لنسمي الأمور بمسمياتها البعض يتكلم عن المدنية ويسميها علمانية
المدنية المنظبطة بالقيم هي مطلبنا


بقلم هائل الصرمي


التحضر السليم ينتج مدنية سليمه
الحضارة والدولة المدنية المرتبطة بها.
يمكننا أن نتبين مدنية الدولة أوالدولة المدنية المنشودة وفق المنظور المنظبط بقيم التمدن الحضاري السليم.
ومنه يمكن للمطلع ان يستنبط ويستخلص مفهوم الدولة المدنية الصحيحة المنظبط بقيم التحضر الاسلامي
لنتعرف أولا على المدنية ونفرق بينها وبين الحضارة.
المدنية هي وليدة الحضارة متفرعة منها
وهي شقها المادي الذي يتمثل بالرفه.
ذكرنا سابقا بأن
‎للحضارة جانبان: مادي « ومعنو
‎وذكر
‎كثير من المفكرين ذلك منهم طارق سويدان. أما المادي فيتمثل في التطور العلمي والعملي في استثمار الطبيعة وإعداد لوازم الرفاه البشري. وأما الجانب المعنوي فيتمثل في الدين والقيم والأخلاق التي تنظم ارتباط الإنسان بنفسه وبربه وبالطبيعة، ولو فقدت الحضارة جانبها المعنوي لم تعد حضارة، وسميت حينئذٍ مدنية...
‎إن حضارة الإنسان المعاصر هي أحوج ما تكون إلى الإسلام وذلك لأنها اليوم تائهة لا تحظى بأهداف موضوعية لحركتها ، بل هي مقطعة الأوصال، فهي بين شعوب تحمل القيم التي تؤهلها لإدارة المجتمع البشري ، لكنها فاقدة لعوامل التمدن، وبين شعوب متمدنة بعيدة كل البعد عن القيم الإنسانية تتحكم بمصير الحياة البشرية على الأرض وتحقيق الدمار بالطبيعة وتمتص مواردها بجشع كبير إرضاءً لشهواتها.


