أحدث المشاركات
صفحة 3 من 8 الأولىالأولى 12345678 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 30 من 74

الموضوع: حكاية ولد اسمه ورد - رواية في فصول

  1. #21
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2016
    المشاركات : 594
    المواضيع : 97
    الردود : 594
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي

    تعبير

    تعبير ورد بدأ يرتقي أسلوبه أكثر ويتطوّر , في الرسم اهتدى إلى طريقة الحبر الصيني , يرسم بقلم الحبر الإحترافي الذي يستعمله المهندس المعماري , وتختلف الأقلام حسب الدرجة والرقم . رسومات تعبيرية , يستعملها خاصّة بجانب أشعاره التي يكتبها , وتعبيره في الشعر أيضا تغيّر أسلوبه , ومال إلى شعر التفعيلة أو الشعر الحر . كتب قصائد رقيقة التعابير , بعنوان " دموع في مهب الريح " , " تحت أسوار المدينة " , و " كلام " ومواضيعها كلها حول الجرح الفلسطيني وصمت العرب , كتب قصة قصيرة بعنوان " لحظة ضياع ابنتين " , وألّف بعض الروايات , كتب الرواية في كراس رسم بخط يده ووضع لها رسوماتا مصاحبة لها بالألوان , فصارت مثل الكتاب الحقيقي الذي يشتريه من المكتبات . صنع واحدة بعنوان " ابن الأقدار " عرضها يوما على أستاذه في اللغة العربية فلم يُصدّق أنّه هو من صنعها , وآلم ورد ردة فعل الأستاذ في تكذيبه ولامبالاته . وروايتين لم يتمهما " دارت الأيام " , " وهدأت العاصفة " . كان ورد قد انتقل إلى الإكمالية الكبيرة مع انتقاله إلى السنة الثامنة , وفرح بأن صار للرسم حصة خاصة , ودرّسه أستاذ رسم وخط عربي تعلّم منه كثيرا وأثّر فيه , أعطاه مرّة لوحة رسمها ليراها , قال له الأستاذ : لماذا أمضيتها بالفرنسية ؟ لماذا لا تخط إمضاءك بالعربية ؟ ومنذ ذلك الحين صار يمضي بالعربية .

    يقضي ورد أوقاتا كبيرة في رسوماته وإبداعاته , يجلس بجانبه أبناء وبنات أخواته , تعلّموا وحرّك فيهم الحس الفني والجمالي الذي أثّر في حياتهم كلها , لكنّهم أنكروا عندما كبروا وجحدوا . ومع كل مرحلة يدخل يومياته أصدقاء جدد , رفيقان يقضي معهما أسعد الأوقات ( شوقي ) تراهن معه يوما على أنّ من يخسر يأتي بعشرين خبزة لصاحبه , وخسر شوقي وأخذ الكمية كاملة العدد من الخبز إلى بيت ورد , الذي لم يكن هناك وخرجت أخته مريم وتعجّبت من كل هذا الخبز , وظلّت تذكرها لأعوام عديدة , و ( سليمان ) وهو من الفريق الآخر في البلدة المختلفين في العرق والمذهب الفقهي , أمه من بلدان الشمال , كان يأتيه بالهدايا غالية الثمن من فرنسا , ويجلس معه أوقاتا طويلة في بيت ورد يحكي له عن مأساته من المشاكل اليومية بين أمه وأبيه ويبكي , ويبكي ورد معه . و ( زكريا ) زميله في القسم الذي نافسه في التفوق الدراسي , يقضيان أوقاتا يتناقشان ويغوصان في مواضيع عميقة , وينسيان الزمن والدنيا التي حولهما . وبدأ في هذه الفترة يكتب مذكّراته في سجل , ويمنح أصدقاءه بعض الصفحات يُعبّروا فيها .

