أحدث المشاركات

نسجل دخولنا بذكر الله والصلاة على رسول الله» بقلم عوض بديوي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» اتجاهات» بقلم بسباس عبدالرزاق » آخر مشاركة: بسباس عبدالرزاق »»»»» نظرات بمقال هل تعلم أن مكالمات الفيديو(السكايب) كانت موجودة قبل 1» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» افتكرني يا ابني» بقلم سيد يوسف مرسي » آخر مشاركة: سيد يوسف مرسي »»»»» جسور الأمل.» بقلم أسيل أحمد » آخر مشاركة: خالد أبو اسماعيل »»»»» أنا لن أحبك لأن الطريق مغلق» بقلم سيد يوسف مرسي » آخر مشاركة: سيد يوسف مرسي »»»»» دعاء لا يهاب ! _ أولى المشاكسات» بقلم أحمد صفوت الديب » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» من أوراق الولد الطائش» بقلم محمد نديم » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» خـــــــير البريـــــة ....وانــــا» بقلم وفاء العمدة » آخر مشاركة: أسيل أحمد »»»»»

صفحة 1 من 8 12345678 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 74

الموضوع: حكاية ولد اسمه ورد - رواية في فصول

  1. #1
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2016
    المشاركات : 594
    المواضيع : 97
    الردود : 594
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي حكاية ولد اسمه ورد - رواية في فصول

    حكاية ولد اسمه ورد

    بداية

    الإحساس بالنجاح , مع التكريم والحفاوة , لا يعادله إحساس آخر , وهذا التكريم بالذات يختلف عن كل ما سبقه وأهم من كل ما حصل عليه من جوائز وشهادات , على الأقل بالنسبة له . في قاعة السينما , المكان الذي تقام فيه أهم الإحتفالات في هذه البلدية العميقة في جنوب الوطن , أقيمت حفلة تتويج الفنانين وتقديم بطاقة الفنان للبعض منهم , بحضور أهم الشخصيات الثقافية والفنية مع مسؤولين محليين وممثلين عن جمعيات ونشطاء , وبقدوم وفد رفيع المستوى من وزارة الثقافة جلسوا أمام طاولة مستطيلة على المنصة , نادوا على اسمه فتقدّم رشيق الخطوات أنيق الهيئة , على كتفه حقيبة جلدية خفيفة متناسقة مع زيّه , صافح المسؤول الكبير الذّي يقدّم البطاقات والشهادات , وهو شخصيّة وطنيّة معروفة عنده العديد من المؤلفات الهامة حول التعريف بالفنانين المغنيين والموسيقيين الرّواد , ويتم استدعاؤه عادة في التلفزيون الوطني خاصة في البرامج التي تتحدّث عن هؤلاء الفنانين والتّعريف بهم , سلّم له بطاقة الفنان وشهادة من وزارة الثقافة , وقف معه والتقطت لهما العديد من الصور , وأخذ لنفسه صورة طبعا لينشرها في الفيسبوك مع بعض الأسطر التي يتفنن عادة في كتابتها .

