التنورة لا تكاد تسترها..نسيت أن تلبس ملابسها الداخلية ربما يسخر منها الان الممرض هناك أو ربما يحكي قصتها لزميلته السمراء يخبرها عن المرأة التي نسيت ارتداء ملابسها الداخلية

    كانَ من عاداتها في طفولتها في ليال الصيف الحارة أن تَنام عارية٬ تنزلق بجسدها الصغير العاري تحت اﻹيزار* و تغمض عينيها تقول أنها لا تطيق الحر

    في أحيان أخرى كانت تفرغ قارورة الماء على اللعبانة* البيضاء ثم تنام في فراش مبلول ٬ تتسلل الرطوبة ﺈلى أظلاعها وتسري.

    كانت منهمكة بقتل الباعوض تتربص به تمارس تفاهاتها الاعتيادية ٬ عندما رن صوت الهاتف الرتيب نفسه رسالة جديدة على الواتس− اب ٬ تجهل مرسلها رسالة تحمل تحية لا أكثر٬ تجتاحها موجة من الأفكار حول مصدر الرسالة٬ تتوه في الافتراضات .البارحة في منتصف الليل رن هاتفها جاءها صوته صوت دافئ .

    - حكيمة ...واش حكيمة الزاكورية؟

    - لا أخويا النمرة غالط

    - سامحي لي أختي صدعتك

    - ما كاين باس

    يتلكأ ثم يتنهد تنتبه لصوت الهواء الخارج من صدر مخاطبها قَطعتْ الخط ٬أنهت مشواره عند هذا الحد٬ كانت على يقين أن ﺈحداهن أوقعت به كما تفعل مريم غالبا ساورتها رغبة في الضحك ..في القنص يصير الرجال حمقى٬ زوار الليل من طينته كۡثر تستطيع أن تحصيهم اﻵن٬ الرجل الذي باغتها ذات ليلة بلهجة وقحة

    أنا جن ﺈلي يضرب أمك... كاد يغمى عليها من الخوف الرجل الذي غازلها عنوة متخيلا أنها حبيبته حليمة

    المرأة التي سألتها عن ابنتها سمية

    الثمل الذي أفرغ جوفه في رأسها حدثها عن كل شيء كومة من القصص و من الوجوه لا تعرفهم

    على أغاني أم كلثوم أخبرها عن تحصيله الجامعي٬ على أنغام سيرة الحب سرد لها افتراءت زوجة أخيه٬ و على الأطلال بكى أمه٬ وضعها داخل ﺈطار مشتت ثم اختفى

    ...........

    ﺈنها السابعة صباحا

    أشعلتْ عود الند ..عطر يواكب مزاجها ..ليست من هواة البخور على أية حال.. لملمت حاجياتها فوطة سروال قميص و أشياء أخرى٬ دلفت للدش صفعها الماء الباردعدلت حرارته ثم أغمضتْ عينيها٬ قطرات الماء تنساب بخفة فوق فروة رأسها٬ ثم تَزحف عابرة خصلات شعرها فتفاصيل جسدها٬ كانت تتأملها تتدحرج فوق جلدها ثم تغرق في القاع٬ تسلك طريقها نحو المجاري ثم المواسير.

    مارست طقوسها المعتادة داستْ فقاقيع الصابون بباطن قدمها٬ تمايلتْ غنتْ تحت الرشاش٬ حاولت الوقوف على أطراف أصابعها ثم رفعت ذراعها للأعلى بدت سيقانها قصيرة أقصر مما ينبغي٬ قفزت ﺈلى ذهنها صورة نتاليه بورتمان في فيلم البجعة السوداء٬ أمطرتهاذاكرتها بسيل من مشاهد الفيلم ٬ مشاهد استيقظت كلها دفعة واحدة أشياء أعتقدت أنها منسية الأصابع المتورمة للبطلة .. حذائها الصغير ..شعرها ..صالة تداريب الباليه ..امتدادات الأجساد الرشيقة سيقان و أدرع.. القبل الساخنة للمدرب.. ليست تشبههاالبتة هي بطة سوداء .. بطة مكتنزة سوداءو كفى

    كانت تعتقد أن الباليه فن روسي الأصل لكن سارة أخبرتها أنه ايطالي الأصل شغفت به احدى الملكات ... في صغرها كانت مفتونة بالتزحلق الفني تتابعه بشغف على الشاشة الصغيرة بينما تمضغ الخبز و الشاي الأجساد الناعمة الأجساد الفاتنة تتمختر فوق المزالج ..هي هناك تمضغ الخبز والشاي

    تحت الدش تتوهم أشياء كثيرة ليست ذات معنى٬ شيء ما في الدش يحفز أفكارها الأكثر تطرفا فتحت عينيها٬مدت يدها نحو الصنبور أدارته و غارت أوهامها ﺈلى الجحيم انتهى الدش على مشهد موت البجعة.

    مسحت قطرات الماء عن وجهها شعرها ثم جسدها

    ٬متجردة من كل شيءوقفت أمام المرﺂة تعثرت بوجهها وجه جد قديم ٬ حدقتْ في جسدها العاري إلى كل تفاصيله و تضاريسه٬ استدارت ﺈلى اليمين ثم ﺈلى اليسار لها أشياء بارزة أكثر من اللازم وأخرى ضامرة ٬بطن مدور شفاه ممتلئة عيون ضيقة ونظرة بلهاء٬ لاشيء يمت لمقاييس الجمال بصلة ٬ المرايا لا تكذبۡ أبدا أنها تفضح أسوء ما فينا ٬ خاب ظنها ﺈنها بشعة و انتهى الأمر

    رغبة واحدة تستحوذ عليها باتت هاجسها الأول عمليات التجميل ٬ لو أتيحت لها الفرصة سوف تغير أنفها بأنف أخر أكثر دقة٬و عيونها بعيون أوسع و بلون فاتح٬ تحب الأزرق السماوي لا مانع لديها من الرمادي في الأيام القلائل الماضية فكرتْ جديا في تثبيت خصلات زرقاء أو أرجوانية على شعرها٬ للخروج عن الدارج و التمادي في الجنون ٬ عندما سمعتها خالتها تتحدثعن الوشوم رمقتها بنظرة حانقة أرفقتها بعبارة

    - الوشوم حرام باغا ثقبي جلدك ﺈيوا الله يدينا في الضو ها د الجيل عاد يطير استغفر الله العظيم ...ﺈيوا الله يسمح ليك

    -ﺈنها لا تصغي ردت سارة ..رفع عنها القلم

    -راك غ تعودي كي الزعافة نشطبوا براسك السقف.. أشمن أرجواني

    عَاودت التحديق في المرآة مجددا بدا لها رأسها كالزعافة معتوهة تماما٬ تمنت۫ لو كانت لها عينا قطة واحدة رمادية و الأخرى بۡنية٬ عيون واسعة جميلة براقة و مۡخيفة فكرت في ميمي قطها الأسود الذي رمت به ﺇلى الشارع

    فكرة التغيير تۡعشش في مخها تسري في كل كيانها الأهم أن تتخلص من رأسها_ هذا الرأس المدرب على نهشها - ٬ ترغب برأس فارغة و قد رفيع٬ شيء معقول ومتناسب مع الموجة العالمية موجة الصدور المكتنزة و الملامح المعدلة٬ الشفاه المنفوخة والوجوه المشدودة

    تتذكر أنها قرأت عن المهندس الروسي الذي يفكر باستبدال جسده العاجز بجسد أخر ٬اجتهدت كثيرًا في محاولة يائسة لتَخيۡل البلوك٬ الجسد البارد الممدد على المصطبة البيضاء ...القلب بلا نبض.. و الرأس المقذوف أعلى الطاولة جهاز التبريد ...الدم في كل مكان ....الوجه ألأزرق.. .. رائحة الموت رائحة الحياة ..العروق النافرة حاولت عدها واحد .. اثنان ..ثلاثة٬ عروق كثيرة تشجرت داخل رأسها ...اللون الأخضر الذي يغطي الدكاترة و اللون الأحمر الذي يغطي كل شيء الأحمر على الحيطان على الشراشف على الأرض ٬حاولتْ تخيل شيئا متقنا لكن بلا جدوى٬ كان خيالها قاصرا شعرت بالخيبة٬ تخيلت الجمجمة مثبتةعلى نخلة جدها و الجسد مغروس في الجنان ثم اليد التي تنمو في أصيص الحبق خاصتها ٬ أعادت۫ تركيب الأطراف غير ما مرة٬ وزعتها بعدالة على أۡصۡصها٬ حديقة من الأطراف البشرية

    حاصرتها البيض الالالاتتخيله ذبائح العيد أيمكن أن يقطعوا رأسه كما نفعل نحن بخراف العيد ؟تعتقد أنه لن ينجو....

    خراف العيد لا تنجو

    موت أضاحي العيد شيءحتمي لا يمكنها شيء ﺈزاءه لا ﺈمكانية للنجاة٬ ثلاثون عاما وهي تكرر نفس المشهد٬ الخروف المعلق في السطح الرأس المحروق فوق الكانون*٬ الدم في كل مكان ورائحة الشياط

    باستثناء مرة واحدة نجى خروفهم انفجرت بطنه قبل العيد بأيام ٬ قالت۫ لها أمها حينها في مواسم الأعياد يطعمون الخرفان الخميرة ينفخونهم يا بنيتي فتنفجربطونهم بدت فكرتها غريبة.

    في السنة التالية مات خروف الجيران رمى بنفسه من السطح كاد أن يأخذ معه عايشة النفنافةبعد أن تمسكت بطرف ساقه الخلفية٬ كان المشهد كاريكاتوريا ثم انتهى نهاية درامية٬ فكرت أنه انتحر سلم نفسه للموت طواعية٬ كان انتحارًا مبررًا له أسبابه المقنعة جدا..لو كانت مكانه لفعلت ما فعله بالتحديد

    سمِعٙت۫ يوما أن اللحم الذي نأكله هو الخوف٬ لأن الحيوانات قبل ذبحها تفرز الكثير من الأدرنالين و نتغذى على لحمها المۡشبع بالأدرنالين٬ ما نأكله اذا هو الخوف بدا التفسير منطقي ﺈلى حد ما ... عموما هي ليست مولعة باللحم تبقى السندويتشات و البطاطس المقلية طبقها المفضل

    عادت للمرآة مَررت أصابعها عليها مسحت أثار البخار٬ حدقت فيها استقرت عيونها في أعمق نقطة منها كانت ترى أفعى بنفس عيونها الضيقة٬ ولسانها السام كانت أشبه بحنش بوسكة حنش الصحاري الأسود ٬حنش يحترف الشر عبئت رئتيهي بالهواء ثم نفتته كما تفعل الأفاعي بصقت۫ سمها ...