    نشط ورد في المسرح المدرسي منذ مدرسة الإبتدائية , حيث مثل في مسرحيّتين في قاعة سينما البلدية , وفي المتوسّطة قام على تدريبهم أستاذ مؤطر مكلّف بالنشاط , أعطاه دور الشخصية الإسلامية الكبيرة " ابن تيمية " رحمه الله , في مسرحية كبيرة , دوره فقط ملأ كراسا كاملا , فيه حوارات كثيرة وخطب طويلة , والمسرحية كلها بالعربية الفصحى . أعطاهم فرصة أيام العطلة ليتدربوا عليها , ورغم أنّ ورد كان في بيت أعمامه حينها مع كامل أسرته , لأشغال كانوا يقومون بها في منزلهم , وقد تغيّرت عليه ظروف السكن , الاّ أنّه حفظ دوره كاملا , ومثّله ببراعة , هو ومن مثّل دور أخ ( ابن تيمية ) وبكى في مشهد احتضاره مع أخيه , كان مشهدا مؤثّرا إلى درجة أنّ أستاذة كانت تشاهد المسرحية بكت كثيرا , اذ قام بأدائها بفصاحة وشجاعة أدبية , مع صدق تعبير .

  2. #22
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,131
    المواضيع : 318
    الردود : 21131
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    سيرة ذاتية هى إن لم تكن لك فهى لشخصية قريبة جدا منك
    طفل ذكي وموهوب ، وفنان متعدد المواهب ـ وقد عشت كل تفاصيلها الواقعية
    وعبرت عنها بمنتهى التمكن.
    يسعدني إنك أثناء قصك تعرفنا على بعض عادات بلادك وتقاليدها لأجد أن الكثير منها تتماثل
    والعادات الليبية .. مثلا .. ذلك الرداء الأبيض ( القمبوز) ـ هو نفس ما كانت المراة الليبية ترتديه
    ويسمى ( الجرد) ـ والجدة هنا تدعى( حنة) أيضا .
    أما صينية الشاي أو ( عدالة الشاهي ) كما يسمونها هنا فلها شأن كبير في حياة الليبين
    ولكن لا تقتصر على فترة الضحى فقط ، بل هى في كل الوقات.
    ويسمى الفول السوداني عندكم (كوكاو) وفي ليبيا ( كاكاوية).
    مستمتعة أنا بقصك وسردك حتى وإن كان ينحى في بعض المقاطع إلى السرد الخبري المباشر
    ولكن في النهاية تبقى قصتك جميلة وسردك شائق .
    ومازلت متابعة معك بكل اهتمام.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #23
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2016
    المشاركات : 594
    المواضيع : 97
    الردود : 594
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي

    شكرا جزيلا الأستاذة الفاضلة نادية محمد الجابي , تسعدني وتشرّفني متابعتك الكريمة وتدفعني إلى الأمام , وملاحظاتك أهتم بها جدا , ظهر بعض السرد الخبري ربما لأنّني أكتب عن أحداث حقيقية وأريد نقلها كما وقعت , والأحداث كثيرة , حاولت أن أعطيها القالب الفني , لكن بعد ملاحظتك القيّمة سأهتم أكثر بهذا الجانب . تعجبني قراءتك الذكيّة وهي فعلا سيرة ذاتية لي , حقيقية بكل تفاصيلها الصغيرة , غيّرت فقط في الأسماء حفاظا على خصوصية الأشخاص , وفعلا العادات والتقاليد الليبية الجميلة قريبة جدّا من عاداتنا في الجنوب الجزائري , وتحيّة لليبيا الجميلة وأهلها الفرسان الطيبين وان شاء الله نراهم في أحسن الأحوال ونلتقي بهم في أسعد الأوقات , شكرا جزيلا بارك الله فيك

  4. #24
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2016
    المشاركات : 594
    المواضيع : 97
    الردود : 594
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي

    مسرحية

    مسرحية أخرى قدّمها ورد بعد مسرحية " ابن تيمية " , مع زملائه في مدرستهم الإكمالية , برعاية نفس الأستاذ المؤطّر , في حفلة آخر السنة , وهذه المرة المسرحية كوميدية , ومثّل فيها الدور الرئيسي , وهو شخص محترم خلوق يحيط به مجموعة من المشاغبين يحاول أن ينصحهم . المسرحية طويلة و حضرها جمهور كبير حتى من خارج المدرسة , ضحكوا كثيرا وأعجبهم دور ورد . وكتب قصيدة تأثّرا بشهيدة فلسطينية اهتم بها الإعلام حينها " سناء محيدلي " بعنوان " الحرية تزور سناء محيدلي " . يكتب قصائده في سجل خاص به مع رسومات تعبيرية مناسبة , ولم يكن ينشر بعد , يشارك فقط برسوماته في المعارض التي تقيمها الجمعية النشطة في الحي . تأثرا أيضا بالصمت العربي المخزي تجاه ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلّة كتب بنفس الطريقة قصيدة بعنوان " مشهد من مسرحية " .

    في السنة التاسعة أساسي , لاحظ ورد التغيرات الفيسيولوجية التي بدأت تظهر في جسمه , وهي علامات البلوغ الطبيعية , الرائحة المنبعثة من تحت الإبط شمّها حين كان في القسم , ونبتت شعرات الشنب . وفي ليلة بينما كانت كل الأسرة مجتمعة على مشاهدة مسرحية في التلفزيون , تسلّل إلى صالة الحمّام دون أن يلاحظه أحد . شاهد نفسه في المرآة جيّدا وقرّر أن يحلق هذه الشعرات التي نبتت في الشارب , فتّش المكان ولم يجد الّا شفرات حلاقة موضوعة على الرّف تحت المرآة , ولم يكن يعرف أنّ هناك آلة خاصة بحلاقة شعر الوجه . أخذ شفرة الحلاقة وأخذ يمرّرها مباشرة بين أنفه وفمه , وامتلأ هذا الجزء من وجهه بالجروح وسالت دماء غزيرة . أتمّ عمليّته ونشّف وجهه , أحسّ بحرج شديد أن يخرج هكذا ولحسن حظّه أنّ جميع من في الدّار قد أطفؤوا النور وتسمّروا حول التلفاز يشاهدون المسرحية , وخرج مسرعا في الظلام ولم يلاحظه أحد . لكن في الصّباح صار حديث تلاميذ المدرسة وسخريتهم , وتحوّل ما فعله بنفسه إلى مسرحية .

    مساء كل إثنين تقام مسابقة بين الأقسام , قسم ورد تأهّل إلى النهائي , وتمّ تكليفه بالإجابة على الأسئلة , أجاب إجاباتا صحيحة في كل المواد وحصلوا على علامات كاملة . في فقرة النشاط كان قد حضّر مسرحية إسلامية تاريخية بعنوان " المحروم " لكن رفاقه لم يحفظوا أدوارهم , وبعد أن أتم القسم المنافس نشاطه , وكان عبارة عن رقصة الإنسان الآلي أدّاها صديقه شوقي , حيث ضجّت القاعة بالتّصفيق والهتاف , جاء دورهم ولم يعرفوا ماذا سيقدّمون . فكّر ورد قليلا ثم اتّجه إلى أستاذ اللغة العربية الذي كان يُنشّط الحفل قال له هامسا : عندي قصيدة من تأليفي ألقيها . ذهب الأستاذ إلى لجنة التحكيم أخبرهم , قال أحدهم : ماشاء الله . قرأ ورد قصيدته : دموع في مهب الريح . صفّقوا كثيرا له وطلبوا منه إعادتها , حين خرج حيّاه أستاذ التاريخ وشكره , وسمع التلاميذ يتهامسون بأنّ ورد لم يؤلّف القصيدة وأنّ أستاذ اللغة العربية هو من أعطاها له ليقرأها , وآلم ورد هذا كثيرا . في طريقه إلى بيته رافقه ابن خاله الذي يكبره ( طالب ) وحدّثه عن معرض سنوي تقيمه جمعية ذات نشاط إسلامي كبير في المجتمع , كانت رائدة في فترة ظهور ما أسموه الصحوة الإسلامية , اقترح عليه أن يشارك فيه برسوماته , وحدّثه عن جريدة يوميّة أعجبته ( المساء ) فبدأ ورد يتابع هذه الجريدة وترك جريدته المفضّلة الأسبوعية الفنية ( أضواء ) , التي كان يسعد بمتابعة الأخبار الفنية فيها , وجديد أغنية أو فيلم , أو مسرحية .