    في الحفلة كانت تعطى بعض الكلمات لأشخاص يطلبونها , تردّد كثيرا في البوح بشيء آلمه منذ فترة ورأى أنّ الظّرف مناسبا لطرح الموضوع أمام هذه الهيئة الحكومية وهذا الحشد الهام من النخبة , طلب الكلمة وجاء دوره , حمل الميكرفون , وبدأ بمقدّمة بسيطة في تعريف الفن , قال جملة من تأليفه وهي " الفن لغة الجمال " , ثم ذكر تعريفا للفن أعجبه كثيرا حين قرأه في كتاب لمؤلّف من بلدته وهو فنان تشكيلي وكاتب معروف , و أستاذه في التربية الفنية في دراسته الثانوية , وكان حاضرا في الحفل , ذكر اسمه واسم الكتاب وأشاد به , التعريف ملخّص في جملة بليغة عميقة المعنى : الفن ليس نقلا للأشياء الجميلة بل هو نقل جميل للأشياء . ثم أشار إلى مدينته التي تتميّز بالتراث والعراقة , وقال : هي في الحقيقة معرض فني مفتوح , أعجبه أنّ هذه الجملة اقتبسها فيما بعد المسؤول الثقافي الكبير الذي قدّم له البطاقة في كلمته في الحفلة . رغم أنّ هذا الأخير كان يهز رأسه إعجابا بما يقوله ويظهر من حركة يده وملامح وجهه الإهتمام بالكلام , لكن قاطعه طالبا منه الإختصار لأنّ هناك مداخلات أخرى والوقت لا يتّسع للجميع , هنا تحتّم عليه قول كلمته التي أرادها , اختار عمدا عبارة صادمة وقال : لقد تعرّضت لتمييز عنصري , طلب منه المسؤول الإفصاح أكثر , قال : استدعيت للمشاركة في مهرجان دولي خارج الوطن وعطّلوا اخراج جواز السّفر عن قصد لأنّي أنتمي إلى فئة معيّنة في هذا البلد , هزّ المسؤول رأسه ايذانا منه بأنّه فهم الموضوع .

    في طريق عودته إلى البيت وكعادته عندما يسرح بخياله من نافذة مركبة النقل , وتصبح المناظر المتتابعة في الطريق وكأنّها ذكريات صور حياته , تتابعت أمام عينيه . لماذا فرح كثيرا بحصوله على بطاقة الفنان ؟ لأنّه لم يعرف عن نفسه منذ عرف الدنيا وعرفته إلاّ أنّه فنانا , ولأنّه تعب كثيرا وعاش في التهميش وحتّى الإحتقار والظلم . هذه البطاقة عنت له كثيرا , أعطاها قيمتها في نفسه بأنّها اعترافا رسميّا به , وأحسّ بكل عمق أنّه يُعتبر الآن فنانا جزائريا , وعرف قيمة هذا اللقب , بكل ما يحمله من ميزة ومن مسؤولية , وعرضت عليه صفحات الذكريات في سجل أيام حياته , صفحة صفحة , أربعون سنة هذه التي عاشها في الحياة , وكأنّه عاش ثلاثة أعمار أو أكثر , كتاب حافل , مهرجان كبير من الصور الملوّنة , منها الفاتح الضاحك , ومنها الداكن الباكي , منها ما عاشه بكل حواسه , ومنها ما حكي له أو حتى تخيّله في أمور كلّها تعنيه , وأجمل ما في الحياة بداية .. بداية .

  2. #2
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Sep 2015
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 249
    المواضيع : 13
    الردود : 249
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    جميل ما كتبت أخي عماد في هذه البداية، واصل عملك الروائي ...
    تقبل مروري.
    مع التقدير

  3. #3
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2016
    المشاركات : 594
    المواضيع : 97
    الردود : 594
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد العكيدي مشاهدة المشاركة
    جميل ما كتبت أخي عماد في هذه البداية، واصل عملك الروائي ...
    تقبل مروري.
    مع التقدير
    شكرا جزيلا لك الأستاذ العزيز أحمد العكيدي , يشجّعني تعليقك الكريم على المواصلة , ويشرّفني ويسعدني قبله حضوركم بارك الله فيك , وأرجو أن تتابع معي العمل إلى النهاية , مع خالص مودتي وتقديري

  4. #4
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2016
    المشاركات : 594
    المواضيع : 97
    الردود : 594
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي

    ورد

    09 أكتوبر 1973 , الثاني عشر من رمضان , التاسعة صباحا , صرخ الطفل صرخة استقبال الدنيا , وابتسمت الرّاهبة المسيحية التي قامت بالتوليد , وقد كانت هذه إحدى المهام الكثيرة التي تقوم بها الأخوات البيض , وقالت بكلمات فرنسية مفهومة وصوت خافت رزين : يا إلاهي كم هو جميل , ثم وضعت يدها على رأس المولود الصّغير ونظرت إلى الأم وقالت لها بنبرة جادّة : سيكون هذا المولود ذكيّا جدا . الأم ( خاتم ) عندها الآن ستة وثلاثون سنة , امرأة اجتماعية محبوبة , تخيط فساتين العرائس وتغني في الأعراس , يعرفها الناس ويحترمونها , هذا ابنها العاشر , بين كل ولادة سنتان , ثلاث بنات ثم ثلاثة أولاد , ثم ثلاث بنات , ثم هذا الطفل الجميل , الذي يترقّب ولادته الجميع وقد خطف الأبصار وأسر القلوب منذ لحظة ولادته .

    في تسميته قالت الأخت تحت الكبيرة ( أميمة ) أنّها رأت رؤيا , وعادة ما تتحقّق رؤاها , رأت شيخا كبيرا بلباس أبيض ولحية بيضاء , وقف أمامها وقال لها : سيولد عندكم مولود سمّوه فتح الله أو رزق الله . لكن رأت هي والأختين الكبيرتين أنّ الإسمين تقليديين , وكنّ يبحثن عن إسم جميل ومميّز , وكانت قبل أيام قد سمعت إسما في برنامج إذاعي عربي أعجبها كثيرا وهو : ورد . قالت الكبرى ( فاطمة ) نسمّيه فريد , والأصغر منها ( بركة ) نسمّيه سمير , ولجأن إلى القرعة . كتبن الأسماء الثلاثة في قصاصات ورقية صغيرة , خلطنها بعد طيّهن جيدا , حملت واحدة ورقة فجاءت باسم ورد , ثمّ كرّرن العملية ثلاث مرات , وكانت في كل مرة تأتي الورقة باسم ورد .

    أعجبهم الإسم جميعا ولم يعترض أحد في العائلة , لا الأم ولا الأب ( الخير ) , الذي كان كهلا تقليديّا في زيّه وأسلوب حياته , وهو يعمل جزارا في سوق شعبي في هذه المدينة الجنوبية الصحراوية الشهيرة بالتقاليد والتراث , ويسكن مع زوجته وأولاده في بيت في أحد أعرق وأقدم الأحياء الشعبية في المنطقة , لكنّه كان محبّا للفن والجمال في داخله وطبيعته ومتقبّلا لكل جديد . سجّلوا الطفل باسم ورد , هذا الإسم الذي كان جديدا وغريبا في هذا المكان وفي هذا الزمان تحديدا , لم يتقبّله عموم الناس من معارف وجيران , منهم من أساء نطقه , منهم من قال ساخرا : وردة , وكثير منهم تكلّم بخبث وقالوا أنّه اسم بنت . مثلما كان الأب فنانا كانت الأم وأكثر , فنانة في إحساسها وتفكيرها , ومقبلة على الحياة , أحبّت مولودها كثيرا , وكذلك أحبّه النّاس رغم استغرابهم لإسمه في البداية , لكن أعجبوا به كثيرا وأحبّوه فيما بعد , وهكذا الجديد يتطلّب دائما جرأة .. ورد .

  5. #5
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2016
    المشاركات : 594
    المواضيع : 97
    الردود : 594
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي

    عامان

    بعد عامين وُلِد أخ أصغر , أسمَوه سمير , الإسم الثالث في قرعة الأوراق , يُحكى أنّه كان جميل الطلعة , كثير الحركة وبارز الذّكاء , كان يقلّد حركات الممثلين الكوميديين في المسلسلات المصرية التي كانت تعرضها التلفزة على الساعة السابعة مساءا , أخذوه ذات ليلة شتوية إلى عرس في الحي , دخلت به إحدى أخواته الكبار على النّسوة تحمله , وقد كان أبيض البشرة ويرتدي قلنسوة حمراء تحيط بوجهه الوضيء , وقد كان هذا لون لباس الطفل عندما يُصاب بالحصبة أو البوحمرون كما يُطلق عليها , فخطف الأبصار وشهقت أفواه النسوة لجماله وطلعته البهيّة , قيل أنّه أصابته ساعتها عين قاتلة , إذ مرض فور عودته إلى البيت بحمى شديدة ومات .