    ٬لبست بسرعة تجاهلت رأسها المدجج بكل شيء وخرجت في عجالة ٬ساعة لا تكفي أبدا ٬ لا تكفي امرأة لتكون في كامل فتنتها.

    ................

    بدأت الأشياء تنفلت منها تدريجيا أدركت۫ متأخرة أنها اكتسبت عادة قضم أظافرها ٬عض الجلد الميت الذي يطوق أصابعها الجلد الميت و الحي تنتابها شهوة العض شهوة الدم٬ شيء ما داخلها يستجد شيء تجهله

    بدأت تفقد السيطرة على بعض أعضاءها لسانها... أعصابها ...و أحيانايدها ﺈشارات جسدها واضحة٬ جزء من خلاياها يتأرجح بين العافية و العطب٬تتهاوىجزئيا ٬ في الواقع لاشيء يبقى حاله

    لسانها بدأ يسبق حواسها الأخرى قبل أيام قالت لأمها(لماذا تزوجته ..أبي؟كان عليك أن تهربي قبل ثلاثين سنة)

    تطايرت كلماتها في الهواء بدا الأمر يصلح كﺈعلان سخيف لشيء ما ٬ كشيء بزغ من السديم من العدم ثم تطاير كعبوة ناسفة٬ ٬ ظلت تلوم نفسها لأيام ٬ في تلك اللحظة تحديدا استشعرت رغبت بغسل يدها فركت كفها بالصابون

    في الأسابيع الفائتة كسرتْ مزهرية.. كأس ..صحن.. زجا ج النافدة ..مائدة ..لوحة .. قطعة وراء قطعة كانت تخمد ضيقها بالكسر تطفئ شيءما يستعير داخلها٬ كانت مرتبكة و منهكة تماما.

    في المكان المعتاد ذاته ركنت۫ سيارتها قرب حافته المكان الوحيد الذي يستوعب فوضاها كلما ضاق صدرالمدينة فسحتها الوحيدة.. منذ سنوات واظبت على هﺬ ه الزيارات٬ لملاحقة دوامات الماء تتبعها بلا غاية خرير الماء يشعرها بالسكينة يشعرها بلانهائية الأشياء

    واد (ح......) يتألق وسط حقول القمح و الذرة٬ صوبت كاميرتها الرقمية نحو صفحة الماء ألمتلألئة تحت أشعة الشمس زوج بط أسود خلفه بطيطات صغيرة ٬ سلحفاة صغيرة تحرك زعانفها تحت الماء٬ عدلت العدسة التقطت صورة ثم أخرى و أخرى بعدها نسمة هواء رطب بعثرت خصلات شعرها . توقفت۫ جالت ببصرها ٬ حدقتْ في لون الماء الأخضر. استندت۫ على مسند كرسي السيارة٬ و ثنت ساقيها اِسترخت۫ أنسجمت مع رائحة المكان٬ تخيلت۫ أشياء كثيرة تخيلت۫ أنها ممدة على العشب الأخضر تتوسد ذراع أحدهم -جنتل مان -هكذا تسميه يطعمها عنبا تقضمه وتقذف رأسه بالعظام ٬جنتل مان بعيون بنية واسعة جنتمل مان أسمر ٬بلون الأرض وبرائحة الأرض شخص يحب الوديان مثلها يحب أغاني الراب و الأيرين بي وولد الحوات ...

    لا يتشاركان الكثير .. يتشاجران على الريموت كنترول و يشجعان نفس الفريق٬ هي لا تحب كرة القدم لا تهتم بالأشياء المستديرة لكنها قد تشجع الفريق الخاسر شفقة لا أكثر

    جنتل مان يعلمها كيف تصطاد الفراشات لتقدمها عشاء للعناكب٬ يعلمها كيف تربي الحمام الزاجل وكيف تلتقط الخنافس .على قمة جبال ألتا أو على حافة شلالات نيغارا .......يخبرها أنه يحبها سوف يقول لها بالحرف أحبك بقدر غضبك علي وأقبل جبينك وخدك أمسك أنفك بيدي وأكتم أنفاسك كالسنوريات أقتلك .

    يأتي اعترافه كالأفلام الهوليودية أو البوليودية تماما شخص يحب حكايا الجدات٬ في ليالي السبت الباردة يدعوها لرقص السلو على موسيقى هادئة ٬ بدت لائحة شروطها طويلة و غير منطقية

    أبقي عينيك مفتوحتين ... اهبطي الأرض عزيزتي... تنهرها سارة .. لا وجود للجنتل مان ﺈلا في خيالك ترغبين برجل مفصل على مقاسك ﺈنه ليس فستان تخيلي عباس و علال و ابراهيم..على قد لحافك مد رجليك ا مولاي

    (أنتِ حمد لله الي جاك سعيد ىمول الزريعة .. مول الزريعة وبزاف عليك ....نوضي أبنيتي أنت طالقاها تسرح ....ﺈيوا شلا ما علمك٬ غير تقديم العشاء للعناكب ..ديها في راسك ع الله يجيب لك غير ﺈنتي العشا٬ قاليك عشاء العناكب ..ﺈيو ا الله يجيبنا في الصواب)

    -أنا حرة في خيالي يقول درويش –ترد هي

    -حرة ..منين ...أ حبيبتي منين طلات عليك الحرية ...خليني ساكته أحسن

    فكرة تفصيل رجل بدأت تختمر داخلها٬ ودت لو تبتكر شيء يليق بمستوى جنونها٬ مزيج من رجال المجالات رهط من الرجال في السموكين رياضين .. مغنين . مثقفين ..حتى المجرمين لا تستثنيهم وجوه شقراء و سمراء مسطحة داكنة مدورة بغمازات أو دونها بحواجب رفيعة أو غليظة رجال بلا شوارب بلا لحى بلبدة سوداء كالأسود اﻹفريقية أو بشفاه مقسومة ..تشعر أن السينما خربقت عقلها

    صوت صفير صاخب يخرجها من خيالها المريض كل شيء ينهار داخلها و يتبخرالجنتل مان٬ لم تعد تراه يعود للعدم—يصير ضبابا٬ تفيق على ضفة الواد كل شيء لازال على حاله أشجار التين٬ تنتصب بوجهها تسقط أوراقها تتخلص من هشاشتها٬ سرب حمام يندفع في عباب السماء٬ وسحابة عابرة في الأفق تحجب أشعة الشمس٬ قطيع خرفان يجتاز المنحدر المتعرج٬ حمار شارد بين الأعشاب الشوكية٬ تحت الحشائش جيوش الحشرات الزاحفة تمارس حياتها الاعتيادية٬ بتفاني شديد تأكل تشرب وتتكاثرمثلها تماما

    على الرابية القريبة حقول الذرة لا يحدها شيء بيوت حجرية حمراء بأسقف قرميدية رمادية ٬ أكوام القش مطلية بالطين ٬ (نوادر) بمحاذاة الطريق مقبرة مهجورة يحدها سور طويل وتتوسطها قبة خضراء٬ ضريح ولي صالح تجهل اسمه لكنها تتوقع أنه شيء يبتدأ ب (مولاي) على غرار كل القبب الخضراء .قبة خضراء و ولي صالح لكل قبيلة كنوع من العدالة الاجتماعية كل شيء يتوهج تحت الشمس حتى هي تتوهج كالبلور

    تقذف الحصى نحو الماء٬ تحملق في الدوائر التي تخلفها مويجات خفيفة تتهادى ببطء تذكر ها بدروس الفيزياء و مختبر العلوم الذي يشبه المخزن كل شيء فيه لا يصلح لشيء...تضحك بصخب التعليم الذي يقود للدوائر

    تجول ببصرها في جميع الاتجاهات تحب الوديان تحب أن تغطس قدميها في جنباتها٬ أن تترك أثار أصابعها على الطين الزلق أن تضع صنارتها وتنتظرثم لا شيء يأتي بعدها ٬ تصطاد سمكة تنتزع روحها تكون ملاك الموت للحظة واحدة٬ تلعب دور القاتل المتسلسل٬ سلة من الجثث جثث لا تدفنها بل تأكلها كهانيبل لكترا٬ تبدأ بابتلاع فريستها من الرأس كما تفعل الأفاعي و تبقي الأجساد المتصلبة للتحلية . لأسباب غيرمفهومةبدأت تشعر برغبة في أكل الأجساد بقضمها قضمة قضمة رغبة بلا معنى.

    أستغرقت في اللاشيء تاهت خلف التيار الهادئ للماء و أحاديث أمها التي لا تنتهي تلك الواقعة تذكرها بطه حسين لا تعرف على وجه التحديد الشبه بينهما بين الأخ الأشقر و بين طه حسين

    دغدغها الجوع ساقتها قدميها ﺈلى الخيمة/المطعم بتثاقل شديد بضع كراسي مرصوصة و موائد متسخة عامرة بالذباب تهشه بين الفينة و الأخرى٬لمحت الطواجن فوق الكانون رائحة اللحم

    شنو تاخدي؟

    شنو عندكم؟

    أتاي و المسمن

    بغيت نتغدى

    كاين طاجين

    ديلاهاش؟

    طاجين خضرا باللحم

    ماكينش دجاج ؟

    كاين

    جيب واحد

    طاجين اخر بطنها سيزداد تكورا٬تختلس النظر ﺇلى الخيمة بألوانها الحمراء مزيج من الأحمر و الأخضر الحصيرمن الدوم اليابس الأرض صلبة تحتها ٬ ديكور بسيط ديكور كل مواسم الخيول التي وطئتها٬ كلب أسود يترنح بين الزائرين٬ فلاح يستحث بقراته على المضي قدما٬ الغبار المتكوم فوق الموائد

    بمحاﺬاتها رجل طويل القامة بجلبابه المخطط و عمامته البيضاء تقاسيمه تبدو مألوفة بأنف حاد ٬ خدود غائرة و بجفون متدلية نسخة مكررة عن كل الوجوه البدوية٬ نصف نائم تقريبا رأسه مثقل بالنوم و رأسها يضج بالنحل—ظلت للحظة تلتقط صوت بكاء حار لكائن صغير _هكذا تسميه _ يحوم حولها تحشره أمه في حضنها تجبره على الصمت تقرص فخده صراخه يتمدد و يتمدد٬ يغدو عويلا يتعب ويستسلم لصدرها الضخم