  5. #25
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2016
    المشاركات : 594
    المواضيع : 97
    الردود : 594
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي

    أيام

    أيام الصّيف التي سبقت مرحلة الدّراسة الثانوية , جاءت خصبة بالإبداع , صنع ورد قصّة بالشريط المرسوم بالألوان " أبناء الحجارة " , وأخرى " وداعا أبنائي " ألّفها ورسمها , وابتكر شخصيّاتها , موضوعها عن الأم , في قالب اجتماعي شبيهة بالدراما المصريّة التي يتابعها كثيرا . رسمها وخطّها بيده بقلم الحبر الصيني , في كتاب متقن كأنّه قد تم إنجازه في مطابع محترفة . دخل ورد الثانوية , أحبّ الإعلام الآلي الذي ظهر وهو بطبيعته محبّا للجديد , وهذا المجال يجد فيه نفسه لأنّ مساحة الخيال والتجريد فيه كبيرة , لكن وجّهوه لشعبة العلوم , وكان صديقه وزميله في الإكمالية زكريا قد تأثّر باختياره هذا فذهب إلى الإعلام الآلي فقط لكي يبقى معه , ولم يحصل ذلك . افترق ايضا عن صديقه شوقي , وسليمان في نفس الثانوية لكن في قسم آخر , وتكوّنت صداقة جديدة مع زملاء جدد , ولأول مرّة درست معه البنات . أحسّ بضعف طفيف في البصر بسبب كثرة الكتابة والرسم الدّقيق , لم تعد كتابة الأستاذ في السبورة واضحة لديه , فجلس في المقعد الأمامي وأغلب من حوله بنات , تعرّفن على مواهبه وعرض عليهن كتابه الذي صنعه " وداعا أبنائي " , وبدأ يقرأ الروايات ويتبادل مع بعض البنات كتب " نجيب محفوظ " , ورافقته رواية " السمان والخريف " في أجمل أيام .

    يدرس في أقدم ثانوية في المنطقة , يذهب جريا دائما , يتأخّر في الخروج من البيت , يقطع الوادي الشهير في المدينة . ورد الذي كان يبكي في الصباح عندما لا يعجبه لباسه ولا يريد أن يذهب به إلى المدرسة في الإبتدائي , في الثانوي اهتمامه بزيّه بلغ ذروته . عادة في المدارس الثانوية يظهر البعض ممن ينتمون إلى العائلات الغنية يلفتون انتباه الجميع بمظهرهم ولباسهم المساير للمودة , كل يوم تراهم في زي لا تراهم فيه مرة أخرى , ورد كان من هؤلاء , يختلف عنهم فقط في أنّهم تميّزوا بالزي فقط , وهو امتلك المظهر والجوهر . ظهرت مودة حمّالات السروال , والمودة تذهب وتعود , فذهب إلى عمه ( أبي موسى ) طلب منه مبلغا معتبرا , ولم يسبق أن طلب منه حيث كان يعطيه من تلقاء نفسه في كل زيارة , سأله : ماذا تفعل به ؟ قال له بأنّه شيئا للّباس , فحسبه بدلة أو ما شابه , لكنّه اشترى به فقط حمّالة سروال مستوردة من فرنسا , سوداء عليها كتابات بالياباني بيضاء , تزيّن بها في أيام .