‎يقول محمد محمد حسين في كتابه (الإسلام والحضارة الغربية): (الحضارة أعم من الثقافة التي تطلق على الجانب الروحي أو الفكري من الحضارة فقط ، في حين تشمل الحضارة الجانبين الروحي والمادي أو الفكري والصناعي، وكما لوحظ فيها أن النشاط البشري في مختلف جوانبه، ومواهبه يكون في أرقى حالاته في الحواضر والمدن).
‎ تتحقق (المدنية) بالرقي المادي فقط، وأما (الحضارة) فتحتاج إلى الرقي المعنوي.
‎ إن العالم ـ اليوم ـ بين ثقافات دينية وفلسفية ضخمة ، لكنها لا تمتلك درجة كبيرة من عوامل المدنية الحديثة، ودول متمدنة غير مثقفة متفردة بتقرير مصير الشعوب تفرض عليها سلوكياتها الاجتماعية ونظمها السياسية والاقتصادية ، مع أن تلك الشعوب تمتلك طاقات حضارية ذاتية ـ موجودة بالفعل لا بالقوة ـ تؤهلها لأن تكون في موضع الريادة والمساهمة في حل المشكلات التي تعصف بالمجتمعات المعاصرة. ولهذا فالمجتمع البشري ـ باعتباره كلاً واحداً ـ ليس بربرياً مجرداً من الثقافة ولا بدائياً خالياً من المدنية، وأزمته الحالية هي في الجمع بين المدنية والثقافة وإيجاد التوازن الطبيعي بينهما. وقد نشأت هذه الأزمة من أفول الحضارة الغربية التي كانت أول الأمر.
‎فلم يعد بالإمكان تسمية الوضع الغربي ـ اليوم ـ (بالحضارة الغربية) لأنه يفتقد الريادة المعنوية التي تمثل أساس الحضارة. يقول الدكتور إبراهيم الحيدري: (الواقع إن أزمة الحضارة الغربية لا تنطلق من التقييم السلبي للحضارة، ولا من بؤس المدنية الصناعية ومنظومتها الفكرية والفلسفية فحسب، بل من قدر الحضارة الغربية الذي حولها إلى (مدنية بلاستيكية) بائسة في مجتمع استهلاكي يطحن الإنسان ويجرده من كل طاقاته الخلاقة، مثلما يجرده من قيمه الروحية والأخلاقية).
‎وليس هذا تقييم الدكتور إبراهيم الحيدري كمسلم يزن الحضارة الغربية بموازين خاصة، وإنما هو حكم مجمع عليه من قبل المتخصصين على اختلاف موازينهم.
‎يقول ادغار موران (إن سيادة التكنولوجيا تدمر اليوم كل خصوصية حضارية وبهذا فقد أنتج الغرب، ولأول مرة في التاريخ، مقومات فنائه بسبب الانحلال والضعف وبمعنى آخر بسبب (إرادة الهدم).. حيث سببت المدنية الصناعية (اجتثاثاً حضارياً) هو رديف للمغامرة والموت).
‎والنتيجة التي نصل إليها أن أزمة الحضارة الغربية ليست أزمة تمدن وإنما هي أزمة (أخلاق) و(معنوية) : (يتعاظم إحساس المجتمعات ـ التي تخلت عن القيم المعنوية والروحية والغارقة في مستنقع الفساد ـ بالتعاسة يوماً بعد آخر.
‎ لأن التقدم الذي يسعى إليه الغرب للخروج من أزمته هو: فرض الواقع الثقافي الغربي على جميع الشعوب الإنسانية من خلال هجوم ثقافي واسع. وهذا ما اختارته الحكومات الغربية اليوم، وهو حل غير معقول أيضاً، بل يسميه البعض الانتحار الحضاري لأنه لا يملأ الفراغ المعنوي، بل ويدفع مستقبل الحضارة الإنسانية نحو مستقبل غامض، فالغرب يهرب من أزمته الحضارية إلى تدويلها وتعميمها.والحل في الأخلاق.وليس في الطغيان الذي تهدم الأخلاق.
‎يقول (جيري فولوي): (إن أميركا بحاجة إلى إنقاذ روحي وأخلاقي إذا كانت لا تريد أن تهلك .
‎يقول الدكتور وجيه كوثراني: (في الغرب الآن يتذمرون من التكنولوجيا ؛ لأنها خلقت التلوث وحولت الإنسان إلى آلة وشيّأت الإنسان ـ أي جعلته شيئاً كسائر الأشياء ـ )، وهذا يعني أن الغرب متذمر حتى من مدنيته.. ويقول : الأمير تشارلز ؛ ولي العهد البريطاني: "إننا نريد أن نتعلم من الإسلام، فهم الحياة وطريقة التعامل معها بعد أن عجزت المسيحية عن ذلك".
‎إذن , فالغرب يبحث عن مخرج يخلصه مما هو فيه. ومن يحملون النور للبشرية ليسوا جاهزين. فلنبدأ بأنفسنا ولنغير منها.
‎ويقول مالك بن نبي: "إن مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارية ، ولا يمكن لشعب أن يفهم، أو يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها والآية الكريمة في خطابها الصريح {...إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }الرعد11 تؤكد هذه الحقيقة باعتبار أن مفتاح القضية يكمن في روح الأمة".
والخلاصة التي نصل اليها من هذا الأستطراد بأن الشعوب التي تفتقر الى المدنية وهي تعج بالقيم النبيلة والمبادئ السامية والدين السمح عليها بأن لا تتعثر بالمصطلحا المغلوطه ولا بمفاهيم الأمم والشعوب الآخرى المصطلح يكتسي صفته بحامليه والمتبنين له
فهو يحمل هوية الأمة التي تحمله ومقوماتها ومرتكزاتها وثقافتها ومعتقدها
لا ينسجم ان تسقط مصطلح امة ما بآخرى ليس لها مشتركات معها لتلتقيا عندها..هنا يكون اعتساف وتصادم
ولكن هناك مشتركات وهناك متناقضات
وكل إناء بما فيه ينضح.
على الأمة الناهضة أن تحث خطاها بهمة عالية في طلب ما يكمل نقصها ليجتمع لها التحضر السليم بشقيه المعنوي والمادي المعنوي الذي هو القيم والأخلاق و المادي الذي هو التمدن والرفاهية (الدولة المدنية ) فيقوم هذا بتلك وينضبط المادي بالمعنوي فتحتضن السعادة ويتوجها التكريم حين ذاك وتكون في أبها صورها الحضارية راضية مطمئنة.


ومن هنا لا قلق عليها وهي تسعى الى استكمال جوانب نقصها سعيا للتحضر الرشيد وللدولة المدنية بمعيار هذا التحضر السليم . وذلك باستخراج مكنونات ومكتنزات الأرض والانسان لتحيا
الحياة الكريمة .
الخوف والقلق يكمن من عدم بلوغ المؤمل المنشود والتحضر المشروط بشقيه المادي والمعنوي
أي الدولة المدنية المنظبط بقيم النهوض الانساني والسلوك الرباني.
هذه الدولة وفق هذا التصور ستحفظ لها بيضتها وتلملم شعثها وسيعيش العالم والشعوب في ظلها سعادة
غامرة متميزه لم يشهدها من قبل قط فكم يخسر العالم في ظل غياب دولة العدل والحق والمبادئ.
ومن هنا لا مجال أبدا لمفاهيم التحضر المنقوص أن يسود على أمة تفيض فيها القيم والمبادئ كفيضان الأنهار وتكتسي شرائعها بالمعتقد والأخلاق في كل مناحي حياتها.
إنها أمة ولادة منتجة فمعينها لا ينضب وأصالتها مهيمنة عليها عبر العصور حتى في حالة الضعف الشديد والانحطاط استمرة التنوير في المجتمعات واستمرت تنجب الأفذاذ والمبدعين عبر الدهور اذا كان ذلك كذلك.
فكيف يكون إذن مع الحكم الرشيد
والجد والتجديد؟؟. والله المستعان.