    ورد لا يذكر أخاه هذا إلاّ ما يسمعه من حكاياتهم عنه , ورغم مدة حياته القصيرة جدا الاّ أنّ ذكراه بقيت خالدة وحُرقة موته لا تزال باقية في قلبه وقلب كل أفراد الأسرة , وما كان يُصبّر ويؤنس الوالدين هو ما يعرفانه من حديث النّبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الأطفال الذين يموتون صغارا يسحبون بأيدي والديهم يوم القيامة ليأخذوهم إلى الجنة .

    ورد في هذه الفترة كان محبوبا جدا , تتلقّفه الأيدي وتحمله , وكان يأتي أحد أصدقاء الإخوة الكبار , يسكن في نفس الحي لكن بيته بعيد بعض الشيء , كل مساء يأخذه إلى طريق السيارات حيث توجد دكاكين المواد الغذائية , يشتري له الحلوى وقطع الشوكلاطة , ولا زالت عالقة في الذهن تلك الحركة التي يُلاعبون بها الأطفال عادة , حين يرميه في الأعلى فيتعلّق فترة في الهواء ثم تتلقّفه يداه من جديد .

    وبعد عامين من ميلاد سمير الذي مات طفلا رحمه الله , وُلِد الأخ الأصغر وآخر العنقود , وأسمَوه على إسمه : سمير , .. ومضت عامان .

  6. #6
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2016
    المشاركات : 594
    المواضيع : 97
    الردود : 594
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي

    موهوب

    ورد موهوب في صغره إلى درجة كبيرة ومُلفِتة , تماما كمن يُطلقون عليهم صفة ( الطِّفل المعجزة ) , تحرّكت أنامله بالكتابة والرّسم مُبكِّرا جدا , أمسك القلم أوّل ما تعلّمت يده مَسك الأشياء , وبدأ الرسم والتأليف قبل أن يدخل المدرسة بزمن بعيد , كان يجلس وحده في البيت كثيرا ولا يخرج إلاّ نادرا حين يريد قضاء مصلحة معيّنة , وتكون عادة شراء بعض أغراض البيت اليوميّة من محل قريب . وبدأ يكتشف متعته الحقيقيّة في الرسم والكتابة , يرسم بقلم الرّصاص وأقلام اللّباد الملوّنة كثيرا , إذ ما إن تنتهي علبة منها حتى يشتري أخرى .


    تأثّر كثيرا أوّل ما شاهد فيلم الرّسالة بمشهد مقتل حمزة بن عبد المطلّب رضي الله عنه , وكتب شعرا على شكل قصيدة عموديّة , وإن كان لا يعرف بحور الشعر ولا يقف عند تفعيلاتها وأوزانها فقد اهتمّ بالقافية وكتب في مطلعها : لماذا قتلتم حمزة ومتم .... قتل المسلمين لاينفعكم . وهكذا حتّى وصل إلى قرابة العشرة أبيات .


    الطّفل الخجول كان يعدّ الأرقام بالإنجليزية بطلاقة لسان وبسرعة حتّى يصل إلى مائة وأكثر , واشتهر بها فكانوا يستوقفونه الكبار في الشارع ليعدّ لهم , حتّى أسمَوه في الحي : ( وان , تو , ثري ) . وعندما كان في سفر مع أخيه الكبير في إحدى مدن الشمال الساحلية اكتشفوا أصحاب هذه المدينة الطفل المعجزة فصاروا يستوقفونه في الشراع ليعدّ لهم الأرقام بالإنجليزية ويتجمّعون حوله مُتعجّبين .. وكان كل من يراه أو يسمع عنه لا يسعه الاّ أن يقول : هذا طفل موهوب .