    في صيف العام الأول في الثانوي , وجد في الجريدة التي يقتنيها باستمرار اعلانا عن مسابقة وطنية لقصص الأطفال , ينظمها مركز ثقافي في مدينة شرق الوطن , حدّدوا موضوعها عن حلم يحلم به الطفل , كتب قصة في الموضوع وأرسلها , بعد مدّة وجد في الجريدة اسمه ضمن قائمة الناجحين العشرة , بالرتبة السادسة , وجاءته رسالة ليستلم جائزته بالبريد . ذهب رفقة أخيه الكبير أحمد إلى مركز البريد القريب من السوق واستلما طردا كبيرا , فتحه أخوه في البيت , فيه مذياع كبير , ومجموعة كتب قيّمة وقصص أطفال , وبعض منشورات المركز الثقافي , مثل منشور قيّم عن تاريخ السينما الجزائرية . بعدها في أول جوان طلبت منه الجمعية النشطة في الحي أن يشارك في حفلها السنوي وفيه ختان جماعي للأطفال , ألّف قصيدة بالمناسبة في نفس اليوم وألقاها أمام جمهور كبير من الرجال والنساء , بصوت جميل وإلقاء جيد , صوّرتها الجمعية في شريط فيديو احتفظت به وأصبح من أفلام الفيديو النادرة . ومع بداية الدّراسة الثانوية بدأ يكتب مذكّراته , بشكل جميل في سجل كبير حوّله إلى معرض مُبهر لإبداعاته ونجاحاته أسماه " أيام " .

  6. #26
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2016
    المشاركات : 594
    المواضيع : 97
    الردود : 594
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي

    نشر

    نشر الإبداعات الأدبية والفنية في سجل الذكريات " أيام " أعطاه دافعا أكبر للكتابة والرسم , أدرك ورد منذ البداية أنّ المبدع يجب أن يُخرج أعماله إلى النور , ويراها الناس , كي يستمر ويتطوّر , وأنّ الأفكار لو بقيت في ذهن صاحبها ستموت , وتموت معها روح الإبداع . جعل من سجل " أيام " وسيلة إعلامية فريدة , ليست بمجلة ولا تلفزة أو معرض , هي عالم جميل تدخله بسلاسة , وتجد نفسك تتجوّل في أروقته وأنت تتصفّح الأوراق الجميلة التي تفنّن فيها بأساليب الرّسم واللصق . كتب ورسم إبداعاته وترك المجال لأصدقائه وزملائه كي يبدعوا ويعبّروا عن مشاعرهم , يُعطي في كل مرة أحد أصدقائه ورقتين له , يكتب ويرسم ويُلصق ما يشاء , مع عمود على جانب الورقة أسماه " البطاقة المُقيَّدَة " فيها معلومات شخصية وأسئلة متنوعة مثل لونك المفضّل , أحسن فيلم شاهدته , أكتب بيت شعري أعجبك لأحد الشعراء , وغيرها من الأسئلة الطّريفة المتنوّعة , فكانت أجمل وسيلة إبداع ونشر .

    ورد عندما كان صغيرا يدرس في الإبتدائي شاهد مسلسلا مصريّا في التّلفزة حاز على شعبيّة كبيرة وتابعه النّاس باهتمام كبير , ونهاية الحلقة الأخيرة لم تُعجبه , رأى أنّ فيها ظلما كبيرا وأنّ العدالة لم تأخذ مجراها , فكتب رسالة شديدة اللهجة موجّهة إلى مخرج المسلسل ينتقده فيها , لكنّه حين كتبها احتار ولم يعرف العنوان الذي سيرسل رسالته إليه . هذا الحس الثّوري النّاقد بقي معه وأخذ قنواته الطبيعية عندما كبر قليلا , ففي صيف عامه الأول الثانوي عرض التلفزيون برنامجا فنيّا هزليّا أثار سخطا كبيرا عند الجمهور , واغتاظ منه ورد فكتب رسالة مفتوحة ينتقد فيها البرنامج بأسلوب لاذع وجميل , أرسلها إلى جريدته التي كان يتابعها ( المساء ) ونشرتها في صفحة القراء , وظهر اسمه في الجريدة مع اسم بلدته , بعد أيام انتقده أحد القراء ونشرت نقده هذا الجريدة في نفس الصفحة , أثار موضوعه ضجّة , لم يعرفوا سن كاتبه وحسبوه أستاذا كبيرا . بعدها نشرت له الجريدة قصيدة " يوميات صلاح " في صفحة " إبداعات " , ثم نشرت له رسما كاريكاتوريّا كتبوا فوقه بريشة القرّاء , سخر منه بشكل شعار ( لوغو ) جديد اعتمده التلفزيون شبّهه برأس مهرّج , وهكذا تنوّعت ونمت مواهبه بين كتابة ورسم , ونشر .