    ﺈلى جانبها الأيمن الشاب الذي يلف سيجارة الحشيش كان بامكانها رؤيته بوضوح يلعق الورق و يلفه يهز رأسه يستطلع الأجواء كنظام كشف ردار متنقل يعصر سيجارته داخل صدره و ينفتها في الهواء تتصاعد الدوائربشكلها الحلزوني

    يخرج هاتفه يتطلع في شاشته٬ تسمع دندنة الموسيقى يدخن يدير رأسه يميل و يتمايل مع اللحن أو مع الحشيش٬ لا أحد يعرف على وجه التحديد يعلو صوته و ينخفض يبتسم أحيانا ثم يعود لمص لفافته و بخها في الهواء٬ تبدي امتعاضا من الرائحة ترمقه بحذر ثم تشيح ببصر ها ليست حمل عربدته...التشرميل موضة رائجة

    يعلن هاتفها العصيان يومض للمرة لا تهتم له كل علاقاتها مع الهاتف شبه مقطوعة هشة ٬ ﺈنه لحالات الطوارئ القصوى٬ علاقتها بالهاتف تشبه كل علاقاتها تؤول للصفر ستنفذ بطاريتها يوما ما مثل الهاتف ستومض لاخر مرة ثم تنطفئ لاخر مرة تغدو باردة كالصقيع تصير خشبا أزرقا٬ لكنها قبل ذلك تريد أن تفعل الكثير من الأشياء يجب أن تجرب كل الأشياء لائحتها طويلة جدا عكفت على تحضيرها قبل أعوام٬ تبقيها تحت سريرها و أحيانا بين كتبها٬تحملها معها دوما لائحة تطول و تقصر حسب مزاجها أشبه بورشة بناء ترممها بين الفينة و الأخرى٬ مصممة على الخروج من الحياة بأقل خسائر وبكثير من المغامرات

    قررت أن تزور قبائلا في أقصى صحاري افريقيا ثم تراجعت عن الفكرة مخافة أن تنتهي أطرافها بين فكي الأسود الجامحة أو القطط البرية ثم حولت وجهتها ﺈلى أستراليا هناك سوف تكون عشاءً فخما لديناصور الكومود

    خطرتْ ببالها الأناكوندا ستلتف حول جسدها و تديره تعصره ثم تبتلعها دون مضغ٬ موت بطيء بالغ الوحشية لن تلفظ جثتها ستمتصها على مهل ستكون ضيفا ثقيل في أحشائها

    مۡصرة هي على جنازة مختلفة شيء مغاير و استثنائي ترغب بطقس جنائزي مختلف٬ كطقوس الهنود يحرقون جسدها وتنزلق روحها لتدخل الجنة دون حساب٬ تدرك أنها لن تنتهي للجنة٬ ليست مؤهلة لنهاية مشابهة تجترالفكرة و تمضغها٬ مشهد الجثة الطافية على نهر الكانغ مشهد مغري يصلح كنهاية جميلة لفيلم ممل٬ ﺈنها احدى نزواتها الجديدة رغبتها في الحصول على نهاية بمشهد أسطوري

    -للجنون حدود تعقب سارة لكن أنتِ لا حدود لك

    -نهايتي ستكون على مزاجي

    ستختلق من القصص الكثير لتقنع أهلها بمراسم دفن على هواها٬ موقفها واضح جدا أنها عاشت على هوى الناس وتريد أن تموت وتدفن على هواها شيء سمته٬ حرية الموت

    كان يجب أن تحور كل الأمور في سبيل تبرير نزعتها الغريبة٬ قد تدعم رغبتها بنظريات كثيرة كتلك القائلة أنه في العهود القديمة كان السوماريون يدفنون مع الميت الجعة و الخبز وأن بعض القبائل في أمريكا اللاتينية يدفنون موتاهم داخل جذع شجرة ٬وبعد مضي سنتين يعيدون فتحها يدفنون العظام و يحتفظون بالجمجمة يعلقونها في مكان ما للذكرى .ماذا لوعلقوا جمجمتها هي أيضا على باب شقتها أو أمام ردهة العمارة أو في المطبخ ؟؟ جمجمة منخورة نخر الدود أنسجتها و ترك التجاويف الملساء فقط

    لربما تقول لهم أن توباك شاكور بعد أن حرقوا جتمانه دخن أصدقاءه رماده مع الماريجوانا دفن بطعم الحشيش ...

    كلما تخشاه هو أن تحظى بمأتم عادي بالطقوس المعتادة ذاتها٬ نساء يتظاهرن بحزن عابر لفقدانها و دموع مفتعلة طقوس لا جدوى منها٬ ستقبل _ على مضض_ أن يمددن جسدها على خشبة ثم يغسلنها يعصرن بطنها يربطن شعرها يغلقن فمها ثم يلففنها في ثوب ناصع البياض.وقد يطلقن المسك

    ...ستسمع همسهن من خلف الباب -سكتوا راها كتسمعوكم دابا -

    مون الأمانة ده أمانتو ...لهلا يوسخ لينا فراش..الله يدينا في طرف صحتنا ...العمر سالا..

    كيفاش ماتت ؟

    سوف يستعرضن لحظاتها الأخيرة ببطء شديد يستعرضن فيه خصالها٬ لأول مرة ستكون هي البطلة يتكلمن عنها بكل ود الود الذي لم تحصل عليه في حياتها.

  2. #2
    مشرف قسم القصة
    مشرف قسم الشعر
    شاعر

    تاريخ التسجيل : May 2011
    المشاركات : 7,009
    المواضيع : 130
    الردود : 7009
    المعدل اليومي : 1.49

    افتراضي

    الأخت بشرى رسوان
    النص ربما شابه تداخل الكلمات ببعضها ..
    أتمنى إعادة نشره حتى لا نفوّت فرصة المشاركة لأديبة متمكنة مثلكم ..وسوف تكون لي عودة على أيّ حال .
    تقديري .
    وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن

  3. #3
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jul 2018
    المشاركات : 68
    المواضيع : 6
    الردود : 68
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    قصّة موجعة، مكتوبة بماء القلب.. أوافق الأستاذ عبد السلام دغمش فهذا البحر يستحق إعادة ترتيب. ليس غريبا على بلد المغرب أن ينجب أقلاما قصصية من النوع الرفيع..
    شكرا على مشاركتنا هذا الدفق الجميل الفاضلة بشرى رسوان..

    مودتي

  4. #4
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jul 2018
    المشاركات : 68
    المواضيع : 6
    الردود : 68
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    بشرى رسوان

    عادت مجددا لتقول أنها ليست سعيدة، هذا لا يعني بالضبط أنها تعيسة، هذا يعني فقط أنها دخلت مرحلة الحياد.. تدرك أنه لا أحد يسأل عنها.. هي ليست حاقدة على أحد.


    تكتب بشكل متقطع.. تكتب بشكل عشوائي... ربما هي مشوشة!

    تقول أنها محظوظة.. البارحة رمى أحدهم طوب طيطوارة* الحجرة جاوزت رأسها بسنتيمترات.. اليوم أيضا كانت محظوظة، وضعت اﻹبريق على النار ونسيته تماما..

    عندما خرجت لشراء نسكافيه وبسكويت الشوكولاته قابلت ابنة صديقتها، بدا وجهها كالخريطة.. تحججت بالكرة الطائرة. تقنيا، يستحيل أن تخربشها كرة. ثمة أوقات يبدو فيها الكذب واجبا مقدسا على قول لابيش.

    طبختْ الباذنجان حتى صار أسودا، أكثر سوادا من كل أفكارها... حصلتْ أخيرا على شقة في الطابق الرابع.. هربت من مطرقة النجار وتواجه اﻵن شمكارة المقهى.

    لا شيء هنا سوى العيون المبحلقة.... ودت لو تركلهم، لو تشتمهم لكنها تراجعت عن أفكارها مخافة أن تخدش حياء الجدران!

    ليس في نيتها شيء... عادتْ ﺇلى أريكتها السوداء.. التصقت بها.. احتضنت الوسادة الصفراء، تلتهمها الوساوس تثقب صدرها.

    أمسكتْ الريموت كنترول.. أطبقت عليها مخافة أن تهرب.... يوم آخر تهدره أمام الشاشة..
    صوت المذيع... سبعة جرحى و قتيلان...
    صوت الوزير... ﺈننا نعمل جنبا ﺈلى جنب...
    الطبيب يتفصد عرقا...
    الكوليرا تنتشر...
    منظمة ﺈرهابية...

    المونولوج نفسه..كل شيء معدٌّ سلفا، معد بعناية للتشويش عليها... تشرب القهوة وتلعن العالم! ....كشمكارة راس الدرب تماما لا ينقصها سوى كأس شاي منعنع وغليون كيف لم تعد تنصت لأحد..
    لا أحد يستحق.

    ألقت نظرة سريعة على دفتر ملاحظاتها.. رقم هاتف سناء 06015..... وعبارة لنيتشه (لا تحدّق طويلا في الهاوية حتى لا تنظر ﺈليك وتنفذ فيك)**

    رسمت دائرة وسط دائرة أكبر وسط دائرة... دوائر مغلقة... خط مستقيم يلف عنقها ويكسرها وخط متعرج يأخذها ﺇلى شفير الهاوية.. وقعت باسمها على هامش الصفحة.

    على الهامش مكانها...

    تبصم بالعشرة أن هذه الدوائر لها.. تخصها وحدها.. تضغط على الريموت كونترول، تقتنص مشاهد عابرة أغنية كيتي بيري.. فيلم هندي لديبكا بادوكان.. برامج ثرثرة... برامج طبخ.. صابون وشامبو وآلات غسيل.. تضغط وتضغط... أشياء كثيرة!

    تغفو أمام الشاشة.. تصحو مفزوعة.. كادت تصرخ بل فعلت، حلمتْ مجددا بذلك المسخ الذي يطاردها، كانت تمد يدها طالبة النجدة.. تشدها الأيادي.. أياد كثيرة على رأسها، على عنقها، أسفل ظهرها، على بطنها.. ثم تتقاذفها كالكرة تُعيدها ﺈليه. يجذبها من شعرها، يمرغ وجهها في الطين، طعم التراب الجاف في حلقها، يَرتعش جسمها، تبحث عن شيء ما... تئن.. تصرخ.. لا صوت يصدر عنها، لا أحد يسمعها، تريد اﻹستيقاظ وتعجز، ينقضُّ عليها، يَركلها، تحاول الانزلاق.. الهرب.. محاولاتها مكشوفة، يسحق رأسها بحافره، يحيله سائلا لزجا، تنزف كل سوائلها.. تسيل ببطء.. تندفع فوق التراب.. تتسرب ﺈلى الشقوق الجافة..