  7. #7
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2016
    المشاركات : 594
    المواضيع : 97
    الردود : 594
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي

    مدرسة

    مدرسة الإبتدائية يدخلها الطفل حين يبلغ الستة أعوام , وغالبا ما يدخلونها في سن أقل عندما يكون الفارق بالشهور , لكن ورد لم يدخل حتى أتم السن المشروط , وجاء وقت التسجيل المدرسي , لبست أمه ( القمبوز ) وهو رداء أبيض يلفّها بالكامل ولا يكشِف منها الاّ عينا واحدة تُبصر بها , أخذته من يده , وذهبت به إلى مدرسة الحي القريبة ( باب السعادة ) وقد تغيّر اسمها فيما بعد كما تتغيّر أسماء الكثير من المرافق والأحياء , والمحطات في هذه البلدة العتيقة بدافع العنصرية المقيتة .

    لم يكن عنده أي تصوّر مُسبق عن المدرسة ولا يعرف عنها شيئا , ربما تخيّل التلاميذ يجلسون على كراسي مثل التي يراها في البيت أو على كنبة مثلا والمعلّمون يطوفون بهم يُكلّمون هذا ويُلاعبون أو ينهرون ذاك , ربما تكون عبارة عن غرف أو صالة كبيرة , لم يكن يخافها أو يُحبّها لكن كانت تعني له شيئا واحدا وهو الإلتزام , وأنّ حرّيّته جاء من يُقيّدها أخيرا , وهو رغم هدوئه ووحدته , ومكوثه في البيت غالب أوقاته , رغم كل هذا لا يُحب شيئا مثل الحرية .

    الطريق إلى المدرسة وساحة المدرسة كلها تراب , الساحة بدت في عيون ورد كبيرة جدا , وقف التلاميذ الجدد في طوابير مع أولياء أمورهم , ووقف ورد في طابور طويل تمسكه أمه من يده , وهي عادة ما تقوم بهذه المهام التي تكون قريبة من البيت , فالأب يكون مشغولا في قصّابة السوق الشعبي . وما إن سمع اسمه حتّى أفلت من يدها وانطلق مُسرعا نحو مصدر الصّوت , ضحكت الأم كثيرا لتصرّفه هذا وحكت لهم في البيت عندما عادت مُعجبة به , وهكذا كانت تحكي عنه بإعجاب , تُعزِّز فيه ثقته بنفسه وتزرع في سلوكه المبادرة والإيجابية .. والأم مدرسة .

  8. #8
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2016
    المشاركات : 594
    المواضيع : 97
    الردود : 594
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي

    مدح

    مدح المعلّمون سلوكه وذكاءه , ونبوغه الدراسي , معلمه ( الحاج عبد العالي ) وجارهم , وهو رجل فاضل من روّاد التربية والتعليم في المنطقة ويحظى باحترام الناس وتقديرهم , طلب أن يتم انتقال ورد من السنة الأولى إلى السنة الثالثة مباشرة , لأنّه تأكّد أن لا فائدة سيجنيها الولد ان درّسوه السنة الثانية , فقط سيُضيّعون عاما من عمره سدى , لكن بعض المعلّمين الحاقدين وقفوا دون تحقيق ذلك , واستماتوا كي لا يتم هذا الأمر , وفعلا لم يحصل , كانوا ربما يغيرون من العائلة وهم يقطنون معها في نفس الحي , أو حرّكتهم نعرة العروش والقبائل , وكثيرا ما يتحرّك سكان هذه البلدة البائسة بدافع هذه النعرات . ( الحاج عبد العالي ) اهتم بورد وقرّبه اليه , أجلسه في الطاولة الأولى مقابل مكتبه , كان يأتي بطبق من مطعم المدرسة في الصّباح قبل موعد الغذاء , يكون غالبا صحن حساء فاصلوياء ساخن تنبعث رائحته الزكيّة , وينادي ورد ليأكل معه , وبعد أول امتحانات السنة الأولى كان ورد الأول في قسمه بعلامات كاملة , ناداه إلى مكتبه وخيّره في الجائزة التي يقدّمها له بين شيئين : علبة أقلام ملونة كبيرة أو كتاب قصة للأطفال بحجم كبير وغلاف جميل بصور ملوّنه , اختار ورد الكتاب وعاد به إلى البيت يحتضنه ويجري في الشارع الكبير كمشهد من مسلسل رسوم متحركة يكون قد شاهده أو مر في خياله .