    المسابقة الوطنية لقصص الأطفال التي فاز فيها بالرتبة السادسة , في العام الثاني نشرت إعلانها لموسم جديد , واختارو هذا المرّة مجال الخيال العلمي , والموضوع هو اختراع كبير يساهم في إعادة مجد الأمة العربية , كتب ورد قصة قصيرة بعنوان " كوكب العرب " عن عالِم عربي يخترع جهازا يطلق غازا يصعد إلى مسافة مُحدّدة , يلتف حول كوكب معيّن ويُغلّفه , فتصير الحياة ممكنة في هذا الكوكب , جرّبه العالم في أحد كواكب المجموعة الشمسية , نجح الإختراع لكن العالم مات بسبب إنفجار الجهاز , وكان يعرف أنّه سينفجر ويودي بحياة من يُشعِله وهذا عيب اختراعه الوحيد , وليس له من سبيل غيره , فأوصى ابنته التي تعمل معه في بحوثه العلمية أن يسكن العرب هذا الكوكب تكريما لإسهاماتهم في النّهضة العلمية . بعد مدّة ابتهج ورد وسًرّ كثيرا عندما وجد اسمه على رأس قائمة الفائزين العشرة , فقد حصل على المرتبة الأولى في هذه المسابقة التي شارك فيها أكثر من ألف طفل من مختلف ولايات الوطن , نُشِر الخبر وظهر اسمه مرافقا لاسم بلدته في أهم الصحف الوطنية , وبثّت التلفزة حفل توزيع جوائز المسابقة في نشرة الثامنة , ولم يذهب لاستيلام جائزته التي من المفترض أنّها كبيرة هذه المرّة , لأنّه لم يجد من إخوته الكبار من يهتم ويرافقه , ولم يكن بإمكانه السّفر منفردا لبعد المسافة مع صغر سنّه , واكتفى بفرحة فوز ونشر .

  7. #27
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2016
    المشاركات : 594
    المواضيع : 97
    الردود : 594
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي

    رحلة

    رحلة الإبداع والنشر تواصلت في سنوات الدراسة الثانوية , وبعد مشاركته في مسابقات الأطفال جرّب الدخول إلى مسابقات الكبار . شارك في مسابقتين وطنيتين , واحدة في الفن التشكيلي , وأخرى في القصة القصيرة . الأولى ردّوا عليه برسالة أثنوا فيها على مشاركته , وأبدَو إعجابهم بتعبيره , فقد كان الموضوع عن الوحدة العربية , ثم وجّهوا له دعوة للمشاركة في لقاء تأسيسي لمنظمّة تدعو إلى الوحدة العربية , واكتشف أنّ المسابقة تم تنظيمها فقط من أجل تأسيس هذه المنظمة , ولم يُجبهم . الثانية ردّوا عليه برسالة لتأكيد أنّ قصّته " ليلة صابر الأخيرة " قد وصلت وأنّها بين أيدي لجنة التحكيم , لكن لم يصله خبر نتيجة المسابقة . ونشرت له مجلة شبابية وطنية مشاركة له في صفحة فكاهة وتسلية " الفهامة " أهداها إلى كل من كتب في سجل " أيام " , والإبداع الأدبي والفني هو أجمل رحلة .