    ...............تَجلس ثم تَقف.. تدور حول نفسها دورة كاملة تذهب وتجيء.. تحملق في السقف، ترفع ساقيها.. تمدهما ﺈلى الأعلى.. رأسها على السجاد.. جذعها إلى الجدار.. تحاول التوازن، تضع كفّيها على الأرض، تحرّك ساقيها في الفراغ... إنها اليوغا تقول لنفسها.. ربما الزومبا.. أو الأيروبيك...
    إنها لاشيء..

    تعود لسريرها وتتكور داخله، تضع يدها تحت رأسها وتشد الغطاء، تُغطي رأسها، ترقد على ظهرها.. على بطنها.. في كل الوضعيات، البعوض يستأنف رحلته الإستكشافية لجسدها يَرتشف ما تيسر له من دمها.. يُصفي حساباته القديمة معها، تتراءى لها خراطيمه الصغيرة مغروسة في عروقها، تُباغت ﺈحداها بضربة طائشة -الحظ لا اسم له-* تلصق جسدها الصغير بالجدار، يخرج السائل المائع من بطنها. السائل يُكوّن بُقعة حمراء صغيرة على الحائط.. بقعة هي مثواها الأخير.. سائل هو مجموع أعضائها المتكومة فوق بعض.

    وَدَّت لو تجمع أحشاءها من جديد، أن تلحم أنسجتها.. لو تشكّلها بعوضة جديدة ثم تُعاود ضربها كما في الكريكت أو البيسبول، ترتد وترتد وترتد ﺈلى ما لانهاية.. تشعر بنشوة النصر، نصر يعيد لها اعتبارها.. كم هي قاسية في تفكيرها.. العالم قاسٍ أيضا.

    تحك وجهها.. ساقها.. تحك رقبتها.. أسفل جبهتها.. البعوض ينخر جلدها.. يغرف من دمها٬ تدهن وجهها بزيت الغليسرين والزيت العود* تزفر بحنق.. تسبح في بركة من الزيت!

    معاركها مع البعوض اعتيادية جدا، تنتهي دوما بخسارتها، خسارات لاتعد ولا تحصى٬ كلما مضى يوم أدركت صلابة عدوها، في آخر معركة جمعت بينهما، رشَّة واحدة من مبيد الحشرات وحَملوها للمستشفى٬ اختنقت شيئًا فشيئًا، سعلت، فَتحتْ فمها عن آخره٬ لا شيء يدخل صدرها ولا تخرج ﺈلا الكحة٬ الجفاف يحرق رئتها٬ غَطستْ في نوبة سعال٬ في المستشفى ربطوها بأنابيب الأوكسجين، الأنبوب يضخ غازه ﺈلى جسمها.. عاد لها نبضها. كان الأوكسجين البارد يدخل أنفها يسري في حنجرتها تشعر به يدور في رأسها، ينشر دبيب النمل داخلها. ﺈعادة الحياة كانت تَستلزم أن يزيل الممرض تنورتها ويحقنها أعلى عضلتها... تشجر اﻹحراج داخلها.. غطت ما تبقى منها.. التنورة لا تكاد تسترها.. نسيت أن تلبس ملابسها الداخلية، ربما يسخر منها الآن الممرض هناك، أو ربما يحكي قصتها لزميلته السمراء، يخبرها عن المرأة التي نسيت ارتداء ملابسها الداخلية..

    كانَ من عاداتها في طفولتها في ليالي الصيف الحارة أن تَنام عارية٬ تنزلق بجسدها الصغير العاري تحت اﻹيزار* و تغمض عينيها تقول أنها لا تطيق الحر..

    في أحيان أخرى كانت تفرغ قارورة الماء على اللعبانة* البيضاء ثم تنام في فراش مبلول، تتسلل الرطوبة ﺈلى أضلاعها وتسري.

    كانت منهمكة بقتل البعوض، تتربص به تمارس تفاهاتها الاعتيادية عندما رن صوت الهاتف الرتيب نفسه. رسالة جديدة على الواتس− آب.. تجهل مرسلها، رسالة تحمل تحية لا أكثر. تجتاحها موجة من الأفكار حول مصدر الرسالة٬ تتوه في الافتراضات.
    البارحة في منتصف الليل رن هاتفها جاءها صوته.. صوت دافئ:

    _ حكيمة... واش حكيمة الزاكورية؟

    _ لا أخويا النمره غالط

    _ سامحي لي أختي.. صدعتك!

    _ ما كاين باس..

    يتلكأ ثم يتنهد.. تنتبه لصوت الهواء الخارج من صدر مخاطبها، قطعت الخط٬ أنهت مشواره عند هذا الحد. كانت على يقين أن ﺈحداهن أوقعت به كما تفعل مريم غالبا، ساورتها رغبة في الضحك.. في القنص يصير الرجال حمقى٬ زوار الليل من طينته كُثر، تستطيع أن تحصيهم اﻵن٬ الرجل الذي باغتها ذات ليلة بلهجة وقحة:

    أنا جنّ ﺈلي يضرب أمك... كاد يغمى عليها من الخوف..

    الرجل الذي غازلها عنوة متخيلا أنها حبيبته حليمة..
    المرأة التي سألتها عن ابنتها سمية..
    الثمل الذي أفرغ جوفه في رأسها حدثها عن كل شيء..
    كومة من القصص ومن الوجوه لا تعرفها، عن أغاني أم كلثوم أخبرها، عن تحصيله الجامعي٬ عن أنغام سيرة الحب، سرد عليها افتراءات زوجة أخيه٬ وعلى الأطلال بكى أمه٬ وضعها داخل ﺈطار مشتت ثم اختفى!

    ...........

    ﺈنها السابعة صباحا!

    أشعلتْ عود الند.. عطر يواكب مزاجها.. ليست من هواة البخور على أية حال.. لملمت حاجياتها، فوطة.. سروال.. قميص.. وأشياء أخرى٬ دلفت للدوش، صفعها الماء البارد، عدلت حرارته ثم أغمضتْ عينيها٬ قطرات الماء تنساب بخفة فوق فروة رأسها٬ ثم تَزحف عابرة خصلات شعرها فتفاصيل جسدها٬ كانت تتأملها تتدحرج فوق جلدها ثم تغرق في القاع٬ تسلك طريقها نحو المجاري ثم المواسير.

    مارست طقوسها المعتادة، داست فقاقيع الصابون بباطن قدمها٬ تمايلت، غنت، تحت الرشاش٬ حاولت الوقوف على أطراف أصابعها ثم رفعت ذراعها للأعلى، بدت سيقانها قصيرة.. أقصر مما ينبغي٬ قفزت ﺈلى ذهنها صورة نتاليه بورتمان في فيلم البجعة السوداء٬ أمطرتها ذاكرتها بسيل من مشاهد الفيلم٬ مشاهد استيقظت كلها دفعة واحدة، أشياء اعتقدت أنها منسية.. الأصابع المتورمة للبطلة.. حذاؤها الصغير.. شعرها.. صالة تدريب الباليه.. امتدادات الأجساد الرشيقة.. سيقان وأذرع.. القبل الساخنة للمدرب.. ليست تشبهها ألبتة. هي بطة سوداء.. بطة مكتنزة سوداء وكفى!

    كانت تعتقد أن الباليه فن روسي الأصل، لكن سارة أخبرتها أنه إيطالي الأصل، شغفت به إحدى الملكات... في صغرها كانت مفتونة بالتزحلق الفني تتابعه بشغف على الشاشة الصغيرة بينما تمضغ الخبز والشاي. الأجساد الناعمة.. الأجساد الفاتنة تتبختر فوق المزالج.. هي هناك تمضغ الخبز والشاي!

    تحت الدوش تتوهم أشياء كثيرة ليست ذات معنى٬ شيء ما في الدوش يحفز أفكارها الأكثر تطرفا.. فتحت عينيها٬ مدت يدها نحو الصنبور أدارته وغارت أوهامها ﺈلى الجحيم. انتهى الدوش على مشهد موت البجعة.

    مسحت قطرات الماء عن وجهها، شعرها، ثم جسدها. متجردة من كل شيء وقفت أمام المرﺂة. تعثرت بوجهها. وجه جد قديم، حدقتْ في جسدها العاري إلى كل تفاصيله وتضاريسه٬ استدارت ﺈلى اليمين ثم ﺈلى اليسار، لها أشياء بارزة أكثر من اللازم وأخرى ضامرة.. بطن مدور، شفاه ممتلئة، عيون ضيقة ونظرة بلهاء٬ لاشيء يمت لمقاييس الجمال بصلة. المرايا لا تكذبُ أبدا، إنها تفضح أسوأ ما فينا. خاب ظنها.
    ﺈنها بشعة وانتهى الأمر!

    رغبة واحدة تستحوذ عليها، باتت هاجسها الأول، عمليات التجميل! لو أتيحت لها الفرصة سوف تغير أنفها بأنف آخر أكثر دقة، وعيونها بعيون أوسع وبلون فاتح٬ تحب الأزرق السماوي، لا مانع لديها من الرمادي.

    في الأيام القلائل الماضية فكرتْ جديا في تثبيت خصلات زرقاء أو أرجوانية على شعرها للخروج عن الدارج والتمادي في الجنون٬ عندما سمعتها خالتها تتحدث عن الأوشام رمقتها بنظرة حانقة أرفقتها بعبارة:

    _ الوشوم حرام، باغا ثقبي جلدك، ﺈيوا الله يدينا في الضو، هاد الجيل عاد يطير، استغفر الله العظيم... ﺈيوا الله يسمح ليك..

    _ ﺈنها لا تصغي. ردت سارة.. رفع عنها القلم.

    _ راك غ تعودي كي الزعافة نشطبوا براسك السقف.. أشمن أرجواني!

    عَاودت التحديق في المرآة مجددا. بدا لها رأسها كالزعافة. معتوهة تماما٬ تمنت۫ لو كانت لها عينا قطة، واحدة رمادية والأخرى بُنية٬ عيون واسعة جميلة براقة ومُخيفة. فكرت في "ميمي" قطّها الأسود الذي رمت به ﺇلى الشارع.