    مثل هذه البلدة طبعا لا تخلو من المتنمّرين , سلوكه المؤدّب أثار اشمئزاز أطفال المدرسة والحي الذين كانت حياتهم ويومياتهم موحلة بالجهل والتّخلّف , كانت تتم معاكسته كثيرا في الشارع الطويل في طريق المدرسة ويسخرون منه , ويتكلّمون بالنميمة أيضا على معلمه ( الحاج عبد العالي ) قالوا أنّه صديق والده وأنّه يُحابيه . تعرّض له طفل من الحي يدرس معه يُسمّى مختار ويُنادونه ( أنبوبة ) مع مجموعة من رفاقه الأشقياء حين وجدوه يمشي وحيدا في الشارع ذاهبا إلى المدرسة , أرادوا استفزازه ليضربوه لكن هدوءه ورد فعله المسالم حال دون ذلك , ومرّ الموقف بسلام , ولم يكن ورد يخبر أسرته بأي شيء من ذلك , وحين عودته من المدرسة بعد فترة الصّبيحة , جاءه مختار مع شلّته الشقية إلى البيت وناداه بأعلى صوته , خرج وخرجت تتبعه أخته التي تكبره مباشرة ( مريم ) وقد ارتابت منهم , وقفت بالباب تتابع ما يجري , طلب منه أن يأتي له بكراسه , بحجة أن درس اليوم فاته ويريد أن ينقله منه , دخل ورد مسرعا وقدّم له الكراس , خطفه مختار ( أنبوبة ) من يده بقوة ومشى بعيدا عن البيت , ثم فتحه وبصق فيه بكل قوة , حتى تشوّهت كتابة الحبر على أوراقه .

    في السنة الثالثة درّسته ( لبنى ) وكانوا يُطلقون عليها ( لبنى المصرية ) , وهي سيدة مصرية متزوجة من رجل من الشرق الجزائري يعمل في التدريس معها في نفس المدرسة الإبتدائية ( باب السعادة ) ويسكنون في مساكن المعلمين الملتصقة بالمدرسة , سيدة أنيقة غير محجّبة , محترمة في طريقة لبسها وتسريحة شعرها , نشطة واجتماعية يعرفها ويحبها سكان الحي وتدخل بيوتهم , كانت في شكلها ورقّتها نموذج وايقونة المرأة المصرية العصرية القادمة من عمق الحضارة , وكانت لديها بنت في نفس سن ورد اسمها ( رنا ) تدرس في ابتدائية البنات في نفس الحي , كانت مع صغرها تبدو جميلة ورشيقة , وملفتة بخفتها وحيويتها , كثيرا ما كانت تهمس ( لبنى المصرية ) إلى ( خالتي خاتم ) كما كانوا يُنادون أم ورد : رنا لورد , عندما يكبران نزوّجهما لبعض . وكتب ورد قصيدة شعر في ( لبنى المصرية ) قال في مطلعها : أهلا سيدة السيدات .... دخلتِ الباب وعلى شفتيك البسمات
    يامن علّمتنا المباديء .... والأخلاق الفاضلات . وكانت أول وآخر مرة يكتب فيها قصيدة مدح .

  9. #9
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2016
    المشاركات : 594
    المواضيع : 97
    الردود : 594
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي

    دهشة

    دهشة وإعجاب شديد انتاب المعلمة ( لبنى المصرية ) عندما أعطاها ورد القصيدة التي ألّفها يمتدحها فيها , قالت له اقرأها , ثم قرأها على المنصة أمام زملائه , بعذوبة ورقّة , ثم أخذته إلى زوجها الذي يُدرّس في قسم آخر , وأعاد قراءتها على منصّة هذا القسم أيضا . في المساء جاء صديقه وزميله عز الدين بقصيدة معروفة لشاعر عربي كبير نقلها من إحدى الكتب المدرسيّة , كتبها في ورقة وأعطاها للمعلمة على أساس أنّها قصيدة من تأليفه .

    طلبت منهم المعلمة ( لبنى المصرية ) في حصة التعبير الكتابي , وهي الحصة المفضّلة لديه مع حصة التربية الفنية , أن يكتبوا نصّا عن الشجرة وفوائدها , كتب ورد نصّا نثريّا في غاية البراعة والإبداع , بدأه بسؤال يخاطب به الإنسان عن أهمية الشجرة , ثم عدّد فوائدها , من ثمار و خشب , جلب غمام المطر , إلى الظل . اندهشت المعلمة بهذا النّص البديع وطلبت منه كالمرّة السّابقة أن يقرأه على المنصّة , وأخذته أيضا لزوجها كي يقرأه من جديد على منصّة قسمه .

    في السنة الخامسة بلغ ورد أوجّه في التّفوّق الدّراسي وتعدّد المواهب الفنية والأدبية خاصة , حقّق أعلى معدل نقاط يُمكن أن يُحقّقه تلميذ في صفّه , كانت علامته عشرة على عشرة في كل المواد , فقط مادة السيرة كان أقصى ما يُعطيه المعلم للتلميذ هي علامة تسعة على عشرة , فكان مجموع نقاطه في هذا العام تسعة وتسعون على مائة وهي أعلى علامة , أعطيت له جائزة أحسن تلميذ في المدرسة , وجائزة حسن السلوك , وجائزة ثالثة على قصيدة عيد العلم التي ألّفها بعنوان : ذكرى العلم , وقال فيها : غني يا عصافير وزقزقي --- اخضرّي يا أشجار وأورقي
    وفي جمال تنسّقي --- وسيري يا مياه تدفّقي
    وافتحي يا مدارس أبوابكِ --- باسم العلم انطقي
    اصعد ياجيل ابن باديس --- ويارايات العلم اخفقي
    فاليوم ذكرى علم --- ذكرى علم شيّق

    اشتهر بنبوغه ومواهبه , كان يطلب منه المعلمون أن يرسم لهم رسوماتا في أوراق كبيرة يُعلّقونها على السبورة يشرحون بها الدروس في القسم , وكانت تأتيه طلباتهم هذه إلى البيت , مرة طلب منه ابن خاله الكبير وهو معلم ابتدائي في مدرسة أخرى , أن يرسم له حفلة عرس في ورقة كبيرة يستعملها في درس عن الموضوع , قام ورد بإنجاز رسم كبير فيه مجموعة من النسوة يحتفلن , وفي الوسط راقصة ( رقّاصة ) كما يراها في الأفلام المصرية , بزي الرّقص الشرقي , تجلس على ركبتيها مائلة برأسها وشعرها الطويل منسدل على الأرض ويديها إلى السّماء , وأثارت اللوحة موجة ضحك عارمة لدى أخواته الثلاث اللاتي يكبرنه , وهنّ على الترتيب : مريم , سعاد , ورشيدة , وبقين يذكرنها لأعوام طويلة , وكلّما تذكّرنها ضحكن من جديد .

    ألّف مسرحية بعنوان : هجرة عصفور , أبطالها عصافير تتكلّم , درّب عليها زملاءه وقدّموها في حفلة المدرسة , على منصّة كبيرة في الساحة , بلا ميكروفونات أو مكبّرات صوت
    ورد عرفه الناس في الحي و البلدة واشتهر , وتوقّعوا له مستقبلا زاهرا وأن سيكون له شأن كبير في المستقبل , وكان إحساس الناس به بين إعجاب وحب , ودهشة .

  10. #10

صفحة 1 من 8 12345678 الأخيرةالأخيرة