    في صباح يوم , سمع أصدقاءه في القسم يسخرون من زميل لهم أخبرهم أنّه رأى صحنا طائرا . ورد صدّقه وسأله منفردا أن يحكي له بالتفصيل ما رأى , لأنّ مساحة الخيال عنده كبيرة ولأنّ صديقهم هذا خلوق ولا يعرف الكذب . قال له بأنّه كان جالسا خارج البيت وقت المغرب , شاهد صحنا فضائيا لمع ثم اختفى , ووصفه له , مثلث الشكل بضوء في كل زاوية . بعد أيام قرأ ورد صدفة خبرا في جريدة عن أشخاص في جنوب بلجيكا شاهدوا أطباقا طائرة , والعجيب أنّها كانت بنفس المواصفات , أخذ الجريدة إلى صديقه وألصق قصاصة هذا الخبر في سجل ذكرياته " أيام " . ذهب في رحلتين نظّمتهما الثانوية للتلاميذ النجباء , واحدة إلى بلاد القبائل , جلب منها هدايا مجوهرات فضيّة تقليدية إلى أمّه التي فرحت بها كثيرا وسلّات من السّعف إلى البيت , لكن أخذتها كلها الأخوات الكبار كعادتهن في أخذ كل شيء جديد يلمحنه في البيت , فهذا يرونه من حقهن , بينما لا تستطيع أنت الإقتراب من أتفه الأشياء التي يمتلكونها في بيوتهن , وذهب إلى تلمسان في ثاني رحلة .

    شهادة البكالوريا لم يُحضّر لها ورد شيئا , كلّما صعد إلى غرفة في السّطح آخذا معه كراريسه وكتبه , كي يجلس في هدوء ويدرس , يسأم وينتابه الشعور بالملل , فيضع أوراقه جانبا ويشعل التلفزيون ويتابع المسلسل المصري . أجرى إمتحانات البكالوريا بسهولة وكانت اللغة العربية آخر مادة , بقي يكتب على ورقة الإجابة حتى انتهى الوقت , فقد أعجبه التعبير الكتابي , إلى أن جاءه الأستاذ المراقب الذي بقي وحيدا يطلب منه أن يُسلِّمه الورقة ويتركه يغادر . خرج فوجد المدرسة فارغة , وكان آخر من خرج منها , سمع خبر فوزه وجاءتهم في الليل الأخت الكبيرة ( فاطمة ) مع زوجها الذي أخذ يناقشه في التخصّصات التي يختارها في الجامعة , فهو مع جهله يحشر نفسه في كل صغيرة وكبيرة , ويتدخّل في حياته , ولطالما عقّد نفسيته عندما كان صغيرا وسخر منه ومن نجاحه . في الصّيف ذهب إلى رحلة إلى البحرتُسميِّها الجمعية الّتي تُنظّمها مخيما إسلاميا , حشرت كل سكّان البلدة في الشاطئ مقسّمين حسب أحيائهم الشعبية . عاش أجواءا غريبة لم يسبق له معرفتها , وكان يخلو في المخيم يكتب سيناريو لمسلسل تلفزيوني كأول تجربة له . في مساء آخر يوم قبل الحفل الختامي جاءه خبر اختياره كأحسن متخلّق في المخيّم , وهذا تقليد في هذه المخيّمات , وتُمنح للفائز جائزة كبيرة , لكن في الحفل غيّروه وأعطوها لشخص آخر لاعتبارات لم يفهمها , في تنظيم حاول أن يختزل الإسلام في رحلة .

  8. #28
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2016
    المشاركات : 594
    المواضيع : 97
    الردود : 594
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي

    قطار

    قطار هذا الزمن , يسير بلا دخان . هكذا قالوا , لكنّه بالنسبة لورد يسير بدخان كثيف . أخذ البكالوريا شعبة علوم , كان يحلم بالدخول إلى مدرسة الفنون الجميلة , لكن العائلة تعتبرها دراسة تافهة بالنسبة لمستواه وما يأملونه فيه . التوجيه الجامعي يمر بمراحل تبدأ باستمارة الاختيارات التي ملأها بأهم التخصصات العلمية , وتنتهي برسالة التوجيه التي تأتي بعد الفرز , الذي لا أحد يعرف كيفيّة ومعايير اجرائه . جاءته رسالة التوجيه بتخصص غريب حيّره , وهو تقني في السكك الحديدية . قرّر التحويل إلى تخصّص آخر , ذهب مع أخيه الكبير ( اسماعيل ) إلى العاصمة لاجراءات التحويل , كانت البلاد تشهد تحوّلا سياسيا كبيرا في بداية التسعينيات مع الإنفتاح وظهور الأحزاب . ظلّ الأخ الكبير يملي عليه كيف يمشي , وكيف يسير , ويوصيه بالحذر , لدرجة تفقد ثقته في نفسه , وهكذا يفعل اخوته الكبار عندما تحين لهم الفرصة وينفردون به , بعقلية الأبوية المتسلّطة وتنفيسا عن غيرتهم وحقدهم من معاملة أبويه الجيّدة له وثقتهم فيه , وعاد به من العاصمة بلا أي نتيجة , وبقي يسكنه هاجس أن يمضي حياته تقني في قطار .

    فتحت الجامعة في البلد الأقرب شمالا تخصصا جديدا , العلوم الإقتصادية , اغتنم هذه الفرصة وسجّل فيها . تناسبه العلوم الإنسانية عموما , لم يجد صعوبة في الدّراسة رغم أنّ التخصّص يختلف عن دراسته الثانوية , حافظ على تقدّمه الدّراسي , وحاز على علامات قريبة من العشرين . سكن معه في الحي الجامعي صديقه في الإكمالية ( زكريا ) ودرست معه في الجامعة في نفس المدرّج والتخصّص ( رنا ) ابنة ( لبنى المصرية ) , كانت ملفتة بمظهرها وأزيائها , ولم تكن محجّبة . أعدّ مع زملائه مجلة ورقيّة دوريّة " العلوم الاقتصادية " تكفّل بإخراجها الفني ووضع الرسومات والخطوط , نشط في نقابة طلابية , كرئيس لجنة الإعلام , رسم الكاريكاتور , والمجلات الحائطية , ونشط في المنتديات والمعارض . نشرت له الجرائد العديد من الأشعار برسوماته بالحبر الصيني , كاريكاتور آخر في جريدة ( المساء ) , قصة قصيرة في جريدة أسبوعية متنوّعة ( الشروق العربي ) , أجرت معه جريدة أسبوعية وطنية حوارا مطولا عنه وعن مواهبه المتعدّدة , وكتب عن مأساته في توجيهه الجامعي قصة قصيرة بعنوان " قطار " .

    شارك بقصتة القصيرة " قطار " في مسابقة وطنيّة نظّمتها جريدة حزبية تنتمي لما يُعرف بالإسلام السياسي الوسطي , وفاز بالجائزة الثانية , نشرت الجريدة خبر فوزه , لكنّه لم يحصل منها على أي جائزة . تكلّم في قصّته بجرأة عن سوء التّوجيه الجامعي , وسخر من مهازل الإدارة التي تعبث بمصائر الناس بكلمات وعبارات صادمة , فقال أنّ الكل يلعب في حلبة سيرك , بدأ قصّته بعبارة ( لم أكن أبدأ أعرف أنّ مستقبلي سيكون قطارا ) وأنهاها بقوله ( الحياة مجرّد قطار ) .

  9. #29
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,131
    المواضيع : 318
    الردود : 21131
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    أتابع محطات قطار حياتك بكل الإهتمام والاستمتاع..
    السرد سلس والأسلوب مشوق فتابع...
    تحياتي وودي.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  10. #30
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2016
    المشاركات : 594
    المواضيع : 97
    الردود : 594
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناديه محمد الجابي مشاهدة المشاركة
    أتابع محطات قطار حياتك بكل الإهتمام والاستمتاع..
    السرد سلس والأسلوب مشوق فتابع...
    تحياتي وودي.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    شكرا جزيلا الأستاذة الأديبة نادية محمد الجابي , هذا يسعدني ويشرّفني بارك الله فيك , خالص تحياتي وتقديري

صفحة 3 من 8 الأولىالأولى 12345678 الأخيرةالأخيرة