    فكرة التغيير تعشش في مخها، تسري في كل كيانها الأهم أن تتخلص من رأسها _هذه الرأس المدربة على نهشها_ ترغب برأس فارغة وقد رفيع٬ شيء معقول ومتناسب مع الموجة العالمية، موجة الصدور المكتنزة والملامح المعدلة للشفاه المنفوخة والوجوه المشدودة.

    تتذكر أنها قرأت عن المهندس الروسي الذي يفكر باستبدال جسده العاجز بجسد آخر ٬ اجتهدت كثيرًا في محاولة يائسة لتَخيّل البلوك٬ الجسد البارد الممدد على المصطبة البيضاء... القلب بلا نبض.. والرأس المقذوفة أعلى الطاولة، جهاز التبريد... الدم في كل مكان... الوجه الأزرق... رائحة الموت.. رائحة الحياة.. العروق النافرة.. حاولت عدها.. واحد.. اثنان.. ثلاثة٬ عروق كثيرة تشجرت داخل رأسها... اللون الأخضر الذي يغطي الدكاترة واللون الأحمر الذي يغطي كل شيء.. الأحمر على الحيطان، على الشراشف، على الأرض، حاولت تخيل شيئ متقن لكن بلا جدوى٬ كان خيالها قاصرا. شعرت بالخيبة. تخيلت الجمجمة مثبتة على نخلة جدها والجسد مغروسا في الجنان، ثم اليد التي تنمو في أصيص الحبق خاصتها٬ أعادت تركيب الأطراف غير ما مرة٬ وزعتها بعدالة على أصصها٬ حديقة من الأطراف البشرية!



    حاصرتها البيض الالالا تتخيله ذبائح العيد.. أيمكن أن يقطعوا رأسه كما نفعل نحن بخراف العيد؟ تعتقد أنه لن ينجو....

    خراف العيد لا تنجو!

    موت أضاحي العيد شيء حتمي لا يمكنها شيء إزاءه لا ﺈمكانية للنجاة٬ ثلاثون عاما وهي تكرر المشهد نفسه، الخروف المعلق في السطح، الرأس المحروق فوق الكانون* الدم في كل مكان ورائحة الشياط...

    باستثناء مرة واحدة نجا خروفهم، انفجرت بطنه قبل العيد بأيام٬ قالت لها أمها حينها في مواسم الأعياد يطعمون الخرفان الخميرة، ينفخونها يا بنيتي فتنفجر بطونها..
    بدت فكرتها غريبة.

    في السنة التالية مات خروف الجيران. رمى بنفسه من السطح، كاد أن يأخذ معه عايشة النفنافة بعد أن تمسكت بطرف ساقه الخلفية٬ كان المشهد كاريكاتوريا ثم انتهى نهاية درامية٬ فكرت أنه انتحر، سلم نفسه للموت طواعية٬ كان انتحارًا مبررًا له أسبابه المقنعة جدا.. لو كانت مكانه لفعلت ما فعله بالضبط.

    سمِعٙت يوما أن اللحم الذي نأكله هو الخوف، لأن الحيوانات قبل ذبحها تفرز الكثير من الأدرنالين ونتغذى على لحمها المشبع بالأدرنالين٬ ما نأكله إذا هو الخوف. بدا التفسير منطقيا ﺈلى حد ما... عموما هي ليست مولعة باللحم، تبقى السندويتشات والبطاطس المقلية طبقها المفضل.

    عادت للمرآة، مَررت أصابعها عليها، مسحت آثار البخار٬ حدقت فيها، استقرت عيونها عند أعمق نقطة منها، كانت ترى أفعى بنفس عيونها الضيقة ولسانها السام، كانت أشبه بحنش بوسكة، حنش الصحاري الأسود، حنش يحترف الشر. عبأت رئتيها بالهواء ثم نفثته كما تفعل الأفاعي.. بصقت سمها.

    لبست بسرعة، تجاهلت رأسها المدجج بكل شيء وخرجت في عجالة، ساعة لا تكفي أبدا٬ لا تكفي امرأة لتكون في كامل فتنتها.
    ..........




    ................

    بدأت الأشياء تنفلت منها تدريجيا. أدركت متأخرة أنها اكتسبت عادة قضم أظافرها٬ عض الجلد الميت الذي يطوق أصابعها، الجلد الميت والحي. تنتابها شهوة العض. شهوة الدم. شيء ما داخلها يستجد. شيء تجهله!

    بدأت تفقد السيطرة على بعض أعضائها.. لسانها... أعصابها... وأحيانا يدها... ﺈشارات جسدها واضحة. جزء من خلاياها يتأرجح بين العافية والعطب٬ تتهاوى جزئيا٬ في الواقع لاشيء يبقى على حاله.

    لسانها بدأ يسبق حواسها الأخرى، قبل أيام قالت لأمها (لماذا تزوجته.. أبي؟ كان عليك أن تهربي قبل ثلاثين سنة)

    تطايرت كلماتها في الهواء، بدا الأمر يصلح كإعلان سخيف لشيء ما٬ كشيء بزغ من السديم، من العدم، ثم تطاير كعبوة ناسفة٬ ٬ ظلت تلوم نفسها لأيام٬ في تلك اللحظة تحديدا استشعرت رغبة في غسل يدها، فركت كفها بالصابون.

    في الأسابيع الفائتة كسرت مزهرية.. كأس.. صحن.. زجاج النافدة.. مائدة.. لوحة.. قطعة بعد قطعة كانت تخمد ضيقها، بالتكسير تطفئ شيئا ما يستعر بداخلها٬ كانت مرتبكة ومنهكة تماما.


    في المكان المعتاد ذاته ركنت سيارتها قرب حافته. المكان الوحيد الذي يستوعب فوضاها كلما ضاق صدر المدينة، فسحتها الوحيدة.. منذ سنوات واظبت على هذه الزيارات٬ لملاحقة دوامات الماء، تتابعها بلا غاية.. خرير الماء يشعرها بالسكينة.. يشعرها بلانهائية الأشياء..

    واد (ح......) يتألق وسط حقول القمح والذرى٬ صوبت كاميرتها الرقمية نحو صفحة الماء المتلألئة تحت أشعة الشمس. زوج بط أسود خلفه بطيطات صغيرة٬ سلحفاة صغيرة تحرك زعانفها تحت الماء٬ عدلت العدسة، التقطت صورة ثم أخرى وأخرى، بعدها، نسمة هواء رطب بعثرت خصلات شعرها. توقفت. جالت ببصرها.. حدقت في لون الماء الأخضر. استندت إلى مسند كرسي السيارة وثنت ساقيها. اِسترخت. انسجمت مع رائحة المكان٬ تخيلت أشياء كثيرة.. تخيلت أنها ممددة على العشب الأخضر تتوسد ذراع أحدهم _جنتل مان_ هكذا تسميه، يطعمها عنبا تقضمه وتقذف رأسه بالنوى، جنتل مان بعيون بنية واسعة، جنتمل مان أسمر، بلون الأرض وبرائحة الأرض، شخص يحب الوديان مثلها، يحب أغاني الراب والـ أر أن بي وولد الحوات...




    لا يتشاركان الكثير.. يتشاجران على الريموت كنترول ويشجعان الفريق نفسه٬ هي لا تحب كرة القدم، لا تهتم بالأشياء المستديرة، لكنها قد تشجع الفريق الخاسر شفقة لا أكثر!

    جنتل مان يعلمها كيف تصطاد الفراشات لتقدمها عشاء للعناكب٬ يعلمها كيف تربي الحمام الزاجل وكيف تلتقط الخنافس. على قمة جبال ألتا أو على حافة شلالات نيغارا....... يخبرها أنه يحبها. سوف يقول لها بالحرف "أحبك" بقدر غضبك علي وأقبل جبينك وخدك.. أمسك أنفك بيدي وأكتم أنفاسك.. كالسنوريات أقتلك.

    يأتي اعترافه كالأفلام الهوليودية أو البوليودية تماما. شخص يحب حكايا الجدات٬ في ليالي السبت الباردة يدعوها لرقص السلو على إيقاع موسيقى هادئة، بدت لائحة شروطها طويلة وغير منطقية!

    أبقي عينيك مفتوحتين... اهبطي الأرض عزيزتي... تنهرها سارة.. لا وجود للجنتل مان ﺈلا في خيالك. ترغبين برجل مفصل على مقاسك. ﺈنه ليس فستانا. تخيلي عباس وعلال وابراهيم.. على قد لحافك مد رجليك ا مولاي!

    (أنتِ حمد لله الي جاك سعيد مول الزريعة.. مول الزريعة وبزاف عليك.... نوضي أبنيتي.. أنت طالقاها تسرح.... إيوا شلا ما علمك٬ غير تقديم العشاء للعناكب.. ديها في راسك ع الله يجيب لك غير ﺈنتي العشا٬ قاليك عشاء العناكب.. ﺈيوا الله يجيبنا في الصواب)

    _ أنا حرة في خيالي. يقول درويش _ترد هي.

    _حرة! منين... أ حبيبتي منين طلات عليك الحرية... خليني ساكته أحسن.

    فكرة تفصيل رجل بدأت تختمر داخلها٬ ودت لو تبتكر شيئا يليق بمستوى جنونها٬ مزيج من رجال المجلات.. رهط من الرجال في السموكين.. رياضين.. مغنين.. مثقفين.. حتى المجرمين لا تستثنيهم. وجوه شقراء وسمراء مسطحة داكنة مدورة بغمازات أو دونها بحواجب رفيعة أو غليظة. رجال بلا شوارب بلا لحى ببدلة سوداء كالأسود اﻹفريقية، أو بشفاه مقسومة.. تشعر أن السينما خربقت* عقلها.
    صوت صفير صاخب يخرجها من خيالها المريض. كل شيء ينهار داخلها، ويتبخرالجنتل مان٬ لم تعد تراه. يعود للعدم —يصير ضبابا٬ تفيق على ضفة الواد، كل شيء لازال على حاله: أشجار التين٬ تنتصب بوجهها، تسقط أوراقها، تتخلص من هشاشتها٬ سرب حمام يندفع في عباب السماء٬ وسحابة عابرة في الأفق تحجب أشعة الشمس٬ قطيع خرفان يجتاز المنحدر المتعرج٬ حمار شارد بين الأعشاب الشوكية٬ تحت الحشائش جيوش الحشرات الزاحفة تمارس حياتها الاعتيادية٬ بتفانٍ شديد، تأكل، تشرب وتتكاثر مثلها تماما.

    على الرابية القريبة حقول الذرى لا يحدها شيء.. بيوت حجرية حمراء بأسقف قرميدية رمادية٬ أكوام القش مطلية بالطين (نوادر) بمحاذاة الطريق مقبرة مهجورة يحدها سور طويل وتتوسطها قبة خضراء٬ ضريح ولي صالح تجهل اسمه لكنها تتوقع أنه شيء يبدأ بـ (مولاي) على غرار كل القباب الخضراء. قبة خضراء ووليّ صالح لكل قبيلة كنوع من العدالة الاجتماعية .
    كل شيء يتوهج تحت الشمس حتى هي تتوهج كالبلور.





    تقذف الحصى نحو الماء٬ تحملق في الدوائر التي تخلفها مويجات خفيفة تتهادى ببطء تذكرها بدروس الفيزياء ومختبر العلوم الذي يشبه المخزن. كل شيء فيه لا يصلح لشيء... تضحك بصخب التعليم الذي يقود للدوائر.

    تجول ببصرها في جميع الاتجاهات، تحب الوديان، تحب أن تغطس قدميها في جنباتها٬ أن تترك آثار أصابعها على الطين الزلق، أن تضع صنارتها وتنتظر، ثم لا شيء يأتي بعدها٬ تصطاد سمكة، تنتزع روحها، تكون ملاك الموت للحظة واحدة٬ تلعب دور القاتل المتسلسل٬ سلة من الجثث، جثث لا تدفنها، بل تأكلها كهانيبل لكترا.. تبدأ بابتلاع فريستها من الرأس كما تفعل الأفاعي وتبقي الأجساد المتصلبة للتحلية. لأسباب غير مفهومة بدأت تشعر برغبة في أكل الأجساد، بقضمها قضمة قضمة.. رغبة بلا معنى!

    استغرقت في اللاشيء، تاهت خلف التيار الهادئ للماء وأحاديث أمها التي لا تنتهي. تلك الواقعة تذكرها بطه حسين.. لا تعرف على وجه التحديد الشبه بينهما، بين الأخ الأشقر وبين طه حسين!

    دغدغها الجوع، ساقتها قدماها ﺈلى الخيمة/المطعم بتثاقل شديد. بضع كراس مرصوصة وموائد متسخة عامرة بالذباب تهشه بين الفينة والأخرى٬ لمحت الطواجن فوق الكانون.. رائحة اللحم...

    شنو تاخدي؟

    شنو عندكم؟

    أتاي والمسمن

    بغيت نتغدى

    كاين طاجين

    ديلاهاش؟

    طاجين خضرا باللحم

    ماكينش دجاج؟

    كاين

    جيب واحد

    طاجين آخر، بطنها ستزداد تكورا٬ تختلس النظر ﺇلى الخيمة بألوانها الحمراء، مزيج من الأحمر والأخضر، الحصير من الدوم اليابس، الأرض صلبة تحتها، ديكور بسيط. ديكور كل مواسم الخيول التي وطئتها٬ كلب أسود يترنح بين الزائرين٬ فلاح يستحث بقراته على المضي قدما٬ الغبار المتكوم فوق الموائد...

    بمحاﺬاتها رجل طويل القامة بجلبابه المخطط وعمامته البيضاء، تقاسيمه تبدو مألوفة، بأنف حاد، خدود غائرة، وبجفون متدلية، نسخة مكررة عن كل الوجوه البدوية٬ نصف نائم تقريبا، رأسه مثقل بالنوم ورأسها يضج بالنحل _ظلت للحظة تلتقط صوت بكاء حار لكائن صغير_ هكذا تسميه، يحوم حولها، تحشره أمه في حضنها، تجبره على الصمت، تقرص فخده، صراخه يتمدد ويتمدد٬ يغدو عويلا، يتعب ويستسلم لصدرها الضخم.

    إلى جانبها الأيمن الشاب الذي يلف سيجارة الحشيش، كان بامكانها رؤيته بوضوح يلعق الورق ويلفه، يهز رأسه، يستطلع الأجواء كنظام كشف ردار متنقل، يعصر سيجارته داخل صدره وينفثها في الهواء، تتصاعد الدوائر بشكلها الحلزوني...

    يخرج هاتفه، يتطلع في شاشته٬ تسمع دندنة الموسيقى، يدخن، يدير رأسه، يميل ويتمايل مع اللحن أو مع الحشيش٬ لا أحد يعرف على وجه التحديد. يعلو صوته وينخفض، يبتسم أحيانا ثم يعود لمص لفافته وبخها في الهواء٬ تبدي امتعاضا من الرائحة، ترمقه بحذر ثم تشيح ببصرها، ليست حمل عربدته...
    التشرميل موضة رائجة.

    يعلن هاتفها العصيان، يومض للمرة... لا تهتم له، كل علاقاتها مع الهاتف شبه مقطوعة، هشة٬ ﺈنه لحالات الطوارئ القصوى٬ علاقتها بالهاتف تشبه كل علاقاتها، تؤول للصفر! ستنفد بطاريتها يوما ما مثل الهاتف، ستومض لآخر مرة ثم تنطفئ، لآخر مرة تغدو باردة كالصقيع، تصير خشبا أزرقا٬ لكنها قبل ذلك تريد أن تفعل الكثير من الأشياء.. يجب أن تجرب كل الأشياء، لائحتها طويلة جدا، عكفت على تحضيرها قبل أعوام٬ تبقيها تحت سريرها وأحيانا بين كتبها٬ تحملها معها دوما، لائحة تطول وتقصر حسب مزاجها، أشبه بورشة بناء ترممها بين الفينة والأخرى٬ مصممة على الخروج من الحياة بأقل الخسائر وبكثير من المغامرات.

    قررت أن تزور قبائل في أقصى صحاري إفريقيا ثم تراجعت عن الفكرة مخافة أن تنتهي أطرافها بين فكي الأسود الجامحة أو القطط البرية، ثم حولت وجهتها ﺈلى أستراليا.. هناك سوف تكون عشاءً فخما لديناصور الكومود!

    خطرت ببالها الأناكوندا، ستلتف حول جسدها وتديره، تعصره ثم تبتلعها دون مضغ٬ موت بطيء بالغ الوحشية، لن تلفظ جثتها، ستمتصها على مهل، ستكون ضيفا ثقيلا في أحشائها..

    مصرة هي على جنازة مختلفة، شيء مغاير واستثنائي، ترغب بطقس جنائزي مختلف٬ كطقوس الهنود، يحرقون جسدها وتنزلق روحها لتدخل الجنة دون حساب٬ تدرك أنها لن تنتهي للجنة٬ ليست مؤهلة لنهاية مشابهة، تجتر الفكرة وتمضغها٬ مشهد الجثة الطافية على نهر الكانغ. مشهد مغرٍ. يصلح كنهاية جميلة لفيلم ممل٬ ﺈنها إحدى نزواتها الجديدة، رغبتها في الحصول على نهاية بمشهد أسطوري.

    _ للجنون حدود. تعقب سارة. لكن أنتِ لا حدود لك..

    _ نهايتي ستكون على مزاجي..

    ستختلق من القصص الكثير لتقنع أهلها بمراسم دفن على هواها٬ موقفها واضح جدا. لقد عاشت على هوى الناس وتريد أن تموت وتدفن على هواها. شيء سمّته: حرية الموت!

    كان يجب أن تحور كل الأمور في سبيل تبرير نزعتها الغريبة٬ قد تدعم رغبتها بنظريات كثيرة كتلك القائلة أنه في العهود القديمة كان السومريون يدفنون مع الميت الجعة والخبز، وأن بعض القبائل في أمريكا اللاتينية يدفنون موتاهم داخل جذع شجرة٬ وبعد مضي سنتين يعيدون فتحها، يدفنون العظام ويحتفظون بالجمجمة، يعلقونها في مكان ما للذكرى. ماذا لوعلقوا جمجمتها هي أيضا على باب شقتها أو أمام ردهة العمارة أو في المطبخ؟؟ جمجمة منخورة.. نخر الدود أنسجتها وترك التجاويف الملساء فقط..

    لربما تقول لهم أن توباك شاكور بعد أن حرقوا جثمانه دخن أصدقاؤه رماده مع الماريجوانا.. دفن بطعم الحشيش!

    كل ما تخشاه هو أن تحظى بمأتم عادي بالطقوس المعتادة ذاتها٬ نساء يتظاهرن بحزن عابر لفقدانها ودموع مفتعلة، طقوس لا جدوى منها٬ ستقبل _على مضض_ أن يمددن جسدها على خشبة ثم يغسلنها.. يعصرن بطنها.. يربطن شعرها.. يغلقن فمها ثم يلففنها في ثوب ناصع البياض، وقد يطلقن المسك..

    ...ستسمع همسهن من خلف الباب -سكتوا راها كتسمعوكم دابا-

    مون الأمانة ده أمانتو... لهلا يوسخ لينا فراش.. الله يدينا في طرف صحتنا... العمر سالا..

    كيفاش ماتت؟

    سوف يستعرضن لحظاتها الأخيرة ببطء شديد يستعرضن خصالها٬ لأول مرة ستكون هي البطلة، يتكلمن عنها بكل ود.. الود الذي لم تحصل عليه في حياتها.

  5. #5
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,141
    المواضيع : 253
    الردود : 5141
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    عندما قرأتها قفزت إلى ذهني رواية (مرحباً أيها الحزن) لكاتبتها فرنسواز ساغان
    ربما لتلاقيهما في التداعي الحر في التعبير عن الإحاسيس والمشاعر والأحلام..

    تحياتي وتقديري



    لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير

  6. #6
    مشرف قسم القصة
    مشرف قسم الشعر
    شاعر

    تاريخ التسجيل : May 2011
    المشاركات : 7,009
    المواضيع : 130
    الردود : 7009
    المعدل اليومي : 1.49

    افتراضي

    مشهد لعبثية حياة حين لا يدرك من يحياها أنها أمانة وأنها سلّمٌ لما بعدها ..
    ازدحمت هنا إرهاصات الألم .. خيبة الأمل .. وكانت النتيجة : موت قد يساوي أو لا يساوي تلك الحياة ..

    شكراً أديبتنا الفاضلة .

  7. #7
    الصورة الرمزية بشرى رسوان قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2013
    المشاركات : 181
    المواضيع : 14
    الردود : 181
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    أشعر اليوم بالتعب..شبه منحرف قلتۡ لها ...ذلك لا يعني شيئا..هل يعني؟

    لم ترد ظلت تحدق في٘ بصمت شيء فيها يستعصى على الفهم شيء مبهم و غامض٬ شيء يصعب الامساك به٬ سؤالها لازال عالقا في ﺬهني ..قد أكون أفسدتۡ كل شيء .كل شيء فاسد سلفا ..لستۡ مسؤولا.. المياه النظيفة لا أسماك فيها*
    كان اعترافا فاضحا ٬ جلستْ أمامي عيناها تتحايدني تتطلع في كل شيء ﺈلا أنا .
    لم تترك لي الفرصة لأشرح لها بأنني لستۡ بذلك السوء الذي رسمته في مخيلتها٬ كان يمكن أن أسرد لها احتمالات لا حصر لها من الأشكال..... جيتها من الأخر -أنا شبه منحرف- باختصار شديد لابد من بعض الأعوجاج لا يمكننا أن نكون بالغي الاستقامة٬ لابد من بعض الانعطافات الحادة ﺈنه شيء فطري.لست مدعي
    أجهل الكثير عنها٬ تظهر و تختفي بلا مواعيد٬ تأتي لاشيء تتركه خلفها سوى الأسئلة أسئلة تتركها معلقة برأسي٬
    أوه العيالات لا يمكن فهمهن لا واحدة تشبه الأخرى مختلفات لكل منهن سحرها الخاص .عرفتها في معرض الكتب المستعملة عرفتني بها صديقة مشتركة بيننا
    نظراتها كانت ترجني رجا كنا صامتين ﺈلى أن شق سؤالها رأسي خرج صوتها الهادئ من مكان عميق أجهله كنتۡ أتوقع الكثير لكنني لم أ توقع سؤال كهذا
    أنا شبه منحرف حياتي مزيج من الحماقات و من المغامرات شيطنة شاب ليس ﺈلا شاب يؤمن بالتعدد
    اكتشفتۡ نظريتي هﺬه- نظرية التعدد- و أنا في التاسعة عشر من عمري ٬حين تركتۡ جماعتي- هل قلتۡ جماعتي؟-
    بدايتي لم تكن تنم عن شي كهذا على نهاية بطعم الانحراف
    أو ل امرأة فتحتْ لي أبوابها كانت زميلتي في الدراسة فاطمة الزهراء٬التقيتها في مدرسة ...... كان ﺬلك منذ سنوات ليست بالبعيدة٬ كان شرطي الوحيد أن تكون لي وحديَ أحبۡ الاستئساد دوما٬ شرط غير قابل للتفاوض. في مساء هادئ كانت خطيئتي٬ لأول مرة أشبعتۡ الغول داخلي ٬ اكتشفتۡ الحقيقة عارية تماما٬ العورة التي جاهد الشيخ ليقنعني انها فتنة من شيطان كانت ماثلة أمامي ٬ الأجساد التي كنتۡ أغض الطرف عنها تتمثل أمامي لحما و دما و أنفاسا لا هتة
    أكنتۡ أنا من اختارها؟
    -
    ما كنتۡ لأجرؤ أبدا كنتۡ صيدها الثمين ربما لامست۫
    هشاشتي أنا الخارج للتو من كتب الفقه٬ منحتها شرف أول سقوط لم أحبها قط لم أفعل و لم تطالبني هي٬ الحب ليس للفقراء
    أنا لاأصلح للزواج جيبي فارغ وقلبي كالفراشة٬سمه فضول أو غريزة أيا تكن التسمية٬ لكنه لم يكن بأي وجه من الوجوه حب ٬ شيء عميق وحد بيننا أجهله للان.
    معها كتبتۡ تاريخي المشبع بالجوع ٬جسدها المصقول بعناية جرفني ﺈلى الجنة
    أهي الجنة حقا ؟؟
    كانت تقول لي في تحد صارخ كل الأماكن صالحة للجنس غرف الطلبة.. سطوح ... الفنادق الرخيصة .. المقاعد الخلفية للسيارات ..السينما.. في كل الزوايا وجودها ملأ كل فراغاتي
    لم أكن أنا أول رجل في حياتها كانت مولعة بالجنس فنانة متحمسة دوما لمنحي أكثر مما أطلب مفعمة بالحب و الحياة .................كانت تدرك أنني لستۡ لها٬ كنتۡ مجرد عابرسرير يضاف للائحتها أدركتۡ أنها متاحة للجميع لها نظريتها الخاصة٬ لها زاويتها الخاصة كانت كافرة بكل التقاليد٬ لا تفكر كثيرا في الاحتفاظ بنفسها لرجل حياتها الذي قد يأتي أو لا يأتي٬ عندما تحب شخصا تهبه ماء الحياة لا تمانع أن تضاجعه.
    كانت تطلق الموسيقى و ترقص٬ أراها تتلوى على تقاسيم الكمنجة تحرك جسدها ٬تغمض عينيها و تغوص بكلها في عوالمها كانت تتحرر من كل شيء وتتحير على نغمة السواكن ٬ ﺈلى أن تتعب و ترتمي ﺈلى جانبي نصف واعية نصف خذرة
    أصابني الذهول أمام جسدها في البداية لم يعجبني شكله٬ كانت جميلة لكنني لم أستوعب اختلاف جسدينا٬ احتجتۡ لوقت حتى تقبلته ٬نعم كنتۡ أرى الأجساد في الصور في المجلات في الأفلام لكنه بدا مختلفا عن جل ما عرفته لم أكن مستعدا بعد لفتنة كهﺬه . لفظتها بعد عام كامل٬ عام بفصوله الأربعة ثم علمتۡ أنها تزوجت۫ كنتۡ ( عليها مفتاح الخير والربح) لم تكن تعني لي الكثير لكنها اختارتني دون عن سواي.أحيانا كنتۡ عاجزا عن فهمها أنا العاجز عن فهم نفسي
    في السنة التالية اكتريتۡ شقة - سفلية -مع طلبة مثلي كانت حياتي هادئة موزعة بين الدراسة والعمل في النهار طالب جامعي و في المساء معلم اعلاميات في مدرسة خاصة كنتۡ أتغدى في الحي الجامعي الطبق بدرهم ونصف -لا غلى على مسكين -
    كنتۡ أتشارك البيت مع عبد الرحمن و ادريس و سعيد لم يكن من العسير التعايش معهم ٬ ادريس سافر للدراسة في أوكرانيا وعندما ركلته لولعه بشراب الفودكا و الرومانيات الشقروات قرر أن يعود لمدرجات الجامعة كان قد بدد أموال عائلته وانتهى به الحال معنا٬بعد عودته أبدل الفودكا بشراب محلي قليل التكلفة ورديئ الصنع .كان منغلق علينا منفتح على أصدقاء ه الخاصين كان أحيانا يأتي ببعضهم لا نسمع لهم صوت ﺈلا في الصباح عندما ينصرفون و يۡخرج هو القمامة قاروراته الفارغة حصاد ليلة كاملة كان بطبيعته يميل للصمت.عندما كان يلبس و يحلق و يتأنق كنت تعتقد أنه موظف كبير كان شكله يوحي بالأهمية. كان ـأحيانا يأتي ببائعات هوى يقصد أحد الشوارع يتفاوض معهن ثم يجلبهن٬ لم يكن من النوع الذي يبات وفي حضنه امرأة كانت تذهب حالما ينتهي دورها في الحكاية٬ يدفع لها برغم افلاسه ثم يشطبها من لائحته كان عملي نوعا ما٬ عموما الرجال لا يجيدون الرومانسية
    عبد الرحمن كان مشوشا هو نفسه لا يعرف لماذا؟ عاجز عن ايجاد ذاته كانت تسهل اثارته٬ شخص بمزاج متقلب عدواني٬ سريع الغضب لكن يسهل اطفاءه٬ أكثر شيء كان يحبه هو دندنة رويشة وهو يشرب شايه ألأعجوبة
    سعيد كان مدمنا على الأفلام الخليعة فشلنا في اقناعه بالتوقف بعد أن استنفذ كل حججه الواهية قال لنا بصيغة الراهب
    (أنا أنظر لهم بعين الناقد لا بعين المحب )..
    لم يمضي وقت طويل حتى جاءت الورطة الورطات لا تخلف مواعيدها كانت على بۡعد طابق مني في انتظاري٬ هذه المرة كانت متزوجة لم أقتنصها لم تكن خياري . كنتۡ على أعتاب الواحد و العشرين و كانت امرأة ثلاثنية٬ مكتملة النضوج أدخلتۡ قنينة الغاز لبيتها و قبل أن أسترد أنفاسي كنت فريستها مخلصها من رتابة حياتها٬سمعت منها الكثير وأنا على فراشها بيت..هجر..سفر..وحدة..خيانة..عائلته الحكاية نفسها ثم توجب ـأن أهرب وقد فعلت بلا وجهة تذكر
    ثم أتت نوال لتنسف كل حماقاتي السابقة ٬كانت موظفة بنك قابلتها عدة مرات قبل اليوم الموعود ٬ دخلتۡ لاجراء معاملات كعادتي كانت الوكالة شبه فارغة أجرت لي المعاملة وقعتۡ وشكرتها وأخذتۡ ورقة المعاملة
    ( أنت شحال معفر وشحال حاس براسك) كان هذا ما قالته لي
    في هذه المرحلة شعرت بنشوة الانتصار مجددا قامت بالخطوة الأولى ..في الحقيقة فكرة عمل المرأة لاتروقني قد أكون متخلفا لكنني أعتبر أن عملها ذاك يجعلها سلعة معروضة أمام أنظار الكل أۡفضل ربات البيوت ربما لسابق ثقافتي اتصلتۡ بها اليوم نفسه ٬ في تمام الرابعة كنتۡ أنتظرها أمام الوكالة
    ذهبنا للبحر في أول لقاء لنا كانت مرحة وعفوية أحببتها وككلهن جلبتها ﺈلى بيتي ثم ﺈلى سريري كفعل اعتيادي .... قررتۡ الزواج منها كنت مقتنعا بها خطبتها و لأول مرة جهزت نفسي للفكرة نهاية تليق بنا بحب وليد الصدفة
    انتهى الأمر خطبتها كان قرارا ساذجا في لحظة ضعف حملت أشيائي الحلوة و طرقت بابهم قوالب السكر الحناء و التمر..اللوز..باقة ورد ٬ لأول مرة أدخل من الباب لا أقفز عن السور و لا أتسلل من الشبابيك و لا أقتحم الأبواب الخلفية
    في احدى الصباحات تركتني قالت أنني جيد كعاشق لكن الزوج ستختاره غنيا شيء يناسبها يليق بمقامها(على قد رجليك مد لحافك أ مسكين )ثم حلقت بعيدا ﺈلى بلجيكا رفقة عائلتها ركلتني ببساطة
    أنا أيضا كنتۡ عملي نسيتها أسقطتها من ذاكرتي و حساباتي كأنها لم تكن ٬ كنتۡ أريد القفز... القفز فوق كل الأشياء.. لأثبت شيء ما لشخص ما وربما لكل الأشخاص الذين تركوا في قلبي ثقبا يبتلعني كل ليلة٬ أكررالأيام٬ أستيقظ لى العمل و أعود منه ٬ في الأعياد أفرح وحدي .. أكل وحدي .. أبتسم وحدي أمرض و حدي .. وأحرس الليل وحدي ..لا شيء يشاطرني لا نسائي اللواتي أستبدلهن كما أستبدل أحذيتي ذات الأحاسيس ... ذات الأجساد .. ذات اللهفة.. ذات الغزل ذات الكلمات المكررة ..يا للسخف
    انها الحقيقة الحقيقة لا يمكن تغييرها يجب تقبلها عموما النا س تصدق ما تريد

  8. #8
    الصورة الرمزية بشرى رسوان قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2013
    المشاركات : 181
    المواضيع : 14
    الردود : 181
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد السلام دغمش مشاهدة المشاركة
    مشهد لعبثية حياة حين لا يدرك من يحياها أنها أمانة وأنها سلّمٌ لما بعدها ..
    ازدحمت هنا إرهاصات الألم .. خيبة الأمل .. وكانت النتيجة : موت قد يساوي أو لا يساوي تلك الحياة ..

    شكراً أديبتنا الفاضلة .
    مساؤك سكر
    ك دوما كريم جدا سيدي

  9. #9
    الصورة الرمزية بشرى رسوان قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2013
    المشاركات : 181
    المواضيع : 14
    الردود : 181
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بهجت الرشيد مشاهدة المشاركة

    عندما قرأتها قفزت إلى ذهني رواية (مرحباً أيها الحزن) لكاتبتها فرنسواز ساغان
    ربما لتلاقيهما في التداعي الحر في التعبير عن الإحاسيس والمشاعر والأحلام..

    تحياتي وتقديري



    تسرع الأيام و الأسابيع و الشهورو
    وراء بعضها بلا تمهل
    وتتعب عينك و يزوغ بصرك
    وأنت ترقب الطريق في انتظار رسالة
    فروغ فرخزاد

  10. #10
    الصورة الرمزية بشرى رسوان قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2013
    المشاركات : 181
    المواضيع : 14
    الردود : 181
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي



    تحمل رزمة أخيرة تصعد السلم تنزلق قدمها وتسقط٬دارت الغرفة دوراة كاملة تأرجحت فوقها بدت الأمور ضبابية على نحو غير معتاد دوخة خفيفة٬ أول شيء رأته عندما فتحت عينيها كان المصباح المعلق أعلى رأسها٬ وعنكبوت نصب شباكه في الزواية يتأرجح جسده جيئةو ذهابا٬ ٬ فكرت أن تصلحه أن تسده بالجص الأبيض ضغطت بيدها مكان الألم لاشيء قبل أشهر هوى قالب سكر على مؤخرة جمجمتها أغمي عليها٬ في رمضان السنة التي قبلها هوت على حافة مائدة٬ ثم استقر رأسها على الزليج فقدتْ وعيها بدأت أسنانها بالاصطكاك بحركة لاارادية الأسنان قضمت لحم الفم كالطاحونة٬ وضعوا لها منديلا في فمها ليبقي فكها العلوي بعيدا عن فكها السفلي٬ ﺈلى أن وصلت المشفى كانت تشعر برأسها كأنه سيخرج من مكانه وضعته تحت الأشعة السينية قلبه الممرض بين كفيه كالبطيخة ثم لسبب ما تراجع خائبا.
    قالت لها مريم يومها أن سقوطك المتكرر هو سبب هبلك احتمال وارد لا يمكن استبعاده

    سقوطها الـأول كان في عمر السادسة دفعةصغيرة من رفيقتها خديحة كانت كفيلة باحداث ثقب لازالت أثاره موشومة أعلىرأسها٬ أخفته عن أمها مخافة أن تقرصها على فخدها. بعد أقل من عام جاء سقوطها الثاني كان على سلالم في مشاجرة عنيفة دارت بينها و بين بنت الجيران فجاء النتوء الثاني بجانب سابقه
    ثم سقوط ثالث و رابع و خامس على قدر سقاطتها جاءت عاداتها الغريبةأشياء تخالف طبيعتها حتى قبل أن يلتئم جرحها كانت تخرج عليهن بعادة جديدة .في البداية قالت لهن أنها ستتعلم الهندية العبرية و الفارسية و اشترت۫ كتبا وضعتها على الرف و نسيتها.في المرة الثانية قالت أنها في حياة أخرى تريد أن تكون حلزونا أو سلحفاة بصدفة كبيرة أوحتى سحلية مقصوصة الذيل ٬ ثم قالت أنها لا تريد أن تدفن بل أن تعلق جمجمتها على باب العمارة ٬ثم قالت أنها كانت تتمنى لو كانت عالمة أحياء أو عالمة فيزياء ثم في النهاية قررت أنها تريد أن تكون راقصة شيخةكفاطنة بنت الحسين٬ قالت أنها تريد أن ترتبط برجل من الشامان و أن تعيش داخل كهف أو في جحر٬في مرة من المرات قالت أنها تريد أن تتعلم الشطرنج و السباحة قالت أنها تخشى الغرق. لـأنها تفكر في الحريك * (الهجرة السرية لاسبانيا عبر البحر)قالت أنها تحب أشياء كثيرة لكنها تكره نفسها كأنها تؤكد شيء نجهله
    قالت أنها لم تعد راغبة برؤية الناس رائحتهم تقرفها٬ ثم شككت بكل شيء أنتهى بها الأمر بأن شككت بالعالم بأسره٬ قالت أنها تريد أن تخلص العالم من الجراثيم و سكبت الكلور على الجدران الأبواب الخزائن والملابس ٬فاجأوها غير ما مرة تخاطب الجدران و الأشياء و الحيوانات حتى الكلب الأجرب القابع في الزبالة لم يسلم من هبلها٬
    قالت أنها دالة دورية و أنه هو مستقيم مستقيم أخرق يمر عبر كل النقط لا يترك ولا واحدة ثم ضحكت
    عندما قالوا لها أنها جنت
    ردت بغرور (أن الجنون أعلى مراتب العبقرية)
    على غير عاداتها دونت تاريخ سقوطها زعمت أنها تكتب يومياتها٬ التقطت مذكرتها المركونة أسفل المنضدة دست رأسها داخلها بدأت تدوينها قلبت صفحاتها
    فراغات ..رسومات .. دوائر .. اقتباسات .. شتائم ..جمل غير مكتملة ... رسائل .. يوميات .تواريخ ...أشكال كثيرة أشياء كثيرة لا قيمة لها

    12/02/..
    أمي بخير..
    لا ليست بخير..يصيبها صداع في رأسها بات يخيفني
    أزورها دوما .... لا لا أفعل

    25/03/....
    جدتي متعبة بدأت تعرج عندما أخذناها للطبيب قال الروماتيزم وصف لها دواء عندما تبتلعه يصيبها الغثيان
    الغثيان و الروماتيزم و الاستفراغ .. .

    . لاأتصل بها هاتفيا ... أزروها مرتين في السنة
    ../04/20..
    حصلت على رخصة سياقة استغرقني الأمر سنة قال لي المونيتور في نهاية السنة ..أتوسل لك و أرجوك لا تحاولي السياقة
    حصل تماس كهربائي هذا الصباح

    06//05/……
    لاشيء يحرك أعماقي أشعر أنني أشبه بالبركة الراكدة التي يتجمع فوقها الباعوض
    قالت لي مريم ..../خ... ليك و زوج للعرب

    ../05/..
    أتخيل جنازتي بلا جسد
    صندوق خشبي فارغ تماما
    لا أحد يبكي
    لا أحد يعدد حسناتي ا-لتي أجهلها للان -أعرف أنني بلا حسنات
    06/06//…


    عيد ميلاد شيماء
    10//06/….

    رأيته البارحة أيضا
    كان يهوي يسقط للقاع ثم يضمحل و يختفي كانت صوره تأتي باهتة

    كانت أحلامها تخلو من الوجوه أكثر شيء كان يسعدها أنهاكانت تنسى كوابيسها
    يقول فرويد أننا لا نحلم بشيء لا يكون تعبيرا مهما عن حياتنا النفسية٬ أي أن كل أحلامنا هي انعكاس لما يدور في اللاوعي٬
    هي كانت تكرر ثلاثة أحلام ثلاثة كوابيس.
    في الحلم الأول كانت ترى نفسها بين حشد من الطلبة تقف بمحاذاة القاعة تتقدم نحو مقعدها٬ كل ليلة أسئلة كثيرة تجثم على صدرها٬ أسئلة كالرمل بلا نهاية أرقام و دوال معادلات.. تاريخ... بياض الصفحات وفراغ رأسها أوراق كثيرة بلا سطور و رأس كالفقاعة..

    في الحلم الثاني كانت ترى نفسها في الحمام تستحم أمام أعين الناس٬ تفرد شعرها تمشطه ببطءتفرك جسدها بالخرقة تعيد الكرة غير ما مرة قبيلة من البشر تدقق في صدرها في بطنها في ساقها يضحكون يتهامسون يرقصون ...

    في حلمها الثالث كانت ترى نفسها تهرب تركض و تركض و تركض ﺈلى ما لا نهاية هاربة من المسخ من صورته المشوهة٬ من عيونه التي تطعنها مصرعلى مطاردتها تعتقد أنه يتبعها
    لا تحاول تفسير أحلامها
    يقال أن ماركييز رأى في حلمه أنه يحضر مراسيم جنازته كانت جنازة من النوع الاحتفالي٬ قال أنه في الحلم كان سعيدا بالفرصة التي أتيحت له و مكنته من رؤية كل أصدقاءه٬ عند انتهاء الحفل حاول مرافقتهم لكن أحدهم أوفقه قائلا أنه لا يمكنه الانصراف عندها أدرك أنه عندما نموت لا يمكننا العودة لا يمكننا أن نكون هنا ٬ فسر حلمه هذا بانطلاقة جديدة وبداية جديدة في حياته المهنيةوكتب قصصه

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة